ملفات شائكة أمام رئيس الحكومة المنتظر في تونس

ملفات شائكة أمام رئيس الحكومة المنتظر في تونس

[caption id="attachment_55248801" align="aligncenter" width="620"]المعارض القيادي التونسي الباجي قائد السبسي المعارض القيادي التونسي الباجي قائد السبسي[/caption]


مهما كانت الفوارق بين حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض فإنه يمكن القول، إن كلتا التجربتين فشلت في إيجاد صيغة ملائمة للتعامل مع الاتحاد العام التونسي للشغل بما يحوله من خصم إلى شريك في الحكم، فبدل معالجة الأمر عبر فهم صحيح لطبيعة هذه المنظمة وعلاقتها التاريخية بتأسيس الدولة التونسية وإرساء نظامها السياسي سقطت حكومة علي العريض ومن قبلها حكومة حمادي الجبالي في «أدلجة» خلافاتها مع الاتحاد واستعاضت عن خيار إرساء دعائم الشراكة الدائمة بنوع من التنافس والتصادم وهي أحد أبرز العوامل التي جعلت جزءا من النخبة السياسية يطرح ضرورة رحيل الحكومة وإحلال أخرى بديلة عنها وهو نفس العامل الذي جعل الاتحاد يبادر بطرح فكرة الحوار الوطني وهذا موقف مفهوم لأن الاتحاد صار يخاف على مصيره في ظل حكم يبدو أنه على موقف مبدئي من منظمة الشغل نفسها وقد يعود ذلك إلى عدم فهم دور المنظمة النقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل) في المجتمع التونسي فهما حقيقيا فقد ساهمت هذه المنظمة تاريخيا وفي كثير من الأزمات في تهدئة الأوضاع وتحويل وجهة الكثير من الصراعات وامتصاص الكثير من الغضب، وفي المقابل لعبت دورا حاسما في إسقاط حكومات كما عصفت بكثير من الوزراء وأوقفت عدة برامج إصلاح اقتصادي واجتماعي.

إن الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة عريقة عرفت في الجهات كما في المدن الكبرى بأنها ملجأ الشغالين والنقابيين كما عرفت أيضا بأنها على الدوام وفي ظل هيمنة الديكتاتورية ملاذ العاطلين عن العمل والمضطهدين من حيث حقوق الإنسان، ويرى الملاحظون أن معضلة البطالة لا يمكن أن تحل في غياب خطة مشتركة بين الحكومة والمنظمة العمالية الأكبر في تونس وكذا الشأن بالنسبة إلى تسوية وضعية الآلاف ممن عصفت الثورة بموارد رزقهم إما بغلق مؤسساتهم أو إحراقها أو هروب المستثمرين أو سجن أصحابها وبسط يد الدولة عليها، كما أن الاتحاد مطالب بالإجابة عن سؤال يطرحه الآلاف من منخرطيه وهو كيف يواجه المواطن ارتفاع الأسعار من الغذاء إلى اللباس إلى كل اللوازم والضروريات مرورا بأسعار الأدوية وأسعار إيجار المساكن بالإضافة إلى صعوبة الحصول على القروض الاستهلاكية وهو واقع معيشي صار محيرا بحق.
إن هذه المشكلات تبدو اليوم أولوية الأولويات أمام أي رئيس حكومة يرغب في خوض هذه التجربة ولا نخاله متفائلا ولا واثقا من النجاح.


ملف رجال الأعمال




قديما قيل «المال قوام الأعمال» فلا نجاح لأمة أو دولة في ظل نضوب مواردها أو مصادر ثروتها فقد تخطى الاقتصاد المعاصر هذا الأمر نحو إيجاد آليات لتنمية الثروة وتخصيبها، إلا أن مسار الثورة التونسية على ما يبدو ومنذ البداية استهدف رأس المال الوطني وحتى الأجنبي وذهب الزخم الثوري المشحون إلى شيطنة رجال المال والأعمال، والأخطر من كل ذلك تشكل شبه رأي عام ضد كل صاحب ثروة ودب الخوف لدى رجال الأعمال التونسيين إلى جانب مصادرة أملاك أقارب الرئيس المخلوع وزوجته ومنع الكثير من رجال الأعمال من السفر وهي كلها عوامل ساهمت في انكماش بعضهم وانسحاب البعض الآخر من السوق فيما فضل آخرون الحذر وتجميد الجانب الأهم من نشاطاتهم الاقتصادية وهي مسائل فرضتها في اعتقادنا عوامل متعددة نذكر من أهمها:
- رجل الأعمال لم يعد يجد ضمان الحماية الكافية من الدولة نظرا لسهولة تقديم الشكاوى في شأنه وتحول النشاط النقابي من حق دستوري إلى ثقافة تمرد.
- عدم توفر مناخات أمنية تشجع على الاستثمار وبعث المشاريع خاصة في المناطق التي ظلت لعقود طويلة تعاني التهميش الاقتصادي.
- المعالجة السيئة لوضعية المؤسسات والشركات المصادرة - وهي كثيرة - فبدل تنميتها ومضاعفة إنتاجها ومداخيلها أفلس معظمها وتم بيع بعضها بالإضافة إلى صعوبة جلب رؤوس أموال أجنبية وإقناعها بأهمية الاستثمار في تونس عبر خلق المحفزات كتشجيع الرأس المال الوطني على العمل والتحرك بأكثر أريحية ممكنة لأن من أهم ما يميز رجال الأعمال عموما هو روح التضامن بينهم، وإذا ما تأكدنا أنه لا خروج لتونس من هذا الوضع إلا بتنشيط الوضع الاقتصادي وبجهد مضاعف في هذا الاتجاه نعلم وقتها أن أهم ملف مطروح على الحكومة القادمة هو الملف الاقتصادي وأساسه كيف نجعل من رجال الأعمال التونسيين والأجانب شركاء في زيادة الإنتاج والصادرات وحل مشكلة البطالة وتنمية موارد الدولة.



