أحمد نجيب الشابي: لسنا في حرب مع النهضة والسلفيون تيّار هامشي في تونس

أحمد نجيب الشابي: لسنا في حرب مع النهضة والسلفيون تيّار هامشي في تونس

[caption id="attachment_55228229" align="aligncenter" width="620" caption="أحمد نجيب الشابي"]أحمد نجيب الشابي[/caption]


راج في المدة الأخيرة في تونس أن الحزب الديمقراطي التقدمي، اكبر الأحزاب المعارضة زمن حكم بن علي، قد يستعيد حبل مودّة مع الإسلاميين كان قد قطع منذ ما قبل 14 يناير 2011 و هو ما أدهش المتابعين للشأن السياسي في تونس بخاصة و أن زعيمه أحمد نجيب الشابي كان سبق و أن صرح انه لن يشارك في حكومة تكون حركة النهضة الإسلامية ممثلة فيها بسبب ما عرفته العلاقة بين الحزبين من توتر وصل حد التقاذف بالتهم.
تحدث الأستاذ الشابي لـ"المجلة " في هذا الشأن و في مسائل أخرى أهمها بروز التيار السلفي، الذي يرى محللون انه اكتسح بسرعة شديدة الساحة السياسية التونسية، وفي رؤية حزبه للواقع الأمني و الاقتصادي في تونس بعد انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، الذي بدأت خطوط التحالفات المنتظرة داخله في التوضح شيئا فشيئا.
وفي ما يلي نص الحوار:

المجلة: يشاع أن حوارا قد دار بينكم و بين أحد مناضلي حركة النهضة، فهل يعتبر ذلك بداية ارضية حوار جديدة تقطع مع ما سبق من تصريحاتكم أنكم لن تشاركوا في حكومة تضم الحركة؟
ـ لم يحصل أن وقع لقاء بيني و بين أي مناضل أو أي قيادي من حركة النهضة منذ ثورة 14 يناير و إنما القصة لا تعدو أن تكون مجرد حوار في احد الاجتماعات العامة مع شخص قال إنه من حركة النهضة وقلت له إن دورنا في هذه الجولات الانتخابية ليس الحوار معكم و لا مع باقي الاحزاب و أعانكم الله و أعاننا على ما نحن بصدده و هذا لا يعتبر حوارا و لا بوادر التقاء كما راج في وسائل الإعلام، هذا من ناحية الوقائع، أما من ناحية المبدأ فنحن لسنا في حرب مع أي طرف سياسي و بالتالي سبق أن جلس ممثلو الحزب الديمقراطي التقدمي مع حركة النهضة في لجنة الإصلاح السياسي و ناقشنا وثيقة الانتقال الديمقراطي التي أمضيناها وعشرة أحزاب أخرى وهو ما يدل أن المنافسة لا تنفي الالتقاء لبحث مسائل طارئة ذات اهتمام وطني.

الديمقراطية ليست شيئا سنخترعه بل هي تجربة قرنين من الزمن. لنتأمل العلاقة بين الجمهوريين و الديمقراطيين في أمريكا أو الاشتراكيين و الديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا، فهم لا يخلطون المسائل و يتنافسون من اجل برامج لإدارة شؤون المجتمع و لا يمنعهم ذلك من الالتقاء كمواطنين و بالتالي يجب النظر للوضع الحالي في تونس على انه وضع استعداد للدخول إلى مرحلة جديدة تقطع مع التخلف السياسي و الالتحاق بمصاف الدول الديمقراطية وهو ما يعني وباختصار أن البلاد تعيش فراغا في الحكم و المطلوب سدّه عن طريق الانتخابات، و يجب ان يكون ذلك وفق قواعد الديمقراطية وهناك الآن تنافس بين كتلتين رئيسيتين في تونس، كتلة دينية تمثلها النهضة بشكل رئيس و أخرى ديمقراطية يتقدمها الحزب الديمقراطي التقدمي وهي بصدد وضع ملامح المجتمع والمحافظة على مكاسب الحركة الإصلاحية التقدمية التحديثية و تدعيمها بينما هناك و في المقابل من يريد العودة بالمجتمع التونسي إلى نمط يتصور انه النمط الإسلامي و قراءتنا لما يفعلون: أنهم يريدون تثبيت الإسلام في لحظة من لحظات تطوره بينما نرى نحن انه حي و يتطور وهذا أساس الخلاف بين وجهتي النظر و لهذا الخلاف تداعيات كبيرة داخلية بخاصة على الحريات العامة و مكاسب المجتمع الحديث و خارجية لا سيما و أن تونس قد أقامت تطورها و نموها على أساس التبادل الخارجي و يخشى أن يبعث انتصار الإسلاميين برسائل تحد من هذا التطور، و لذلك يجب الاحتكام إلى الشعب و السعي إلى قيام نظام ديمقراطي في إطار التنافس النزيه. بعض الأطراف ترى أن المنافسة شكل من أشكال الفتنة و ذلك غير صحيح.

