لغز المصريين وخطأ الإخوان المسلمين

لغز المصريين وخطأ الإخوان المسلمين

[caption id="attachment_55247441" align="aligncenter" width="620"]مرسي يتسلم دكتوراه فخرية من الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا الباكستانية (NUST) مرسي يتسلم دكتوراه فخرية من الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا الباكستانية (NUST) [/caption]


الكلام الكثير عن تأثير الأزمة الاقتصادية على الرأي العام في مصر، ضد الإخوان المسلمين، يجانب الصواب في أغلب جوانبه، لطالما تعود المصريون في السنوات الأخيرة على نوع من الاقتصاد الصعب الذي بالكاد يحقق لغالبية من أفراد المجتمع، الحد الأدنى، أو ما دون ذلك في بعض الفئات. وحقيقة الأمر تتجلى في أن المواطن المصري البسيط، خاصة، لا يتنازل عن تسامحه الاعتيادي الذي أصبح سمة من سماته السلوكية، وربما قد استخدم تسامحه هذا كثيرا مع أنظمة سابقة، لعل المرحلة الناصرية أشهرها، فعكست ميل المصريين الفطري للتسامح من خلال مطالبتهم زعيمهم بالعدول عن استقالته بعيد النكسة. ويكاد يكون الشعب الوحيد في التاريخ السياسي المدوّن الذي ينصّب رئيسه الخاسر لمعركة عسكرية محبطة للغاية (إحباط النكسة تسرّب إلى كل طبقات المجتمع العربي وعلى رأسها النخبة الثقافية والسياسية) مجددا، ويرجوه العودة للحكم. إن مثل هذه الظاهرة التسامحية بالغة الندرة، هي جزء مكوّن يتمم البعد الديني الذي عرف به. وبناء على ما سبق: لو كانت أزمة الإخوان المسلمين بإحداثهم ضائقة اقتصادية في المجتمع، لما كان من هذا المجتمع إلا أن يندفع بحكم تركيبته الرمزية الخاصة، للتسامح والصبر مع هذه الجماعة. وبالتالي، لا يمكن فهم الأمر الحاصل على أنه تم بدفعة عاجلة من الأزمة الاقتصادية.

أيضا، تتم الإشارة تلو الإشارة، إلى أن سياسة العزل التي مارستها الجماعة المنتصرة بعيد ثورة 25 يناير، ضد باقي شرائح المجتمع أدت إلى هذه {الهبَّة} العنيفة بوجهها مطالبة برحيلها عن إدارة حكم البلاد. إلا أن العزل وحده لم يكن كافيا، هو الآخر، لتأليب الرأي العام المصري بهذه الحدة. فالعزل، يكاد يكون مشتركا ثقافيا في العمل السياسي والحزبي، ولا يستغربه العاملون في حقل السياسة إلا على نطاق نخبوي صرف، وإن عبّر عن نفسه خارج النخبة يكون ذا طبيعة رومانسية شاكية وحالمة.
واقع الأمر في طبيعة المجتمع المصري، أنه كان يمكن لهذا المجتمع أن يتسامح مع ضائقة اقتصادية أو انفراد طرف بالحكم وإدارة البلاد. لنتحدث بصراحة: العزل أصبح شقيقا للعمل السياسي العربي وحصل معه نوع من التعود، ومهما بلغت حدته فلا يؤسس لهبّة في الرأي العام، بهذه السرعة وبتلك الشمولية. إنما ومع كل ذلك، ما الذي حصل مع الإخوان لينقلب عليهم الشارع المصري؟!
لغز الانقلاب السريع على الإخوان المسلمين، وبهذه الحدة والجماعية، يكمن في خطأ ثقافي جذري ارتكبته الجماعة المنتصرة بعيد ثورة 25 يناير، هذا الخطأ يتمثل بجرح الأنا المصرية التي لطالما عرفت بخصوصيتها البالغة وتأثيرها الشديد على ذلك المجتمع الذي يتغنى بفكرة الدولة الأمة.



