منع احتلال غزة مرتبط بنجاح المعارضة الإسرائيلية

منع احتلال غزة مرتبط بنجاح المعارضة الإسرائيلية

استمع إلى المقال دقيقة

ليس الاستنكار الدولي الذي أثارته خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحتلال غزة هو وحده ما سيُشكّل مصدرا للقلق على حكومته، بل إن المعارضة المتصاعدة التي تلقاها خطّته للسيطرة على مدينة غزة من جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي هي الأمر الذي سلّط الضوء على الهُوّة الآخذة في الاتساع بين إصرار نتنياهو على مواصلة الهجوم العسكري في غزة، ورغبة كثير من الإسرائيليين في إنهاء الأعمال العدائية وتحرير الرهائن المتبقين.

عقب إعلانه عن خطته الجديدة لغزة بعد اجتماع "مجلس الوزراء الأمني"، صرّح نتنياهو بأن هدف خطته المكونة من خمس نقاط هو "هزيمة حماس" و"إنهاء الحرب"، وقد حظيت الخطة بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الوزراء.

تسبب تصريح نتنياهو الداعي لهيمنة إسرائيل على غزة بكاملها (مدينة وقطاعا) في استنكار دولي فوري، إذ حذّرت الأمم المتحدة من "تبعات مروعة" للسيطرة العسكرية المطلقة على الفلسطينيين والرهائن. وقد اعتبر السفير البريطاني في إسرائيل أن ذلك "خطأ فادح".

شهدت إسرائيل نفسها إحدى أبرز المظاهرات ضد خطة نتنياهو لغزة، إذ تظاهر قرابة مئة ألف شخص في شوارع تل أبيب معارضين لخطته بتصعيد الحرب.

وطالب المتظاهرون بإنهاء فوري للحملة العسكرية وتحرير الرهائن المتبقين. وفي خطاب مُؤثّر أمام الجموع، قالت ليشاي ميران لافي (زوجة الرهينة عمري ميران): "هذا القرار ليس عسكريا فحسب، بل قد يكون نذير موت لأعزّ الناس إلينا". ودعت في ختام كلمتها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى "التدخل العاجل لوقف الحرب الآن".

تُظهر استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية الحالية تأييد أغلبية واضحة لإنهاء الحرب فورا ضمانا لإطلاق سراح الرهائن الخمسين المتبقين المحتجزين لدى المسلحين في غزة. فيما يُقدّر المسؤولون الإسرائيليون أن نحو 20 رهينة لا يزالون أحياء.

تصدّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صفوف منتقدي سياسة نتنياهو في غزة، بعد إدانته خطط توسيع الهجوم الإسرائيلي ووصفها بـ"الكارثة" و"المقدمة لحرب لا تنتهي"

دفع تصاعد المعارضة لاستمرار الحرب تحت قيادة نتنياهو مئات الكوادر الأمنية الإسرائيلية المتقاعدة– بينهم رؤساء سابقون لأجهزة استخبارات البلاد– إلى توجيه رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترمب يطالبونه فيها بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب.
ووجّه نحو ستمئة مسؤول إسرائيلي رسالة جاء فيها: "نُقر مهنيا أن (حماس) لم تعد تُشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل". وأردفوا: "يؤهلك نفوذك المُعتبر لدى معظم الإسرائيليين لحمل الحكومة على تبني الخيار الصحيح– وقف القتال، تحرير المختطفين، ووضع حدّ للألم".
دوليا، تصدّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صفوف منتقدي سياسة نتنياهو في غزة، بعد إدانته خطط توسيع الهجوم الإسرائيلي ووصفها بـ"الكارثة" و"المقدمة لحرب لا تنتهي". وردا على إعلان نتنياهو، حذّر الرئيس ماكرون من أنّ "توسيع إسرائيل عملياتها في غزة ومخيمات المواصي وإعادة الاحتلال يُنذر بكارثة غير مسبوقة وحرب لا نهاية لها".
وأردف ماكرون، الذي تعهد الشهر الماضي بالاعتراف بدولة فلسطين، قوله إن "الرهائن الإسرائيليين وشعب غزة سيكونون الضحايا الأساسيين لهذه الاستراتيجية".
امتدّت تداعيات الخطة إلى الشوارع العالمية، ففي لندن وحدها اعتقلت الشرطة 532 متظاهرا في مسيرات نظمتها منظمة "بالستاين أكشن" (Palestine Action) المُدرجة على قوائم الحظر البريطانية لصلتها المزعومة بأعمال شغب، فاتهم مؤيدو المجموعة الحكومة البريطانية بتقييد حرية التعبير خارج الإطار القانوني عبر الحظر، على الرغم من نفي وزيرة الداخلية إيفيت كوبر، المشرفة على إنفاذ القانون في بريطانيا، هذه التهمة، مؤكدة أن الحظر جاء "بعد هجمات عنيفة للمجموعة تسببت في إصابات بالغة وأضرار جسيمة".
وأذكت ضربة إسرائيلية أودت بحياة خمسة صحافيين تابعين لقناة "الجزيرة" في غزة، نيران المشاعر المتصاعدة ضد إسرائيل بدلا من أن تهدئها. واحتشد المتظاهرون في بالفاست عاصمة أيرلندا الشمالية، ودبلن عاصمة جمهورية أيرلندا، فيما شهدت برلين الألمانية وهولندا وقفات احتجاجية. وكانت مظاهرات مماثلة قد اندلعت سابقا في واشنطن العاصمة ولندن وأوسلو واستكهولم.
أعقب فشل محادثات الدوحة لوقف إطلاق النار لمدة شهرين، قرار نتنياهو باحتلال غزة. وبينما أشارت تقارير إلى موافقة إسرائيل على المبادئ العامة للهدنة، رفضت "حماس" الصفقة الأميركية مُعلنة تمسكها ببقائها في القطاع.

والحال أن نتنياهو لم يكف، منذ انطلاق الصراع إثر هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023– الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وأسر مئتين وخمسين رهينة– عن تكرار أن إسرائيل لن تتوقف عن هجومها إلا بالقضاء التام على "حماس" ككيان عسكري وسياسي في غزة.
ودفع رفض "حماس" الهدنة نتنياهو إلى تعديل استراتيجيته العسكرية في غزة، معتقدا أن السيطرة الكاملة عليها ضرورية لمحو "حماس". ويتوقع نتنياهو إنجاز هجومه الجديد على غزة "بسرعة معقولة"، مبررا السيطرة على المدينة بأنها الخيار الوحيد لإسرائيل لـ"إنهاء المهمة": هزيمة "حماس" وتحرير الرهائن.
وسيعتمد نجاحه في تنفيذ هذه المهمة بشكل أساسي على مدى شدة المعارضة التي ستواجهها خططه من خصومه البارزين، داخل إسرائيل وخارجها.

font change