مصطفى بن جعفر: لن أتحالف مع "النهضة" وأحزاب تونسية تشتري "الذمم الانتخابية"

مصطفى بن جعفر: لن أتحالف مع "النهضة" وأحزاب تونسية تشتري "الذمم الانتخابية"

[caption id="attachment_55227286" align="aligncenter" width="620" caption="مصطفى بن جعفر"]مصطفى بن جعفر[/caption]

صدر في الآونة الأخيرة في تونس سبر للآراء حدد ترتيب الأحزاب التونسية في نيات التصويت للانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر المقبل احتل فيها حزب التكتل من اجل العمل و الحريات المرتبة الثالثة وراء حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي والحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة أحمد نجيب الشابي . هذا الحزب الذي تتعمد الكثير من الأطراف السياسية "المتاجرة" باسمه و توظيفه للاستقطاب و هو الأمر الذي رفضه الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس الحزب و اعتبره مناقضا لأخلاقيات التنافس النزيه.

أسس د. مصطفى بن جعفر التكتل الديمقراطي من اجل العمل و الحريات سنة 1994 و الذي لم يتم الاعتراف به إلا بعد ست سنوات من تأسيسه و حرمانه في ما بعد من المشاركة في مختلف المواعيد الانتخابية و التي كان آخرها الانتخابات الرئاسية شأنه شان بقية أحزاب ما سمي حينها بالمعارضة الراديكالية و التي ضمها تحالف 18 أكتوبر الذي لم يقع تقبله بسهولة من طرف العديد من المهتمين بالشأن السياسي التونسي معتبرين انه تحالف التناقضات على خلفية تكونه من أحزاب يسارية وأخرى إسلامية هاجمها بن جعفر بعد الثورة بسبب عدم وضوح مصادر تمويلها و تشبثه بمدنية الدولة الذي لم تعط في شانه عديد الأحزاب في تونس موقفا محددا.
لتوضيح هذه النقاط و غيرها اتصلت "المجلة" بالدكتور بن جعفر و كان الحوار التالي:

"المجلة": يحتل حزبكم المرتبة الثالثة في السباق الانتخابي حسب آخر سبر للآراء، فهل كنتم تتوقعون هذه المرتبة؟
ـ أولا فلنتفق أن سبر الآراء في المجال السياسي يعتبر من الأشياء المستحدثة في تونس و التي تحتاج الى تقاليد معينة لا زلنا لم نكتسبها في تونس رغم توفر الإمكانيات و الآليات و رغم ذلك فإننا بطبيعة الحال نعير نتائج سبر الآراء الاهتمام اللازم دون أن نغتر بها، بخاصة و أن المرتبة التي أسندت لنا ليست سيئة بالمرة و مع ذلك فإنني أرى شخصيا وجوب مزيد العمل و اليقظة للمحافظة على هذه المكانة و أرجو أن يحمل يوم 23 أكتوبر 2011 مفاجآت سارة للتكتل من اجل العمل و الحريات و نكون كما نطمح في الموقع الأول أو الثاني .

"المجلة": الم تروا في نتيجة سبر الآراء ظلما لكم على غرار ما صرحت به أحزاب أخرى عدة؟
ـ نحن نعتبر أن نسبة 1 في المائة التي كانت تسند لنا قبل الثورة الظلم بعينه، أما الان فلا اعتقد ذلك، ربما كنا قد ظلمنا بعض الشيء في الأشهر الأولى بعد الثورة، إذ كنا في جولاتنا داخل البلاد و في مختلف المحافظات نرى تجاوبا من المواطنين لم يترجم بشكل صحيح عبر الأرقام و هو ما كنا نستغربه أما الان و بعد الجهد الذي قمنا به في التعريف بحزبنا عبر الدعاية و مختلف وسائل الاتصال لاحظنا تحسنا نرجو أن يستمر حتى الانتخابات المقبلة.

