"اختبار دام" في صحنايا... وإسرائيل تُعقّد المشهد السوري

تحديات مصيرية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
عناصر من قوات الأمن السورية يرفعون علامة النصر في العاصمة دمشق، في 29 أبريل

"اختبار دام" في صحنايا... وإسرائيل تُعقّد المشهد السوري

تعيش أطراف العاصمة دمشق توترا كبيرا بفعل اشتباكات اندلعت بين الأمن العام ومجموعات محلية من جرمانا لتمتد إلى أشرفية صحناياالتي تتشابك فيها القوى المتدخلة، فمنها من ينتمي للحكومة السورية متمثلا بالأمن العام، ومنها مجموعات محلية خارجة عن إطار الدولة قوامها مدنيون محليون ومقاتلون من دير الزور ودرعا، إضافة إلى مجموعات محلية من الدروز، وما عقد المشهد في صحنايا أكثر هو ضربتان للطيران الإسرائيلي استهدفتا أشرفية صحنايا.

ارتداد الخلاف الحاصل في ريف دمشق أخذ طريقه داخليا نحو الجنوب الذي بدأ يشهد توترات واستنفارا شمل جميع القوى التابعة للحكومة، المحلية، والفصائل الموجودة في محافظة السويداء. حيث اعترضت مجموعة محلية في منطقة المطلة على أوتوستراد دمشق السويداء رتلا عسكريا يتبع لفصائل عسكرية موجودة في السويداء كان متجها نحو أشرفية صحنايا، وبحسب مصادر "المجلة" فإن المجموعة المحلية اعترضت الرتل دون وجود أوامر أو تنسيق مع قوات الحكومة السورية.

وبحسب قيادي في الأمن العام في درعا فإن الحكومة السورية استنفرت في الجنوب "خوفا من امتداد التوتر إلى منطقة درعا والسويداء"، في الوقت الذي "تعمل فيه الحكومة السورية يدا بيد مع ممثلين عن المرجعية الدينية في السويداء وممثلين عن بعض الفصائل من أجل حل الخلاف ومنع أي امتداد لحالة التوتر التي سببها تسجيل صوتي لم يُعرف من يقف وراءه".

في غضون ذلك تحاول إسرائيل إيصال رسائل بأنها تحمي الدروز، وذلك من خلال مسيرات كانت تحوم فوق منطقة جرمانا يوم الثلاثاء 29 أبريل/نيسان، وهجمات جوية اليوم الأربعاء 30أبريل، إضافة إلى إرسال رسائل عبر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، الذي قال في بيان إن "الوضع تحت السيطرة"، وإن نتنياهو أصدر تعليمات متصلة بالوضع في سوريا، وأضاف أن "تغييرا قريبا سيحدث".

في الوقت نفسه أعلن الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اتصل بالحكومة السورية وتركيا والسعودية وقطر والأردن ضمن إطار جهود وقف النار بأشرفية صحنايا، وبحسب بيان الحزب فإن جنبلاط أكد أن معالجة الأمور ينبغي أن تتم "انطلاقا من منطق الدولة ووحدة سوريا بجميع مكوناتها".

القصة بدأت في جرمانا

بدأ التوتر في منطقة جرمانا يوم الاثنين وذلك عقب انتشار تسجيل صوتي- قيل إنه لشيخ درزي- يتضمن إساءة للرسول الكريم محمد، وعلى الرغم من أن الحكومة السورية لم تستطع تحديد من يقف خلف التسجيل، فضلا عن أن المرجعيات الدرزية أكدت أن هذا التسجيل لا يُمثل الدروز، وأن الغاية منه نشر الفتنة بين السوريين، فإن ذلك لم يخفف من حالة التوتر الذي تحول إلى اشتباكات في مدينة جرمانا ليل الثلاثاء وتحديدا عند حاجز حي النسيم، ما أسفر عن سقوط قتيل وإصابة أربعة آخرين.

