الصافي سعيد: الأمة العربية ميتة وما نعيشه "خديعة كبرى"

الصافي سعيد: الأمة العربية ميتة وما نعيشه "خديعة كبرى"

[caption id="attachment_1265" align="aligncenter" width="593" caption="الصافي سعيد"]الصافي سعيد[/caption]

صاحب "بورقيبة.. سيرة شبه محرمة"، شكك في شرعية من نصبوا أنفسهم " حماة للثورة التونسية" و تحدث لـ "المجلة" عن مخاوفه من عودة السلاطين الأتراك الذين تركوا العرب في التخلف بدعوى حماية الإسلام بتعلة أخرى جديدة و هي " الديمقراطية أو الجمهورية".
الدكتور الصافي سعيد هو كاتب و صحفي و محلل سياسي تونسي و رئيس تحرير مجلتي "عرابيا" و "عرابيا جيوبوليتيكا"، آراؤه تسببت في منع كتبه في البلاد فراح يرمي سهام نقده من هنا و هناك عبر مؤلفاته و مواقفه التي يجاهر بها عبر الفضائيات و عبر كتاباته في اعرق المجلات و الجرائد العربية و العالمية. و تونس تعيش "زمن الثورة" فترة فقد كان لـ "المجلة" معه الحوار التالي:
"المجلة": كيف تقيمون الوضع في تونس بعد ثورة 14 يناير؟
ـ كنت قد قلت في تصريحات سابقة أن الثورة في تونس و في مصر قد عبرت النهر و لكن الآن يبدو أنها لا تزال في قلب النهر و ربما تتقدم نحو الضفة الأخرى التي يمكن حتى أن نسميها بالضفة اليسارية لان الوضوح غائب و القلق كبير و بدأت الوعود تتكاثر و تتكرر و الخوف كل الخوف من ضياع الوديعة أي الثورة التي سلمها الشعب لآخرين جاؤوا من وراء الستار و من وراء الجدار لتصبح الوديعة مهددة و من أن نستيقظ ذات يوم على خديعة كبرى.
"المجلة": ماذا تقصدون بـ"مهددة"؟
ـ الشعب قام بثورة و سلمها لناس آخرين بهدف أن يعبروا به إلى الضفة الأخرى و لكن بدأ الشك يدب و التلاعبات تظهر كتصفية الملفات في الظلام و عودة الحرس القديم و حمايتهم بترسانة من القوانين القديمة، من المفروض أننا نعيش فترة انتقالية إلا أننا لازلنا نحاكم الناس بقوانين بن علي، لماذا؟؟ لننتظر أن تستقر الثورة و تبني شبكتها القانونية و تقيم مؤسساتها و مجالسها الدستورية ثم تبدأ في محاكمة هؤلاء، و اعتقد أن الاستعجال ينم عن سوء نية بخاصة وان رصيد الوديعة قد بدا في التآكل و الخوف من اليوم الذي قد نكتشف أنها قد تبخرت، فمثلا نسمع اليوم أن الحكومة المؤقتة ستعترف بالمجلس الانتقالي الليبي، لماذا تستعجل؟ فهي حكومة مؤقتة و ليس من حقها أن تعترف بدورها بحكومة أخرى مؤقتة، ثانيا الدولة التونسية تعترف بالدول و ليس بالمنظمات او بالتنظيمات و هذا تنظيم مسلح أو متمردون مسلحون أو مجموعة تسعى إلى السلطة؟ لماذا نحفر حفرة عميقة جدا بيننا و بين جيراننا و بين العرب أنفسنا فالتاريخ لن يبرئنا إن أخطانا في الانحياز إلى أي طرف سواء طرف القذافي أو طرف الانتقاليين.
مثال آخر أسوقه و هو أن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أصبحت تمارس ممارسات أخرى خارجة عن مهماتها و ها هي تناقش مسائل مثل التطبيع و الهوية التي تعتبر مسائل دولة و مجلس دستوري، و ان ليس للهواة حق النقاش فيها، و الهيئة العليا نفسها هي عملية انقلابية على ما دعونا إليه مبكرا و هو مجلس حماية الثورة الذي انقلبوا عليه داخليا و شكلوه بطريقة أخرى و سموه بالهيئة العليا للانتخابات التي بعدما أنهت مهمتها و قدمت مسطرتها الانتخابية للحكومة واصلت في ممارسة ماهو خارج عن مهامها و إثارة الشكوك و القلق .. فالأشياء غير الواضحة كثيرة في تونس و الوضع شبيه الآن بالوضع في مصر أيضا.
