مسرحية بريطانية تنقل شهادات حية لضحايا الثورة السورية

مسرحية بريطانية تنقل شهادات حية لضحايا الثورة السورية

[caption id="attachment_55239136" align="aligncenter" width="620"]ملصق مسرحية الخوف من التنفس ملصق مسرحية الخوف من التنفس[/caption]

يستند سيناريو المسرحية إلى مئات الساعات من المقابلات التي أجرتها المخرجة الانجليزية الشابة زوي لافرتي مع الثوار والنشطاء السياسيين السوريين بمساعدة صحفيين بريطانيين رافقاها قرابة شهرين برحلتها المثيرة للجدل الى مناطق الحوادث في سوريا وهما روث شيرلوك مراسل جريدة التلغراف، وبول وود من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حيث استطاع الثلاثة بروح المغامرة التجول في مدن سورية خفية لجمع المادة اللازمة للمسرحية، ورصد المغامرون الثلاثة الحياة اليومية للثوار ونقلوا تجارب السوريين الذين شاركوا في الثورة منذ أكثر من 17 شهرا وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من الجانبين.


كفاح من أجل الحرية




[caption id="attachment_55239137" align="alignleft" width="150"]مخرجة المسرحية زوي لافرتي مخرجة المسرحية زوي لافرتي [/caption]

تقول المخرجة زوي لافرتي لـ "المجلة": "إنَّ الخوف من التنفس رسالة قوية ومثيرة تعبر عن القلق العميق للثوار الذين يكافحون من أجل البقاء والحرية"، وأضافت لافرتي (26عاما): "لقد عايشت بنفسي جنباً الى جنب مع مراسل هيئة "بي بي سي" البريطانية في سوريا بول وود الحائز على جائزة الجودة، والصحافي البارز روث شيرلوك، فترات من الرعب وقمنا بالتحايل على الحظر المفروض على الإعلاميين والقيود الموضوعة على الحركة لجميع الأجانب، وتحدثنا مع الثوار وكذلك مع أنصار النظام وكان المواطنون العلويون والذين يحبون الرئيس السوري بشار الأسد ينتابهم الفزع من المستقبل من دونه، خشية من تعرضهم بعد سقوطه لعمليات انتقامية من الجيش الحر والمواطنين السنة.


الفيسبوك أصبح أداة ثورية




[caption id="attachment_55239138" align="alignright" width="150"]بول وود مراسل بي بي سي بول وود مراسل بي بي سي [/caption]

من جانبه يقول الناقد في القسم الثقافي بصحيفة "ذي غارديان" البريطانية دومنيك كافنديش: "مسرحية الخوف من التنفس ليست فقط تحقيقا صحفيا قام على التقارير الحرفية من داخل سوريا، ولكنها أيضا استحضار شديد اللهجة لمعركة الحياة أو الموت من أجل الحرية، كتب تفاصيلها ذوو الخبرة من الداخل والضحايا بأنفسهم، وكشفت قصصهم ومعاناتهم الشخصية بكل وضوح ودون أدنى تزييف مدى دموية وشراسة النظام الحاكم في سوريا".
وأضاف كافنديش: "أكدت المسرحية بوضوح مدى أهمية وسائل الإعلام الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر كأداة ثورية، في ظل نظام قمعي، ووسيلة مثالية للربط بين أبناء المجتمع، وقوة هائلة لحشد المناضلين والأحرار لمقاومة الظلم، وتنقل مقاطع اليوتيوب وقصص الرعب من الفيسبوك صوراً واقعية من الداخل الى أنحاء العالم بكاميرات وأصوات وأقلام المقهورين".
ونجحت المسرحية في التأكيد على أنَّ انضمام الجيش الحر الى النشطاء المدنيين لمقاومة النظام القمعي يجعلهم أكثر تصميما على الكفاح من أجل حريتهم، وأثبتت أنَّ هناك وعياً عاماً بأن الحرب الحديثة وضعت وسائل الإعلام الإجتماعية جنبا إلى جنب مع الجندي والمقاوم في الميدان، فالناشط الذي يصور الحوادث التي تظهر أشكال القمع والتعذيب والقهر ويضعها على صفحات الفيسبوك أو الذي يستخدم السكايب للاتصال بالخارج لنقل المعلومات والحوادث للإعلام العالمي لا يقل عمله عن الجندي في الميدان في حروب وانتفاضات الربيع العربي.