[caption id="attachment_55227288" align="alignleft" width="252" caption="بن جعفر: لن أتحالف مع الاسلاميين"]بن جعفر: لن أتحالف مع الاسلاميين[/caption]

درء الشبهات


"المجلة": و ماذا عن مرشحيكم و عن قائماتكم الانتخابية؟ هل غطت كامل الدوائر الانتخابية؟
ـ لقد تقدمنا بقائمات عن الثلاثة و ثلاثين دائرة انتخابية و الحمد لله أننا لم نضطر إلى تعويض أي منها علما و أن الدوائر الانتخابية تتوزع على 27 دائرة داخل التراب الوطني و 6 في الخارج و تتوزع على دائرتين في فرنسا (الشمالية و الجنوبية) و دائرة برلين تليها روما ثم الدائرة الانتخابية لباقي دول أوروبا و الامريكتين و مقرها بمنتريال وأخيرا الدائرة الانتخابية لباقي دول العالم و مقرها في ابو ظبي و من حسن حظنا ان كل قوائمنا لم تشهد مشاكل و لم نضطر إلى تقديم طعون قد تعطل حملتنا الانتخابية التي نصب عليها كل اهتمامنا في هذه المرحلة.

"المجلة": كنتم، د. بن جعفر، قد ناديتم بالشفافية في ما يخص المال السياسي و انتقدتم أحزابا أخرى لعدم وضوح مصادر تمويلها وطالبتم بتحديد ضوابط للدعاية السياسية، فهل لا زالت هذه قناعتكم خاصة و أن موعد الانتخابات قد اقترب و أصبحتم انتم أيضا مطالبين بالتسويق السياسي؟
ـ أريد أولا أن اذكر أن التكتل من اجل العمل و الحريات كان قد طالب مباشرة بعد 14 يناير بوضع آليات و قواعد عمل بالنسبة لكل ما يتعلق بالمال السياسي و تمويل الأحزاب و لم يطرح هذا الموضوع و للأسف الشديد إلا في الأشهر الأخيرة على مستوى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و وفقنا في فرض إصدار قانون و لم يبق هناك مشكل إلا في تطبيقه.

و من منطلق إيماننا بوجوب وجود شفافية تامة في هذه النقطة قررنا تقديم كل حساباتنا و مداخيلنا و مصاريفنا درءا لكل انتقاد و لكل الشبهات أما بالنسبة للقرار الأخير الذي اتخذته الهيئة (المفوضية) المستقلة للانتخابات و المتمثل في منع أي شكل من أشكال الدعاية السياسية السابقة لانطلاق الحملة الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي، فنحن في التكتل و بما أننا وهبنا ثقتنا التامة لهذا الهيكل و نصبناه حكما بين مختلف الأطراف المتنافسة و في كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية، فإننا قد احترمنا القانون و ننادي باقي الأطراف باحترامه لان الأمر على غاية من الأهمية و ليس بالبساطة التي يظنها البعض فهو يتعلق بإرساء تقاليد الديمقراطية و احترام القانون مع الاحتفاظ طبعا بحق التظلم الذي لا يتعارض طبعا مع الانضباط للقواني.

"المجلة": هناك من يقسم الأحزاب بين موالية لأمريكا و أخرى لفرنسا استنادا على اتهامات غير مثبتة بتلقي تمويلات من هذه الدول رغم منع القانون لذلك، فمن أين للتكتل بالتمويل؟
ـ تمويلاتنا تونسية خالصة من مناضلات و مناضلي التكتل و أصدقائه و منخرطيه الذين التحقوا في المدة الأخيرة بالآلاف و فيهم الفقير و المعطل عن العمل الذي يحتاج بدوره إلى المساعدة التي لا نبخل بها على احد و فيهم الأغنياء و المقتدرون الذين يساعدون الحزب كثيرا في تغطية مصاريف الدعاية و نحن نعترف بان أحوال التكتل المادية قد تحسنت بشكل كبير مقارنة بحالة "الفقر" التي كانت تعيشها الأحزاب قبل 14 يناير غير إنني أؤكد أن لا مجال للمقارنة بيننا و بين ما نشاهده من البذخ وعلامات الثراء الفاحش الذي تعيشه بعض الأحزاب الأخرى و مهما كبرت مواردنا المالية لن نعمد أبدا إلى شراء "الذمم الانتخابية " الذي يمارس الآن و ذلك من منطلق قناعتنا أن التصويت لا يكون إلا على البرنامج الحزبي و ليس بدافع هدايا و أموال تقدم لرشوة الناخبين لان في مثل هذه الأساليب احتقار للشعب التونسي ولا أظن أن أي حزب يحترم نفسه و بلده و شعبه يقدم على مثل هذه الممارسات.

