المشايخ يطالب بأن يتخصص النقاد بمنهج حتى يبدعوا

المشايخ يطالب بأن يتخصص النقاد بمنهج حتى يبدعوا

[caption id="attachment_55249061" align="aligncenter" width="620"]جانب من أمسية التنمية الثقافية التي نظمها مركز الملك عبد الله الثاني مارس الماضي بحضور محمد المشايخ جانب من أمسية التنمية الثقافية التي نظمها مركز الملك عبد الله الثاني مارس الماضي بحضور محمد المشايخ [/caption]

يعتبر محمد المشايخ، الذي يعمل مديرا لمكتب مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في عمان، واحد من أهم النقاد الأردنيين، الذين توقفوا طويلا عند الأدب والأدباء الأردنيين في سيرهم الذاتية والإبداعية،وحاولوا إيصال صوتهم إلى الساحة الأدبية العربية.
وفيما يلي وقائع الحوار الذي أجريناه معه في مقر رابطة الكتاب الأردنيين:

* لماذا اتجهت للنقد ولم تتجه نحو الكتابة الإبداعية؟

- حقيقة أنني بدأت بالكتابة الإبداعية، وتحديدا «الشعر»، وذلك في أثناء دراستي في قسم اللغة العربية في الجامعة الأردنية خلال السنوات 1973- 1977. حيث أتاحت لي الجامعة «الماء والخضراء والوجه الحسن» بالإضافة إلى مكتبتها القيّمة.. وكنت واحدا من شعراء الجامعة القلائل، وكانت لي قصائدي التي ألقيها في مناسبات وطنية، أو يتم تعليقها على لوحة إبداعات الطلبة، أو في جريدة الجامعة التي كان يُطلق عليها آنذاك «أجراس»، أو في جريدة «الأخبار» الأردنية، التي كان رئيس تحريرها آنذاك الشاعر الراحل عبد الرحيم عمر، ويحرر صفحتها الأدبية الأستاذ أحمد سلامة رئيس تحرير جريدة «الهلال» الأردنية الأسبوعية حاليا، غير أنني بعد تخرجي من الجامعة، عملت إلى جانب الأديب الراحل خليل السياحري في رابطة الكتاب الأردنيين، وكان آنذاك المحرر الثقافي في جريدة «الدستور» الأردنية، وكان كلما أهداه كاتب نسخة من إصداره الجديد، يقوم بتحويله إلي لأكتب دراسة نقدية عنه، ومع الزمن توقفت عن إبداع الشعر، وتخصصت بالنقد الأدبي، وللعلم فإن النقد إبداع.


* ما الذي يحد من حرية الناقد؟

- ثمة أمور كثيرة تحد من هذه الحرية، فالناقد حين يكتب، يكون في داخله أكثر من رقيب، رقيب السلطة، ورقيب الصحيفة أو المطبوعة التي سينشر فيها المادة النقدية، ثم الكاتب الذي ينقده، وهذه كلها عوامل تفرض على الناقد ألا يقول رأيه الحقيقي، وقناعته الداخلية، فيجامل، ويكتب فقط ما يرضي هؤلاء الرقباء.


* هل تعتقد أن الناقد يجب أن ينتمي لمدرسة نقدية بعينها؟


- نعم.

* لماذا؟

- لأننا نعاني في الساحة النقدية العربية، من الكتابة التي تتصف بالبانوراما النقدية، أو الكوكتيل النقدي، فحين تتداخل المدارس والمذاهب والمناهج، لدى الناقد الواحد، نجده يفتقد إلى الرؤية الصائبة، ويدخل في إطار الفوضى، وحين يتخصص بمنهج، يبدع، وتكون كتابته أقرب إلى النقد الأدبي.


* ساد المنهج الانطباعي الحركة النقدية الأردنية طوال عقود مضت، هل هذا المنهج مناسب الآن بعد هذا التطور الهائل في المصلحات والمدارس النقدية؟


- على العكس من ذلك تماما، وذلك لأن هذا المنهج، يستند إلى وجهة النظر الشخصية للناقد فيما يقرأ، ووجهة النظر هذه ترتبط بالعلاقة الشخصية مع المبدع، فإن كانت إيجابية، فإن المادة النقدية ستمتلئ بالمديح والتقريظ، وإن كانت سلبية، فإن تلك المادة ستمتلئ بالشتائم، وعندها يوصف الناقد بالحاقد.. المطلوب من نقادنا قراءة المناهج النقدية المختلفة التي ظهرت في العالم، واختيار المناسب منها، لقد اتكأت منذ البداية على المنهج التكاملي وما زلت كذلك، وذلك بالنظر إلى أنه يشتمل على كل المناهج النقدية المتعارف عليها بالغرب، والتي تغطي النص الإبداعي ومؤلفه والظروف الزمكانية والبيئية التي تم إبداعه فيها.