الرمز أقوى من الواقع




تعود خصوصية الأنا المصرية إلى طبقات مركبة متناقضة في الظاهر، ومنسجمة في العمق. فهي الأنا التي تجمع التقديس الفرعوني للمحسوسات، والتعامل مع العالم الخارجي على أنه دوال (جمع دال) لعالم أكثر خفاء. وجاءت اللغة المؤسسة والناقلة لحضارة وثقافة هذا المجتمع، بنفس المقدار من التقديس الفطري للمرئي والمحسوس، عبر وضع الأشكال الحيوانية والنباتية والصناعية والمجردة في تسلسلها الهجائي. وللإحساس بالفارق يكفي مجرد النظر إلى كتابة تاريخية مجاورة تقريبيا للغة الهيروغليفية، وهي اللغة المسمارية التي كانت منتشرة في بلاد الرافدين، حيث هي مجرد تشكيلات هندسية مجردة تعتمد المثلث المتنقل بكل الاتجاهات لحفر الكلمة، وتخلو بالكامل من أي تصوير لشكل خارجي.



[blockquote]تعود خصوصية الأنا المصرية إلى طبقات مركبة متناقضة في الظاهر، ومنسجمة في العمق. فهي الأنا التي تجمع التقديس الفرعوني للمحسوسات، والتعامل مع العالم الخارجي على أنه دوال لعالم أكثر خفاء[/blockquote]



إلا أن هذا التقديس الفطري للمحسوس والمرئي، لم يكن في حال من الأحوال ليتفوق على التجريدي، في إيمانات هذه الثقافة، ومنها مثلا انتصار فكرة التوحيد الإلهي الأخناتوني على باقي الديانات متعددة الآلهة. فنرى في العقائد الدينية المصرية القديمة ذلك الميل الجارف للغيبي والعالم الآخر. أي إن المحسوس والغيبي يتجاوران لدى هذه الأنا التاريخية تجاورا قل نظيره في أي مجتمع متدين معروف. ففي العادة يتفوق الغيبي على الحسي كما نرى مثلا في التدين العربي الخليجي، ولدى أهل الشام تهرّب فلسفي من الإحساس بالفارق ما بين هذين الحدين الرمزيين: الجسد والروح. إلا عند المصريين، وحدهم، وتلك خاصية أفردتهم بالكامل عن أي مجتمع ديني، يتجاور الحسي الكثيف إلى جانب الغيبي الحاد في ذات واحدة، وتديّن واحد، ليس لدى المصريين المسلمين فقط، بل لدى الأقباط أيضا، بالمقدار نفسه من تجاور الحسي والغيبي، وبالحدة نفسها من دمج المتناقضات من دون أي إعاقة.

والتقديس الفطري للمرئي، كمخلوق يتمتع بمزايا منحه إياه الله تعالى، في جدلية التابع والمتبوع، تستمر حتى في أبسط وأسرع مستويات التعبير الخاص والعام. فلو سئل مصري عن أمر هل يقبل أم لا؟ أم هل هذا الأمر جيد أم لا؟ فيكون الجواب، بمفردة كناية عن القبول وهي: {قشطة}! إن مفردة {قشطة} تكفي للقول سريعا إنه أعجب بهذا الأمر أو إنه وافق على هذه الفكرة، بسبب الشبكة الرمزية التي تجمع القشطة مع اللذة والقبول والفائدة، فتكون الموافقة بطبيعة الحال باستخدام هذه المفردة للقول: هذا الأمر ممتع ومفيد وأوافق عليه.. وبالسياق نفسه تأتي مفردة {عسل} للدلالة على الإعجاب والقبول. وكلمات أخرى كثيرة. نلاحظ، ومثلا، لدى الشوام، لا تأتي مفردة {قشطة} للدلالة على الإعجاب والقبول أو حتى مفردة {عسل}. لدى الشوام تعبير مختلف كليا وهو {مَلِك}! عندما يعرض أمر على أحدهم لإبداء الرأي والتقييم فلا يسع نفسه إلا أن يقول للقائل الذي حاز الإعجاب: {مَلِك}! لاحظوا شدة الفارق الرمزي ما بين منح السلطة كل معاني التقديس ليأتي الإعجاب والقبول والتقدير موازيا لكلمة {ملك}، بينما في اللاشعور المصري تكون الأكثر محسوسية هي أدوات التعبير عن القبول كالعسل والقشطة، وهما مفردتان مرتبطتان بالتذوق، الذي هو من أغزر الأشكال المحسوسية التي تصل إلى حد التماهي.