الزمن البورقيبي
"المجلة ": على ذكر ثورة مصر يرى الكثيرون أوجه شبه كثيرة بين الثورتين في البلدين عدا تسليم الحكم غداة الثورة في مصر للعسكر ليبقى الحكم مدنيا في تونس، فما رأيكم؟
ـ وجه الشبه بين تونس و مصر أن مجتمعاتهما متشابهة و مدنية و في تناغم سواء في الموسيقى أو في الثقافة أو في الجغرافيا و في التاريخ إلا أننا كنا قد تقدمنا على مصر خطوة لتتقدم هي علينا في ما بعد بخطوة فلمصر تجربة اكبر و نخبة مسيسة اكبر و حرية رأي و صحافة أكثر، أما نحن فقد انفتحت "الطنجرة " عندنا فجأة أما في مصر فقد انفتحت تدريجيا و كانت الظروف مهيأة و النخبة واسعة و نحن سلمنا الثورة لناس آخرين من خارج الثورة حتى أن حكومة بن علي قد استمرت في الحكم لتعقبها حكومة أخرى مبرقعة من أبناء بورقيبة و زملاء بن علي أما في مصر فالجيش هو الذي تسلم الحكم إلى جانب تكنوقراط مبارك، إذا الأمور نفسها تقريبا في البلدين و التميز الوحيد الذي يحسب لتونس هو أننا نادينا بدستور جديد أما هم فأرادوا إصلاح الدستور القديم و المضي إلى استفتاء لتبقى المسالة هنا مسالة ثقافة و الثقافة في مصر انجليزية لا تؤمن كثيرا بالدستور المكتوب عكس الثقافة الفرانكفونية السائدة في تونس و التي تفرض أن الدستور يجب أن يكون مكتوبا، فالفرنسيون عموما يحبون كتابة الدساتير و كتابة النصوص كما أن لو الثقة غير موجودة أما بريطانيا فلا يوجد بها دستور إلى الآن بل أعراف و تقاليد سياسية بمثابة الدستور لان التقليد و العرف أقوى من الدستور.
" المجلة ": تحدثتم في أول الحوار عن بقايا بورقيبة فهل تقصدون بذلك "الإرث البورقيبي"؟
ـ أنا كتبت كتابا عن بورقيبة و كان تداوله شبه محرم و أقام عليه بورقيبة الدنيا و لم يقعدها و اعتبرت هذا الكتاب بمثابة تصفية حساب مع بورقيبة و مع الزمن البورقيبي و مع عبادة الشخص أو مع الديكتاتور مهما كان شكله ابا او قديسا او قائدا.. لانه في النهاية يبقى ديكتاتورا. و ما يزعج الان هو ان الشباب الذين قاموا بالثورة لا يعرفون بورقيبة و لم يعاصروه حتى يكون زعيمهم ام ومثالهم، هذا الجيل ذو الايادي المرتعشة التي نبتت عليها زهور القبر و التي تمسك ايضا بالوديعة هي محل شك، اما البورقيبيون ففيهم من له حنين الى زمن مضى و منهم من يشعر باليتم و فيهم ايضا من يرى في بورقيبة المثال و النموذج الناجح لقيادة تونس و هناك من يريد الانتقام من بن علي .. و لو كان بورقيبة حيا لما كان هذا الزحام على قبره، انا اعتقد ان ثقافة بورقيبة تحتضر، اذا ماذا ترك بورقيبة عدا النظام البوليسي الرئاسوي و القمع و رئيس جمهورية بمثابة ملك؟.
