وزير الدفاع التونسي: ما يدور في ليبيا "مسألة داخلية" وملتزمون بالحياد التام

وزير الدفاع التونسي: ما يدور في ليبيا "مسألة داخلية" وملتزمون بالحياد التام

[caption id="attachment_673" align="aligncenter" width="620" caption="وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي"]وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي[/caption]
ثورة 14 يناير، و ما كان للجيش من دور في حماية المواطنين و ممتلكاتهم و المنشات الحكومية و وقوفه سدا منيعا بينهم و رصاص قوات الشرطة، جعل التونسيين يهبون لنصرة قواتهم المسلحة ضد محاولات التشكيك التي طالتهم أخيرا، لا سيما و ان الجيش كان مغيبا طيلة فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي على خلفية انه لا حاجة لتطويره ما دامت العلاقات جيدة مع دول الجوار. اقتصر دور الجيش التونسي في العقود الأخيرة على بناء البنية التحتية و المشاركة في البعثات الدولية لحفظ السلام في مقابل التركيز على تطوير المؤسسة الأمنية و تزويدها بالرجال والعتاد وأحدث التكنولوجيات. بعد سنوات التهميش استرجع الجيش التونسي مكانته بوقوفه الى جانب مطالب الشعب و حماية البلاد و العباد لتتدعم حظوته عند التونسيين. كما كان للقوات المسلحة الدور الأكبر في حماية الحدود الجنوبية و إغاثة اللاجئين من ليبيا و تصديه لمحاولات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لضرب الأمن والاستقرار ما أودى قبل أسابيع قليلة بحياة عنصرين من القوات المسلحة التونسية في اشتباك مسلح مع عدد من الارهابيين الذين تسللوا الى تونس عبر الصحراء الجزائرية.

محاولات التشكيك في الجيش التونسي و اتهامه بالتحضير لانقلاب للسيطرة على الحكم في تونس لسد الطريق أمام الإسلاميين و فرضية التنسيق مع حلف الناتو كانت ابرز نقاط الحوار الذي أجرته "المجلة" مع عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع التونسي في الحكومة المؤقتة:

المجلة: كيف تقيمون الوضع الأمني في تونس ما بعد الثورة؟

ـ لا مقارنة بين الأمس واليوم بخصوص الوضع الأمني بالبلاد إذ أنه سائر نحو الاستقرار التام ويعود ذلك إلى تضافر الجهود والتنسيق المحكم بين الجيش الوطني وقوات الأمن الداخلي وأحسن دليل على ذلك أننا وفقنا في بلوغ محطات هامة جدا للمستقبل منها إنجاح السنة الدراسية والجامعية وتأمين مختلف الامتحانات والمناظرات الوطنية في أحسن الظروف كامتحان شهادة ختم التعليم الأساسي ومناظرة الدخول إلى المعاهد النموذجية والباكالوريا ومناظرات المعاهد التحضيرية للمهندسين فضلا عن امتحانات مختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي.

المجلة: رفض الجيش التونسي في أحلك لحظات الثورة إطلاق النار لقمع الشعب، فهل هذا تمرد أم هي سياسة سيواصل الجيش التونسي إتباعها مستقبلا؟

ـ إن الجيش الوطني التونسي المتكون من أبناء الشعب اتخذ لنفسه منذ انبعاثه مسارا انبنى على مبادئ وقيم ثابتة وهي الدفاع عن الوطن وحماية النظام الجمهوري والمساهمة في معاضدة مجهود الدولة في المجالات كافة وفي نشر السلم في العالم ضمن البعثات الأممية والقيام بأعمال إنسانية. وقد ظل الجيش الوطني وفيا لهذه القيم على الرغم من المحن والأزمات والأحداث التي عاشتها البلاد. وكعادته استجاب لنداء الواجب في فترة ما قبل الثورة وما بعدها، حيث أخذ على عاتقه حماية الثورة وضمان نشر الأمن في البلاد علما وأنه سيرجع إلى ثكناته حال دعوته لذلك كما كان الشأن في كل المناسبات التي تدخل فيها الجيش الوطني سابقا.

المجلة: في ظل توتر الوضع على الحدود التونسية الليبية يضطلع الجيش التونسي بمهمات عسكرية وأخرى إنسانية، فما مدى توفر الإمكانات؟

ـ المشكل لا يكمن في الإمكانيات وإنما في كيفية التصرف في هذه الإمكانيات (كثيرة كانت أم قليلة) وفي حسن التقدير والطرق المستعملة للوصول إلى الغاية المنشودة. وقد توصل الجيش الوطني بفضل حنكته وحرفيته وحسن تنظيمه إلى الارتقاء بقدراته العملياتية إلى أرقى المستويات التي مكنته من القيام بمهماته العسكرية والأعمال الإنسانية على الحدود التونسية الليبية وذلك بالتعاون مع المنظمات العالمية والوطنية ومساندة بعض الدول الشقيقة والصديقة ونخص بالذكر دولة قطر والإمارات العربية المتحدة والمغرب والجزائر. ولا يمكن أن ننسى الحس التضامني للشعب التونسي وبخاصة في الجهات الجنوبية المعنية.

