شبح "شراء الأصوات" يخيّم على انتخابات البرلمان الأردني

شبح "شراء الأصوات" يخيّم على انتخابات البرلمان الأردني

[caption id="attachment_55241465" align="aligncenter" width="620"]المال السياسي يهدد سلامة انتخابات الأردن المال السياسي يهدد سلامة انتخابات الأردن[/caption]


ظاهرة المال السياسي - أو ما يعرف كذلك بشراء الأصوات - أصبحت ظاهرة مقلقة تهدد تعهدات الدولة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة خصوصا مع اتساع الظاهرة في الكثير من الدوائر الانتخابية لدرجة أن عددا من المرشحين أعلن انسحابه بسبب هذه الظاهرة.

وصف اللواء المتقاعد المرشح النيابي عبد الجليل المعايطة في مؤتمر صحافي -عقده لإعلان انسحابه من الانتخابات- المال السياسي بالقول "أدركت أن التزوير الذي تعهدت الدولة باستحالته أخذ شكلاً آخر، وهو مصادرة إرادة الشعب من خلال المال السياسي والذي تجلى واضحاً في الشارع وأصبح سعر الصوت أو سعر الإنسان الأردني مطروحاً للتداول".

مظاهر عديدة لاستخدام المال السياسي في الانتخابات الحالية، أبرزها أن يدفع رجال أعمال مبالغ مالية لأشخاص قصد إعداد قوائم انتخابية مقابل تمويلها، وتبرم عدد من المواطنين المتواصل من ظاهرة شراء الأصوات والذي لفت انتباه عدد من كتاب الصحف.

وجاء في تقرير للتحالف المدني لمراقبة الانتخابات (راصد) أن :"فريقه رصد في فعاليات الأسبوع الأول من الحملات الانتخابية تزايداً ملحوظاً في الحديث عن عمليات شراء الأصوات في الكثير من الدوائر الانتخابية. و صارت هذه الظاهرة عائقاً أمام العملية الانتخابية. كما يجري الحديث عن سيناريوهات متعددة لشراء الأصوات، مثل توقيع العقود للعمل مع المرشحين وقت الحملات الانتخابية، أو تقديم تبرعات أو دفع أقساط طلبة جامعيين."

في المقابل، لا تنكر الجهات المشرفة على الانتخابات -والتي تعهدت بنزاهتها- وجود المال السياسي. ويؤكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب عبد الإله الخطيب، "وجود معلومات وردت على الهيئة أشارت إلى وجود مال سياسي". غير أن معاقبة العابثين في الانتخابات النيابية تتطلب جهدا كبيرا وفي حالات يصعب إثباتها، ويقول الخطيب إن: " هذه الحالة تتطلب متابعتها من الجهات الأمنية المتخصصة وحال توفر الدلائل سيحال أصحابها إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة حيالهم".

اللافت أن الدولة الأردنية - وعلى رأسها الملك عبدالله الثاني- تعهدت بانتخابات نزيهة، لاسيما وأن ثقة الناخبين بنزاهتها في تراجع بسبب اعترافات ضمنية صدرت عن مسؤولين أردنيين زعموا فيها أن انتخابات سنة 2010 كانت مزورة، فيما تكررت اعترافات رسمية بتزوير انتخابات 2007. ومن بين هؤلاء المسؤولين رئيسُ مجلس الأعيان طاهر المصري وهو رجل مقرب من القصر ويحظى بثقته.

وما قد يؤكد وجود المال السياسي، تصريحات الناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب حسين بني هاني والتي يقول فيها إن: "من ينفي وجود المال الفاسد واهم ويكذب على الناس"، غير أن:" مصدرا حكوميا يشدد على أن :"الحكومة جادة في تقديم كل دليل تملكه على المال السياسي"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه "لا توجد لدينا أي حالة."
ويذكر بني هاني أن :"الهيئة أحالت قضيتين إلى القضاء وهما قضية سيدة أُلقي القبض عليها في مدينة السلط، وكانت تتفاوض على شراء أصوات، وقضية النائب السابق يحيى السعود" بسبب احتجازه بطاقات ناخبين.

شيوع المال السياسي في الانتخابات الحالية قد يُلحق بثقة الناخب الأردني في دولته ضربة قوية، وهذا ما يؤكده الخطيب بقوله إن: "الدولة الأردنية لا تحتمل العبث في العملية الانتخابية، وإن الهيئة ستعمد إلى اتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بنجاح العملية الديمقراطية وحال وجود أي اختلال سيعلنُ ذلك أمام الملأ."

ورغم تفشي الحديث عن المال السياسي لم يتقدم أي مواطن ببلاغ رسمي، وهو ما يشير إليه بني هاني الذي يتساءل: "هل تقدم مواطن ببلاغ للهيئة ولم تجر متابعة البلاغ ومتابعة المعلومات؟" ويقول بني هاني "لا يخفى على أحد الآن أن شراء الأصوات والذمم مخالفةٌ كبيرة لقانون الانتخاب." ويبين أن :"آذان كل القائمين على الهيئة واذهانهم مفتحة على كل شكاية أو تنبيه من أي مواطن يقدم معلومة مسندة ومدعمة عن عمليات بيع وشراء وسمسرة أصوات قد تؤثر على مسار عملية الانتخابات في أي بقعة في المملكة، لتقوم بواجبها في ملاحقته، ولاسيما أن القانون أعطاها صفة الضابطة العدلية".

