حماية الدروز، تقسيم سوريا، منع النفوذ التركي، مواجهة المتطرفين، كل هذه العناوين تتحدث بها إسرائيل عبر مسؤوليها وإعلامها لتُبرر تدخلاتها في سوريا التي لم تنتهِ منذ سقوط النظام السوري، بدءا بالتوغل العسكري واستهداف البنية العسكرية السورية، مرورا بالقصف "التحذيري" الذي طال القصر الرئاسي في دمشق صباح الجمعة 2مايو/أيار على خلفية التوتر الحاصل بين الدولة السورية وفصائل من السويداء في كل من جرمانا، وأشرفية صحنايا، والسويداء.
أمس الجمعة، وبعد ساعات من غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة القصر الرئاسي في دمشق، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل تُجهز أهدافا إضافية لضربها في سوريا، وهو أمر تحقق في اليوم ذاته الجمعة، حيث استهدف الطيران الإسرائيلي بعدة غارات مواقع عسكرية سورية في كل من ريف دمشق ودرعا وحماة، وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي فإن الغارات استهدفت "موقعا عسكريا ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض-جو في سوريا". وأضاف البيان أن "الجيش سيواصل العمل كلما دعت الحاجة من أجل حماية مواطني دولة إسرائيل".
وفي التفاصيل فإن الغارات استهدفت الفوج 41 الواقع قرب مستشفى حرستا العسكري ومنطقة تل منين في ريف دمشق، الفوج 175 القريب من مدينة إزرع بريف درعا، والكتيبة الصاروخية في محيط قرية موثبين القريبة من الصنمين في محافظة درعا. أما في حماة فذكرت وكالة "سانا" أن القصف استهدف محيط قرية شطحة بريف حماة الشمالي الغربي موقعا أربع إصابات.
وعلى الرغم من أن هذه المواقع بحسب قيادي في وزارة الدفاع السورية هي "مواقع خالية تقريبا من السلاح"، فإن هذا التصعيد الذي تتذرع إسرائيل بحماية دروزسوريا من خلاله، يحمل تداعيات كبيرة على السلم الأهلي في سوريا، وعلى المناخ السياسي الإقليمي والدولي وسط تضارب مصالح كثير من الدول وتصوراتها عن شكل المستقبل الذي ينبغي أن تحمله سوريا.
السلم الأهلي في خطر
على مدار الأشهر الماضية استخدمت إسرائيل سردية حماية الدروز كحجة لأي تدخل ممكن من قبلها، وأرسلت تحذيرات عديدة على لسان مسؤوليها، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قال إن بلاده "ملتزمة بحماية الدروز"، وشنت عدة غارات لدعم هذه السردية، كما استخدمت شيخ الدروز في إسرائيل موفق طريف لدعم تلك السردية التي يراها كثير من دروز سوريا حجة واهية لتبرير التدخل الإسرائيلي في سوريا، ويقول مسؤول عسكري في وزارة الدفاع السورية لـ"المجلة" إن "إخوتنا الدروز يعلمون أن إسرائيل لا تريد حمايتهم، وإنما تريد حماية مصالحها، وهذا لمسناه في كثير من المقابلات التي جرت مع قادة الفصائل في السويداء". كما أعلنت الفعاليات الدينية ومشايخ الطائفة في السويداء أكثر من مرّة رفضهم التدخل الإسرائيلي بحجة حماية الدروز.
وعلى الرغم من أن هناك بعض الأصوات الدرزية في سوريا ربما تدعم رواية حماية إسرائيل للدروز، لكنها ليست شيئا يذكر أمام أصوات غالبية الدروز في سوريا ولبنان الرافضة للتدخل، مما يجعل سردية إسرائيل غير واقعية وليست ضرورة مطلبية أتت نحوها من قبل دروز سوريا. هذا التدخل غير القانوني وغير المبرر يُعقّد الوحدة الدرزية في سوريا ولبنان من جهة، ويخلق توترا أكبر بين بقية السوريين والدروز، وهي مؤشرات خطيرة قد تكون فتيل صراع داخل الطائفة الدرزية نفسها، وداخل النسيج السوري الديني من ناحية أخرى.
الحكومة السورية والفعاليات الدرزية تبذل ما أمكنها لمواجهة هذه السردية، وبحسب المعلومات فإن اتفاق السويداء الذي تم بين الحكومة السورية والفعاليات الدرزية هو محاولة من قبل الطرفين لتذليل التوتر السوري-السوري الذي تُغذيه إسرائيل بهجماتها وخطابها، حيث قبلت الحكومة بما يشبه إدارة محلية في السويداء يقودها أبناء السويداء أنفسهم، وهو أمر يخالف توجهها بعدم السماح بحصر السلاح ضمن مكون معين لإدارة مناطقهم، وكان جليا ذلك من خلال رفض الحكومة السورية اتفاقا شبيها مع "قسد" حيث اعتبرت أنه يهدد وحدة سوريا ومركزيتها.