" المجلة ": وترك ايضا حكومة انتقالية رئيسها بورقيبي حد النخاع، كيف تقيمون اداء الحكومة؟
ـ هو ليس فقط بورقيبيا حد النخاع فرئيس الجمهورية و رئيس الحكومة هما من الجناح المدني للترسانة البورقيبية، ففي 7 نوفمبر 1987 عندما قفز جناح البوليس الى السلطة حزنوا لأنهم كانوا يرون أنفسهم الأولى ثم أن هؤلاء يمثلون شريحة كاملة كانت محظوظة في عهد بورقيبة الرئيس و ليس الزعيم و الذي و بعد زواجه من وسيلة بن عمار ابنة البورجوازية التونسية و التي ينتمي إليها فؤاد المبزع رئيس الجمهورية المؤقت و الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة و صهر بورقيبة المنذر بن عمار الذين دخلوا إلى الحكومة منذ الستينات و حتى بن علي استوزر الاثنين لان الثالث منذر بن عمار توفي، و جرب بن علي الباجي قائد السبسي في البداية و ربما اختلفا ليبقى فؤاد المبزع مستمرا إذ منذ كنت طفلا وهو وزير، فهل يعقل أن ثورة قام بها الشباب او قام بها مجهولون او قام بها الجيش أو حتى بن علي على نفسه يجني ثمارها المبزع ؟؟ الثورة يجب ان تولي من قاموا بها، ثم ما حاجتنا إلى هؤلاء؟؟ نحن لدينا شباب، أبناء نعرفهم و لا نعرفهم، يعيشون في عالم افتراضي كالفيسبوك و التويتر و اليوتيوب اكثر مما يعيشون في بلدهم، هؤلاء هم الذين قاموا بالثورة و بأسلوبهم و هنا تكمن المفارقة، فباسم هيبة الدولة و باسم التجربة يأتون من دون استحياء و يتسلمون مهمات ليست لهم، لكل شخص نهاية و يجب على رجل السياسة ان يعرف متى يكون خط النهاية و نهاية التاريخ تنطبق على الحقب الزمنية كما تنطبق أيضا على الأفراد، و تلك هي أزمة السلطة في العالم العربي لان الذي يمسك الحكم يحكم أكثر من ثلاثة أجيال.
ثقافة التسول
"المجلة": يحيلنا هذا على كيفية منح المناصب او الاستيلاء عليها، الا ترون ان هناك غموضا في هذه المسالة في تونس ما بعد 14 يناير؟
ـ الغموض يعتري كل شيء، هناك حكومة فيها جنسيات مزدوجة، هيئة عليا للإصلاح السياسي و هيئة انتخابية مستقلة فيها جنسيات مزدوجة، أناس يقيمون في الخارج و يعينون في تونس ليضعوا مسطرة انتخابية و نفس الشيء بالنسبة للوزراء، ولاتزال ثقافة التسول القديمة سائدة إلى الآن على خلفية ان إخواننا العرب او في دول الخليج سيساعدوننا او ان الغرب الذي يصفق لنا سيساعدنا، و هذا غير صحيح لان هذا يسمى بالعناق الخانق وهي سياسة معروفة لدى الغرب، فهم يمدحونك كي يغرقوك و اذا كنا نريد ان نعيش بكرامة و في ديمقراطية و بحرية و بإنتاجية متطورة فيجب أن نعمل و ان نفكر في و ضع منهجية و برمجة جديدة للعمل لأنه هو القيمة الأساسية و ليست القروض. لن يعطى لنا أي شيء، نظمت الدول الكبرى أكثر من ست مؤتمرات حول مرض السيدا و في كل مرة تعد دول العالم الثالث بالمساعدة في صندوق مكافحة هذا المرض الذي يموت بسببه ثلاثون مليون سنويا و لم تفعل ذلك فكيف سيساعدون تونس؟؟ لو كان في تونس نفط لتدخل الغرب كما فعل في ليبيا و لماذا لم يتدخل الغرب في سوريا و مصر و اليمن؟؟ لأنه لا يوجد فيها نفط، الغرب يتدخل عندما يرى ما يخدم مصالحه فقط.
