المرأة السعودية.. السعي نحو الأهلية الكاملة

المرأة السعودية.. السعي نحو الأهلية الكاملة

[caption id="attachment_55249428" align="aligncenter" width="620"]يهدف الحراك النسوي في السعودية إلى خلق حالة مواطنة كاملة للمرأة يهدف الحراك النسوي في السعودية إلى خلق حالة مواطنة كاملة للمرأة [/caption]

يأتي السؤال الباحث عن موقع المرأة في المجتمع السعودي كدافع أساسي خلف مبادرات الحراك على اختلافها، ويثير تفرّد بعض مبادرات الحراك النسوي في إطار "حق قيادة السيارة" مثلا العديد من الأسئلة حول أولويات الحراك النسوي السعودي، وأسئلته المختلفة، وفي مواجهة الموانع المعيقة للمشاركة المدنية وقيود التعبير، يظهر لنا حراك النساء في السعودية مشتتًا ومتقطّعًا وأدنى كثيرًا من أحلام النساء وطموحاتهن.

تقف خلف دوافع الحراك النسوي وخطابه السائد علاقة مضطربة تشكلت من خلال تحولات المجتمع الحديثة التي جلبت مفاهيم جديدة متعلقة بالنساء، إلى جانب محورية أدوارهن في المجتمع التقليدي حول الزواج والأمومة. الانتقال لنمط المدن الحديثة حمل معه التحوّل لسياسات الفصل بين الجنسين في الفضاءات العامة، حيث تكمن القوة وتصنع القرارات وتتشكل ثقافة المجتمع حصريًّا على الرجال، اختفت أدوار المرأة المتعددة في حياة البداوة والرعي بكل ما تتطلبه من مهارات البقاء وتقرير المصير، وأصبحت النساء يعشن في فضاءات موازية مفصولة عن فضاءات الرجال في الأسرة والمجال العام، و تعزّز اعتمادهن على الرجال اقتصاديًّا ومعنويًّا للوصول للخدمات والفرص.



حصر الفضاء العام





التيار الديني كان حاضرًا بقوة في كل التحولات المدنية داخل المجتمع، فعزز مفهوم حصر الفضاء العام بالرجال، وبالتالي أصبح الفصل بين الجنسين مؤسّسًا ومقننًا في كل الأماكن العامة، كما ساهم الرفاه الاقتصادي في تهميش النساء وتعزيز الأبوية، من خلال تقليل استثمار طاقات النساء في الاقتصاد، وتشجيع وفرة إنجاب الأطفال –و بالتالي تقييد النساء في فضاء الرعاية و الأسرة-. استثناء النساء من المشاركة العامة وحصرهن في فضاءات الأسرة أدّى مع الوقت إلى انخفاض مشاركتهن لهمومهن، وعدم تطويرهن إلى أي حراك جماعي لحل مشكلاتهن... فترسخت صورة المرأة وفق مفاهيم فكرية محددة، صاغتها رؤية دينية قبلية للمرأة ترى دور المرأة كزوجة وأم دورًا حصريًّا، وترى مشاركتها في مجالات الحياة بأسرها كأمر خاضع ومشروط لتقدير رجل "ولي أمر" أو مشاركة غير ضرورية ومستحدثة.



[blockquote]كانت الكتابة النسائية نافذة أولى للمرأة في السعودية لرفع صوتها، وبيان احتياجاتها وحقوقها من بين الخطاب الذكوري السائد[/blockquote]



وعلى الرغم من أنّ النظام الأساسي للحكم لم يفرّق في مبادئ الحكم بناءً على الجنس كما في المادة الثامنة والتي تضع العدل والمساواة والشورى قيمًا أساسية في مبادئ الحكم، إلا أن ممارسات بعض الجهات الحكومية قد تبنّت الفصل الكامل بين الجنسين؛ فاقتصرت في تقديم وتطوير خدماتها على احتياجات المواطن "الرجل" في حين قدّمتها للمرأة بصفة مشروطة أو محدودة، يرفد ذلك آراء ومواقف تسعى بشكل خاص إلى وضع المرأة وإبقائها في مسارات محدّدة لا يمكن الخروج عنها إلا وفق رؤية دينية تحمل في أحكامها مبالغات غير معتادة –كالمنع من قيادة السيارة وفرض زي صارم- معتمدة في ذلك على مبررات كثيرة على رأسها خصوصية المجتمع، وخصوصية المكان.

تعليم البنات لم يتأخر كثيرًا عن تعليم الأولاد إلا ببضع سنوات، لكن الاستثمار فيه لم يكن فاعلاً في تطوير قدرات النساء ومنحهن كامل القدرة على المشاركة في كل مجالات الحياة، حيث كان موجّهًا منذ البداية لتعزيز "النموذج الديني" للمرأة السعودية، وتكريس الصورة النمطية عن المرأة التي تقصر مهاراتها على مجالات الرعاية –التعليم و الصحة- والأسرة، وغاب النموذج المدني الحديث للمرأة المتعددة الأدوار والقادرة على المشاركة في كل المجالات، كما انعكس ذلك الغياب في انخفاض ملحوظ للمشاركة الاقتصادية للنساء بحيث لم تصل إلى أكثر من 17% -في أدنى المعدلات العالمية، وتركّزت في غالبها في قطاعات التعليم والصحة.



