حزب الله في سوريا: الذرائع.. القتلى.. والمصير

حزب الله في سوريا: الذرائع.. القتلى.. والمصير

[caption id="attachment_55245572" align="aligncenter" width="620"]تحوّل حزب الله إلى مجرد ميليشيا طائفيّة مسلحّة تعمل بأوامر إيرانية تحوّل حزب الله إلى مجرد ميليشيا طائفيّة مسلحّة تعمل بأوامر إيرانية[/caption]

دأب حزب الله منذ اندلاع الثورة السورية على نفي تدخله الميداني في سوريا تحت ذريعة أن نظام الأسد ليس بحاجة إلى مقاتلين يدعمونه، وأن لديه ما يكفي للدفاع عن نفسه كما صرّح بذلك الأمين العام ونائبه. لكن مع ظهور دلالات حقيقية منذ بداية العام 2013 على تواجد حزب الله في الداخل السوري ومشاركته النظام في سفك دماء الشعب السوري، حاول الحزب التهرب من الموضوع بداية، كما عزف عن إعطاء تفسيرات لتبرير تصرفاته، ثم ما لبث أن بدأ بتبرير متدرج يهيئ الأرضية من خلاله إلى قاعدته الشيعية، كما يرسل برسالة إلى جهات مختلفة، وقد جاء التدرج في التبرير على الشكل التالي:

• التدخل يحمل طابعًا فرديًّا غير مرتبط بقرار حزبي أو مركزي بالقتال في سوريا.
• التدخل هدفه حماية قوى الممانعة من المؤامرة والدفاع عن فلسطين.
• التدخل يهدف إلى حماية العتبات المقدسة ومحاربة الجماعات "الإسلامية" التي يحرص على تصنيفها بالـ"تكفيرية" كرسالة للغرب.
• التدخل يتم للدفاع عن اللبنانيين في الخارج، ومن بينهم اللبنانيون المقيمون في سوريا وعلى الحدود.

هذه التبريرات ظلّت تنساق حتى نهاية شهر أبريل نيسان 2013 تقريبًا، حيث قام نصر الله بزيارة للجمهورية الإيرانية في 24 أبريل نيسان 2013 تبعها بزيارة سريّة أخرى أوائل شهر مايو أيار 2013 تمخّض عن تلك الزيارتين قرار حاسم برمي حزب الله لكل ثقله في كفّة النظام السوري مهما كلّف الأمر، معبّرا عن ذلك بقوله أنّ للنظام السوري أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا بسقوطه، وقد ساق نصر الله قرار حزبه في التدخل الكبير في 19 مايو أيار 2013 بأنّه يأتي لحماية ظهر المقاومة، ولصد خطر من أسماهم "التكفيريين" المنتشرين على الحدود مع لبنان. وقد بدا أنّ الإشارة إلى ما اسماه "التكفيريين" رسالة مدروسة إلى الجانب الأمريكي والإسرائيلي يقول من خلالها أنّ تدخله في سوريا إنما يأتي لمقاتلة هؤلاء الذين يشكلون معضلة أيضًا لهم، وهو الأمر الذي يفسر السكوت الإسرائيلي والأمريكي على قرار إيران وخطوة حزب الله الأخيرة الكبيرة والواسعة. بل إنّ المعلق الإسرائيلي "جاكي كوخي" كتب تقريرًا في صحيفة معاريف في 31/5/2013 يقول فيه صراحة أنّ هناك التقاء مصالح غير معلن بين إسرائيل وحزب الله بشأن الموقف من نظام الأسد.