"المجلة": لنعد إلى الشأن الداخلي التونسي، اقترح البعض منذ مدة الإبقاء على الدستور القديم مع تغيير بعض الفصول، فما رأيكم؟
ـ منذ 16 يناير في احد البرامج التلفزيونية كنت أول من طالب بدستور جديد قلت ان الدستور القديم متخلف و مبرقع و قيل لي ان الدستور أمر مقدس يجب ان لا نتجاوزه و اصريت على وجوب صياغة آخر جديد لأننا عندما نفعل ذلك سنؤسس لـ100 سنة اخرى لتونس برؤية جديدة و بثقافة جديدة و بنبوءات سياسية جديدة، و يجب أيضا أن يستفتى الشعب على الدستور الجديد حتى لا يسلق الدستور سلقا ويقدم لنا و يمكن لنا أيضا الاستعانة بخبراء أجانب. لدينا مجموعة من الدساتير يمكن ان نستعين بها لصياغة نصوص تنظم حياتنا لمدة قرن، و لا ننسى أننا كنا من أول الدول العربية التي اعتمدت دستورا و جددناه في 1959 علما و ان الدستور لم يكن أبدا مجموعة قوانين أو مقالا سياسيا كما يرى ذلك العديد من الناس بل مجموعة توافقات ناتجة عن جدل و رؤى و قراءات مستقبلية و الدستور أيضا هو توافقات بين طبقات و ثقافات و جغرافيا سياسية و تاريخ و ثقافة اهلية و ليس عقدا بين طرفين يمنع كذا و يسمح بكذا.

[caption id="attachment_1268" align="alignleft" width="300" caption="الصافي سعيد يتحدث في التلفزيون الليبي وينتقد التمرد الذي جاء بحلف الأطلسي الى شمال افريقيا"]الصافي سعيد يتحدث في التلفزيون الليبي وينتقد التمرد الذي جاء بحلف الأطلسي الى شمال افريقيا[/caption]

عقد جمهوري
"المجلة": يطرح الآن الفصل الأول من الدستور جدلا كبيرا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي، ألا ترون أن البعض بصدد استعماله لتعطيل طرح مسائل أخرى ربما أهم كمسالة الميثاق الجمهوري الضامن للمكاسب المحققة منذ الاستقلال؟
ـ عندما تكثر النقاشات و يسيطر الهواة على الساحة السياسية تكثر الغوغاء و لكن كفكرة جديدة من الجيد أن تكتب مانيفستو تعبر به أنت كمثقف على الحالة الثقافية في البلاد او تكتب مثلا عقدا اجتماعيا تطرحه كرؤية يؤخذ بها في المجلس الدستوري و تناقش و لكن أن تريد أن تفرضه على مجلس تأسيسي سيقرر كل شيء و سيكون هو السلطة العليا التي يمكن حتى أن تعين رئيس الحكومة فهذا امر غير معقول، ماذا تساوي مثل هذه العقود؟ ستمزق في المجلس التأسيسي الذي سيستفتي الشعب على ما سيقرره و يلتزم به لان الالتزام جوهر الديمقراطية، أما صياغة عقد جمهوري الآن و في هذه المرحلة فهذا قفز على المراحل ثم ان السؤال المطروح هو هل أن العقد الجمهوري هو حيوي بالنسبة للتونسيين؟ هناك عدم ثقة بين الناس ويتعلق كل هذا الجدل بانتخابات المجلس التأسيسي و بالرغبة في أغلبية التمثيل داخله وفي وضع مكابح للآخر حتى لا يتفوق و هذا ليس من الديمقراطية في شيء، هل تريد أن تكون جمهوريا اكتب مقالا او قدم رؤيتك كحزب او مجموعة؟ ليس من المعقول ان نرى احزابا دون جرائد و برامج و دون قادة تريد أن تسيطرعلى فضاء تونس لمدة قرن.
