بلغ التوتر السياسي في جنوب آسيا ذروته، إذ تقف الهند وباكستان، الجارتان النوويتان، على حافة صراع كارثي جديد. وقد فجّر التصعيد الأخير أزمة كبيرة، بعد أن أودت ضربة صاروخية هندية بحياة 24 شخصا داخل الأراضي الباكستانية، وردّت إسلام آباد بإسقاط خمس مقاتلات هندية، ما أثار صدمة واسعة في الأوساط الدبلوماسية العالمية. وفي حين تسيطر الاشتباكات والغارات الجوية على المشهد الإعلامي، فإن ما يستحق مزيدا من التمحيص هو الحسابات السياسية، التي يغذيها مزيج من الإرث التاريخي، والضغوط الداخلية، والتنافسات الجيوسياسية.
وقد انطلقت شرارة الأزمة من هجوم باهالجام في 22 أبريل/نيسان، وهو حادث لا تزال تفاصيله غامضة وتحيط به روايات متضاربة، لكنه سرعان ما فجّر واحدة من أخطر حالات التوتر بين الهند وباكستان في التاريخ المعاصر. ومع تصاعد التوتر، ازدادت مواقف القيادات السياسية في إسلام آباد ونيودلهي تصلبا، الأمر الذي مهّد الطريق نحو مسار تصعيدي خطير، يحذر مراقبون من أنه قد يتحول إلى دوامة عنف يصعب كبحها، ويقود إلى مواجهة شاملة.
وقدّمت باكستان طلبا رسميا إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة المتحدة لإجراء تحقيق مشترك في هجوم باهالجام، في خطوة تعكس رغبتها في تدويل القضية وتفادي تحميل جهة واحدة المسؤولية. وفي المقابل، رفضت الحكومة الهندية هذه الدعوات حتى الآن، مؤكدة أن أجهزتها الاستخباراتية تملك أدلة "دامغة" تربط الهجوم الواقع في كشمير بجهات مدعومة من باكستان. وقد أسهم هذا الانسداد في المسار الدبلوماسي في تعميق فجوة انعدام الثقة بين الجانبين.
وفي ظل هذا المأزق المتصاعد، سارعت باكستان إلى اتخاذ خطوات سياسية حازمة. فقد ترأس رئيس الوزراء شهباز شريف سلسلة اجتماعات للجنة الأمن القومي في إسلام آباد، جمعت كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين لتقييم تداعيات الضربة الصاروخية الهندية. وفي أعقاب الهجوم الذي أودى بحياة عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، استدعت وزارة الخارجية الباكستانية، يوم الأربعاء، القائم بالأعمال الهندي وقدّمت احتجاجا رسميا.وفي مذكرة شديدة اللهجة، أدانت إسلام آباد العملية ووصفتها بأنها "عدوان سافر" و"انتهاك صارخ لسيادة باكستان"، مشددة على أن مثل هذه الضربات لا تخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة فحسب، بل تقوّض أيضا الأعراف الهشة التي شكّلت إطار العلاقات بين البلدين لعقود. وكانت الرسالة واضحة: لن تسمح إسلام آباد بأن تمر أفعال نيودلهي دون رد.
على الجانب الآخر من الحدود، توحدت القيادة السياسية في الهند إلى حد كبير خلف رئيس الوزراء ناريندرا مودي. فوسط ضغوط التيارات القومية والمناخ الإعلامي المتوتر، تبدو حكومة مودي مصممة على التشبث بسياسة الحزم والتصعيد. ويرى محللون أن القيادة الهندية قد تستغل هذه الأزمة لتعزيز التأييد الشعبي قبيل استحقاقات انتخابية محلية مهمة، في نهج بات مألوفا ضمن تكتيكات الحملات الانتخابية في شبه القارة.