الخوف من التنفس



[caption id="attachment_55239139" align="alignleft" width="300"]مشهد تعذيب احد النشطاء مشهد تعذيب احد النشطاء[/caption]


يظهر مع بداية المشهد الأول للمسرحية عدد كبير من الملصقات الممزقة للرئيس بشار الأسد وسط الظلام، وتومض عبارات على شاشات تعلو خشبة المسرح تقرر أن "القصص حقيقية، الشخصيات واقعية، الكلمات هي طبق الأصل".
وتظهر لقطات تلفزيونية على الشاشات بثت تقارير عن القتال ومقابلة باربرا والترز مع الرئيس الأسد، وتنقل الشاشات أحاديث مسجلة لكوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة السابق الى سوريا، والسياسيين البريطانيين والأمريكيين فقط، والتي أجمعت على إدانة الأصوات المؤيدة للنظام السوري من روسيا أو الصين أو إيران، وأشارت الى عدم قدرة الغرب على التصرف أو فرض عقوبات مؤثرة ورادعة على سوريا.
ومن اللافت للنظر هو غياب أية لقطات فرنسية وعربية لاسيما وأنَّ لفرنسا -المستعمر السابق لسوريا- مواقف أكثر تشددا من بريطانيا ضد الفيتو الروسي والصيني، وللرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس تصريحات تدين تقاعس مجلس الأمن –حسب التعبير الفرنسي - عن اتخاذ قرارات رادعة بحق النظام السوري، ومطالبة بموقف عالمي موحد لإسقاط بشار الأسد، وفي الوقت الذي بثت فيه المسرحية تصريحات لكوفي عنان الممثل السابق للأمم المتحدة في سوريا تجاهلت خطط الجامعة العربية لإنهاء الأزمة السورية ومشاركتها للأمم المتحدة في ايفاد عنان الى سوريا ومن بعده الأخضر الابراهيمي وزير الخارجية الجزائري الأسبق، كما تجاهلت الموقف التركي المناويء بقوة للنظام السوري.

[caption id="attachment_55239143" align="alignright" width="194"]لقطة من المسرحية لقطة من المسرحية[/caption]


وتعليقا على ذلك يقول الناقد المسرحي البريطاني المخضرم وليام راسيل: "إنَّ الخوف من التنفس عمل فني ينتمي الى المسرح السياسي يهدف صراحة وبكل وضوح إلى تعزيز الثورة السورية، وللمخرجة المسرحية قناعة خاصة ورغبة واضحة في تدخل القوتين الرئيستين بريطانيا وأمريكا عسكريا في سوريا كما تدخلا من قبل في العراق ونجحا قبل نحو عقد من الزمان من القضاء على النظام البعثي العراقي الصدامي".
وتستخدم المسرحية على ما يبدو أسلوب الإتهام والمواجهة، حيث انتهى الفصل الأول بتوجيه الاتهامات للنظام السوري بالصوت والصورة وشهود العيان بأنه قمعي وحشي فاسد وغير شرعي، أما الفصل الثاني فخصص لمواجهة النظام بأعمال عسكرية من الجيش الحر والثوار لاقتلاعه والقضاء عليه، كما حاولت اللغة المستخدمة في المسرحية إقناع الجمهور بأنَّ الحل العسكري ربما هو الخيار الوحيد للقضاء على النظام السوري وأنَّه لا مجال للدبلوماسية أو التفاوض، ولذلك انحاز العمل لأمريكا وبريطانيا دون غيرهما.


