علي السمّان: السادات عقلية جبّارة ومبارك فاقد للرؤية

علي السمّان: السادات عقلية جبّارة ومبارك فاقد للرؤية

[caption id="attachment_55238865" align="aligncenter" width="622"]الدكتور علي السمان الدكتور علي السمان[/caption]



صدر عن دار النشر البريطاني “جلجامش” كتاب “مصر من ثورة إلى أخرى” لمؤلفه المفكر والباحث السياسي الدكتور علي السمان رئيس الاتحاد العالمي لحوار الأديان (الاديك)، وقدم المؤلف في كتابه تحليلا للمشهد السياسي المصري والتطورات التي شهدها المجتمع منذ قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي اطاحت بالنظام الملكي مرورا بأبرز ما عايشه من حوادث في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وخليفته الراحل محمد أنور السادات الى عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي تنحى عن الحكم في 11 فبراير/ شباط 2011 بعد اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الأول عام 2011.

ونظمت مكتبة داينت بمقرها الواقع في منطقة “مارلبون” وسط العاصمة لندن بالتعاون مع الناشر ومجموعة من النخب المصرية المقيمة في بريطانيا، احتفالية مساء الثلاثاء 25 سبتمبر/ أيلول 2012 بمناسبة إصدار النسخة الانجليزية من الكتاب بحضور ثلة من القراء والأصدقاء وعدد كبير من الأدباء المصريين والعرب والأروبيين. والقى المؤلف كلمةً شكر فيها الحضور وتحدث باختصار عن كتابه الذي يقع في 261 صفحة من القطع المتوسط وحمل عنواناً رئيسا: “مصر من ثورة إلى أخرى” وعنواناً فرعيا: “مذكرات مواطن ملتزم في عهد ناصر والسادات ومبارك”.
”المجلة” التقت بالمؤلف على هامش الاحتفالية وأجرت معه الحوار التالي:

[caption id="attachment_55238821" align="alignright" width="225"]الدكتور السمان يوقع على كتابه لاحد القراء الدكتور السمان يوقع على كتابه لاحد القراء[/caption]


* ماهي الرسالة التي تود أن ترسلها للقارئ من خلال كتابك "مصر من ثورة إلى أخري"؟

الكتاب عبارة عن بيان لتاريخ علاقتي بقيادات مصر وأحداثها السياسية من جمال عبد الناصر الى أنور السادات، وعرفت مبارك حينما كان نائبا لرئيس الجمهورية، ولكنها علاقة لم تستمر وهو في سدة الرئاسة، وأهم ما كنت أريده من هذا الكتاب أن أبعث برسالة الى الجيل القادم لأقول لهم: إنَّ تاريخ مصر كلٌّ لا يتجزأ.

* صدامات كثيرة حدثت بين الرئيس الراحل أنور السادات وقيادات إسلامية من إخوان وجماعات العنف المسلح، وشهدت العلاقة بينه وبين قيادات قبطية أبرزها البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأورثوذكسية توترا كبيرا. وفي عهد الرئيس السابق مبارك طرأ تحسن ملحوظ في العلاقة بين الدولة والكنيسة ولكن الحوادث الطائفية تعاظمت بين عامة الاقباط والمسلمين وتصاعدت الأزمات بعد حوادث الكشح الدموية واختطاف وفاء قسطنطين وتفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية .. كيف تفسر ذلك؟


ليس دفاعا عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات ولكن المواجهات التي تمت بين السادات والكنيسة، وبينه وبين الإخوان المسلمين وبعض القوى والرموز السياسية كفؤاد سراج الدين وغيرهم من قوى المعارضة كانت في ظروف استثنائية بخاصة حينما كان السادات يريد أن تكون الأولوية المطلقة لإنهاء مفاوضات السلام في كامب ديفيد بنجاح، وأن لا تقف أمام مشروعه أية عوائق أو معارضة من أيٍّ كانت إسلامية أو قبطية، وكان البابا يرفض بشدة زيارة الرئيس السادات الى الكنيست الاسرائيلي واتفاقية كامب ديفيد، كما منع الأقباط من زيارة القدس، فأبعده السادات من كرسي البابوية وحدد اقامته في الدير بقرار جمهوري.
إذن كانت خلافات الرئيس السادات مع معارضيه خلافات سياسية غير دينية أو عقائدية أو حزبية وغير ذلك من ايدولوجيات لأنها كانت مرحلة حساسة ودقيقة خاصة بالمرحلة الزمنية وأحداثها السياسية.
اما عهد حسني مبارك فكان عهدا يفتقر الى الرؤية، والنظرة المستقبلية لم تكن موجودة، لاسيما عدم حسم نظام مبارك القضايا التي كان الأقباط فيها هم الضحية، والتقاعس في منح الأقباط حقوقهم أو النظر في مطالبهم، واعتمد نظامه على الاعتبار الأمني وهو الذي عزز الاحتقان بين المسلمين والأقباط وكثرت الاعتداءات من الجانبين ووصلت الى حد العمليات الانتقامية من حرق كنائس وتفجيرات وقتل واعلان كل طرف عن تحول أقباط الى مسلمين أو العكس، وكانت العلاقات بين الأقباط والمسلمين في اسوأ حالاتها عبر تاريخ مصر، وبسبب تلك الصدامات العالية تراجعت المواطنة بين المصريين أقباطا ومسلمين..