المجلة: ألم تلاحظوا أخيرا انفجار مدّ سلفي كبير في تونس بعد عرض الشريط الإيراني المتهم بأنه جسّد الذات الإلهية؟
ـ السلفية، و كأي تيار راديكالي، تيار هامشي ولا يمثل من حيث العدد أو العدة شيئا مهما، و هناك شعب مسلم له مقدسات، و اختلط البعدان في حادثة شريط "برسيبوليس" المتهم بتجسيد الذات الإلهية مما أحدث تذمرا لدى عموم المسلمين التونسيين فاستفاد التيار السلفي من ذلك ليحوله إلى حركة احتجاجية ذات طابع عنيف ونحن ننكر على أي طرف كان أن يحتج عن طريق العنف، كان يمكن الاحتجاج بالوسائل السلمية او التقاضي او الجدل او التقارع بالاراء او حتى مقاطعة القناة (قناة نسمة التلفزيونية الخاصة) أما أن يغتنموا فرصة جدل حاصل على عرض شريط للاعتداء على الممتلكات أو على الأشخاص فهذا مرفوض و يهدد المجتمع ولا بد من الرد عليه بحزم.

[caption id="attachment_55228230" align="alignleft" width="300" caption="الشابي وميّة الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في ملصق دعائي"]الشابي وميّة الجريبي  الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في ملصق دعائي[/caption]

المجلة: تقدم الحزب الديمقراطي التقدمي وخلافا لعديد الأحزاب إلى الانتخابات منفردا من دون تحالفات، فهل كان ذلك من منطلق رفض للمبدأ أم لعدم إمكانية التحالف؟
ـ المسالة متعلقة بالثقافة الديمقراطية، فعلى الحزب السياسي ان يقوم بدوره و يتوجه الى المواطنين وان يتحصل على أصواتهم ولاكتساب حجم معين ثم يدخل في تحالفات وفقا للمصالح الظرفية.
انظري ما حصل في بريطانيا، فالحكم الآن بين المحافظين و الأحرار الذين ارتأيا بعد أن تقدما منفردين أن يتحالفا ضد العمال، أو انظري إلى الوسط و اليمين في فرنسا أو ألمانيا... فالغرابة هنا تكون في أن تشكل الأحزاب قائمات مشتركة، إذا كانت الأحزاب متقاسمة للبرامج لم لا تندمج في تنظيم واحد له نفس القائمات الانتخابية؟
أراد حزبنا أن يعتمد على قواه الذاتية و لكن يده تبقى ممدودة إلى باقي الأحزاب الديمقراطية لتشكيل غالبية تحكم أو معارضة قوية في المجلس الوطني التأسيسي ونحن نرى هكذا هو منطق الأشياء.

المجلة: هل يعني هذا إمكانية رؤية الحزب الديمقراطي التقدمي ضمن تحالف بعد الانتخابات؟ مع من تنوون القيام بذلك وهل هناك محادثات في هذا الشأن؟
ـ هناك مبادرة حوار تضم خمسة أحزاب أو أكثر وهي الحزب الديمقراطي التقدمي و القطب الحداثي الذي يضم حركة التجديد وعددا من الأحزاب الأخرى الجديدة ومع حزب العمل التونسي وحركة افاق تونس و أيضا إلى درجة ما مع حزب التكتل من اجل العمل والحريات. قمنا بحوارات و محادثات هذا الأسبوع في محاولة للتوصل إلى إعلان مبادئ و قيام كتلة ديمقراطية ولا نزال الآن في مرحلة تشاور.

المجلة: هل يمكن، بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، أن نرى الأستاذ احمد نجيب الشابي في حكومة وحدة وطنية؟
ـ أنا ضد خلط الأوراق وأؤمن أن الأغلبية تحكم و الأقلية تعارض، إن كنت في الأغلبية سأتولى الحكم و إن كنت أقليا فاستمر على المعارضة إن كان قدري أن أموت كما عشت معارضا، ما فائدة خلط الأوراق بين اليمين و اليسار و الوسط؟ و لماذا؟ أنريد الديمقراطية أم الحزب الواحد؟ و من يريد حكومة ائتلافية فذلك لغاية في نفسه ومثله مثل القط الذي يصطاد لنفسه وليس لله كما يقول المثل التونسي، والدعوة إلى مثل هذه الحكومة ليست استجابة إلى حاجة وطنية بقدر ما هي البحث عن طريقة تسويق للدخول إلى الحكومة بوجه غير مكشوف و بالتالي أنا شخصيا أتحفظ على خلط الأوراق و سأمارس الحكم إن تمكنت من ذلك و المعارضة إن لم أتمكن.

المجلة: شهدت جلسات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة العديد من المشاحنات وكان اتخاذ القرار فيها شديد الصعوبة بسبب عدم وضوح نظام التصويت، فما هو الضامن لعدم حصول ذلك لا سيما وأن كل الأطراف ستكون ممثلة؟ وهل للديمقراطي التقدمي تصور للقانون الداخلي للمجلس كما كان له مشروع دستور؟
ـ أظن أننا لن نبتدع الدولاب من جديد، لا بد من الاحتكام للديمقراطية، من الأكيد أن الأعضاء سيتناقشون و يحسمون أمرهم بالتصويت و حسب أهمية الموضوع تقرر كيفية التصويت. يمكن الاتفاق على أن القوانين العضوية المنظمة للحريات تحسم بالأغلبية المطلقة و القوانين العادية بالخمسين زائد واحد، في الولايات المتحدة الأمريكية هناك قوانين تمرر بثلاثة أرباع الأصوات و أخرى بستين في المائة و صيغ التصويت ستكون حسب تقدير المجلس.

