قبل أن تطلق "نتفليكس" الموسم السابع من المسلسل الشهير "بلاك ميرور" (المرآة السوداء)، بدا السؤال الاستنكاري متوقعا: ما الذي يمكن أن يصفه "بلاك ميرور" من مستقبل مُظلم للبشرية، إذ تعتمد على المزيد من التكنولوجيا وتهمش الإنساني فيها، أسوأ مما وصفه في مواسمه السابقة من جهة؟ وأسوأ مما تعيشه البشرية حاليا من جهة ثانية؟
نبوءات أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان، لم تعد تتضمن ما يخيف. بات من الثابت أن أثرياء العالم وحاكميه الجدد يستعدون لغزو الكواكب الأخرى، ليزرعوا فيها بذرة حياة احتياطية، لأن عمر كوكبنا الأرض يتناقص، كما يقولون في تصريحات علنية. لأن التلوث والاستهلاك الزائد والأنانية الرأسمالية، قضت بالتدريج على مستقبلنا، وما عاد من أمل في الغد إلا ربما بالتخلي عن الأرض، والانطلاق لتدمير كواكب غيرها.
الخلل الإنساني
الكاتب الفرنسي سيباستيان بولر، يشرح في كتابه Le bug humain أو الخلل الإنساني الصادر في باريس عام 2019، أننا الأجيال الأخيرة التي سيكون في وسعها أن تسيء استهلاك الموارد الطبيعية إلى درجة التدمير، وبما يدفع شعوبا كاملة إلى الهجرة، أن الأجيال المقبلة لن تملك حتى، ما يمكننا تسميته مجازا، رفاهية الشر هذه. في الكتاب نفسه، يزعم بولر، أن العقل البشري، الذي نتغنى بقدراته اللامحدودة في وسائل الإعلام، الذي اختُرع الذكاء الاصطناعي على صورته، محاكاة لوظائفه، هو نفسه الذي يحمل جرثومة موته، عامل فنائه. إنه المبتكِر لكن أيضا المدمِر نفسه والعالم الذي ابتكره. وهذه الفكرة الأخيرة، عن أصالة الشر في العقل الإنساني، إن جاز التعبير، هي التي كان ينهض عليها "بلاك ميرور" في مواسمه السابقة. إن التكنولوجيا إزاء هذا الشر، لم تكن في غالبية الأحيان، إلا مرآة تعكس ظلامية الإنساني نفسه، لكنها لم تخلقه، ولا أوجدته من العدم.
من هنا أيضا اتسم "بلاك ميرور" على الأقل في بعض حلقاته، بأنه عمل مخيف، مرعب، مقبض، ديستوبي، وإن عمل تشارلي بروكر، العقل الإبداعي المبتكِر للسلسة، على تقديم حلقات فانتازية تتضمن كوميديا سوداء، تعكس صورة للإنسان في خبله وتفاهته. وتخفف قليلا محتواه الكئيب. بين آن وآخر، قدّم بروكر حلقات تبحث في مفهوم الحب، وتعليه على كل ما عداه. إذ يترك أبطاله/ بطلاته العالم الاصطناعي خلفهم ويتجهون إلى عالم الحب الأبدي. أو حتى كانوا يستغلون ما تجود به التكنولوجيا، للقاء أحباب من عوالم أو حيوات أخرى، أو لعقد صلات لا تُستبدل مع أحياء في العالم نفسه، لكنهم داخل هذه الصلة الاصطناعية يكشفون عن أجمل في ما أنفسهم.