إشكالية المقابلات الإثنوغرافية




ويشير راسيل أن "الخوف من النفس" عالجت إشكالية المقابلات الإثنوغرافية أي عندما يتقابل الصحافي الغربي بمواطنين غير غربيين،لديهم لغة وثقافة مختلفة في حالة حرب، يصعب عليه نقل صورة واقعية للإعلام العالمي، ولكن المسرحية نقلت شهادات شهود العيان وصاغتها فنيا بواسطة مجموعة مثيرة للإعجاب من الممثلين بشكل مبهر سيستفيد منها الكاتب الصحفي والمسرحي العربي حيث نجح العمل في ايصال الحالة الانسانية المزرية في سوريا وأظهرت مأساة الحرب الأهلية الطائفية التي تتكشف أمامنا، كما نقلت تداخل شعور النشطاء السوريين من التفاؤل والأمل والغضب، وبعثت المسرحية برسالة استغاثة للجمهور البريطاني للضغط على الحكومة البريطانية للتحرك السريع نحو عمل رادع ضد سوريا.
وتعد مسرحية "الخوف من التنفس" وسيلة لمساعدتنا على فهم ما هو بداخل السوريين ومشاركتهم في النضال ضد نظام الأسد، وأظهرت أنَّ التحدي هو أسلوب المخرجة لافرتي فهي ترى أنَّ الفن يجب أن يثير المشاهد، لأنَّ العروض الفنية القوية تجبر المشاهد على التخيل وهو بدوره يقوده الى إعادة التفكير في قضية ما.


مشاهد مؤثرة




ومن المشاهد المؤثرة في المسرحية -التي استمرت مدة ساعتين في فصلين- هو ما جاء في الفصل الأول عندما ركزت حزمة من الضوء على طالب جامعي أثناء تعذيبه في السجن لحمله شرائط فيديو تدعم الانتفاضة على حكم الرئيس السوري، قام ببثها عبر حسابه الشخصي على الفيسبوك.. ومشهد آخر يتحدث فيه جندي منشق عن جيش النظام عن التمييز الذي كان يلاقيه في الجيش، وعن المدنيين الذين شاهدهم وهم يُقتلون في الاحتجاجات السلمية".

[caption id="attachment_55239140" align="alignleft" width="150"]ماري كولفين ماري كولفين [/caption]

وتنخفض إضاءة المسرح لتدخل ناشطة سياسية و بعض المواطنين من الرجال من الذين انضموا إلى الجيش السوري الحر، ومصور أجنبي -لم يكشف عن إسمه-، ويفترض أنه المصور الصحفي بول كونروي الذي كان بصحبة الأمريكية ماري كولفين مراسلة صحيفة "الصنداي تايمز" البريطانية التي قتلت مع المصور الفرنسي ريمي اوشليك من قبل النظام السوري في فبراير/ شباط الماضي 2012 في حادث مروع، وقال المصور -بنبرة صوت حزينة- أنَّ كولفين تلقت نصيحة قبل مقتلها بمغادرة حمص لأنَّ القوات السورية كانت تستهدف الإعلام الاجنبي المرتجل، إلاّ أنها أظهرت شجاعة كعادتها وأصرت على مواصلة عملها من داخل الميدان.
وتعيد المسرحية مشاهد التعذيب الوحشية وغالبا ما تكون أكثر تأثيرا من الكلام على الجمهور بوصفها استغاثة ودعوة إلى العمل لإنقاذ الشعب السوري، ونداء إلى العالم للتحرك بشكل أكثر ايجابية.


الانشقاقات وصرخات الأمّهات والأيتام




وركزت المسرحية على القصص التي توضح الفجوة العميقة بين العلويين والسنة الذين يشكلون غالبية السكان، وروت قصة حقيقة لجندي اسمه محمد، خدم لمدة سنة واحدة في الجيش النظامي للأسد وهو جندي علوي وكيف أنَّه اضطر في مشهد مؤثر إلى التخلي عن موقعه لأنه لم يعد قادرا على الإستمرار في إطلاق النار على الأبرياء، ومشهد آخر لأمٍّ حزينة تروي كيف قُتلت ابنتها من قبل حراس الأسد، فأبكت الجمهور البريطاني بروايتها عن وحشية النظام وطريقة مقتل ابنتها الوحيدة، وتقول أنَّ الحراس قالوا لها لا أحد أكبر من بشار".
مسرحية الخوف من التنفس نقلت شهادات حية وواقعية لضحايا النظام القمعي البعثي من داخل سوريا ونجحت في كسب تأييد وتعاطف جمهور المسرح البريطاني مع أزمة الشعب السوري.

font change