تدفق التحويلات النقدية من الخليج لجنوب شرق آسيا

تدفق التحويلات النقدية من الخليج لجنوب شرق آسيا

[escenic_image id="55195514"]

لا يخفى على أحد أن عددا من الدول تحولت تدريجيا إلى الاستفادة من التحويلات النقدية كواحدة من صور تمويل التنمية. وتشكل الحوالات التي يرسلها المهاجرون مكونا مهما في تمويل التنمية، أحيانا ما يتجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدة الرسمية على التنمية، حيث وصل حجمها من 167 مليار دولار في عام 2005 إلى 36 مليار دولار عام 2008، بخلاف الأموال النقدية والمواد الغذائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر التي يجلبها المهاجرون معهم لدى عودتهم.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال دورهم في تحويل الأموال إلى عائلاتهم، أصبح هذا المصدر أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الاقتصادية السلبية أكثر من أي مصدر آخر. وتساعد تلك التحويلات الأسر في الدول الفقيرة على تحمل نفقات ضرورية للغاية من أجل الغذاء والدواء والتعليم - وهو المزيج الذي يحدد الفارق بين الفقر المدقع والحياة الكريمة.

ولا يجب أن تكون مفاجأة أن دول مجلس التعاون الخليجي أيضا أصبحت تؤدي دورا مهما بالتدريج في الحرب العالمية ضد الفقر. وقد ازدادت أعداد العمالة المهاجرة في المنطقة بدرجة كبيرة في العقد الماضي. بعد أن كان عددهم 8.5 مليون شخص عام 1995، يوجد نحو 15 مليون مهاجر، من 39 مليون مقيم في الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، السعودية والكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين.

وصل عدد المهاجرين في كل من الإمارات والكويت إلى نسبة كبيرة من تعدادهما السكاني تقدر بـ70 في المائة أو أكبر. ونظرا لأن معظم هؤلاء المهاجرين يأتون إلى المنطقة من أجل العمل، ترتفع هذه النسبة عندما تتم مقارنة أعداد المهاجرين بالقوى العاملة في تلك الدول. على سبيل المثال، يأتي 77 في المائة من العمال في البحرين والبالغ عددهم 594.000 عامل، من دول أخرى. ودون شك، تعد شبه الجزيرة العربية من أهم وجهات الهجرة في العالم.

وتتزامن هذه التطورات مع صعود ثقافة الهجرة في جنوب شرقي آسيا. في الفترة ذاتها من عام 1995 إلى 2010، زاد حجم التحويلات النقدية بدرجة كبيرة إلى دول في شرق آسيا. على سبيل المثال ارتفع حجم التحويلات إلى بنغلاديش إلى 10.5 مليار دولار عام 2009، بما يعادل 12 في المائة من إجمالي الدخل القومي. وتصل هذه النسبة إلى 20 في المائة في نيبال. وتشهد سريلانكا والفلبين ارتفاعات مماثلة، جميعها بفضل زيادة الطلب على العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن صاحبة الدور الأكبر هي الهند، حيث تصل تحويلات نقدية بقيمة 50 مليار دولار في العام. وفي البحرين، يقدر عدد الهنود بـ300.000 شخص، وفي السعودية 1.5 مليون شخص.

وقبل وقوع الأزمة المالية، اشترك كثير من الدول حول العالم، أبرزها ذات مستويات الدخل المرتفعة، في جهود توازن سياسية بين تلبية احتياجاتها من الموارد البشرية وفي الوقت ذاته مكافحة الخوف من الأجانب في بلادهم. وفي الواقع، تحول كثيرون إلى برامج «هجرة مؤقتة» و«المساعدة على العودة».

وقد حولت الأزمة المالية من هذا الاتجاه، على الأقل بصفة مؤقتة. في حين غادر كثير من الناس بلادهم الأصلية للبحث عن عمل في الخارج أثناء الأزمة الاقتصادية، ظل العمال المهاجرون في الدول المضيفة لهم على الرغم من ضعف أسواق العمل. وحاول بعضهم الاستمرار في إرسال الأموال إلى بلادهم بتخفيض نفقات معيشتهم. ومن غير المفاجئ أن أداء الدول الأصلية للمهاجرين لم يكن جيدا بسبب نقص الحوالات النقدية، مما فاقم من التراجع الاقتصادي الذي كان موجودا بالفعل. وقد انخفض حجم الحوالات النقدية بدرجة ملحوظة، على سبيل المثال، في أميركا اللاتينية، ودول الكاريبي، وشمال أفريقيا. وانخفضت التحويلات إلى المكسيك بنسبة 13.4 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2009، وبنسبة 20 في المائة في مصر. وشهد المغرب نسبة مماثلة في الانخفاض.

وعلى الرغم من حقيقة أن إجمالي التحويلات النقدية في العالم استمر في الانخفاض أثناء الأزمة، فإن التحويلات بين دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرقي آٍسيا تميزت بالمرونة. واستمرت التحويلات في النمو، وإن كانت أبطأ من الأعوام السابقة، على الرغم من انخفاض المهاجرين المغادرين. وقد زادت التحويلات إلى باكستان بنسبة 24 في المائة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2009. في حين أن التحويلات إلى بنغلاديش ونيبال ارتفعت بنسبة 16 في المائة و13 في المائة، بالترتيب. وسجلت الفلبين أيضا أرقاما قياسية في أعداد المهاجرين المغادرين وتدفق التحويلات في عام 2009.

