ترمب وإيران... صفقة أو ضربة

إيران و"هلالها" أضعف، لكن برنامجها النووي أقوى. أميركا وإسرائيل في حالة هجوم ولدى طهران بعض "الأوراق"

ترمب وإيران... صفقة أو ضربة

استمع إلى المقال دقيقة

منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وضع "المرشد" الإيراني علي خامنئي أمام خيارين: صفقة تتضمن التخلي عن طموح السلاح النووي والصواريخ البالستية مقابل رفع العقوبات والازدهار الاقتصادي، أو الاستعداد لضربات عسكرية أميركية وإسرائيلية ترمي إلى تفكيك البرنامج النووي.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يراهن على أن وجود حليفه في البيت الأبيض، سيعجل بالخيار الثاني، لكن ترمب، الذي تعهد بإنهاء الحروب و"فرض السلام بالقوة"، اختار الأول ونجح عبر الجمع بين أسلوبي "الضغط والإغراءات" في جلب "المرشد" إلى مائدة التفاوض ضمن سقف زمني قدره 60 يوما.

اخترنا في "المجلة" أن يكون "ترمب وإيران... صفقة أو ضربة" قصة غلاف شهر مايو/أيار، نعالجه من جميع جوانبه التفاوضية والسياسية والفنية، مع توقف عند جولات المفاوضات الأخيرة في مسقط وروما، والتفجير الغامض بميناء رجائي بمدينة بندر عباس جنوبي إيران يوم 26 أبريل/نيسان، إضافة إلى التداعيات في الشرق الأوسط، لأي من الخيارين: التسوية أو المواجهة.

وافق خامنئي على التفاوض مع "الشيطان الأكبر" تحت ضغوط الضربات والتصريحات، وقد رحبت دول عربية فاعلة بهذا الخيار. عُقدت ثلاث جولات، لكن طهران علّقت مؤقتا الجولة الرابعة بسبب عقوبات أميركية على نفطها.

هل تفكيك البرنامج النووي أمر سهل؟

بالنسبة إلى البرنامج النووي، فإن الوضع في عام 2025 يختلف جذريا عما كان عليه في عام 2015 أو 2018 لدى انسحاب ترمب من الاتفاق في ولايته الأولى. أصبح "البرنامج" الآن أقرب كثيرا إلى امتلاك قدرة تسليحية، ما يجعل أي تراجع عنه أمرا صعبا. وحتى لو تم تحديد سقف لمستويات التخصيب، فلا تزال طهران تحتفظ بالقدرة التقنية للانتقال السريع من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى مواد قابلة للاستخدام في صناعة الأسلحة، إضافة إلى الكمية الكبيرة من اليورانيوم المخصب التي راكمتها، وهي كافية لصناعة عدة رؤوس نووية.

ويقول خبراء إنه لتفكيك "البرنامج" فعليا، لا بد أن يتجاوز أي اتفاق مجرد وضع حدود للتخصيب، ويجب أن يتضمن إزالة أجهزة الطرد المركزي، وفرض رقابة صارمة على منشآت تصنيعها، وضمان القضاء على المخزونات الحالية من اليورانيوم المخصب. هنا، تبرز مسألة جوهرية أخرى، وهي التسلح، أي عملية تطوير رأس نووي يمكن تركيبه على نظام إطلاق صاروخي، وهذا أحد الأمور التي يريد ستيف ويتكوف مبعوث ترمب، مناقشتها مع وزير خارجية إيران، عباس عراقجي. علما أن اتفاق عام 2015 لم يتضمن أي قيود على أنشطة التسليح، ولم يُنشئ آلية لرصد هذه الجهود بشكل منتظم. لذا، فإن الاتفاق الجديد لا بد أن يعالج هذا النقص، حسب الاعتقاد الأميركي، ليس فقط من خلال تفكيك المكونات المعروفة من برنامج التسلح الإيراني، بل أيضا من خلال وضع نظام مراقبة دائم يضمن عدم استئناف هذه الأنشطة بشكل سري.

من الخطـأ أن تعتقد طهران أن تهديدات ترمب بالعمل العسكري مناورة، أو أنها تشبه تهديدات الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما وضع "خطا أحمر" لبشار الأسد، لكنه تراجع عن معاقبته عندما تجاوزه باستخدام السلاح الكيماوي

من المستبعد أن توافق إيران ببساطة على تفكيك برنامجها النووي، وستسعى لشراء الوقت وإغراق الجانب الأميركي بالتفاصيل، ما يرجح بدوره الخيار الثاني، أي احتمال حصول ضربة عسكرية ضدها.

صحيح أن إيران ليست سوريا، لكن ترمب ليس أوباما. فالرئيس الأميركي وعد بوقف حربي غزة وأوكرانيا وعقد اتفاق مع إيران، ويفضل المسار التفاوضي، لكنه سيكون مستعدا بلا ريب لاتخاذ إجراء عسكري إذا فشل المسار السلمي وشعر أن إيران تتلاعب معه، وهذا ما يراهن عليه نتنياهو.

ومن الخطـأ أن تعتقد طهران أن تهديدات ترمب بالعمل العسكري مناورة، أو أنها تشبه تهديدات الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما وضع "خطا أحمر" لبشار الأسد، لكنه تراجع عن معاقبته عندما تجاوزه باستخدام السلاح الكيماوي في 2013.

لا شك أن الخيار العسكري كان مطروحا دائما من أوباما ونتنياهو خلال مفاوضات 2013-2015. لكن إيران لم تأخذ تهديدات أوباما على محمل الجد. تهديدات ترمب جدية، بل إنه عززها بوجود عسكري لافت في الشرق الأوسط والمحيط الهندي. ولا شك أن العامل الحاسم حاليا، هو حالة الضعف التي وصلت إليها إيران و"الهلال الإيراني" في الإقليم. إذ أدى تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل في عام 2024 إلى تدمير جزء من المنظومة الدفاعية الجوية الإيرانية.

المعادلة الحالية هي: إيران و"هلالها" أضعف، لكن برنامجها النووي أقوى. أميركا وإسرائيل في حالة هجوم ولدى طهران بعض "الأوراق"

الأهم أن طهران فقدت قدرتها على شن ضربات، انتقامية أو استباقية، من جبهات مختلفة في "محور الممانعة" بعد نكسات "حزب الله" و"حماس" وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، مع بقاء "ساحة" اليمن عبر الضربات التي يشنها "الحوثيون" ضد خطوط الإمداد الدولية وإسرائيل، وتنامي إصرار إيران لتعزيز نفوذها في العراق تعويضا عن النكسات في باقي "الساحات".

المعادلة الحالية، هي: إيران و"هلالها" أضعف، لكن برنامجها النووي أقوى. أميركا وإسرائيل في حالة هجوم ولدى طهران بعض "الأوراق". نعرض في عدد مايو، تداعيات أي خيار سلمي أو عسكري على منطقة الشرق الأوسط ومشاريع إعمار المنطقة.

يتضمن عدد "المجلة" لشهر مايو، أيضا، تغطية خاصة لـ"حرب التعريفات" التي شنها ترمب. وللملف الليبي، ومواكبة للاتجاهات الثقافية والفكرية والعلمية في المنطقة العربية والعالم.

font change