عندما تتواجه قوتان مسلحتان نوويا كما هو الحال بين الهند وباكستان في النزاع المستمر على إقليم كشمير، فإن العالم بأسره يجد نفسه في حالة تأهب حذر، خشية أن يتصاعد التوتر إلى مواجهة نووية كارثية.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، بات القلق من احتمالات التصعيد النووي يشكل هاجسا متزايدا لدى قادة العالم، لا سيما في ظل المواجهة المستمرة بين روسيا، التي تملك أكبر ترسانة نووية في العالم، ودول حلف شمال الأطلسي.
وبصورة مماثلة، فإن التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، فاقمت المخاوف من إمكانية انزلاق المنطقة إلى صراع نووي. فرغم نفي طهران سعيها إلى تطوير أسلحة نووية، فإن التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أفاد بأن إيران باتت تمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع ما لا يقل عن ستة رؤوس نووية، بينما يُعتقد أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية ضخمة بالفعل.
وفي هذا السياق العالمي المتوتر، يبرز النزاع القائم بين الهند وباكستان بوصفه أحدث مثال على مواجهة خطيرة بين دولتين نوويتين. ذلك أن اندلاع أعمال عدائية بين الجارتين المتنافستين يثير مجددا احتمال نشوب نزاع نووي واسع، ما لم تُبذل جهود دبلوماسية مكثفة وعاجلة لتخفيف التوتر بينهما.
ورغم أن كلا البلدين لا يفصحان رسميا عن حجم ترسانتيهما النوويتين، تشير التقديرات إلى أن الهند تمتلك نحو 172 رأسا نوويا، في حين يُعتقد أن باكستان تملك ما يقارب 170 رأسا. هذه الأرقام، وإن بدت متقاربة، فإنها تظل كفيلة بإحداث دمار لا تُحمد عقباه في حال نشوب صراع شامل.
علاوة على ذلك، لا تظهر أي بوادر على استعداد أي من الطرفين لتقليص ترسانته النووية. بل على العكس، عبّر كلاهما عن نيته توسيع قدراته العسكرية النووية؛ إذ تطور الهند وسائلها لإطلاق الرؤوس النووية من البر والجو والبحر، في حين تركز باكستان على تطوير صواريخ تكتيكية صغيرة الحجم لتعزيز قدراتها على الردع في ساحة المعركة.
وفي ظل هذا التصعيد، لم يكن من المفاجئ أن يثير تجدد القتال بين هاتين القوتين النوويتين المتنافرتين قلقا دوليا متزايدا، مع تنامي المخاوف من أن تؤدي الاشتباكات، في غياب تدخل دبلوماسي حاسم، إلى كارثة نووية.
هذا القلق عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أعرب عن انزعاجه من الهجمات التي نفذتها القوات الهندية على الأراضي الباكستانية وكشمير الخاضعة لإدارة إسلام آباد، داعيا البلدين إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس العسكري.
وجاءت تصريحات غوتيريش في أعقاب الهجوم الذي شهدته كشمير الخاضعة لسيطرة الهند في 22 أبريل/نيسان، والذي أودى بحياة 26 شخصا على يد مسلحين إسلاميين. وقد وصف غوتيريش الحادث بأنه "عمل إرهابي مروّع"، محذرا من أن مستوى التوتر بين الجانبين بلغ "أعلى مستوياته منذ سنوات".
وفي ضوء الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الهندية على أهداف داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة باكستان، حثّ الأمين العام على ضبط النفس على طول خط المراقبة الذي يفصل بين الجانبين في إقليم كشمير المتنازع عليه.
وقال المتحدث باسمه: "إن الأمين العام يشعر بقلق بالغ إزاء العمليات العسكرية الهندية عبر خط المراقبة والحدود الدولية، ويدعو الطرفين إلى ضبط النفس الكامل". وأضاف: "العالم لا يستطيع تحمّل اندلاع مواجهة عسكرية بين الهند وباكستان".
وكان غوتيريش قد أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ووزير الخارجية الهندي سوبرامنيام جايشانكار في أعقاب الهجوم، وأبدى استعداده لدعم جهود نزع فتيل التوتر. ومع ذلك، لم تسفر التحركات الدولية حتى الآن عن خفض حقيقي في التصعيد، إذ نفذت الهند سلسلة من الغارات الجوية على ما وصفتها بـ"قواعد المسلحين" داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة باكستان.
لم يكن من المفاجئ أن يثير تجدد القتال بين هاتين القوتين النوويتين المتنافرتين قلقا دوليا متزايدا، مع تنامي المخاوف من أن تؤدي الاشتباكات، في غياب تدخل دبلوماسي حاسم، إلى كارثة نووية
وقد جاءت تلك الضربات عقب تصريحات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي توعد فيها بـ"معاقبة الإرهابيين ومن يدعمهم" ردا على الهجوم في كشمير. وأعلنت الحكومة الهندية أن العملية الجوية، التي حملت اسم "عملية السندور"، استهدفت تسعة مواقع صنفتها كـ"بُنى تحتية إرهابية" في كل من باكستان وكشمير الخاضعة لإدارة إسلام آباد.
وقد نددت باكستان بالهجمات الجوية الهندية، ووصفتها بأنها "عمل حربي"، مؤكدة أن الضربات أسفرت عن مقتل 26 شخصا وإصابة 46 آخرين، بينهم ستة لقوا حتفهم داخل مسجدين، إضافة إلى مراهقين قُتلا في موقعين مختلفين، وفق ما أفاد به مسؤولون باكستانيون.
وفي المقابل، أكدت الهند أن ضرباتها استهدفت "معسكرات إرهابية" فحسب، دون أن تطال أي منشآت مدنية أو عسكرية. وشددت على أنها مارست "درجة عالية من ضبط النفس" في تحديد أهداف العملية. وقالت وزارة الدفاع الهندية في بيان لها: "إن تحركاتنا كانت مركزة، محسوبة، وغير تصعيدية بطبيعتها".
وأدى القصف إلى اندلاع حرائق في عدد من المباني، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق.
من جهتها، زعمت باكستان أنها أسقطت خمس طائرات تابعة للقوات الجوية الهندية، بينها طائرة مسيّرة، وقالت إن الخسائر تشمل ثلاث مقاتلات فرنسية من طراز "رافال". غير أن السلطات الهندية لم تؤكد حتى الآن صحة هذه الادعاءات.
ومع تعهدت باكستان بالرد عسكريا على الهجمات، تزداد المخاوف من انزلاق البلدين إلى نزاع مفتوح جديد، بعد أن خاضا ثلاث حروب سابقة بسبب كشمير. ويُخشى أن يتحول هذا التصعيد إلى مواجهة نووية.