وتوضح أرقام البنك الدولي الأخيرة في يوليو (تموز) عام 2010 أن معدل زيادة التحويلات منذ بداية العام وحتى تاريخه ظل مرتفعا في دول جنوب شرقي آسيا أكثر من أميركا اللاتينية. فعلى سبيل المثال، حققت نيبال (19.9 في المائة) وبنغلاديش (7%) والفلبين (6.6%) وباكستان (4.9%) ارتفاعا أكبر من كولومبيا (- 12.8%) والمكسيك (- 4.6%) وهندوراس (1.9%) والسلفادور (2.5%). ونظرا لأن الهجرة محددة بممراتها، دعمت من هذه الاتجاهات حقيقة أن الشرق الأوسط قادر على التغلب على بعض من الآثار السلبية للركود. ويرجع السبب في تدفق التحويلات النقدية في تلك المنطقة إلى حد ما إلى استمرار نمو الأنظمة الاقتصادية في الشرق الأوسط والاعتماد على العمالة من جنوب شرقي آسيا.

ولم يفوت صانعو السياسات في هذه البلاد انتهاز هذه الفرصة؛ حيث أعلنت بنغلاديش في بداية العام الحالي تأسيس بنك رعاية المغتربين لتسهيل عمليات التحويلات النقدية، وتعهدت بتحسين تدريب المهاجرين من أجل العمل في الخارج. وفي نيبال، أعلنت وزارة المالية عن خططها لإصدار سندات تنمية بنية تحتية، تتوفر فقط للمهاجرين العاملين في الخارج، وهو ما سيتم توجيهه نحو الاستثمار المحلي. وفي الهند، تم الإعلان عن الإصلاح من خلال مشروع قانون إدارة الهجرة، الذي يتضمن إقامة صندوق رعاية المجتمع الهندي، والذي يسهل من التعاون المالي للمغتربين في أوقات الشدة. وليس غريبا أنه يمكن الوصول إلى هذا الصندوق في جميع دول الخليج.

ويعد ممر الهجرة من جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط نموذجا مثاليا لظاهرة التنمية الاقتصادية الناشئة في دول جنوب آٍسيا ولا تعد الهجرة بين دول الجنوب أمرا جديدا، ولكنها كانت نادرا ما تعتبر مكانا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وجدير بالذكر أن هذا الممر بالفعل يتسم بوجود بعض من أقل تكاليف إرسال الحوالات في العالم. ويضمن صعود الاقتصادات القوية والمؤثرة في البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا أن هذا الاتجاه سيشكل العمود الفقري لنموذج التنمية المستقبلية.

وسريعا ما يشير النقاد لنقاط الضعف في هذا الرأي. فقد أعلن المدافعون عن حقوق الإنسان منذ أعوام أن الحكم العالمي الراهن للهجرة يتجاهل التكاليف البشرية للهجرة. ولم توقع دولة واحدة من بين الدول ذات الدخل المرتفع معاهدة الأمم المتحدة لحماية حقوق العمالة المهاجرة وعائلاتهم (1990)، وعلى الرغم من أن الوضع يتغير على بعض الجبهات، فإن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي.

وعادة ما تظهر تقارير عن رؤساء عمل يمارسون إساءات. ويزداد الشعور بالاستياء نظرا للإحساس بأنه يتم تفضيل الأجانب على مواطني هذه الدول في شغل الوظائف المحلية. ولا يسمح نظام الكفالة، الذي تعتمد عليه سياسات الهجرة في دول مجلس التعاون الخليجي، بمناقشة مفاهيم المواطنة والاندماج والمشاركة.

ولكن هناك سببا للاعتقاد في وجود تغيير. لقد وقعت البحرين مذكرة تفاهم مع الهند تتمحور حول حماية المهاجرين الهنود. كما أنها غيرت مؤخرا نظام الكفيل لتكون الدولة هي المسؤولة عن المهاجرين بدلا من أصحاب العمل. وفي أبوظبي، تبذل جهود من أجل تحسين الإسكان المتوفر للمهاجرين وتنفيذ زيادات منتظمة في المرتبات.

ويعد هذا التغيير متبادلا، حيث تتحرك العديد من الدول في جنوب شرقي آسيا للتفاوض حول مذكرات تفاهم مع دول مجلس التعاون الخليجي واتخاذ خطوات لضمان استفادة الجانبين من الهجرة. بل وتحدثت كل من الهند والسعودية حول توسعة نطاق مذكرة التفاهم بينهما عندما تنتهي مدتها في وقت لاحق من العام الحالي. وسيتم اتخاذ عدد من هذه القرارات أثناء اجتماعات عملية كولومبو، التي تأجل موعد انعقادها إلى الربيع المقبل في داكا.

وربما تكون البحرين والإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول تقدما في المنطقة، ولكن كانت الدول المجاورة أحيانا ما تحذو حذوها في الماضي. وفي تلك الحالة، ربما يجري إعداد مركز قوي جديد للتنمية بين دول جنوب آسيا.

 

* جاسون غانون - محلل سياسات الهجرة والتنمية في مركز التنمية التابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في باريس. وينتسب أيضا لكلية الاقتصاد في باريس.

 

تعبر الآراء المذكورة في هذا الموضوع عن كاتبها، ولا تعكس بالضرورة آراء المؤسسات التي يعمل بها.

font change