"المجلة": على ذكر الرؤى نرى اليوم أحزابا دون برامج تريد ان تسيطر بالقوة على الساحة السياسية ، فهل ترون للإسلاميين ثقلا في تونس؟
ـ أولا أنا أرى أن هناك في تونس عملية تفريخ أحزاب يمكن ان يطلق عليها أحزاب "دجاج الكهرباء"، تم الترخيص لـ84 حزبا و هناك 25 أخرى على ما اعتقد في الانتظار، شخصيا لا يزعجني العدد لو كان لهذه الأحزاب تمثيل حقيقي رغم ان الدول المتخلفة هي وحدها التي تحتوي على عدد كبير من الأحزاب عكس بريطانيا أو فرنسا أو النمسا .. بينما في غينيا او السنغال عشرات الأحزاب، و الكل سيتقدم إلى يوم الحساب أي إلى الانتخابات أي أن هذه الأحزاب ستتقدم إلى الميزان وعندها سنكتشف من يزن طنا و من يزن نصف كيلوغرام. هناك أحزاب ستنتهي تماما لان من سيحصل على نائب واحد هو حزب لا وجود له، واليوم عندما اقو ل أن لحركة النهضة أو أي حزب آأخر ثقل فذلك من باب الاستقراء فقط و أنا أقول أن النهضة تيار و ثقافة أكثر منها حزب ثم إن هناك تجاذبات كبيرة في الشارع التونسي وهناك ثقافة مورثة بالتلقين والحديث و المدرسة ترفض المغالاة و حركة النهضة كتنظيم هي الأفضل لكن كشعبية لا اعتقد أنها ستتجاوز نسبة الـ25 في المائة.
"المجلة": ألا ترون أن هناك أكثر من عشرين حزبا في الأحزاب المرخص لها هي تفرعات عن التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا؟ فهل يمكن اعتبارها ارث بن علي؟
ـ كان التجمع الدستوري الديمقراطي يضم مليوني منخرط و قال محمد الغرياني امين عام هذا الحزب المنحل في حديث له انه قابل الرئيس السابق يوم 12 يناير الذي سأله "أين الحزب"؟ فأجابه الغرياني بان الدم إذا سال في الشوارع يختار المواطنون أهاليهم و لا يختارون الحزب و هذا ما وقع فعلا فعندما تهزل الدولة و يكون هناك قتال و صراع و دم في الشارع يهب الناس إلى جحورهم الأولى و إلى قبائلهم و عائلاتهم للاحتماء بها و نرى ما يحدث في ليبيا و سوريا و لجوء الناس إلى الطوائف و القبائل لحماية النفس لان الدولة في حالة انهيار بمجرد سقوط النظام و ذلك لعدم وجود دولة بالمعايير القومية و العلمية و معايير الحداثة وفي العالم العربي توجد أنظمة و إدارات ولا توجد دول، إذا هذه التفرعات هي وليدة أيتام التجمع الذي كان يضم الكثيرين من مسؤولين سابقين وحاملي فكر بن علي و فكر بورقيبة و مناضلي الحركة الوطنية و منتفعين و ناشطين و أبناء مناضلين، عمر هذا الحزب 100 عام يعني انه أقدم حزب في العالم العربي و ترك أيتاما ينظمون الآن أنفسهم في تنظيمات جديدة و بأسماء جديدة كي يربحوا الشارع و هو ما يعني أنهم يريدون إعادة فرض حزب "الدستور" كما نسميه في تونس بثوب جديد و بتسميات جديدة تتزاوج مع الديمقراطية ومع التعددية و يغيرون ملابسهم ليخرجوا يوم الاحتفال أي يوم الانتخاب، الذي بعده سيتكتلون، وهذه طريقة تكتيكية معروفة، و يتقدمون إلى الانتخابات في عدة مجموعات أو عدة أحزاب ليحصل كل حزب على نسبة معينة ولا يظهروا للناس أنهم كتلة كبيرة و مخيفة.