الصحافة كمنبر للتعبير





غياب النساء عن الفضاء العام لم يوقف بوادر الحراك النسوي، والذي ظهر مبكرًا مع ظهور مخرجات التعليم في الشكل المتوقّع منه، حيث الرأي والتعبير، فكانت الكتابة نافذة أولى للنساء في السعودية لدمج أصواتهن وأسئلتهن واحتياجاتهن في الخطاب الذكوري السائد، وكانت الأقلام النسائية الأولى بعيدة عن أسئلة الحقوق والمطالب، شديدة الارتباط بالفضاءات المخصصة للأنوثة مثل الأزياء والأسرة والطبخ والأدب، إلا أن تطور الكتابة النسائية الأدبية أظهر نمطًا من الخصوصية في الكتابات السعودية عكست أدبياته الأبوية، لم تبتعد هذه القوة الناعمة في الكتابة والتعبير كثيرًا عن القيود الأقرب تأثيرًا في حياة النساء: حيث العلاقات الحميمة والأسرة، لكن تطور مواقع النساء وخبراتهن على الأخص في التعليم والعمل والتنقل منح زخمًا لتفاعلهن، تنافست الأقلام النسائية على المنابر المحلية والدولية وحصدت الجوائز، وظهر الفكر النسوي معبّرًا عن مطالبه بقوة –بالرغم من محدودية منافذه وفرصه- في الكتابة المطبوعة والإعلام المرئي، وتمّ تداول أسئلة المرأة في كل مجالاتها على صفحات الجرائد وقنوات الإعلام، وظهرت مبادرات متعددة لمعالجة تأثيرات تبعية المرأة في الأسرة، ومحدودية قدرتها على اتخاذ القرار، كمبادرات الطلاق وقوانين الأحوال الشخصية والتي لم يحالفها الحظ أن ترى النور حتى الآن.



على أن الحراك النسوي لم يكن دومًا محصورًا في دائرة التأثير المقروء والمسموع، ففي العام 1990 تحركت مجموعة من النساء تطالب بحق المرأة السعودية في قيادة السيارة لتضع للمرة الأولى ربما عملاً غير مسبوق في أوساط النساء يتخطى قيودهن المباشرة. في كتاب "السادس من نوفمبر"، يعرض الكتاب لدوافع القوة الذاتية خلف مبادرتهن الجريئة والتي تتمحور غالبًا حول الشعور بالغبن، تلخصت "في رؤية مجنّدة أمريكية تستطيع القيادة بدون أن يوقفها أحد، في سؤال تخيّلي من طالبات لمعلمة "كانت العيون المحدّقة تسألني لماذا؟... كان الموضوع بالنسبة لي أكبر من أن يكون مسألة قيادة، إنه هذا الكم الهائل من البشر الذي يجب أن يعيش إنسانيته الحقيقية، وأن يمارس حقوقه, وأن يعبّر عن نفسه، وأن يقول أنا موجود هنا.. فاسمعوني، إننا نحتاج أن تمدوا أيديكم لنا، كانت هذه القضية الحقيقة".



[blockquote]يهدف الحراك النسوي في السعودية إلى خلق حالة مواطنة كاملة للمرأة تجعلها عضوًا إيجابيًّا فاعلاً في المجتمع يحقق ذاته ووجوده [/blockquote]



وشبيها بهذا الدافع كانت المبادرات اللاحقة، مدفوعة بذات الدوافع من رفض التبعية والسعي للعدالة، كما حدث ذلك في الحراك النظري والفعلي في حملة "بلدي" لمشاركة النساء في الانتخابات البلدية، حيث كان مدفوعًا بهاجس مشابه، تحكي فوزية الهاني -المنسّقة العامة للحملة- عن رغبتها في تغيير الصورة النمطية العامّة للمرأة كتابعة وغير قادرة عبر وضعها في منصب المسؤولية العامّة، وعلى أن المشاركة السياسية للنساء في المملكة تحققت جزئيًا بوصولهن لمناصب في مجلس الشورى وبعض المواقع في أعلى أجهزة الدولة إلا أنها مازالت خطوات أولى تستحق العمل والمزيد.



الاستقلال الاقتصادي للنساء خطوة ملحة





تاريخيًّا كانت المشاركة الفاعلة للنساء بكل ما تعنيه من قوة التأثير، وتعديل السياسات، وتغيير نمطية أدوار النساء خطوة تابعة لتمكينهن التعليمي أو الاقتصادي، وهذا يضع النساء أمام تحدٍّ حقيقي في الوصول لتمكين اقتصادي يتخطى الحواجز الأسرية المفروضة عليهن بسبب نظام الولاية واشتراطه للحصول على التأهيل أو التنقل أو العمل...

يصعب في هذا المقام حصر كل أشكال الحراك وتجلياته لكنه يبقى في محوره -وبالرغم من خصوصيته- ساعيًا كبقية الحراك النسوي في كل مكان في العالم لإعادة تعريف المرأة ككائن مساوٍ للرجل في الاستحقاقات والفرص، ولتوضيح أن أدوار النساء الأسرية ليست مبررًا لحرمانهن من المشاركة بكل أشكالها ومن حريتهن التامّة في الاختيار وتقرير المصير، ولوضع علاقة المرأة مع الدولة في إطارها الصحيح كعلاقة مواطنة تسعى للتغيير الإيجابي، وليس كعلاقة أبوية أو رعوية تفرض شروطها وقيودها في مقابل السماح بالحقوق.

font change