تنحفر في الأنا المصرية هذه الأبعاد التي تسجم الحسي بالغيبي على نحو يجعل من الصعب التفريق ما بين المرئي واللامرئي، في هذه الثقافة. وهذه السيكولوجيا التي تأسست على خلق شبكة للعبور من الجزء إلى الكل، أو من المعايَن إلى الخفي، هي التي تسطّر شخصية المصري، مهما بلغت درجة تدينه، ومهما بلغت درجة لا تدينه. وعند حدي الحسي والغيبي تشكل القوام العام للأنا المصرية الذي هو مصدر خصوصيتها، وفيه اصطدمت مع النسيان الإخواني لهذا التكوين المفرط بالجمع ما بين المتناقضات.



الحسي الفرعوني والمجرد الإسلامي





في الواقع فإن الحسية وإن كانت قدرا جغرافيا بعض الشيء بسبب تأثير عوامل المناخ المتطرفة على الوعي، إلا أن الإبداع المصري للصور والأشكال ومنه العمارة، لم يكن مجرد سبق في الهندسة، بقدر ما كان ميلا فطريا لاحترام العالم الخارجي بصفته ممنوحا معجزة خالقه الذي أبدع في تكوينه فخلق عالما يستحق التقدير والإشادة، وهذا التقدير للعالم الخارجي تحول إنتاجا مفتوحا للأشخاص والطبيعة. لا شيء، إذن، خارج المحسوس، بدءا من الخلق وانتهاء بالمخلوق. فرأينا تاريخا غامضا وساحرا وغريبا هو ما أطلق عليه الحضارة الفرعونية.

[blockquote]الجرح النرجسي الذي نزف على يد جماعة الإخوان المسلمين، كان السبب الأبلغ لانقلاب {الأمة المصرية} على مرتكبي هذا الجرح.[/blockquote]


[caption id="attachment_55247442" align="alignleft" width="208"]متظاهرة تحمل العلم المصري عند كبري قصر النيل القريب من ميدان التحرير متظاهرة تحمل العلم المصري عند كبري قصر النيل القريب من ميدان التحرير[/caption]

كل هذا الإنتاج الحسي العيني للعقائد والأفكار والثقافات، انسجم بكليته مع ثقافة أكثر تجريدا وأقل حسية، وهي الدين الإسلامي. أقل حسية من ناحية التعبير الفني عن العقيدة كالرسوم والمنحوتات بصفة خاصة. هنا كانت هندسة المسجد الإسلامي، أو العمارة الإسلامية، عامة، نقطة الانطلاق الكبرى نحو دمج هاتين الثقافتين المتناقضتين، جوهريا، في مكان واحد. لقد وفرت هندسة المسجد الإسلامي مجالا رحبا ومشروعا للتعبير عن المخزون الحسي المغرق في قدمه في تلك الأنا، وحصلت أغرب مفارقة في تاريخ الأديان السماوية: أقصى المحسوس يجد نفسه في أقصى الغيبي، فاتحدا مكونين شخصية امتلكت كل مواصفات الخصوصية وأدواتها التعبيرية الكاملة. ولعل هذا هو السبب الذي جعل فيلسوفا مرموقا بحجم اشبنجلر، وفي كتابه الذي لا تغيب عنه شمس القراء في كل ثقافات العالم، والمعروف بـ{انحلال الغرب} أو سقوط الحضارة الغربية، يقول في دراسته التاريخ المصري الفرعوني، محترما فيه جانبه الفرعوني وجانبه الإسلامي فيقول بعد مقارنة ساحرة ما بين الثقافة الهندية والآسيوية من جهة، والمصرية من جهة أخرى، بأن الحضارة المصرية: «لم تهمل أي شيء} قاصدا الطعن بالثقافات الآسيوية الصوفية والبوذية التي عادة ما تأتي مقدسة للغائب مقللة من شأن الحاضر. وأفرد في كتابه المدهش هذا مساحة كبيرة لدراسة التاريخ المصري وكذلك الحضارة الإسلامية التي أبدى لها كل احترام وتبجيل وكاد أن يعتبرها، تقريبيا، نهاية التاريخ الفلسفي. إن هذا الفيلسوف العملاق هو من أشهر وأقوى العقول التي حفرت في الأنا المصرية مكتشفة القوة اللامنظورة للحسي فيها، ومن هنا قال عبارته الرائعة عنها إنها لم تهمل أي شيء!