دبلوماسي على رأس الحكومة





بقطع النظر عن الموقع الجغرافي لتونس ومكانتها في محيطها الدولي فإن علاقاتها بجارتيها وبالاتحاد الأوروبي وأساسا فرنسا جزء لا يتجزأ من واقعها الداخلي فكل شيء في تونس يجب أن يمر عبر الجارتين ليبيا والجزائر ثم فرنسا، وعندما نقول يمر عبر عواصم هذه البلدان فليس معنى ذلك أن تكون العلاقات بها علاقات احترام وكفى وإنما يجب أن تكون بالضرورة علاقات استراتيجية تجد تأثيرها في كل شيء كما يجب استثمار هذه العلاقات الجيدة بما يساعد سياسيا واقتصاديا لتوفير مناخ الاستقرار والسعي إلى إيجاد المخرج المناسب للحالة الليبية المتأزمة لا أن نظل – كتونسيين – في وضع المتفرج فتنالنا من الحالة الليبية سيئاتها وأهمها بلا شك الإرهاب.. أما العلاقة مع الجزائر فيجب أن تكون استراتيجية على كل الأصعدة وهو واقع لا يجب أن يختلف عن علاقات تونس بفرنسا ما دامت هذه الأخيرة بوابة عودة الحركة السياحية وبإمكانها أن تكون علاقات قائمة على الشراكة المتينة بما يحفز رجال الأعمال الفرنسيين على الذهاب إلى تونس للاستثمار هناك إلى جانب أن كسب ود فرنسا كفيل بفتح باب العلاقة مع بقية دول الاتحاد الأوروبي على مصراعيه.
أما عربيا فإن تونس تضررت من موقفها الداعم للمعارضة السورية بالإضافة للموقف من الأحداث المصرية إثر إنهاء حكم محمد مرسي مما أثر سلبا على علاقتها العربية.

إن هذه المعطيات تؤكد أن السياسة الخارجية التونسية هي من أعسر المهمات المطروحة على رئيس الحكومة القادم وكأنها تطلب منه أن يكون وزيرا للخارجية قبل أن يكون رئيسا للحكومة.


معضلة الإعلام




إن من حق التونسيين أن يفخروا بثورتهم ويقولوا إنها نجحت في جوانب كثيرة لعل أبرزها حرية التعبير وتخلص الإعلام من هيمنة السلطة وهي مسألة لن يكون في مقدور أي سلطة أن تعود بها إلى وضع ما قبل 14 يناير 2011، فالأفضل لأي حكومة قادمة أن تحسن التعامل مع هذا الملف من باب معالجة قضاياه، وإذا أرادت الحكومة المنتظرة أن تنجح فعليها أن تعمل وسريعا على رفع كل القيود عن قطاع الصحافة والترفع عن رد الفعل عما يقال وينشر في وسائل الإعلام وتحسين وضعية الصحافيين ماديا ومعنويا والدفع بهم إلى أن يكونوا شركاء وهي مسألة تقتضي من الحكومة تقديم بعض التنازلات وعدم مجابهة ما يقال عنها مجابهة عقائدية حزبية بل عليها أن تعتمد على مختصين في علم الاتصال والتواصل وأول ما تبدأ به مهامها الإسراع في تفعيل القوانين الداعمة للعمل الصحافي الحر والضامنة للعيش الكريم للعاملين في الإعلام وهي نفس المقومات والعناصر التي يجب توفرها لرجال الأمن والقضاء.


تسريع النسق للخروج من الوضع المؤقت




يتفق الجميع هنا في تونس على أن خيار إحداث مجلس تأسيسي لكتابة دستور جديد للبلاد كان خيارا محددا في توجيه الزخم الثوري مع اعتصامي القصبة واحد واثنين ولم يكن أيامها أمام الحكومة الانتقالية لمحمد الغنوشي ومن بعده الباجي قايد السبسي من خيار سوى الرضوخ لهذا المطلب خصوصا أن معارضي بن علي أجمعوا وبدرجات متفاوتة على أهمية التأسيس من جديد إلا أن هذا المطلب وبمرور الزمن ومع تعثر المجلس التأسيسي في إعداد الدستور وتحديد تاريخ الانتخابات عاد بالوبال على كل الطبقة السياسية وبأكثر حدة على الائتلاف الحاكم صاحب الأغلبية في المجلس التأسيسي فيما حازت حركة النهضة سخط الجموع المحبطة من الثورة ومساراتها التي لم يتحقق للناس من ورائها الشيء الكثير وهي كلها معطيات ولدت إحساسا لدى الرأي العام بأن المطلوب اليوم هو الخروج من الوضع المؤقت إلى الشرعي المستقر لذلك فإن كل حكومة ستأتي سيكون من الملح والعاجل بالنسبة إليها التسريع في المرحلة الانتقالية وإنهاء المجلس التأسيسي لمهامه وتحديد موعد نهائي للانتخابات وإلا فإنها ستجد نفسها تكرر أخطاء سابقيها وإذا عرفنا المطلوب من الحكومة القادمة وحجم الملفات المطروحة عليها تصبح مسألة من يكون رئيسها مسألة شكلية لا غير.



font change