[caption id="attachment_55249060" align="alignleft" width="300"]محمد المشايخ محمد المشايخ[/caption]

*تتهم الساحة الثقافية في الأردن بتحكم بعض الشلل الثقافية فيها، ما مدى صحة هذا الاتهام؟

- مع مزيد الأسف يرتبط مايطلق عليهم بـ(الشلل الثقافية) ببعض وسائل الإعلام الكفيلة بتحقيق التواصل بينها وبين جمهورها، وفي أحيان أخرى، تربط العلاقات والمصالح الشخصية بين عدد من أدعياء الأدب والمتنفذين في بعض وسائل الإعلام، فيصولون ويجولون، وفي الوقت نفسه يكتمون أنفاس المبدعين الحقيقيين، ويحرمونهم من فرصة النشر. أن معظم أساتذة الجامعات الأردنية الذين علمونا الأدب والنقد، محرومون من النشر في الوسائل الإعلامية المحكومة من تلك الشلل.


* أين يقع الأدب الأردني بالنسبة للحركة الأدبية العربية؟


- تمتاز الساحة الثقافية الأردنية، بقدرتها على إنجاب أعداد هائلة من الأدباء، الذين يُصدرون بشكل فردي أعدادا هائلة من الكتب، ويقيمون أعدادا كبيرة من الفعاليات الثقافية، وينضوون تحت لواء أعداد أكبر من المؤسسات الثقافية، ومع ذلك فإن ثمة شكوى في داخل الاردن، تتهم الأدباء ومؤسساتهم وإبداعاتهم بالقصور، غير أن هذا القصور سرعان ما ينقشع حين يشارك مبدعو الأردن في فعاليات ثقافية عربية، ونجد جلهم في الطليعة قولا وفعلا، ويستحقون الثناء هناك، ويحصلون على الجوائز، وعلى الدعم والتشجيع الذي لا يلاقونه في الداخل، وبالتالي فإن تقييم أدبنا في الداخل سلبي، وفي الخارج إيجابي، الأمر الذي يجعلني أردد مع المرددين أنه لا كرامة لنبي في وطنه، صحيح أن الشعور بالقصور يدفع نحو المزيد من العطاء، ويدفع باتجاه الرقي والتقدم، ولكن كفانا جلدا للذات، طالما أننا على الصعيدين القومي والإنساني في الطليعة.


* كيف تقيّم تجارب عواصم الثقافة العربية؟


- كلما اتسعت دائرة الإبداع من المحلية إلى العربية فالأممية كلما كانت الفائدة أعم والجدوى أكثر، إذ ثمة غيمة شاسعة، خراجها عائد على الجميع، وبالتالي فإن تجارب العواصم الثقافية، من أروع التجارب الأدبية القومية والإنسانية، التي تجمع بين المبدعين العرب وجمهورهم، وتحقق فعاليات لا تتمثل في المؤتمرات والندوات فحسب، ولا في المطبوعات من صحف ومجلات فقط، إذ ثمة فعاليات أكثر خلودا، خذ في عمان على سبيل المثال شارع الثقافة، انتهت الفعالية قبل 4 سنوات، وما زال الشارع عامرا بالمثقفين والفنانين والمفكرين والعشاق أيضا.. نعم هي تجربة رائعة ومفيدة بكل ما في الكلمة من معنى، ولكنها فائدة موسمية، نتمنى أن يكثر تكرارها في كل العواصم العربية.


* هل تعتقد أن الحركة النقدية في الوطن العربي مقصرة تجاه الأدب الفلسطيني؟


- نعم الحركة النقدية في الوطن العربي مقصرة مع الأدب في كل الأقطار وليس في فلسطين فحسب، فالناقد أمام هذا العدد الضخم من الكتب والمجلات والصحف الأدبية، وكذلك ما تبثه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، يقف عاجزا عن اللحاق بهذه الغزارة، فتجده يتوقف عند كتاب أو أكثر كل فترة، أو عند نص أو آخر.. لكنه لا يستطيع الإحاطة بكل ما يصدر في قطره، فما بالك بما يصدر في الأقطار الأخرى، أما فلسطين فلها خصوصيتها، والذي تحت العصي ليس كمن يعدونها، فيها إبداع، وفيها حركة أدبية مواكبة للحركة السياسية والعسكرية ومعطياتها على الأرض، غير أن ذلك الإبداع، وتلك الحركة، لا تجد من يشغل نفسها بها من النقاد، في الماضي، كان الأمر مختلفا، كنت تجد كتابا من كل الوطن العربي يكتبون عن فلسطين وأدبها، أما الآن، فقد وصل كثيرون إلى مرحلة الإحباط، ولم يعودوا يرون للإبداع جدوى، فصمت معظم النقاد، بينما واصلت عجلة الإبداع عطائها، وهو إبداع بالمناسبة لمن يطلع عليه يستحق القراءة والدراسة، ولكن أنى لنا أن نجد النقاد المتفرغين لدراسة ذلك الإبداع ونقده.
font change