المجلة: كنتم قد طرحتم في برنامجكم مقترحات لدفع الاستثمار التي من شانها النهوض بالاقتصاد التونسي الذي يمر بأحلك فتراته، ما أهم ملامحها؟
ـ تحتاج تونس اليوم إلى دفع الاستثمار في المؤسسات الصغرى و المتوسطة و لذلك قلت انه لا بد من إعطاء هذا النوع من المؤسسات الاقتصادية الممتصة للبطالة اكثر اهتماما ورعاية، نظرا لأن مطالب الثورة الاجتماعية كان أساسها التشغيل، وذلك بتوفير التمويلات لهذا النوع من الاستثمارات وإيجاد آليات ناجعة كأن تساهم البنوك في هذه المشاريع و تتحمل جزءا من الربح و الخسارة الى ان يشتد عود هذه المؤسسات مع إنشاء عدد من المؤسسات البنكية الخاصة بتمويل هذه المؤسسات.

هناك كم هائل من أفكار المشاريع التي لم تر النور بسبب عجز أصحابها عن توفير التمويل الذاتي الواجب توفره لضمان الحصول على دعم البنوك و تعطلت المئات منها. أنا أرى انه من مصلحة الجميع بما فيهم الدولة أن يقع مدّ العون إلى هؤلاء الباعثين الشبان إذا أثبتت الدراسات جدواها وأن تتدخل الدولة بنفسها لتمويل هاته المشاريع حتى يقع إنتاج الثروة التي يطالب الجميع الآن بتقاسمها.

[caption id="attachment_55228233" align="alignright" width="245" caption="تونسيون يطالبون بدولة لائكية"]تونسيون يطالبون بدولة لائكية[/caption]

المجلة: أي النظم السياسية ترونها أصلح للبلاد؟
ـ أولا، بيت الداء في النظام الاستبدادي الذي عرفناه و عرفه العالم العربي هو اختلاط السلطات و عدم الفصل بينها، ثانيا و في رأينا، النظام الرئاسي هو أفضل النظم التي تضمن الفصل بين السلطات لأن المؤسسات التشريعية كالبرلمان منتخبة مباشرة من طرف الشعب و الرئيس أيضا كذلك وبهذا النظام نضمن التوازن بين المؤسستين اللتين تتبادلان المراقبة و لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان و لا للبرلمان إقالة رئيس الجمهورية إلا في حالة الخيانة العظمي وفق إجراءات متشعبة وهي حالة نادرة الحدوث و على الرئيس استشارة البرلمان في تسمية الوزراء و سامي موظفي الدولة و له حق الاعتراض على القوانين.. يجب أن يكون هناك توازن بين السلطتين إضافة إلى سلطة أخرى غير منتخبة وهي القضاء التي ترعى علوية الدستور ومواءمة القوانين له و يمكن لها إلغاء أي أمر يتناقض مع مبادئه، مع الحرص على تدعيم اللامركزية في البلاد و هي ان تكون السلط الجهوية منتخبة و مسؤولة عن التنمية مما من شانه أن يعدل الحيف الذي عاشته غالب محافظات البلاد.. هذه ابرز نقاط مقترحنا للدستور الذي كنا قد قدمناه منذ سنة ونصف السنة قبل الثورة و نشرناه سنة 2009.

المجلة: كيف تتوقعون أن يكون الوضع الأمني و الاقتصادي بعد الانتخابات؟
ـ وقعت الثورة من اجل أن يرى الناس تحسنا في أوضاعهم الاقتصادية و الاجتماعية سواء في حقهم في الحصول على شغل وأن يروا مناطقهم تحظى بنصيبها من التنمية و هذا ما لم يتم بسبب ضعف الدولة في الأشهر التسعة الماضية مما جعل المشاكل تتفاقم و بالتالي فإن الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات المقبلة ومهما كان لونها إن لم تقم بأعباء التنمية (تحقيق الحق في الشغل، التنمية المتوازنة بين الجهات، مقاومة الفقر، الرفع من مستوى الأجور، تسهيل الخدمات الصحية و التخفيف من كلفتها و النهوض بالتعليم....) ستسقط و سيتأزم الوضع داخل البلاد و تصبح الثورة من دون معنى علما و ان الحكومة المقبلة لن تتمكن من القيام بكل هذا إلا على مدى متوسط وبتعبئة الموارد الداخلية التي يعلم الجميع انها لن تكون وحدها كافية و هو ما يعني ضرورة الاقتراض من السوق المالية الخارجية مع توخي الحذر و الحفاظ على السيادة و السمعة المالية للبلد ومن دون شروط من اجل خلق الثروة و توزيعها توزيعا عادلا بين الجميع.

حوار: شهرزاد عكاشة
font change