في زمن يتسابق فيه الجميع على الأضواء، اختار السينمائي السعودي فيصل بالطيور الشاب الطموح الآتي من منطقة الأحساء، مراقبة الضوء من زاوية أبعد، ليرى ما لا يرى من مركزه، ذاك الذي شهد مراحل عدة متتالية في فترة زمنية قصيرة، وأكسبه عاداته ومعاييره المهنية. بدأ بالطيور، منذ بداية انخراطه في عالم السينما، بالتعامل مع الأمور بحدس الباحث الذي لا يخفي، رغم احترافيته، حماسة الهاوي، محملا أسئلة عن ماهية صناعة السينما، و عما يجعلها ممكنة في بلد يتغير ويتطور على مدار الساعة.
النشأة والانطلاق
يدين فيصل بالطيور بالفضل إلى أسرته في اكتسابه أدوات العمل المنهجي المنظم، إذ تعلم من والده الأكاديمي أن كل إنجاز يقوم على الموهبة بالتزامن مع الانضباط. هذا الإيقاع الداخلي هو الذي ظل يحكم خطاه، من دراسته في مدينة سيدني الأوسترالية إلى عمله في مركز الملك عبد العزيز الثقافي - "إثراء" إلى مسؤولياته المتعددة في شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي ولا سيما "موفي ستوديوز"، وصولا إلى وقوفه اليوم على رأس "مهرجان البحر الأحمر السينمائي". يتحدث بالطيور عن النشأة كمرحلة تشكل فيها وعيه بالمسؤولية قائلا لـ"المجلة": "أن تعمل لأنك تعرف لماذا وكيف تعمل، لا لأنك تريد فقط أن ترى أو تثبت فرادة عن الآخرين".
في المرحلة الجامعية وأثناء انتقاله إلى أوستراليا في بعثة دراسية، حدثت نقطة التحول، إذ انجذب بالطيور إلى مختبرات السينما في العاصمة سيدني حيث تعلم أن السينما لا تستند إلى صناعة الخيال فحسب، إنما هي علم إدارة الموارد والزمن والعلاقات. فراقب هناك كيف تنمو الأفكار في بيئة تفصل بين الحلم والمؤسسة بحد دقيق، وتعيد تركيب العلاقة بين الفن والسوق. وحين عاد إلى السعودية، عاد محملا هذا الفهم الصارم لـ"الممكن". لذلك حين يسهب في الحديث عن الإنتاج، لا يصفه بالمغامرة بقدر توصيفه لحالة أقرب إلى الهندسة. يستعيد هنا: "كنت مهووسا بالتقنية متابعا كل التقنيات الموجودة وتطوراتها، معداتها، تكاليفها، وآليات الإنتاج والتصوير وكنت حينها الطالب السعودي الوحيد في المجموعة الآتي من بلد لم تكن تتوافر فيه صناعة السينما بعد، مع ذلك حرصت على المعرفة والشغف، منحتني تلك التجربة وعيا بضرورة فهم الصناعية داخليا".
شغل بالطيور بعد ذلك منصبا إدرايا كبيرا، لكنه شعر حينها أن المسافة تتسع بينه وبين المجال الذي اختاره، بعد مدة استقال من ذلك المنصب، وانتقل إلى وظيفة أخرى تنتمي إلى منظومة صناعة السينما الواعدة، وهي مدير سينما "إثراء" في "أرامكو". في حديثه عن القرار يؤكد بالطيور أنه نقطة تحول كبيرة وحقيقية، كونه اختار الطريق الذي يعبر عن حلمه، لا عن تقرير في سيرته الذاتية الوظيفية. هذا الحدث المفصلي يكشف عن استراتيجيا واضحة تعكس ميزان العقلية الإنتاجية الخاصة لديه، وهي أن الانسجام يأتي قبل الانبهار، والحرفة قبل الزهو .