سيناريو إسلامي
"المجلة": نرى أيضا أن الأحزاب القومية متفرعة جدا رغم أن لها نفس المرجعيات أو نفس الأهداف على اختلاف أسمائها، فهل هذا أيضا تكتيك انتخابي؟
ـ كان الفكر القومي في تونس دائما مشتلة مريضة لأسباب عديدة اولها لان السلطة الحاكمة في تونس لمدة ستين عاما كانت منغلقة و حتى التيار الإصلاحي كان منغلقا على تونس و لم يعترف حتى بالمغرب العربي. ثانيا أن العربية كلغة كانت مهمشة وعاش القوميون التونسيون مشتتين في أفكارهم و في ولاءاتهم و عاشوا على تراث قديم بالنسبة للمشرق وعلى خلافات الستينات و انا اسمع في تونس أن هناك حزب بعث سوري و آخرعراقي وهناك بعث ثالث اسمه الطليعة و بالتالي نرى أن خلافات المشرق قد نقلت او استنسخت في تونس بطريقة مبتدئة غير مستندة لا إلى قاعدة فكرية و لا إلى بحث و لا إلى تطبيق و كان للفكر القومي في المشرق في الستينات او السبعينات بمثقفيه ومفكريه و ميليشياته أما في تونس فلا يوجد شيء من هذا و نفس الشيء لما يسمى بالناصريين، تلك مجموعة تعيش على كتب و تراث عبد الناصر كما لو انه متولي الشعراوي و هناك أيضا مجموعة تريد ان تعيش على ما يسمى بالكتاب الأخضر و هناك العصمتيون نسبة الى عصمت سيف الدولة، و كل هؤلاء إخوة متناحرون على أب ميت و هو الامة العربية الميتة رغم هذا الربيع الذي سنكتشف في النهاية انه ربيع اصطناعي و أتمنى أن أكون مخطئا في ظني لأننا ربحنا في تونس و مصر و لكننا خسرنا أشياء أخرى كثيرة ليكون الرابح الوحيد هو التيار الإسلامي و لا اعلم أيضا ماذا سيربح القوميون و الماركسيون و التروتسكيون و البعثيون و الحداثيون و الديمقراطيون؟. ثم ان السيناريو العالمي و الإقليمي الآن هو سيناريو إسلامي مدعم بأموال من بعض الدول و معجب و منبهر بالنموذج التركي بحيث أننا سنكتشف ربما أننا أعدنا التاريخ و أدخلنا السلاطين الأتراك العثمانيين لحماية الإسلام الذين تركونا خمسة قرون في التخلف و ها نحن نعيدهم باسم الديمقراطية و الجمهورية.
"المجلة": ختاما، دكتور، هل ترون للثورة التونسية خصوصية؟
ـ أنا اعتقد أن لكل شعب خصوصياته و لنا خصوصية أننا كنا المبادر الأول و أن ما يسمى بالشرارة قد انطلقت من تونس التي شكلت نموذجا دون ان تدرك ذلك و كانت بمثابة النموذج سواء للعالم العربي أو للعالم بصفة عامة. و خصوصية الثورة التونسية أيضا تتمثل في أن رئيس البلاد "جبان" و كان متفاجئا و مذهولا و تخلى عن الحكم بسرعة، ثانيا أن الثورة التونسية كانت ثورة سلمية و لم ترفع السلاح و يشاركنا في هذا المصريون و اليمنيون إلى حد الآن وهذه ليست سابقة لان العديد من الثورات في العالم لم ترفع السلاح أيضا كالثورة البرتقالية في أوكرانيا، و الأهم في الثورة التونسية أن الذين قاموا بها هم جمهور غير مسيس وهذا الجمهور افتراضي فنسجنا سيناريو الثورة و أذهلنا به العالم و النظام كما أنها لو كانت فيروسا دخل "ماكينة" النظام و عطل محركها. و أهم ما يميز الثورة التونسية هي أنها كانت ثورة خاطفة لان الثورات عادة ما تستغرق زمنا و تشهد دماء كثيرة في حين أن الدماء من تونس لم تسل إلا من الشعب. و تشهد الثورات عادة تشابكات و يكون القتلى من الطرفين أما في تونس لم يحدث هذا بل ما وقع كان حربا على الموقع بالنسبة للنظام و حرب الشعب كانت حربا على المواقع الافتراضية إضافة إلى أننا استطعنا أن نكيف الإعلام أو ما يسمى بالأممية الخامسة و نطيح بواسطته بمنظومة الحكم العاجزة و المتمترسة وراء الجدران و لكن حتى نقول أن لنا خصوصية يجب أن نبتدع ثقافة ثورية و نطلق العنان لتونس و للصحافة و الإعلام و نقلع عن الشكليات والفلكلور السيئ و التلفزيونات الثرثارة و الصحافة الصفراء.

أجرى الحوار: شهرزاد عكاشة
font change