الحراك النسائي في السعودية.. سؤال الهوية والسلطة والحقوق!

الحراك النسائي في السعودية.. سؤال الهوية والسلطة والحقوق!

[caption id="attachment_55249200" align="aligncenter" width="620"]نيل المرأة لحقوقها يستلزم منها بناء أرضية ثقافية واجتماعية لقبول هذه الحقوق نيل المرأة لحقوقها يستلزم منها بناء أرضية ثقافية واجتماعية لقبول هذه الحقوق[/caption]

لم تشهد المملكة العربية السعودية حركة نسوية صريحة وواضحة بالمعنى المعروف للنسوية كما شهدته بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى في العقود الماضية. وقد يعتبر البعض خروج عدد من النساء في السنوات الأخيرة يقدن سياراتهن احتجاجا على منعهن من القيادة نوعا من أو بداية لحركة نسوية في السعودية. ربما، ولكن تواجه النساء المطالبات بحقوقهن إشكاليات كبرى في إطار الحركة النسوية وخاصة أن هذه الحركة مرتبطة بالغرب، ولذلك تنتهج النساء، ليس فقط في السعودية، ما يسمى الحركة النسوية الإسلامية كبديل.

وتمثل النسوية، أو المساواة بين الجنسين، مشكلة للنساء لأنها مرفوضة من قبل المجتمع السعودي، خصوصا وفقا للتعريف الغربي للمساواة بين الجنسين. حتى السعوديون الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين أو حداثيين أو علمانيين قد يترددون في وصف أنفسهم بالنسويين لما ينطوي عليه هذا الوصف من مفاهيم مسبقة.
تعرف النسوية بـ«المساواة بين الجنسين» على أنها الدراسة النظرية لاضطهاد المرأة والطرق الاستراتيجية والسياسية التي تعمل بها لإنهاء هذا الاضطهاد. ويمكن لاضطهاد المرأة أن يأخذ أشكالا مختلفة ومنها على سبيل المثال حرمانها من حق التنقل بحرية وفرض الوصاية الذكورية عليها ونقص تكافؤ الفرص في الحياة الوظيفية والتمثيل، وهي كلها أمور تعاني منها المرأة في السعودية وتطالب وتعمل لإنهائها.



سؤال الاضطهاد





والمتأصل في قضية الاضطهاد هي مسألة السلطة. والسؤال بالنسبة لمؤيدي المساواة ليس عمن هو في مركز السلطة؟ الرجل أم المرأة؟ بل بالأحرى ما هي علاقات السلطة والهيكلة بينهما؟ بمعنى، علاقة السلطة والبنية بين الجنسين، والاضطهاد هو نتاج نقص الصلاحية، والذي تؤكده الكثير من النساء الناشطات في الحقوق أن مشكلة المرأة السعودية الأساسية هي افتقادها للصلاحية وحق تقرير المصير ومعاملتها كفرد كامل الأهلية وليس بحاجة إلى ولاية الرجل في كل أمور حياتها. فحتى تقلد المرأة لبعض المناصب الإدارية العليا لم يشكل تطورا حقيقيا للمرأة لأنها لم تعط كامل الصلاحيات كالرجل بل ظلت تابعة له.



[blockquote]الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة في المجتمع السعودي يمكن أن تتجه إلى فتح مزيد من فرص العمل والتمثيل الأفضل للمرأة[/blockquote]



فهم الثقافة التي تعيش فيها النساء هام بالنسبة لدراسات المساواة بين الرجل والمرأة لأن الثقافة هي التي تشكل وتفصل المعاني الاجتماعية والقيم فيما بين الناس في تعاملاتهم اليومية. وهي مكان تشكيل عمليات التمثيل والترميز. ففي عام 2001 سمحت السلطات بإصدار بطاقة شخصية تحتوي على صورة للنساء السعوديات بعد سنوات من مطالبة المرأة بذلك حماية لحقوق المرأة القانونية ومن الاستغلال والاحتيال. وفي بداية تطبيق القرار كان بشكل اختياري وكان التقدم بطلب استخراج البطاقة يتم بموافقة ولي أمرها. ومع ذلك كان هناك رفض شديد من الرجال والنساء لاستخراج البطاقة بسبب الصورة التي يعتبرونها تعديا على خصوصياتهم ومعارضا لعاداتهم ومعتقداتهم الدينية. وهذه هي الثقافة السائدة في المجتمع السعودي، حجب المرأة تماما وفصلها عن المجتمع بادعاء أنه حماية لها وتمسكا بالعادات والتقاليد وتطبيقا للشريعة الإسلامية حسب فهمهم، وهو نفس المبدأ والحجة التي يتخذها الكثيرون في ممانعتهم لقيادة المرأة للسيارة وعملها في المحال التجارية وسفرها بمفردها الخ.


