في عام 1972 وبعد سنتين من تولي حافظ الأسد مقاليد الحكم في سوريا، جاء وفد من وجهاء الطائفة اليهودية إلى مكتب رئاسة مجلس الوزراء اللواء عبد الرحمن الخليفاوي، وعند سؤالهم عن حاجاتهم أجابوه: "نريد أن ننتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي". ذُهل الخليفاوي من هذا الطلب الغريب وغير المتوقع، فسألهم عن الأسباب وأجاب أحدهم: "ولماذا لا؟ ألسنا مواطنين سوريين؟ هل هناك أي مانع قانوني أو دستوري من انتسابنا إلى الحزب الحاكم؟". رد الخليفاوي بالنفي وطلب مهلة للتشاور مع حافظ الأسد، الذي أجاب برفض قاطع.
في الحقيقة، لم يكن اليهود يريدون الانتساب إلى "البعث"، بل القول أمام السلطات السورية بأنهم مواطنون سوريون، لا يختلفون بشيء عن بقية الأقليات المسيحية والدرزية والشيعية، تثبيتا لحقهم بالمواطنة في سوريا.
يعود اليوم موضوع يهود دمشق إلى الواجهة، بعد زيارة عدد من اليهود السوريين إلى بلدهم الأم فور سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني بهم خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية. في شهر فبراير/شباط الماضي، زار دمشق حاخام اليهود السوريين المقيمين في أميركا يوسف حمرا، وجال على حارة اليهود في المدينة القديمة، وفي 29 أبريل/نيسان الماضي، قام وفد من اليهود المغتربين بفتح كنيس الإفرنج التاريخي، الذي أُسس من قِبل الجالية اليهودية التي فرت من الاضطهاد الإسباني بعد سقوط الأندلس أواخر القرن الخامس عشر. صلوا فيه للمرة الأولى من عقود، وهم اليوم في صدد استعادة منازلهم في حارة اليهود، التي كانت في زمن مضى من أبهى وأفخم دور دمشق، بقاعاتها المزخرفة، والنقوش على أسقفها، وبحيرات المياه في أرض ديارها، تتوسطتها أشجار الليمون والكباد والنارنج.
منذ أن غادر اليهود مدينتهم في تسعينات القرن الماضي، رفضوا بيع هذه البيوت أو تأجيرها، وبقيت مغلقة لعقود طويلة، قبل أن يقوم النظام بفتحها بالقوة مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وإدخال المهجرين إليها.
أثناء سنوات حكم بشار الأسد، كان دخول الحي اليهودي من قبل المهتمين والباحثين والإعلاميين يحتاج إلى تصريح أمني من فرع فلسطين، وقد منعوا من تصوير الدمار الكبير الذي تعرض له كنيس جوبر مثلا، وبقية الممتلكات اليهودية. أما عن عدد اليهود المتبقين في سوريا اليوم، فلا أحد يمكنه أن يعطي جوابا صحيحا ووافيا، فهناك رواية تقول إن عددهم تسعة مسنين فقط لا غير، وآخرون يقولون إن عددهم قد يصل إلى ما بين 17-20 شخصا، رفضوا المغادرة حتى في أحلك الظروف، وتحملوا مشقة الظروف الاقتصادية الصعبة، وشح المواد التموينية، وانقطاع الكهرباء، والغارات الإسرائيلية المتكررة، على الرغم من أنه كان باستطاعتهم اللجوء إلى أي مكان في العالم بعد عام 2011، ولكنهم ظلوا متمسكين بأرضهم وأرض أجدادهم.
الطائفة اليهودية في نهاية الحرب العالمية الأولى
في ديسمبر 1918، وبعد شهرين من إجلاء آخر جندي عثماني عن دمشق، وصلها وفد من الوكالة اليهودية العالمية، مؤلف من جاك الموصيري (المصري)، وداود يلين نائب رئيس بلدية القدس. هدفت الزيارة إلى معاينة أوضاع يهود المدينة ومعرفة مدى تقبلهم للفكر الصهيوني، وإمكانية فتح مكتب لأعمال الوكالة داخل مدينة دمشق القديمة، والتغلغل في المجتمع الدمشقي عبر التواصل المباشر من وجهاء الطائفة.