مناطق عمليات حزب الله داخل سوريا





على الرغم من أنّ عددًا من التقارير تركّز مؤخرًا على تواجد مقاتلي حزب الله في القصير على الحدود مع لبنان، إلا أنّ خارطة انتشار الحزب تتعدى هذا النطاق لتشمل مناطق بعيدة كل البعد عن الحدود السورية- اللبنانية، وتشمل محاور انتشاره العسكري داخل سوريا كل من:

1- دمشق: منطقة السيدة زينب ومحيطها
وتؤكد معلومات من داخل سوريا وجود مجموعات شيعيّة غير سوريّة في تلك المنطقة إلى جانب حزب الله اللبناني من ضمنها عناصر من جيش المهدي العراقي، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، بالإضافة إلى مقاتلين شيعة من أفغانستان واليمن شكّلوا لواءً عسكريًّا حيث يعوّل نظام الأسد على صمودهم في تلك المنطقة.
ويتّخذ المقاتلون الشيعة الأجانب من المزارات ومكاتب المرجعيات الشيعية والأحياء الشيعيّة في دمشق ومحيطها مراكز تجمّع لهم ينطلقون منها لشن هجمات على المدنيين والجيش الحر (خاصة منطقة الحجر الأسود المجاورة) بالتعاون مع القوات السورية والشبّيحة تحت ذريعة "الدفاع عن المزارات الدينية" كما يتواجدون في مناطق أخرى مثل دارايا (مقام سكينة).

وتكمن أهمية منطقة السيدة زينب بالنسبة إلى حزب الله في أنّها تضم أعدادًا كبيرة من الشيعة السوريين وغير السوريين، وبالتالي فإنها منطقة عمل آمنة بالنسبة لهم، وتعد بمثابة موطئ قدم داخل العاصمة دمشق، وعلى مقربة من المواقع الإستراتيجية خاصة أوتوستراد دمشق – بيروت. كما أنّها تعدّ منطلقًا خلفيّا للهجوم من الخلف على الأحياء المؤيدة للجيش السوري الحر داخل دمشق. يمكن لوجود حزب الله أن يحظى بشرعية تحت ذريعة وجود معلم شيعي مهم هو مقام السيدة زينب.

2- ريف دمشق: منطقة الزبداني على الحدود مع لبنان
وتعد منطقة الزبداني وجوارها من أهم المناطق من الناحية الإستراتيجية ليس للنظام السوري فحسب وإنما أيضًا للنظام الإيراني ولحزب الله اللبناني. إذ تُعتبر المنطقة بسبب موقعها الجغرافي الذي يمتد في عمق التضاريس اللبنانية الممر الحيوي والشريان الأساسي للإمدادات التي كان يتم إرسالها من إيران عبر سوريا إلى حزب الله.
وقد تمّ استخدام هذه المنطقة في الثمانينات من قبل الحرس الثوري الإيراني كنقطة انطلاق إلى العمق اللبناني. وهي تضم حاليًا مخازن أسلحة إستراتيجية لحزب الله وأيضًا معسكرات تدريب مقاتلين وممرات إمداد لوجستي من سوريا إلى داخل الأراضي اللبنانية، وهي تؤمن سهولة الحركة من داخل سوريا إلى منطقة البقاع اللبنانية.

وتشير المعلومات إلى أنّ حزب الله انخرط بشكل مكثف في المعارك التي دارت في المنطقة إلى جانب القوات النظامية السورية لاسيما في بداية عام 2012. ثمّ عاد واستخدم هذه المنطقة في شهر يوليو تموز 2012 من أجل إرسال حوالي ألف مقاتل عبروا من منطقة البقاع اللبنانية بواسطة قوافل صغيرة وعلى فترات زمنية متباعدة، حيث توزعت مجموعات منهم على مناطق "الزبداني"، "كفر يابوس"، "حي السيدة زينب".
ولوحظ ارتفاع عدد مقاتلي حزب الله الذين يشاركون في القتال إلى جانب جيش النظام السوري في شهر أغسطس آب 2012، حيث تشير التقديرات إلى سقوط حوالي 30 عنصرًا وتابعًا لحزب الله في الزبداني والمناطق المحيطة بها غالبيتهم من قرى كرك والجديدة وكفريابوس اللبنانية.
وقد شهدت هذه المنطقة وفق عدد من المصادر مقتل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني حسن الشاطري. ففي 14 فبراير شباط 2013، أعلنت السفارة الإيرانية في بيروت عن مقتل رئيس هيئة إعادة الإعمار الإيرانية في لبنان "حسام خوش نويس" أثناء عودته من سوريا إلى بيروت، وذلك عبر ما سمّته "مجموعات إرهابية"، وأنّه كان في مهمّة لتقييم الوضع في سوريا من أجل التحضير لعملية إعادة الإعمار.
وقد تبيّن فيما بعد أنّ حسام خوش نويس هو نفسه الجنرال في الحرس الثوري الإيراني (فيلق القدس) حسن شاطري، وهو أعلى رتبة في الحرس الثوري يتم قتلها حتى الآن خارج إيران.
[caption id="attachment_55245575" align="alignleft" width="300"]جانب من الدمار الذي تعرضت له مدينة حمص في سوريا جانب من الدمار الذي تعرضت له مدينة حمص في سوريا[/caption]
[blockquote]لمنطقة القصير أهمية على أكثر من صعيد بالنسبة إلى حزب الله، فالسيطرة عليها من شأنه أن يمنع التواصل بين كتائب الجيش الحر في شمال سوريا وتلك الموجودة في جنوب البلاد، وبالتالي تعرقل تقدّم العمليات باتجاه حمص والعاصمة دمشق وتقطع أيضًا عمليات الإمداد للمعارضة السورية.[/blockquote]