يقودنا الحديث عن السلطة والصلاحيات إلى قضية التمثيل، وهي نقطة أساسية في الجدال والنزاع من أجل المساواة المعاصرة. مؤيدو المساواة يسألون السؤال الأساسي وهو من الذي يمثل المرأة، كيف يمثلها وإلى أي مدى؟ وكان قرار تعيين ثلاثين عضوة في مجلس الشورى نقلة نوعية وقفزة عالية في دمج المرأة في أماكن صنع القرار ومشاركتها في قضايا المجتمع. ولكنها تظل خطوة واحدة بحاجة إلى دعمها باستراتيجية كاملة وخطة مؤسساتية لتفعيل دور المرأة في دائرة السلطة في جميع الإدارات العامة والمؤسسات الخاصة أن لا يقتصر دورها على الشكليات. وقد أثبتت النساء أنهن قادرات على تحمل المسؤولية وأداء مهامهن على أكمل وجه مثل الرجل وربما أفضل. وقد سبق أن خاضت المرأة السعودية تجربة الانتخابات في الغرف التجارية وحققت نجاحا ملموسا وهي تتطلع لخوض تجربة الانتخابات البلدية لأول مرة بعد عام كمرشحة وناخبة وتستعد لذلك.



تبعات مصطلح «النسوية»!




وعلى الرغم من تبني المرأة السعودية لكثير من مبادئ النسوية مثل المساواة في الأجور والعمل والتمثيل والصلاحيات فإنه مع ذلك لا تصف تلك النساء التي تطالب بهذه الحقوق أنفسهن بأنهن نسويات بسبب الصورة السلبية في المجتمع السعودي للحركة النسوية وأنصارها في الغرب واقترانها بالسحاق والتحرر الجنسي والأطفال غير الشرعيين. وهو ما نلاحظه كلما رفعت النساء أصواتهن مطالبات بحقوقهن أتهمن بالتأثر بالغرب والعمل مع جهات غربية ومعارضة تسعى لزرع الفتنة والفوضى وتغيير المجتمع السعودي المسلم المحافظ، بينما هن في واقع الأمر فقط يستعن بخبرات وتجارب النساء في الدول الأخرى ليأخذن منها ما يناسبهن ويناسب المجتمع السعودي ونظامه. وتجد النساء أنفسهن بين المطرقة والسندان، بين ضغط المطالبة بحقوقهن المشروعة والمكفولة في الإسلام واتهامهن بالعمالة والتغريب.

فعبء المحافظة على التقاليد والقيم الإسلامية يقع على عاتق المرأة لأنها مركز الأسرة، ولكنها مهمة الرجل أن يتأكد أنها مطيعة وملتزمة وأنها غير متأثرة بأي مؤثرات خارجية.

في الدول التي كانت تحت الاستعمار الأجنبي، لم تكن المرأة العربية مقهورة من قبل بعض جوانب تقاليدها المحلية فحسب ولكن أيضا من قبل القوى الأجنبية المحتلة. أما بعد الاستقلال، فقد قامت بعض إن لم يكن كل الأنظمة السياسية التي أتت إلى السلطة، بتقييد أهداف أنصار المساواة أو تأجيل الحديث عنها لأنها لم تكن تعتبر مهمة بنفس قدر أهمية التنمية القومية للبنية السياسية، الاقتصادية والعسكرية. فحركات أنصار المساواة في تلك الفترة فشلت في التقدم والنمو لأنها بدت متحررة جدا ومقترنة بالثقافة الغربية إلى حد كبير. وفي مكانها وأثناء النهضة العامة للحركة الإسلامية قامت الحركة النسائية الإسلامية في كافة أنحاء العالم العربي تتحدى ما يفترض عن حركة المساواة بأنها علمانية ومتحررة بالتركيز بداية على القراءة التقدمية للنصوص الإسلامية والمراجعة التاريخية من أجل إيجاد الحجة اللازمة والنماذج النسائية لإيجاد تقاليد إسلامية تنادي بالمساواة والتي تعزز حقوق المرأة. وعلى ذلك، فبدلا من وضع الإسلام في تعارض مع العصرية وحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة كما يحاول البعض أن يفعل، فقد استخدم أنصار المساواة المسلمون وسوف يظلون يستخدمون مبادئ وتعاليم الإسلام لتدعيم أهدافهم ومناشدة المرأة العربية المعاصرة بشكل واضح المعاني لا يتعارض مع التقاليد المحافظة.



الصراع من أجل الهوية




وعلى الرغم من أن النساء السعوديات لم يمررن بأي مرحله من مراحل الحركات النسائية في الدول الإسلامية الأخرى كمصر أو إيران أو الكويت ، فقد تأثرن بالحركة الإسلامية الأصولية في السعودية وبالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع. والحركة الإسلامية قد مرت بفترات من التقدم والتراجع ومعها يتقدم دور المرأة أو يتراجع. وهذا صحيح بالنسبة لكل الدول الإسلامية بما فيها السعودية. وقد أعطى الإسلام منذ أكثر من 1400 عام حقوقا للمرأة اكتسبتها المرأة الغربية فقط منذ 100 عام أو أقل. وهذه الحقوق تتضمن حق المرأة في أن ترث، أن تطلق زوجها، أن تحتفظ بملكية خاصة أن تدير أعمالها وأن تتبوأ مناصب رسمية وقيادية وحقوق أخرى كثيرة.