لقد كان المسجد الإسلامي العروة الوثقى التي تربط ما بين ثقافتين متعارضتين، لا بل في جزء من أحدهما {تكفير} لجزء في الأخرى، كما في قصص الفراعنة في النص القرآني الكريم. ومن هنا ترى الأثر العماري الإسلامي - والمسيحي - في مصر له قداسة منقطعة النظير، وفيه تمت كل تطبيقات الهندسة والمشغولات الخشبية والمعدنية، بأفضل وأجمل ما يمكن. وعند هذا التداخل ما بين الحسي والغيبي، التاريخ والوحي، تتأسس شخصية مصرية مبرزة أناها على النحو الذي عبر عنه الألماني الرفيع برتولد بريخت حين اختصرها بقوله: {اللحم الجديد يؤكل بالشوكة القديمة}.. وهي إن كانت تعني عودة البنية المتنحية إلى الظهور، من خلال جدليات غامضة، وعبر عنها هيغل بالمكر، إلا أن المعنى الذي استهدفه بريخت مأخوذ أصلا، وللمفارقة، من أصل إنجيلي إنما مع تغيير بالأسماء، وكذلك تغيير جوهري بالمدلول.

تشكلت الأنا المصرية على هذا اللقاء الفلسفي النادر ما بين المرئي واللامرئي، المرئي يتولى إعجاب المصري بنفسه من خلال الإشارة إلى تقديره الفطري للعالم الخارجي وإعادة إنتاجه في العمارة والفلسفة الدينية. واللامرئي يعكس الرضوخ للخالق ومقدرته اللامحدودة على الخلق والذي عبر عنه، هنا، في الإسلام، كما عبر عنه أيضا في المسيحية، لأنه حتى المسيحية المصرية لها خصوصية تميزها عن مسيحية المشرق والغرب. لكنها ليست موضوعنا هنا. وفي هذا الجمع الجذري المشار إليه، أصبح من الطبيعي أن تكون الأنا المصرية ذات ملامح خاصة مميزة، تدفعها الحسية لعشق العالم الخارجي (الفن، الموسيقى، الرسم، النحت، المسرح) ويدفعها الغيبي إلى الركون لقانون الهي مقدس يعطي الحق للكل في آخر المطاف، وإلى هذه الإيمانية تعود نزعة التسامح. لكن الحسية، تلك، الجزء الباني للحضارة المصرية، هي التي لم تتسامح مع غلطة جرح الأنا التي أصابتها في الصميم من قبل بعض الجماعات الدينية التي تعاملت بعين واحدة مع هذه الأنا فجاء الرد طوفانا من الرافضين للإخوان المسلمين في مصر.