3- حمص: منطقة القصير
وهي من أكثر المناطق التي شهدت تورطًا علنيًّا لحزب الله في الداخل السوري سيما خلال شهر فبراير شباط 2013، حيث شهدت المنطقة معارك كبيرة كما سبق وذكرنا، وهو ما يطرح تساؤلات حول أهمية المنطقة والسبب الذي دفع حزب الله إلى الزج بعناصره داخل المنطقة بهذا الحجم.

والحقيقة أنّ للمنطقة أهمية على أكثر من صعيد بالنسبة إلى حزب الله:
• ديمغرافيًا: تتواجد في محيط القصير عدد من القرى السورية التي يقطنها شيعة في الجانب السوري، وفي مقابلها قرى شيعيّة أيضًا في الجانب اللبناني. وعليه فهي تعد بيئة مناسبة لتواجد وعمل عناصر حزب الله. وهو يعمل هناك على تخفيف الأعباء عن الجيش النظامي الذي يعمل على توفير الغطاء الجوي لعناصر حزب الله في المنطقة.

• لوجستيًا: تعدّ المنطقة المحيطة بالقصير ممررًا لتأمين الدعم اللوجستي القادم من إيران عبر سوريا إلى حزب الله (بالإضافة إلى منطقة الزبداني التي تحدثنا عنها) لاسيما فيما يتعلق بالأسلحة. وقد اكتسبت هذه المنطقة أهمية متزايدة خاصة بعد تمركز حزب الله بعيدًا عن خط الليطاني بعد حرب عام 2006، وهذا يتطلب بالإضافة إلى تأمين خط دمشق بيروت، تأمين خط حمص بيروت الأكثر أهميّة.

• إستراتيجيًا: تعتبر هذه المنطقة المعبر الوحيد الآمن للنظام السوري في حال كان هناك خطّة لديه للانسحاب من دمشق إلى الساحل السوري لإقامة دولة علويّة. وهذا السيناريو يتطلبّ أيضًا تأمين هذه المنطقة، وحزب الله هو الأكثر قدرة على مساعدة النظام السوري في تحقيق هذا الأمر.

بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على هذه المنطقة من قبل حزب الله والميليشيات التابعة للنظام السوري من شأنه أن يمنع التواصل بين كتائب الجيش الحر في شمال سوريا وتلك الموجودة في جنوب البلاد، وبالتالي تعرقل تقدّم العمليات باتجاه حمص والعاصمة دمشق وتقطع أيضًا عمليات الإمداد للمعارضة السورية. وتمنع سيطرة حزب الله على المنطقة بعض القرى السنيّة على الجانب اللبناني من إرسال الدعم إلى الثوّار السوريين داخل سوريا كمنطقة عرسال اللبنانية.

