من مدرجات الجامعة إلى المنفى الاختياري

من مدرجات الجامعة إلى المنفى الاختياري

[escenic_image id="55128042"]

«لا أريد مطلقا أن أعطي انطباعا بأنني ضد الإسلام.. أو بعيدا عنه. لا أريد أن أعطي انطباعا بأنني سلمان رشدي الجديد. لست أنا.. فأنا مسلم. ولدت مسلما، وتربيت مسلما، وأعيش مسلما. وبإذن الله، سأموت مسلما».

نصر حامد أبو زيد، «صوت من المنفى» (برايغر - 2004)

يعتبر نصر حامد أبو زيد، الذي توفي في عمر الـ67 عاما، في يوليو (تموز) عام 2010 في القاهرة، شخصية مثيرة للجدل، حيث أثار الشقاق بين الرأي السياسي والديني في مصر. لقد ظهر أبو زيد الذي كان محاضرا في جامعة القاهرة تحت الأضواء عام 1993 في أعقاب قرار مثير للجدل بحرمانه من الترقية. وقد أدى القرار، الذي حركته منافسة شخصية وفكرية قادها خطيب مسجد عمرو بن العاص البارز عبد الصبور شاهين، بعد ذلك، إلى إعلان الأخير تكفير أبو زيد أثناء خطبة صلاة الجمعة. وفي أعقاب صحوة إسلامية متنامية في مصر، التي شهدت مقتل المفكر العلماني فرج فودة عام 1992 ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ الروائي الحائز جائزة نوبل، أصدر أيمن الظواهري فتوى بقتل أبو زيد.

وفي ظل هذا التهديد، أصبح أبو زيد، وزوجته وزميلته الدكتورة ابتهال يونس، محاطين بحراسة الشرطة على مدار 24 ساعة في منزلهما في مدينة السادس من أكتوبر على أطراف القاهرة. وبمجرد أن أعلنت ردة أبو زيد من فوق منابر القاهرة، تم رفع دعوى تفريق بين أبو زيد وزوجته في محاكم الجيزة. وكانت حيثيات هذه القضية، التي رفعها رعاة شاهين، تقضي بأن المرأة المسلمة لا يجب أن تتزوج من رجل غير مسلم. ولكن كشفت الحقيقة عن توترات قوية بين الحرية الفكرية وهيمنة المؤسسات السياسية والدينية. وعلى الرغم من أن الحكم الأولي الصادر في يناير (كانون الثاني) 1994 رفض قضية التفريق، فإن محكمة الاستئناف عام 1995 أدانت أبو زيد بالردة، وبالتالي فسخت عقد الزواج بينه وبين زوجته. ويقول القاضي الإسلامي البارز سعيد الشناوي: «للأسف نحن نعود إلى عصر محاكم التفتيش». وفي عام 1995، غادر الزوجان مصر، إلى مدريد، وبعد ذلك إلى هولندا، حيث عُرض على أبو زيد رئاسة قسم الدراسات الإسلامية في جامعة ليدن.

اتهامات بالردة

لقد تسببت الأحداث المحيطة بالجدل المتعلق بالردة والطلاق المترتب عليها في انقسام في الرأي العام المصري بصورة كبيرة. كان خطباء المساجد، ووسائل الإعلام، والعامة في الشوارع يعبرون عن آرائهم، ولكن في الحقيقة نادرا ما كانت تتم مناقشة تفاصيل آراء أبو زيد المعقدة. ما الذي كتبه أبو زيد وكان بغيضا أو مهينا للمقدسات لدرجة أن تصبح حياته مهددة؟

ينتقد كتاب «نقد الخطاب الديني»، الصادر عام 1992، العلاقة بين الخطاب الإسلامي السياسي في مصر والفضيحة الاجتماعية الاقتصادية التي تسببت فيها شركات توظيف الأموال. وعلى المستوى الشخصي، كان للدكتور شاهين - الذي كان أحد أعضاء لجنة ترقية أبو زيد والذي أعلن ردته بعد ذلك - مصالح قوية في المصارف الإسلامية، التي انتقدها أبو زيد بشدة.