المجلة: توافد اللاجئين من ليبيا إلى تونس، التي تعيش بدورها أوضاعا صعبة بعد الثورة، مستمر في ما ترفض بلدان أخرى ذات امكانيات أكبر استقبالهم، ألا يمثل اللاجئون عبئا قد لا تقدر تونس في قادم الأيام على تحمله؟ وما مدى الدعم العالمي لتونس في هذه المسألة؟

ـ منذ اندلاع المعارك بين الثوار وكتائب القذافي استقبلت تونس 585.000 لاجئا من 44 جنسية منهم 365.000 ليبي من بينهم 40.000 عائلة، 95 في المائة منها تكفلت بها عائلات تونسية فيما أقامت النسبة المتبقية بالمخيمات بصفة مؤقتة في انتظار توفر عائلة مستضيفة. وعلى الرغم من المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس فإنها لم تتخل عن القيام بواجبها الإنساني إزاء هؤلاء اللاجئين، إذ وفرت لهم الغذاء والرعاية الصحية والنفسية بما مكنها من السيطرة على الوضع والتعاطي معه بكفاءة واقتدار. وقد كان للمنظمات الوطنية والجهوية والشعب التونسي بأسره دور فعال في معاضدة هذا العمل الإنساني التي تقوم به بلادنا فضلا عن الدعم الصادر عن البلدان الشقيقة والصديقة والمنظمات الأممية الإنسانية.

وقد تقلص بعد ذلك دور المنظمات الدولية على مستوى تأمين ظروف الإقامة بالمخيمات ونسق الترحيل وهو ما دفع الحكومة التونسية إلى دعوتها إلى ضرورة الالتزام بتعهداتها تجاه اللاجئين وذلك بالرفع في نسق عمليات إجلائهم إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى حسب طلبهم وإعادة هيكلة مخيم الشوشة للتقليص من طاقة استيعابه تجنبا للضغط وما قد ينجر عنه من اضطرابات على غرار ما شهده في الشهر الماضي وتحسينا للخدمات الصحية والاجتماعية والأمنية به. كما أكدت على ضرورة معاضدة العمل الإنساني التي تقوم به تونس لفائدة اللاجئين وعلى وجه الخصوص العائلات الليبية وذلك بتوفير الدعم المادي لمجابهة التدفق المتواصل من الوافدين بسبب تدهور الوضع الإنساني بليبيا الشقيقة. وقد عبرت المنظمات الدولية الأممية والإنسانية عن استعدادها لمواصلة مهماتها وتطوير خدماتها وفق خطة عملية تساعد على ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم في أسرع وقت ممكن.

المجلة: مع اشتداد المعارك على الحدود بين الثوار والكتائب، كيف هي استعدادات تونس لمواجهة احتمالات توريطها في النزاع الليبي؟

ـ إن مساهمة الجيش الوطني وقوات الأمن الداخلي في استتباب الأمن بالبلاد وحفظ النظام العام لم تكن على حساب حماية حدودنا البرية والبحرية. فلقد ظلت الوحدات المكلفة بحماية الحدود مرابطة في أماكنها وساهرة على أمن الشريط الحدودي، ومع ذلك تم تدعيم وجود الجيش حسب الحاجيات الظرفية بمنطقة الحدود التونسية الليبية في إطار إعادة التموقع والانتشار للوحدات العسكرية.

وفي إطار متابعة الأوضاع بليبيا الشقيقة، التزمت تونس الحياد التام باعتبار أن ما يدور في هذا البلد مسألة داخلية. كما تولي بلادنا أهمية كبيرة للمحافظة على العلاقات التاريخية والعائلية المتميزة التي تربط بين الشعبين الشقيقين. وقد عمل الجيش الوطني على تأمين حسن الإستقبال وتوفير كل الخدمات الإنسانية الضرورية للاجئين الوافدين على تونس وبخاصة أشقاؤنا الليبيون مهما كان انتماؤهم وذلك في إطار ما يقتضيه الواجب الإنساني.

المجلة: هل طلب منكم حلف الناتو كما يشاع استخدام الأراضي أو الأجواء التونسية لضرب ليبيا؟

ـ تونس بلد مستقل ذو سيادة ولن يسمح لأي طرف كان أن يستخدم أراضيه أو مجاله الجوي للقيام بعمليات عسكرية تستهدف ليبيا.