مصدر محلي في جرمانا قال لـ"المجلة" إن "الإشكالية بدأت مع محاولة مسلحين قدموا من ريف دمشق لا ينتمون للحكومة، بإطلاق رصاص في الهواء كنوع من الرد على التسجيل الصوتي، وهو ما رد عليه مسلحون في جرمانا بالرصاص، وبعد هذه الحادثة لم نعد نعلم ما الذي حصل".

أ.ب
مسلحون دروز يقفون حراسا قرب نقطة تفتيش، ضواحي دمشق، في 29 أبريل

الداخلية السورية قالت إن الهجوم على جرمانا لم يكن من قبل الحكومة ولم يكن هجوما منظما، مضيفة أن ما حصل في البداية هو هجوم من قبل مجموعات محلية استهدفت احتجاجا مدنيا.

قيادي في الأمن العام قال لـ"المجلة" إن "الأمن العام تعرض لهجوم من قبل مجموعات محلية في حي النسيم". وأضاف أنه "تقريبا" كل عناصر الحواجز التابعة للأمن العام في جرمانا "هم مقاتلون أصولهم من السويداء، لذلك لا يمكن تصديق أن يكون الأمن العام هو من بدأ بالهجوم"، وأكد أن "الدولة السورية كانت واضحة في تعليماتها لنا بعدم الاشتباك ومحاولة ضبط الأمن ومنع أي جهة من دخول جرمانا خوفا من تعقيد المشهد هناك".

وتابع: "بذلت الحكومة السورية والمرجعيات الدرزية كلها جهودا كبيرة من أجل حل الإشكال، واجتمعوا يوم الثلاثاء في جرمانا لإنهاء الخلاف، وهذا تحقق فعلا، وتم تسليم جثث القتلى من الأمن العام للدولة السورية، وتم تشييعهم اليوم الأربعاء، التوتر في جرمانا كلف السوريين 13شهيدا للأسف".

الاشتباكات لم تكن كثيفة في جرمانا، وذلك بسبب تدخل كل من الحكومة السورية وفصائل السويداء والمرجعيات الدينية لحل الخلاف

الاشتباكات لم تكن كثيفة في جرمانا، وذلك بسبب تدخل كل من الحكومة السورية وفصائل السويداء والمرجعيات الدينية لحل الخلاف، وفعلا اجتمع ممثلون عن الحكومة وممثلون عن الطائفة الدرزية والمجتمع الأهلي والمحلي في المدينة الثلاثاء، وبحسب الورقة التي اطلعت عليها "المجلة" فإن أبرز ما اتفق عليه الحضور هو "ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الضحايا الذين سقطوا في المدينة"، إضافة إلى "التعهد بالعمل على محاسبة المتورطين بالهجوم وتقديمهم للقضاء"، و"توضيح ما جرى إعلاميا والحد من التجييش الطائفي والمناطقي".

لم يكد يمضي على الاتفاق ساعات حتى اندلعت اشتباكات في منطقة أشرفية صحنايا التي تحتضن مزيجا من السوريين من محافظات السويداء، ودير الزور، ودرعا، ومحافظات أخرى.

قضايا متشابكة وامتداد لتوتر جرمانا

بحسب الرواية الرسمية للحكومة السورية فإن "مجموعات خارجة عن القانون من منطقة أشرفية صحنايا قامت بالهجوم على حاجز يتبع لإدارة الأمن العام مساء أمس (الثلاثاء)، ما أسفر عن إصابة 3 عناصر إصابات متفاوتة"، بحسب ما نقلت وكالة "سانا" عن مصدر أمني في دمشق، والذي أضاف أنه "بشكل متواز، قامت مجموعات أخرى في الوقت نفسه بالانتشار بين الأراضي الزراعية وإطلاق النار على آليات المدنيين وآليات إدارة الأمن العام على الطرق، ما أدى لاستشهاد 6 أشخاص وجرح آخرين".

الإشكال في أشرفية صحنايا بحسب مصادر "المجلة" له أبعاد عديدة، أبرزها أن المنطقة شهدت عبر السنوات الماضية توترات عديدة بين مدنيين ينتمون لعشائر من دير الزور والدروز، وأن هناك احتقانا بين الطرفين تدخل الأمن العام أكثر من مرة في الأشهر الماضية لتخفيفه.