وتعدّ منطقة غرب حمص على الحدود اللبنانية حلقة وصل بين علوي وشيعة سوريا (المنتشرين على الساحل السوري وأطراف حمص)، وبشيعة لبنان في (الهرمل والبقاع). وهو مخطط يسعى إلى تنفيذه حزب الله منذ زمن، إذ عكف خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد العام 2006 على شراء أراضي من الطوائف الأخرى السنة والمسيحيين والدروز بمساحات هائلة من أجل إنشاء امتداد طبيعي للشيعة الموجودين في جنوب لبنان وأولئك الموجودين في البقاع والهرمل، ووصلهم أيضًا بالشيعة الموجودين في سوريا علويي والساحل السوري.

كما يساعد تواجد حزب الله في القصير وما حولها على إجراء عملية ربط نزاع في حال تمّ تغيير النظام السوري وجاء نظام جديد غير صديق لحزب الله.

4- درعا: منطقة بصرى الشام
مؤخرًا تم تسجيل حضور لمقاتلي حزب الله في منطقة بصرى الحرير في محافظة درعا، وهي منطقة بعيدة جدًا عن الحدود مع لبنان، ومن غير المعروف تحديدًا سبب وجود حزب الله في هذه المنطقة، لكن المعتقد ضمن السياق العام أنّ عناصر حزب الله قد تمّ إرسالها إمّا إلى النقاط المحاذية للمعارضة والمراد اقتحامها، وأما إلى المناطق التي تتراجع فيها قوة النظام، ويحتاج إلى دعم فيها، وهذا ما هو حاصل في منطقة درعا، إضافة إلى كون المنطقة قريبة من الحدود الأردنيّة، ومن الممكن استغلالها أيضًا لقطع طرق الإمداد للمعارضة أو قطع الطريق أمام الهاربين منها.
كما يتواجد الحزب في منطقة حلب وفي أحياء مثل أحياء الزهرة ونبل.




مقاتلي وقتلى حزب الله في سوريا





المعلومات الواردة حول طبيعة المقاتلين الذين يقوم حزب الله بإرسالهم إلى الجبهة السورية تشير إلى أنّه تمّ اختيارهم بناءً على ثلاث مراحل. تضمنت المرحلة الأولى إرسال بعض القيادات في النخبة المقاتلة القديمة مدعومة بمتطوعين من الحزب وخارج الحزب. المرحلة الثانية تضمنت إرسال أعداد كبيرة من قوات النخبة من الشباب في العشرينيات ممن تم تجنيد وتدريب غالبيتهم العظمى بعد حرب يوليو تموز 2006.
المرحلة الثالثة تضمنت إرسال أعداد كبيرة لقوات النخبة المقاتلة من الجيل القديم الذي خبر عدّة حروب مع إسرائيل، وتم سحبهم من منطقة الجنوب اللبناني ومناطق حساسة أخرى باتجاه مناطق العمليات في سوريا لاسيما في القصير.

وتشير التقديرات المحافظة حول عدد المقاتلين المنتمين إلى قوات النخبّة عالية التدريب والتسليح التابعة لحزب الله والذين دخلوا إلى الأراضي السورية إلى حوالي 3000 إلى 4000 مقاتل وفق تقديرات الاستخبارات الفرنسيّة مقابل 7000 وفق تقديرات الجيش الحر، قُتِل منهم أكثر من 138 عنصرًا حتى نهاية شهر إبريل وفق تقديرات الأمين العام الأول لحزب الله صبحي الطفيلي حتى نهاية شهر إبريل، وما يزيد عن 200 عنصر وفق تقديرات خبراء متابعين عن نفس الفترة.