* ماذا عن المجتمع المصري بين عهدي السادات ومرسي.. أليس أنور السادات الذي لقب بـ”الرئيس المؤمن” هو من شجع التيارات الدينية المتشددة والجماعات الاسلامية المسلحة وجماعة الاخوان، وكان هو نفسه ضحية التيارات المتشددة.. فهل سيعيد عهد مرسي ”الاخواني” مصر الى تلك الحقبة أو إلى “أخونة” الدولة وزيادة الاحتقانات بين المسلمين والأقباط، وما هي العلاقة المستقبلية بين المسلمين والأقباط من وجهة نظركم؟


[caption id="attachment_55238877" align="alignleft" width="203"]مصر من ثورة إلى أخرى مصر من ثورة إلى أخرى[/caption]

كان السادات يفكر في تكتيك سياسي في وقت كان يحتاج فيه الى عودة التيار الديني للتصدي لخطر الناصرية والاشتراكية والشيوعيين.. ولكن مع حبي للسادات وتقديري لعقليته السياسية الجبارة، فإنَّ حساباته كانت خاطئة، أما الرئيس مرسي فأنا شخصيا أراهن على أنه في نهاية المطاف يريد أن يكون رئيسا لجمهورية مصر العربية وليس لجمهورية الاخوان المسلمين، وتوجد بعض الشواهد أدركها بعض الملاحظين والمراقبين السياسيين الجيدين، واستطاعوا ان يكشفوا ذلك، فالرئيس مرسي سيحمي موقعه كرئيس دولة بأقصى جهد ممكن دون صدام مع جماعته لأنَّ في الوقت نفسه لدى مرسي انتماء للاخوان ويحرص على استمرار تأييدهم له.

*ولكن كيف سيوفق الرئيس مرسي بين مطالب الجماعة وبين مطالب عامة الشعب والقوى السياسية الرافضة لاخونة الدولة؟

هذا هو دور رجل الدولة، ورأينا كيف تراجع الاخوان عن الخروج في مليونية سبق وأن أعلنوا عنها للاعتراض على الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم لمصلحة الدولة وعدم الإثارة، فهم يفهمون كيف يضغطون من وقت الى آخر، وهذه هي اللعبة السياسية.
ولذلك لا أعتقد أنَّ الاخوان سيذهبون الى طريق متطرف ضد مدنية الدولة ولكنهم سينشغلون بالسياسة ثم سينشغلون أكثر رغم أنفهم بالاقتصاد الذي هو في حالة مقلقة جدا، ورصيد البنك المركزي من النقد قد نفد.. كما إنه ومنذ البداية حاول الاخوان أن تكون العلاقة مع الكنيسة جيدة، وقد زار المرشد العام للجماعة الأقباط في كنيستهم، وهناك إرادة من الأقباط والاخوان لتحجيم الخلافات، فهم لا يريدون أن يصلوا الى حد الصدام بدليل تداعيات الفيلم المسيء عن الرسول (ص)، وكان الهدف منه أن تحدث فتنة بين الأقباط والمسلمين ولكنها لم تحدث لأنه هنا بدأ يحصل وعي لدى الطرفين.


*علاقة صداقة جمعت بينك والبابا شنودة.. ما سرُّ بكائك الشديد أثناء إلقائك كلمة تأبينية في أربعينيته؟

لأني نطقت بكلمة “تركنا” وكانت كلمة جد قاسية عليَّ، فقد كان قداسته من أعز أصدقائي وأصحابي، وأقول أيضا أن هذا الرجل هو “عبقري المودة” ونحن مدينون له بذلك، لأنه جعل من المودة دواءً وعلاجاً لكثير من الأزمات والمشكلات والصدامات التي مرت في عهده بين المسلمين والأقباط.


ولد الدكتور علي السمان في مدينة القاهرة عام 1929م وتربى في محيط عائلي يؤمن بالوحدة الوطنية حيث ألحقه والده وهو ابن ست سنوات بمدرسة الأقباط الابتدائية في مدينة طنطا.
وتخّرج السمان من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وأكمل دراساته العليا في جامعة جرينوبل جنوب فرنسا، وأسس اتحاد الطلبة الأجانب للتصدي بموضوعية وحكمة الى شبهات أثيرت حول الوحدة الوطنية والعلاقات بين الأديان والحضارات، وذلك من خلال القاء ندوات ومحاضرات عقدها بالجامعة وعبر مقالات نشرت في الصحف الفرنسية.
واهتم المفكر الدكتور علي السمان بربط حوار الحضارات بحوار الأديان، ليكرس 60 عاما من حياته لتلك الرسالة منذ أن بدأها طفلا في مدرسة الأقباط الابتدائية الى أن بلغ أشده، ليتوج ذلك بعقد اتفاقية تاريخية بين الفاتيكان والأزهر الشريف عام 1998م، واتفاقية أخرى مكملة مع الكنيسة الانجليكانية في بريطانيا عام 2000م.




font change