"المجلة": نلاحظ خلطا كبيرا لدى الكثير من التونسيين و حتى لدى بعض النخب في مهام المجلس الوطني التأسيسي بين إعداد دستور جديد للبلاد و التكفل بالقيان بمهام السلطة التشريعية، لو تفسرون الأمر.
ـ للمجلس التأسيسي كل الصلاحيات لكن أولى أولوياته تتمثل في إعداد دستور و المصادقة عليه و يتكفل طوال مدة عمله بالدور التشريعي في البلاد و خاصة مراقبة الحكومة التي ستنبثق عن هذا المجلس و ذلك لتجنب أي انحراف عن المسار الديمقراطي و إعادة التجربة بشكل آخر و لذلك فانه يجب أولا انتخاب رئيس المجلس ثم إقرار نظام داخلي ينظم عمل هذا الهيكل و انتخاب رئيس الدولة الذي يعين بدوره رئيسا للحكومة الذي يقوم باقتراح أسماء لعضويتها يصادق عليه المجلس الوطني التأسيسي و لتنتهي بذلك مهام الحكومة الحالية.

[caption id="attachment_55227289" align="alignright" width="199" caption="راشد الغنوشي"]راشد الغنوشي[/caption]

تنتهي مهام المجلس التأسيسي عند إقرار دستور و نحن نساند بشدة فكرة ان لا يتجاوز ذلك مدة ستة اشهر أو سنة على الأكثر حتى ننتقل إلى مؤسسات دائمة و نسد المجال أمام مقترحات فات أوانها كمقترح الاستفتاء على مدة و مهام المجلس التأسيسي و الذي أتى بعد اشهر عديدة من صدور القانون المتعلق بالانتخابات و المجلس الوطني التأسيسي لان هذه المقترحات تتطلب نقاشا مطولا و الوقت لا يسمح بذلك في هذه المرحلة.

أخف الأضرار


"المجلة": صرح احد أعضاء المكتب السياسي لحركة النهضة أن هناك مشروع تحالف بينكم وبين الحركة، ما مدى صحة ذلك؟ و هل انتم مستعدون للتحالف مع أحزاب أخرى؟

ـ هذا ليس صحيحا و كلمات السيد الذي تقصدينه و هو العجمي الوريمي عضو المكتب السياسي لحركة النهضة كان ضبابيا لأنه تحدث عن لقاءات وعن ائتلاف لم نسمع عن تكونه أصلا سماه ائتلاف 23 أكتوبر و لا عن أرضيته او ربما كانت لدى الحركة نية الاتصال بنا إلا أن ذلك لم يحدث و أؤكد ان خبر التحالف مع النهضة في الوقت الحاضر مجانب للحقيقة تماما و لسنا مستعدين الآن للدخول في اي تحالف لأننا كنا قد قدمنا قائماتنا على هذا الأساس و تحت راية التكتل لأننا نحترم الرأي العام و نحترم حق المواطن في الاختيار بين العائلات السياسية التي ناضلت للتصدي للاستبداد و التي لم تناضل و التي نحترمها أيضا و يبقى المواطن في آخر المطاف سيد قراره.

[caption id="attachment_55227290" align="alignright" width="199" caption="أحمد نجيب الشابي"]أحمد نجيب الشابي[/caption]