أمّا معركة القصير فيقدّر عدد قتلى حزب الله فيها أكثر من 114 من بينهم عدد كبير من النخبة سقطوا خاصّة في اليومين الأوّلين من الهجوم الكبير الذي شنّه الحزب بدعم من جيش الدفاع الوطني والجيش الشعبي والحرس الجمهوري والجيش النظامي، والذي بدأ في 19/5/2013، وانتهى باحتلال المدينة في 5/6/2013.
وإذا ما قسنا نسبة المشاركين الفعليين من حزب الله داخل سوريا بنسبة قتلاه هذه، فسنجد أن العدد مرتفع جدًّا، وهي المرة الأولى التي يمنى فيها الحزب بمثل هذه الخسائر إذا ما أخذنا في عين الاعتبار مدى خبرته القتالية واحتراف عناصره وقدراتهم القتالية العالية والتجهيزات القتالية التي يتمتعون بها، في مقابل تواضع قدرات وتجهيزات الثوار السوريين في القصير.
أما إذا قسنا هذه الخسائر بقتلى حزب الله في حرب تموز 2006 والتي قيل أنها تتراوح بين 500 و 600 عنصر على مدى شهر ونيّف، فسنجد أنها نسبة مرتفعة جدًا وتكاد تبلغ حوالي 50%. ومن الممكن القول أنّ ذلك يعود إلى عدّة عوامل منها:

1) أنّ معظم مقاتلي النخبة الحاليين هم من جيل ما بعد حرب تموز 2006، حيث تمّ تجنيدهم آنذاك لتعويض النقص الحاصل نتيجة العدد الكبير لقتلى حزب الله في تلك الحرب، ومعظم هؤلاء لم يخوضوا حربًا حقيقية رغم تدريبهم العالي وهو ما تدل عليه معدّلات إعمار قتلاهم (معظمهم في العشرينيات).

2) أنّ الأرض التي يقاتلون عليها لا يعرفونها جيدًا كما هو الأمر في جنوب لبنان. فباستثناء بعض القرى الحدودية التي تضم شيعة يؤمنون البيئة المناسبة لاحتضان قوات حزب الله، فإن باقي أماكن عمليات حزب الله على مساحة سوريا لا توفّر هذا الغطاء باستثناء بعض الأحياء الشيعية حول المزارات.

جندي-من-الجيش-السوري-الحر
[blockquote]تشير التقديرات المحافظة حول عدد المقاتلين المنتمين إلى قوات النخبّة عالية التدريب والتسليح التابعة لحزب الله والذين دخلوا إلى الأراضي السورية إلى حوالي 3000 إلى 4000 مقاتل وفق تقديرات الاستخبارات الفرنسيّة مقابل 7000 وفق تقديرات الجيش الحر.[/blockquote]



3) عنصر المفاجأة. إذا قلّل حزب الله من قدرة المقاتلين في القصير على الصمود، كما أنّه لم يتوقّع لجوءهم إلى تكتيكات مبتكرة. لم يخطئ حزب الله في تقديراته حول نوعيّة السلاح الموجود لدى المقاتلين وهو خفيف ومحدود ولا إمداد له، كما لم يخطئ تقدير أعدادهم، لكنّه استهان بقدرتهم على الرد. وقد اعتمد هؤلاء على تكتيكات شكّلت صدمة لدى حزب الله منها زرع الألغام من المناطق التي انسحبوا منها، وحفر ممرات سريّة واعتماد القناصة.

وتشير تقارير إلى أنّ هذا التكتيك أدى في اليوم الأول من الهجوم إلى سقوط أكثر من 20 عنصرًا من قوات النخبة لدى حزب الله في كمين واحد عبر الألغام، ناهيك عن كمائن تم تنفيذها من خلال حفر الخنادق والممرات داخل الأرض ومفاجأة القوات المهاجمة من الخلف، ناهيك عن القناصة .



مصير حزب الله بعد التدخل في سوريا





يطرح التدخل العسكري لحزب الله في سوريا مسألة الانعكاسات السلبية الخطيرة خلال المرحلة المقبلة، على سوريا وعلى لبنان وعلى أكثر من صعيد كالعلاقات السنيّة – الشيعيّة في المنطقة والنسيج الاجتماعي، واندلاع حروب موازية مذهبية أو طائفيّة أو حتى عسكرية، كما على مستقبل الحزب نفسه.
والحقيقة أنّ الحزب تحوّل في أعين الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين إلى مجرد ميليشيا طائفيّة مسلحّة تعمل بأوامر إيرانية. فقد خسر الحزب شرعيّته الداخلية اللبنانية بعد العام 2006 وظهر وجهه الطائفي بشكل صريح أثناء اجتياحه لبيروت عام 2008، فخسر حينها شرعيّته القوميّة، ويخسر الآن بعد تدخّله في سوريا عام 2013 شرعيته الإسلاميّة، وهذا يعني أنّ لا مستقبل للحزب عربيًّا وإسلاميًّا، وإن كان يراهن على إمكانية استعادة هذه الشرعية من خلال حرب قادمة مع إسرائيل.