قيادي في الأمن العام قال لـ"المجلة" إن "الوضع في أشرفية صحنايا معقد أكثر من جرمانا"، موضحا أنه "على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أن التوتر امتد من جرمانا إلى الأشرفية، فإن أسبابه الحقيقية محلية بحتة تم استغلال التوتر في جرمانا لتصفية الحسابات بينهم"، وتابع: "بحسب المعلومات فإن الخلاف بدأ بين المحليين في الأشرفية دون أن يكون للأمن العام دخل فيه، وقوات الأمن العام توجهت منذ الصباح إلى الأشرفية لضبط الأمن واعتقال كل من كانت له علاقة بالاشتباك من المدنيين بغض النظر عن انتمائه".

الأمن العام الذي دخل إلى الأشرفية تعرض لهجمات لم يستطع تحديد من يقف وراءها، وذلك نتيجة تداخل القوى في المنطقة، خصوصا أن القوى المتشابكة في الأصل لديها سلاحها وتقيم داخل الأشرفية، وبحسب ما أعلن الأمن العام في وقت سابق اليوم فإن الاشتباكات في أشرفية صحنايا أسفرت عن سقوط 16عنصرا في صفوفه، ما اضطر الدولة السورية إلى استخدام مسيرات شاهين لمراقبة الوضع وجمع المعلومات.

قيادي في الأمن العام قال لـ"المجلة": "الوضع في صحنايا معقد أكثر من جرمانا"، موضحا أنه "على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أن التوتر امتد من جرمانا إلى الأشرفية، فإن أسبابه الحقيقة محلية بحتة

وبجهود حثيثة من قبل المرجعيات الدينية في السويداء والحكومة السورية، بدأت ملامح حلحلة الأمور في الأشرفية مؤقتا ريثما يتم التعامل مع كل المهددات المستقبلية للسلم الأهلي، حيث علمت "المجلة" أن أكثر من اجتماع حصل منذ الصباح بين الحكومة السورية والمرجعيات الدينية الدرزية، في دمشق، وفي منطقة قريبة من داريا، وفي صحنايا، وبحسب المعلومات فإن الوفد القادم من السويداء وصل بحماية من قبل الأمن العام.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة" فإن الحكومة السورية لا تريد أن يمتد الصراع أكثر ويتحول إلى دوامة طائفية تقود إلى اقتتال شبيه بما حصل في الساحل، وهذا مطلب يتقاطع مع المرجعيات الدينية الدرزية والفصائل الكبرى في السويداء. المعلومات تقول إن دمشق تعلم حجم السلاح الموجود في السويداء، إضافة إلى التوتر القديم بين السويداء ومجموعات البدو هناك، ولذلك ترى دمشق أن حل الإشكال سلميا سيكون أكثر نجاعة من تطويره، خصوصا وأن إسرائيل دخلت مباشرة على الخط وتحاول تصوير نفسها على أنها حامي الدروز، وهو ما قد يُعطي دفعة نفسية لبعض القوى في السويداء للتحرك ضد الحكومة السورية عسكريا.

قيادي عسكري في درعا يقول لـ"المجلة" إن "السلاح الموجود في السويداء كبير، وهناك فصائل في السويداء تدعم الحكومة السورية، وأخرى تريد مواجهتها، والخوف اليوم أن يبدأ صراع تتعقد فيه المسببات والنتائج والقوى، لذلك من مصلحتنا جميعا عدم الانجرار لحرب بيننا لن تخدم إلا عدونا". وأضاف أن الحكومة السورية لم ترسل أي أمر للأمن العام والجيش في الجنوب السوري لتنفيذ عمليات أمنية أو اعتقالات في الجنوب. 

