إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن نيته لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل يُعد أوضح مؤشر حتى الآن على عزمه إنهاء الصراع في أوكرانيا بشكل نهائي.
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، وضع ترمب إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف في أوكرانيا على رأس أولوياته في السياسة الخارجية. ورغم إجرائه عدة مكالمات هاتفية مع بوتين بهذا الشأن، لم تُسفر هذه الجهود عن تقدم يُذكر، إذ كانت تنتهي غالبا بإطلاق وابل جديد من الصواريخ على كييف، حتى عندما أبدى بوتين اهتماماً جدياً بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
هذا السلوك المتكرر دفع ترمب إلى الشعور بالإحباط من تكتيكات بوتين، التي يعتقد أنها تهدف فقط إلى كسب الوقت لمواصلة الهجوم العسكري الروسي. وردا على ذلك، قرر منح مهلة نهائية للتوصل إلى اتفاق، أو مواجهة احتمال فرض رسوم جمركية عقابية من قبل الولايات المتحدة على الدول التي تواصل شراء الطاقة من روسيا رغم العقوبات القائمة.
ترمب عزز هذا التوجه برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الهند إلى 50 في المئة، بسبب استمرارها في التجارة الطاقوية مع روسيا، التي تُعد مصدرا حيويا لتمويل الكرملين. بالتوازي، جاءت زيارة المبعوث الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو لتُعزز الضغط الأميركي، إذ وصف أحد كبار مساعدي الكرملين المحادثات بأنها "مفيدة وبناءة". وقال يوري أوشاكوف للصحافيين إن موسكو نقلت إشارات إلى الجانب الأميركي بشأن أوكرانيا، وتلقت في المقابل مؤشرات من ترمب.
ويبدو أن زيارة ويتكوف مهّدت لانفراجة دبلوماسية طالما تطلع إليها كثيرون في الغرب. ترمب لمح إلى إمكانية عقد لقاء قريب مع بوتين، وأشار أمام الصحافيين إلى وجود فرصة جيدة لعقد اللقاء، مع نيته لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد ذلك مباشرة.
وأكدت المتحدثة باسم ترمب، كارولين ليفيت، أن الرئيس أشار عبر منصة "تروث سوشيال" (Truth Social) إلى إحراز تقدم كبير خلال اجتماع ويتكوف مع بوتين، مضيفة أن الروس عبّروا عن رغبتهم في اللقاء، وأن ترمب منفتح على الاجتماع مع كل من بوتين وزيلينسكي، لإنهاء الحرب.
إذا تحقق اللقاء، فسيكون أول اجتماع مباشر بين رئيس أميركي في منصبه ونظيره الروسي منذ قمة بايدن–بوتين في جنيف خلال يونيو/حزيران 2021، أي قبل ثمانية أشهر من الهجوم الروسي واسع النطاق على أوكرانيا. أما لقاء بوتين وزيلينسكي فلم يحدث منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، ولا يُخفي أحدهما ازدراءه للآخر.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترمب أبلغ عددا من الحلفاء الأوروبيين بتقدم المفاوضات، ويأمل بعد لقائه مع بوتين أن يرتب اجتماعا ثلاثيا يضم زيلينسكي، دون مشاركة أي من حلفاء واشنطن الأوروبيين.
وكتب ترمب على منصة "تروث سوشيال": "مبعوثي الخاص، ستيف ويتكوف، عقد للتو اجتماعا مثمرا للغاية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أُحرز تقدم كبير! وبعد ذلك، أطلعت بعض حلفائنا الأوروبيين".
منذ استئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في مايو، نفذت موسكو أعنف هجماتها الجوية منذ بداية الحرب
الهدف الأساسي لترمب هو تنفيذ وقف لإطلاق النار مدته ثلاثون يوما، دون شروط، على أن يُمهّد ذلك الطريق لمحادثات ترمي إلى التوصل لاتفاق سلام دائم.
في الوقت نفسه، بدا أن موقف ترمب من روسيا أصبح أكثر حدة، إذ أعلن أن موسكو تُشكل "تهديدا استثنائيا" للأمن القومي الأميركي. وقال: "لقد تلقيت معلومات إضافية من عدة مسؤولين رفيعي المستوى حول- من بين أمور أخرى- تصرفات حكومة الاتحاد الروسي فيما يتعلق بالأوضاع في أوكرانيا". وأضاف: "وبعد دراسة هذه المعلومات الإضافية، وغيرها، أجد أن تصرفات وسياسات حكومة الاتحاد الروسي لا تزال تُشكّل تهديدا غير عادي واستثنائيا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة".
ورغم أنه لم يكشف عن تفاصيل تلك المعلومات، فإن تصريحاته تمثل تحوّلا واضحا في نبرته تجاه بوتين، الذي سبق أن امتدحه في محاولة لإقناعه بالدخول في مفاوضات.
تعتزم إدارة ترمب الاستمرار في الضغط على الدول التي لا تزال تتعامل تجاريا مع روسيا، وعلى رأسها الصين. وقال مسؤول رفيع إن العقوبات الثانوية ما زالت مطروحة للنقاش ضد الدول التي تواصل تجارتها مع موسكو.
من جانبه، عبّر زيلينسكي عن تفاؤله إزاء التحركات الجارية، مشيرا إلى أن الضغط المتزايد بدأ يؤتي ثماره، وقال: "يبدو أن روسيا الآن أكثر ميلا إلى وقف إطلاق النار".
أحد الخيارات المطروحة للنقاش يقضي بأن توافق كل من موسكو وكييف على وقف الغارات الجوية، وهو اقتراح تقدّم به الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو خلال لقائه مع بوتين. ورغم أن هذا الطرح لا يُحقق مطلب وقف فوري وكامل لإطلاق النار كما تطالب به أوكرانيا والولايات المتحدة منذ شهور، فإنه قد يوفر بعض التهدئة لكلا الطرفين.
منذ استئناف المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في مايو/أيار، نفذت موسكو أعنف هجماتها الجوية منذ بداية الحرب، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 72 شخصا في العاصمة كييف وحدها. وكان ترمب قد وصف هذه الهجمات الأسبوع الماضي بأنها "مقززة". في المقابل، واصلت أوكرانيا استهداف مصافي النفط ومستودعات الوقود الروسية، التي تعرضت لضربات متكررة.
ومهما كانت نتيجة المحادثات المرتقبة بين ترمب وبوتين، فإن أي اتفاق يُمهّد الطريق لإنهاء نزيف الدم في أوكرانيا سيُقابل بترحيب عالمي واسع.