[caption id="attachment_55241466" align="alignleft" width="200"]حسين بني هاني حسين بني هاني [/caption]


ويشير بني هاني إلى أن :"استغلال الناس وحاجاتهم يشكل التفافا على مصالحهم الحقيقية، ويرسم صورة غير حميدة، وعلى المواطن أن يشكك في نية وأهلية من يقدم مالا أو هدايا عشية الانتخابات، سواء أكان فردا أم جماعة أم حزبا"، واصفا ذلك بنوع من الاحتيال والالتفاف على أحكام القانون. ويوضح الناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب كيف يصعب اكتشاف المال السياسي، "لأنه يجري خلف الكواليس، ما يجعل من المعلومة التي يوفرها المواطن في منتهى الأهمية لمن عُرض عليه مال سياسي"، مذكرا بأهمية الإثبات بالأدلة القاطعة في مثل هذه الوقائع.

وﻣﻦ اﻟﻤﺮﺟﺢ أن ﺗحذﻳﺮ اﻟﻤﻌﻨﯿﯿﻦ بنزاهة الاﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺎل اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄ ﺑﺘﻘﺎرﻳﺮ أوﻟﯿﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻟﺠﺎن ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺴﻔﺎرات ﻏﺮﺑﯿﺔ ﺗﺮاﻗﺐ الاﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻷردﻧﯿﺔ بصفة مستقلة. وﻳﻌﺘﺮف ﻣﺴؤولون ﻛﺒﺎر ﺑﺄن ﺣﻀﻮر الاﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎفظات ذات اﻟﺜﻘﻞ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮي ﻣﻌﻘﻮل أو ﻳﻤﻜﻦ تعزيزه ﻟﻜﻦ ﻧﺴﺒﺔ الاهتمام ﺑﺎلاﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻓﻲ ﻣدن ﻛﺒﯿﺮة وﻛﺜﯿﻔﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻋﻤﺎن والزرقاء وإربد ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻘﻠﻘﺔ ﺟﺪا بسبب عدم تفاعل المواطنين مع الحملات الانتخابية.

وﻋﻠﻰ ﺻﻌﯿﺪ آﺧﺮ، ﺑﺪأت فعاليات ومؤسسات المجتمع المدني ﺗﻘﺪر ﻣﺒﻜﺮا ﺑﺄن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻤﺸﺎرﻛﯿﻦ ﻓﻲ الاﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﻤﻘﺮرة ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸهر اﻟﻤﻘﺒﻞ قد تكون متدنية اﻷﻣﺮ اﻟﺬي يهدد ﺿﻤﻨﯿﺎ ﺷﺮﻋﯿﺔ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻹﻧﺘﺨﺎﺑﯿﺔ. توقع تدني نسبة الاقتراع مرده مقاطعة شرائح عديدة من المجتمع الأردني للانتخابات ومن أهمها حركة الأخوان المسلمين، ويقول نائب المراقب العام للجماعة زكي بن ارشيد إن :"ﺗﺪﻧﻲ ﻧﺴﺒﺔ الاﻗﺘﺮاع ﻗﺪ ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎت إلى العبث أو اﻠﺘﺰوﻳﺮ بهدف تضخيم ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻤﻘﺘﺮﻋﯿﻦ."


ويعتبر أمين عام حزب الوسط الإسلامي الدكتور محمد الحاج أن الفئة التي تستخدم المال السياسي هم أشخاص محدودون أصبحوا أثرياء بطريقة غير مشروعة ولذلك تراهم يغدقون المال على المواطنين لشراء ذممهم مستغلين حاجتهم. ودعا الحاج الهيئة المستقلة للانتخابات إلى ملاحقة كل من يعمل على شراء أصوات الناخبين، وضرورة شن حملة على هؤلاء وتوعية الناس أيضا.

يطالب سياسيون وإعلاميون بايقاع العقوبات التي تنص عليها القوانين والتشريعات المنظمة للحياة الديمقراطية على أصحاب المال السياسي الذي يزحف خفية. ويقول منسق التحالف المدني (راصد) عامر بني عامر من جهته إن "تصويت الأمي هي أهم أداة من أدوات المال السياسي، وأنه من المآخذ التي تشكل خطرا جسيما على العملية." ويقول بني عامر إن النص القانوني الخاص بـ"التصويت الأمي" لا يساعد كثيرا في الحد منه، مبينا أهمية إيجاد تعليمات مدعمة لنص المادة 39 من قانون الانتخاب لإيجاد حلول لتمكن الأمي من الإدلاء بصوته من دون الإشهار باسم مرشحه للانتخاب، موردا ثلاثة طرق مستخدمة دوليا لتحقيق ذلك، ابرزها وضع اشارة أو دائرة على صورة مرشحه للانتخاب." ويضيف قائلا إن :"هذه المعضلة ما تزال محل بحث مع الهيئة المستقلة للانتخاب، إلا أن التوافق على طريقة للتغلب عليها لم تتم لحد الآن."

وفيما يتعلق فيمن يثبت عليه تصويته أميا وهو ليس بأمي أعرب بني عامر عن أسفه قائلا: "لم يُحاسب أحد". ويشير بني عامر إلى أن :"هناك أشخاصا ما زالوا يحتجزون بطاقات انتخابية بالتواطؤ." ويفرض قانون الانتخاب عقوبة صارمة على استخدام المال السياسي، وصنف هذه الجريمة ضمن الجنايات التي يُعاقب مقترفها بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثلاثة أعوام ولا تزيد عن سبع.

بات المال السياسي يشكل هاجسا للحكومة والمرشحين لأن ازدياد الظاهرة سيفاقم فقدان ثقة الشعب بمؤسسة مجلس النواب الجديد الأمر الذي سيزيد من الأزمة السياسية بين المعارضة والحكومة.
font change