أما نحن فنقول لا للتحالفات في الوقت الراهن لأننا لازلنا بصدد بناء الحزب، إضافة إلى أن القانون الانتخابي لا يشجع على عقد أية تحالفات قبل الانتخابات و لا مصلحة لنا في التحالف مع أي كان الآن، رغم أن الأمر سيختلف بعد 23 أكتوبر بما أن التحالفات ستفرض نفسها بعد الانتخابات و ذلك لغياب طرف مهيمن و اغلبية داخل المجلس حسب التوقعات، ولكن تستطيع الأطراف السياسية التحضير لهذا السيناريو و بدء المحادثات منذ الان و نحن مستعدون للحديث مع أي طرف دون تمييز عن ما بعد تاريخ 23 أكتوبر و ليس عن ما قبله، رغم أننا لا نؤمن في التكتل بالاستقطاب الثنائي و نتصور ان المرحلة التي تعيشها بلادنا مرحلة فريدة.
إننا في منعرج حقيقي و نريد ان نتجاوزه بأخف الأضرار و نستعيد الأمن و الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي و نتجاوز المؤشرات الاقتصادية الكارثية.

دعونا إذا نخرج من هذه الوضعية ثم سنفكر لاحقا في التحالف الذي لن يكون إلا على قاعدة قناعاتنا و مشروعنا المجتمعي الحداثي المنفتح على الآخر و على القيم الكونية، و تاريخنا و نضالاتنا يشهدان على ذلك.
و اعتبر شخصيا أن أي تشكيك في هذا لا يرجع الا لغايات انتخابوية، و ليعلم الجميع أننا غير مستعدين للتفريط في مشروعنا الحداثي مهما كانت اللقاءات و المفاوضات التي تفرضها الظرفية الراهنة و ليعلموا ايضا اننا نلتقي مع حركة التجديد و حزب العمل الوطني الديمقراطي .. و غيرها من الأحزاب الحداثية.

"المجلة": نفهم من تقارباتكم أنكم ضد الدولة العقائدية.
ـ طبعا و دون شك، و قلنا و كررنا ذلك في عديد المناسبات، و رغم أن عديد الأطراف تستغل اسمنا و تحاول الاستقطاب بادعاء أنها متحالفة معنا لن نقع في الاستفزاز. وأقول هنا إن أساليب الاستفزاز عديدة إلا أننا اخترنا ضبط النفس و التعالي عن الرد و التكتل سيبقى حداثيا و لن يضم يوما سلفيين و استغرب فعلا من بعض الأطراف السياسية "العريقة" أن تخلط بين التنافس الشريف و العداوة.

نظام متوازن


"المجلة": عن أي نظام سياسي ستدافعون عند صياغة الدستور؟
ـ نحن نميل نحو نظام رئاسي معدل يعطي نوعا من التوازن داخل السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة و رئيس الحكومة الذي يباشر و يحاسب من طرف البرلمان القادر على توجيه لوائح اللوم له اما رئيس الدولة فهو حامي الدستور و السلامة و الوحدة الترابيتين و الأمن في البلاد و يقوم بدور الحكم في حالة الأزمات و له الحق في حل البرلمان مرة واحدة خلال فترته النيابية في حالة الاختلاف بين الحكومة و البرلمان.
هذا تصورنا و هو قابل للنقاش بطبيعة الحال و نحن نحاول التوفيق بين النظام الرئاسي الذي يوفر استقرارا أكثر و النظام البرلماني الذي لا يقصي أي طرف و يعكس العائلات السياسية بشرط ان لا يتسبب في حالة انخرام في الوضع السياسي و تغيير مستمر للحكومة.

و أريد التوضيح ان التكتل يقبل الرأي المخالف و لكن يرفض ان يقع التشكيك في نضاليته في برنامجه المجتمعي و الاستيلاء على برامجه أو توظيف اسمه في الدعاية السياسية لأننا كنا محافظين منذ 14 يناير على نفس المواقف و لم نغيرها و أوفياء لخلفيتنا الفكرية و مبادئ حزبنا و كنا و لا زلنا منضبطين للقانون الذي نعتبره الفيصل بين الجميع لان أي خرق له سيؤثر على موعد الانتخابات التي نسعى مع جل الأطراف لإنجاحها و المرور بالبلاد إلى مرحلة الشرعية و لن نسمح بتمرير اي مشروع يهدد المسار الانتقالي و إدخال الضبابية عليه و ندعو المواطنين إلى عدم المقاطعة لأنها اخطر ما يهدد البلاد و تخدم التطرف الذي لا نريد له أي موطئ قدم في بلادنا.

حوار: شهرزاد عكاشة
font change