المجلة: إذا، ماذا وراء زيارتكم والفريق أول رشيد عمار إلى قطر؟

ـ اندرجت هذه الزيارة في إطار مزيد دعم العلاقات التونسية القطرية المتميزة والتي تستمد عناصر قوتها واستمراريتها من الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين. وقد كانت هذه الزيارة بتكليف من السيد رئيس الجمهورية الذي حملني نقل رسالة خطية شخصية إلى أخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر والتي أتت استجابة أيضا لدعوة كان قد وجهها لي اللواء الركن حمد بن علي العطية رئيس أركان القوات المسلحة القطرية خلال زيارته لتونس يوم 06/04/2011. وكانت المقابلة فرصة للتعبير عن شكر تونس وامتنانها لدولة قطر الشقيقة على مساندتها الثابتة لنا في هذه المرحلة الانتقالية وعزم البلدين على إعطاء التعاون التونسي القطري روحا ودفعا جديدين بعد أن حقق الشعب ثورته المباركة.

كما كانت هذه الزيارة فرصة للتباحث حول سبل دعم التعاون الثنائي لاسيما في المجال العسكري والتنموي وتحديدا في ما يتعلق بالتنمية المستديمة داخل الجهات وفي المناطق الصحراوية التي تفتقر إلى البنية الأساسية فضلا عن التشغيل حيث أبدت دولة قطر استعدادها لتوفير مواطن شغل وبخاصة بالنسبة لحاملي الشهادات العليا مساهمة منها في التقليص من نسبة البطالة ببلادنا والتي تمثل أولوية مطلقة بالنسبة للحكومة التونسية.

المجلة: تشهد تونس عودة النزعات القبلية فما حقيقة ما يجري، ومن تعتقدون يقف وراء ذلك وكيف تعامل الجيش في كل ما يحدث؟

ـ في اعتقادي أن تزامن وقوع مثل هذه الأحداث المؤلمة والمتمثلة في صراعات داخلية ذات نزعة قبلية بين عائلات متعايشة مع بعضها البعض في هذه الفترة الانتقالية الدقيقة يثير عديد التساؤلات من بينها الدوافع والأسباب التي أدت إلى اندلاعها وتأجيج نيرانها. ولعل ذلك مبعثه السياسات الاقتصادية اللامتوازنة وغير العادلة التي لم تنصف الجهات الداخلية وظلت مهمشة مما أدى إلى إحباط عزائم أهاليها وزرع بذور الشعور بالغبن والانشقاق بين الأسر وحتى بين أفراد العائلة الواحدة.

وأمام تداعي الأحداث التي شهدتها مدينة المتلوي قامت قوات الأمن الداخلي بالتعاون الوثيق مع الجيش الوطني بتطويقها وذلك بتهدئة الأهالي ودعوتهم إلى ضبط النفس وتجاوز الخلافات من جهة وبتشريك الأئمة والحكماء من المدن المجاورة لإصلاح ذات البين بين العائلات من جهة أخرى.

وقد أتت هذه المساعي أكلها حيث عادت الحياة الطبيعية بهذه المدينة وأشيعت الطمأنينة في نفوس أهاليها بينما يتواصل حضور قوات الأمن الداخلي بها للسهر على حفظ النظام العام وتبذل الحكومة قصارى جهدها بمتابعة مباشرة من رئيس الدولة للقضاء على هذه الظاهرة بالتنسيق مع الجهات المعنية.

المجلة: هل تعتبر ترقية الجنرال رشيد عمار إلى منصب رئيس أركان الجيوش مكافأة أم محاولة للترضية أم اتقاء لما يمكن أن يكون بعدما حاولت بعض الأطراف تشويهه؟

ـ إن تعيين الفريق أول رشيد عمار رئيسا لأركان الجيوش علاوة على مواصلة مهماته الحالية كرئيس لأركان جيش البر جاء بمقتضى أمر صادر عن رئيس الجمهورية وذلك لتسوية وضعية إدارية حيث أن المعني بالأمر يباشر هذه المهمات منذ سنة 2002.

وتعتبر هذه المهمة السامية تكليفا للمعني بالأمر ومن خلاله تشريفا وتكريما لأفراد القوات المسلحة كافة بخاصة بعد الدور المتميز الذي قام به والجيش الوطني منذ اندلاع ثورة الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكذلك بفضل الخصال العالية التي تحلت بها القوات المسلحة من انضباط وتفان وصيانة مبادئ النظام الجمهوري في كنف الوفاء والإخلاص لتونس وهو ما جنّب البلاد ويلات الفتنة والحرب الأهلية.

المجلة : هل سيقبل الجيش بنتائج أي انتخابات تأتي بحزب إسلامي للسلطة؟

ـ إن مهمات الجيش الوطني محددة على ما يقتضيه القانون المنظم له، وبالتالي فإن دوره يشمل في هذه المرحلة المساهمة في حماية المواطن والممتلكات العامة والخاصة وصون النظام الجمهوري وحفظ النظام العام واستتباب الأمن حتى تعود الحياة إلى نسقها الطبيعي وتستعيد البلاد حركيتها الاقتصادية وتتوفر الظروف الملائمة لانجاح الاستحقاقات السياسية القادمة.

وأيا كان الفائز في هذه الاستحقاقات فإن الجيش الوطني سيواصل مهماته في إطار ما يضبطه القانون والحياد السياسي التام وحماية مبادئ النظام الجمهوري.

حوار أجرته شهرزاد عكاشة

font change