أ.ب
شباب دروز يرفعون أعلام طائفتهم الدينية بجانب مسلحين، بعد يوم من اشتباكات في ضاحية جرمانا الجنوبية بدمشق، سوريا في 29 أبريل

في السياق، نقلت وكالة "سانا" عن مدير مديرية الأمن في ريف دمشق المقدم حسام الطحان أن الأمن العام  تمكن من دخول "كافة أحياء أشرفية صحنايا"، وسنبدأ إجراءات استعادة الأمن والاستقرار للمنطقة"، مؤكدا "انتشار قوات الأمن العام في أحياء المنطقة لضمان عودة الأمن والاستقرار".

الهدنة "المؤقتة"، بحسب معلومات "المجلة" سيتبعها جهد حثيث من قبل الحكومة والمرجعيات الدرزية الدينية والعسكرية لمنع أي محاولة أخرى من قبل "خارجين عن القانون" لزعزعة الاستقرار في سوريا، وأن الطرفين سيعملان على مواجهة أي تدخل خارجي "لا يهدف إلا لتدمير سوريا".

إسرائيل تدخل المشهد

منذ يوم الثلاثاء تحوم مسيرات إسرائيلية فوق دمشق، بالتزامن مع التوتر الحاصلفي جرمانا، لتُصعد اليوم وتشن غارات عدة في منطقة أشرفية صحنايا، تبعه إعلان واضح أن إسرائيل تريد حماية الدورز، وتطالب حكومة دمشق بحماية الدورز.

واليوم الأربعاء شنت طائرات إسرائيلية عدة غارات استهدفت منطقة أشرفية صحنايا، الأول استهدف رتلا للأمن العام كان في طريقه إلى أشرفية صحنايا أسفر عن سقوط قتيل من الأمن العام، والثاني استهدف المنطقة أيضا وسط معلومات غير مؤكدة عن إصابات في صفوف المدنيين.

وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء 30أبريل/نيسان، فإن الجيش الإسرائيلي نفذ "عملية تحذيرية، واستهدف مجموعة متطرفة كانت تستعد لشن هجوم على السكان الدروز في بلدة صحنايا، في محيط دمشق بسوريا". واعتبر أن هذا الهجوم "رسالة حازمة إلى النظام السوري"، وأن إسرائيل "تتوقع" من الحكومة السورية "التحرك لمنع الإضرار بالطائفة الدرزية".

الضربات الإسرائيلية والتصريحات التي تبعتها لم تكن جديدة، حيث قال نتنياهو أكثر من مرة إن "الجيش الإسرائيلي ملتزم بحماية الدروز"

الضربات الإسرائيلية والتصريحات التي تبعتها لم تكن جديدة، حيث قال نتنياهو أكثر من مرة إن "الجيش الإسرائيلي ملتزم بحماية الدروز". وفي مطلع شهر مارس/آذار الماضي قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل ستتدخل عسكريا في سوريا "إذا أقدم النظام على المساس بالدروز في ضاحية جرمانا جنوب شرقي دمشق"، وذلك بالتزامن مع توترات شهدتها جرمانا بين الأمن العام ومقاتلين دروز انتهت باتفاق بين الطرفين. في مقابل ذلك كانت المرجعيات الدرزية الدينية في سوريا، وفصائل في السويداء، أكدت أكثر من مرة أن دروز سوريا هم جزء من النسيج السوري، وأنهم ليسوا بحاجة لحماية خارجية. 

أ.ف.ب
مقاتلون من الطائفة الدرزية يحملون أسلحة عند نقطة تفتيش في جرمانا بريف دمشق، 29 أبريل

وعلى الرغم من أن الحكومة السورية والمرجعيات الدرزية في سوريا يبذلون كل جهد لتوحيد الصف السوري، فإن عوامل الانقسام موجودة، فمن ناحية هناك جزء من الدروز يبحث عن الحماية الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى ما زالت الدولة السورية تبني قدراتها لضبط السلاح المنفلت والذي قد تستخدمه قوى غير منضبطة لتنفيذ هجمات على الدورز أو غيرهم، في محاولة لزعزعة الاستقرار. والأمن العام يعلم ذلك، ويرى- بحسب أحد قادته- أن ما يحصل اليوم قد يتكرر، وقد تزداد شدته، لذلك علينا التعاون كسوريين بغض النظر عن انتمائنا".

font change