[blockquote]خاضت المرأة السعودية تجربة الانتخابات في الغرف التجارية وحققت نجاحا ملموسا وهي تتطلع لخوض تجربة الانتخابات البلدية لأول مرة[/blockquote]



وبينما أدمجت كل الدول الإسلامية ملامح كثيرة للثقافة المعاصرة الغربية، فقد استمرت في مقاومة ملامح ومفاهيم أخرى، خصوصا تلك المتعلقة بالنساء. لقد ازدادت الفجوة بين «المجتمع الإسلامي» و«العصرية الغربية» عمقا. فهؤلاء الذين اعتنقوا الآيديولوجيات الغربية «كالمساواة» و«الديمقراطية» اعتبروا «متأثرين بالغرب» و«متحررين» والذين اتبعوا تعاليم الإسلام اعتبروا متزمتين ومحافظين. وقد لا تكون أهدافهم مختلفة عن بعضهم البعض، حيث إن الكثير من المفكرين المسلمين أوضحوا أن الإسلام يؤيد الديمقراطية والمساواة والحرية. ولكن بسبب فهم المحافظين المشوه لقوانين الغرب وسوء فهم المتحررين الليبراليين للتعاليم الإسلامية فكل منهما يعالج هذه الأهداف بشكل مختلف وغالبا بمهاجمة الآخر. وعندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة ووضعها ودورها في المجتمع يأخذ كلا الحزبين المحافظ والمتحرر مواقف متعاكسة من دون مراعاة للأرضية المشتركة بينهم. وكلما استمر الانقسام ما بين الاثنين وازدادت حدة الصراع بينهما من أجل القوه والسيطرة، ازدادت مواقفهما تجاه المرأة حدة وتطرفا. وفي كلتا الحالتين، تخسر النساء حقهن في اختيار وتقرير مصيرهن لأنهن حرمن من أي صلاحيات حقيقية ومن المشاركة في عمليه صنع القرار. وفي أغلب الوقت فإن الرجال - سواء كانوا محافظين أو ليبراليين - هم الذين يتكلمون نيابة عنهن.

فالنساء المسلمات الناشطات في قضايا المرأة والحركات النسائية يحاولن الموازنة بين الجانبين من دون أن يفقدن هويتهن. وهذا ينطبق في السعودية كذلك، حتى وإن كانت مجهودات المرأة لا تأخذ أي شكل من أشكال المؤسسات أو الحركات الرسمية. فلا المجتمع ولا البيئة الثقافية ولا النظام يسمح للمرأة حتى بمجرد التفكير في أن تكون هناك حركة نسوية حتى اليوم. وما نشاهده من بعض مظاهر المعارضة لمنع قيادة المرأة للسيارة مثلا والحملات الإعلامية المصاحبة خاصة في الإعلام الجديد فهو تعبير للرأي ومطالبة علنية بتلك الحقوق وليس تنظيما لحركة نسوية فعلية.

وبالإضافة إلى الحركة الإسلامية، فهناك عامل آخر ساهم بشده في حديث أنصار المساواة في المجتمع السعودي والتغير في وضع المرأة السعودية، وهو الثروة الكبيرة التي أدرها البترول، والتي غيرت البيئة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السعودي. فقد أصبح أكثر مدنية، عصريا وعالميا. وهذا جعله أكثر انفتاحا للتأثيرات الخارجية وجعلته على اتصال بالثقافات الأخرى. ومع التغير في البنية الأساسية للمجتمع السعودي، فقد حدثت أيضا تغيرات في وضع ودور المرأة. فإدخال المرأة في التعليم الرسمي حتى المرحلة الجامعية وما بعد والابتعاث للخارج والتقدم العلمي وفتح أبواب العمل لها كان له تأثير على ثقتهن الفكرية، ووعيهن الاجتماعي وقوتهن الاقتصادية. فالمرأة السعودية لا تستعمل مصطلح النسوية أو المساواة الإسلامية، ولكن مع التعليم والاستقلال الاقتصادي المكتسبين حديثا، فقد أصبحن قادرات على التحاور بالحجة من أجل حقوقهن التي أقرها لهن الإسلام.
إن الظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة في المجتمع السعودي يمكن أن تتجه إلى فتح مزيد من فرص العمل والتمثيل الأفضل للمرأة، ولكن من دون قبول اجتماعي وثقافي ودعم لهذه التغيرات، سوف يستمر تهميش المرأة والتمييز ضدها. ومن الحتمي أنه طالما أن المرأة تستمر في كسب قوة اقتصادية فهي بطبيعة الحال ستبحث عن التمثيل السياسي والحق القانوني لحماية مصالحها.
font change