في الواقع، كان شاهين أهم المستشارين الدينيين لشركة «الريان» للاستثمار الإسلامي، التي صدرت ضدها اتهامات بعد ذلك باختلاس مدخرات ملايين المستثمرين. وفي تقرير أكاديمي قدمه إلى الجامعة، ادعى شاهين أن كتابات أبو زيد تظهر «غياب الضمير الديني» وممارسة «إرهاب فكري». بالإضافة إلى ذلك، تم تشبيه أعمال أبو زيد بـ«الإيدز الثقافي» وتم وصفه شخصيا بالماركسي العلماني الذي يحاول تدمير المجتمع المصري المسلم.

وعلى المستوى الفكري، كان محور كتابات أبو زيد يتعلق بفكرة أن العناصر الاجتماعية السياسية والثقافية يجب دائما أن تؤثر على أية عملية للتفسير. على سبيل المثال، أكد أبو زيد على أنه بعيدا عن التقليد الشفهي في القرآن، هناك نسخ عديدة من المصاحف، التي كانت منتشرة في عصر الرسول، والتي - على الرغم من كونها مكتوبة بحروف عربية - لم يكن بها علامات ضبط. وكان ذلك بلا أهمية في السنوات الأولى، لا سيما أن النص المكتوب كان الهدف منه مساعدة ذاكرة القارئ. ولكن في القرن الثالث، في ظل حكم الخليفة عثمان بن عفان، لوحظ وجود بعض التضارب بين الروايات. وأدى ذلك إلى اتهامات بأن النص المقدس تم تحريفه. وتحرك عثمان سريعا بتوحيد المصحف وحرق جميع النسخ الأخرى.

وعلى الرغم من أن هذا معروف ويدركه أبرز المفكرين السياسيين جيدا، فإن أبو زيد قال إن هذه الواقعة، وغيرها، كشفت عن كيفية استيلاء السلطات المهيمنة على النص القرآني، بل والحديث النبوي، للتأكيد على سلطتهم الاجتماعية والسياسية وتفسيرهم «الصحيح» أو طريق «الصواب». وقال إنه حتى داخل المذاهب التقليدية، كانت هناك دائما سياسة تفسير النص.

وأكد أبو زيد أن إصرار الإسلام المتشدد على تطبيق نص القرآن، الذي نزل به الوحي في القرن السابع، بصفته خالدا وموحدا عبر الزمان والمكان، أمر معضل. وانتهى أبو زيد، مشيرا إلى هؤلاء الذين تحدوا العلماء التقليديين ومنهم المعتزلة في عصر الدولة العباسية (750 - 935)، إلى أنه من أجل استيعاب القرآن يحتاج المرء إلى فهم النص استعاريا لا حرفيا.

لا يوجد في الإٍسلام تقليد باستخدام النقد النصي، وهو ما اتبعه من قبل دارسو اللغة العبرية والكتاب المقدس. وادعى أبو زيد أنه من الضروري تفسير النص مع الوضع في الاعتبار السياق الثقافي الذي نزل فيه. ولدى تطبيق هذه النظرية، أكد أبو زيد أن حراس وحماة النص، سواء كان القرآن أو حتى القانون المعاصر، شكّلوا ثقافة الخضوع واستعباد «الناس» بواسطة النخبة الحاكمة. ويتعرض المعارضون أو المشككون لتهمة الإساءة إلى المقدسات. وقد كشف الجدل المثار حول أبو زيد عما سماه «ركود المناخ الفكري في دراسة الأديان». وبدلا من تبادل الأفكار ومناقشتها، قال أبو زيد إن عقلية الحصار قد تشكلت على الساحة الفكرية العامة في مصر.

 

*د. فيفيان إبراهيم - باحثة في الهويات الأوروبية الإسلامية. وهي أيضا مؤلفة كتاب «أقباط مصر: تحديات المعاصرة والهوية» (آي بي توريس) 2010.

font change