الأنا المصرية تستعيد خصوصيتها





الجرح النرجسي الذي نزف على يد جماعة الإخوان المسلمين، كان السبب الأبلغ لانقلاب {الأمة المصرية} على مرتكبي هذا الجرح. ولعل أولى بوادر الجرح، تلك، هي التعامل التبعي مع الدولة المصرية، بحيث يكون المجتمع المصري مجرد حلقة عامة، في دائرة من حلقات الدول الإسلامية. الأمر الذي دفع المرشد السابق للجماعة مهدي عاكف بقول قولته الشهيرة عن الوطن المصري، التي يعلمها الجميع، والتي تعني بالمحصلة التهكم على خصوصية الوطن المصري.
لم يجرؤ زعيم مصري، مهما بلغت قوميته - بالمناسبة قد تؤدي القومية، المؤدى نفسه، للهوية الإسلامية، لجهة عدم الاعتراف بخصوصية الوطن المصري أو غير المصري - على تجاوز الأنا المصرية بهذا الشكل الحاد. من عبد الناصر القومي، مرورا بالسادات الوريث والمطوِّر، انتهاء بمبارك، لم يتجرأ أحد على جرح الأنا المصرية التي تميّز ذلك المجتمع الذي يتغنى بخصوصيته ومنجزاته. إلا على يد جماعة الإخوان التي ارتكبت الخطأ الذي لا {كفارة} له: جرح الأنا المصرية بحجة الهوية الأعم والأشمل ذات الطبيعة التوسعية.




[blockquote]لم يجرؤ زعيم مصري، مهما بلغت قوميته على تجاوز الأنا المصرية بهذا الشكل الحاد. من عبد الناصر القومي، مرورا بالسادات الوريث والمطوِّر، انتهاء بمبارك[/blockquote]



يمكن للمصريين أن يغفروا لخطأ الاقتصاد والسياسة، إنما هذا الخطأ الإخواني البالغ أطاح بشعبية الجماعة التي تصطدم الآن برد فعل تقوم به الأنا المنجرحة التي لن تتنازل عن حق الرد، مهما بلغت تكاليف الاشتباك.
ويعود سبب هذا الخطأ الإخواني، إلى ما يتهمه خصوم الجماعة منذ زمن طويل لهذا التنظيم بأنه لا يعرف مصر وبعيد عن ثقافتها. ولعل أول وأكبر دليل على واقعية هذا الاتهام هو جرح الجماعة للأنا المصرية عبر عدم الاعتراف بخصوصيتها والتعامل معها كما لو أنها مجرد حلقة في هوية تسلسلية تبدأ ربما من القاهرة ولا تنتهي في جمهوريات روسيا المسلمة. هذا الخطأ التاريخي تم الرد عليه بزحف جماهيري غير مسبوق ربما على مستوى العالم. الأمر الذي زاد من إرباك الجماعة التي بدت في ردود أفعالها أنها حقا لا تعرف المجتمع الذي تنتمي إليه، فمرة يكون سبب الاحتجاج {الفلول} ومرة يكون السبب {المؤامرة} ومرة يكون السبب {قطع الوقود لتأليب الناس ضدها} ومرة يكون السبب أشخاصا وتيارات.. الخ. عدم التوازن هذا، سببه الأصلي عدم الدراية الفعلية بخصوصية المجتمع المصري، الذي، للمفارقة، لم يشكّل جاذبية للجماعة، فامتنعت من الاعتراف بخصوصيته وسلبته حقا مكتسبا، فقام هو بسلبها حق إدارة البلاد!

إن الجرح النرجسي الذي أصاب الأنا المصرية يشكل دافعا يفوق أي دافع آخر. لا يمكن الاستهانة برد الفعل الناتج عن حرمان الأنا الاجتماعية من غنائيتها ورومانسيتها. مرور سنة على أي حاكم أو أي نظام سياسي، لا يمكن أن يكفي للحكم عليه أو عزله، إلا في حال ارتكاب أخطاء جسيمة. ولم يكن خطأ النظام الإخواني جسيما لا على المستوى القانوني ولا على المستوى الأخلاقي، لقد كان خطأ الإخوان نفسيا، بكل معنى الكلمة: جرحوا الأنا التي تتباهى بخصوصيتها التاريخية، فكان الرد طوفانا من الاحتجاج غير المسبوق تستعيد فيه الأنا حقها المكتسب بالخصوصية وتثبت فيه لسالب هذا الحق أن ما لا تراه لا يعني أنه غير موجود، وما لا تؤمن به لا يعني أنه يفتقد للشرعية.
font change