على الصعيد الإقليمي، فإن لتدخل حزب الله في سوريا مخاطر أكبر من أن توصف، ومنها:

• تحويل الصراع عن مساره من ثورة على النظام إلى حرب طوائف داخل سوريا. إذ لا بد من أن يؤدي تدخل حزب الله إلى استفزاز الجماعات الإسلامية المقاتلة والتي قد ينحرف بعضها بدوره عن هدفه الأساسي لينشغل بصراعات طائفية يسعى حزب الله إلى استغلالها تحت عنوان "مواجهة جماعات إرهابية" لكسب الرأي العام العالمي والموقف الدولي إلى جانبه.

• أقلمة الصراع ونقله إلى خارج سوريا، كأن يصبح سوريًّا-لبنانيًّا مع اضطرار الجيش الحر إلى الرد على العمق اللبناني الذي يشن منه حزب الله هجماته على الداخل السوري، أو لفتح جبهة جديدة داخل لبنان المهيأ لاستقبال الانفجار السوري مع بروز موقف سني يسعى إلى مواجهة حزب الله، وهو ما سيؤدي إلى صراع لبناني-لبناني بين الطوائف المتعددة، كما قد تسعى العديد من الجماعات الرد على حزب الله في مسارح إقليميّة متعددة من بينها العراق على سبيل المثال.

• استجلاب حرب خارجيّة، إذ قد لا يبقى السكوت على التدخلات الإيرانية طويلاً، وقد يصار إلى الرد على "الانتصارات التكتيكيّة" التي يحققها حزب الله الآن بحروب استنزاف طويلة يتداخل فيها الخارجي والداخلي.

• سيحوّل تدخّل حزب الله والمحور الإيراني بقوة إلى جانب الأسد، سوريا إلى دولة فاشلة على المدى الطويل، وربما هذا ما تطمح إليه إيران وحزب الله في حال لم يكن هناك مفر لاحقًا من تغيير النظام أو سقوطه، لأن من شأن هذه الحالة تحويل سوريا إلى شيء شبيه من لبنان والعراق، وهو من الممكن أن يضمن سيطرة إيران عبر الوسائل غير التقليدية كإنشاء أحزاب سياسية موالية لها وكانتونات طائفية في ظل ضعف الدولة المركزية، أو حتى بناء ميليشيات مسلّحة عالية التدريب تضمن مصالحها، أو حتى الذهاب باتجاه إنشاء دولة علوية في أسوأ الخيارات، وهي كلها سيناريوهات تضمن بقاء شريان الحياة قائمًا لحزب الله، وتحفظ المصالح الإيرانية في المنطقة.

قد يستطيع حزب الله كسب المزيد من الوقت لصالح نظام الأسد، وتأخير وعرقلة جهود الإطاحة به أو تحسين وضعه التفاوضي في الحسابات السياسية الدوليّة، وتأمين مقعد لإيران في أي من هذه المفاوضات، لكن القراءة الإستراتيجية ترى أن تدخل حزب الله لصالح الأسد في سوريا، وإن حقق بعض النجاحات التكتيكية المحدودة جدًا على المستوى القصير جدًا، فإن هذا التدخل سيفشل حتمًا على المستوى المتوسط والبعيد، كما أنّ تكاليفه على مختلف الصعد ستكون أعلى من أن يتحملها الحزب، حيث من المنتظر أن يؤدي التغيير الجيوبوليتيكي في سوريا أيًّا كان شكله إلى تغييرات حقيقية في واقع حزب الله داخل سوريا كما في دوره الإقليمي، وخاصة مع بروز دوره كحزب طائفي بامتياز، وكمجرد أداة من أدوات إيران الإقليمية، وهو الأمر الذي أحرق شرعيته في العالمين العربي والإسلامي.
font change