لا شيء يشبه الصدمة التي أصابتنا، إثر مشاهدة الموسم الأول من المسلسل الكوري الأشهر "لعبة الحبار" Squid Game، ولا الأسئلة التي أثارتها أحداثه السوداوية، وقرر مؤلفه ومخرجه هوانغ دونغ‑هيوك ألا يجيب عنها. بعد عرض موسمه الثالث والأخير على المنصة المنتجة له "نتفليكس"، صار في إمكاننا أن نتأمل عملا، ليس مبالغة القول بأنه من أهم الأعمال الفنية التي عرضت خلال السنوات الأخيرة، ليس فقط من حيث نجاحه الجماهيري، فهو أبرز إنتاجات منصة "نتفليكس" منذ انطلاقها، لكن كذلك من حيث الأفكار التي طرحها، والأسلوب الفني المخالف بلا شك للأسلوب الهوليوودي الذي انتهجه. ثم ما انتهى إليه في حلقته الأخيرة، كخلاصة أخيرة عن هذا الوضع الوجودي الديستوبي الذي شهدناه في "لعبة الحبار"، إذ يترجم أبعادا حقيقية من عالمنا.
ألعاب الطفولة التي تستهدف تعليم الصغار كيف يقضون الوقت في جماعة، تختلط هنا بالموت الأكيد لمن يخسر. أما الخسارة نفسها فمتعددة الوجوه والمعاني، فمن لا يفكر بأنانية، أثناء الألعاب الخطرة، وفي نجاته وحده يخسر، لكن أيضا وذلك الأفدح، من يفكر بأنانية في نجاته وحده، هو خاسر أكيد. تحقق الموت بصريا في "لعبة الحبار" بالكثير من الدم والميتات المفجعة التي تنزع عن الجسد إنسانيته، وفي الوقت نفسه تجعله عبرة للاعبين الآخرين. وكلما تضاعفت جائزة الألعاب بعد كل جولة، مع احتساب نصيب المقتولين/ الخاسرين، بدا الموت للمفارقة أشد مجانية. لقد مررنا ونحن نشاهد "الحبار" بالكثير من الخوف والقلق والشعور الخانق بالضيق، ضيق المكان وضيق الوجود كله.
البطل المختار
بدأ المسلسل عند شخصية جي‑هون (أدى دوره الممثل لي جونغ‑جاي)، اللاعب المستقبلي للعبة الحبار، من حياته البائسة، فقره الشديد ووحدته بعد طلاقه، وسفر طليقته مع ابنته خارج كوريا الجنوبية. غارقا في الديون، كغالبية لاعبي "الحبار"، ومهددا من دائنيه، وجد جي‑هون نفسه أمام مندوبي اللعبة، أولئك الذين ينتظرون في محطات المترو، أو على النواصي، يرتدون أفخم الثياب ويتصرفون بدم بارد، وكأنهم أشخاص آليون، إنهم يفطنون من نظرة واحدة إلى بؤس حياة الشخص، فيعرضون عليه الدخول في محاكاة سريعة للعبة من ألعاب الصغار، نوع من التهيئة للعبة الكبيرة، وإما أن ينتصر فيحصل على مكافأة مالية تغريه للعرض الأكبر لاحقا، وإما أن ينهزم فيهان بتلقي الصفعات، وفي ذلك أيضا تمهيد للإذلال الذي سيتجرعه اللاعب إن قبل الانضمام إلى اللعبة.