في العراق مثلما في سوريا.. إيران مشكلة وليست حلا

في العراق مثلما في سوريا.. إيران مشكلة وليست حلا

[caption id="attachment_55251639" align="aligncenter" width="620"]الرئيس  الايراني حسن روحاني يصافح رئيس وزراء العراق نوري المالكي الرئيس الايراني حسن روحاني يصافح رئيس وزراء العراق نوري المالكي[/caption]

يحمل اقتراح كيري، بأن الإدارة الأميركية على استعداد لإجراء تنسيق عسكري - أو على الأقل من أجل عدم تضارب العمليات - في هجوم مضاد على «داعش» مع إيران، تناقضا مفاجئا مع السياسة الأميركية التي استمرت منذ عقد في العراق. إنها استراتيجية لن تؤدي، إذا جرى تنفيذها، سوى إلى مزيد من التدهور في الواقع، وربما تسفر عن حرب أهلية عراقية شاملة.
منذ الغزو الأميركي في عام 2003، عملت إيران على عرقلة الاستقرار في العراق. وأسفر الدعم الذي تقدمه طهران إلى الميليشيات الشيعية في العراق - والذي تضمن توفير الأسلحة والشحنات التفجيرية المميتة - عن مقتل أعداد هائلة من القوات الأميركية أثناء فترة الاحتلال. وكذلك كان تدخل الحكم الديني الشيعي في الشؤون السياسية العراقية ضارا، مما أدى إلى تزايد انقسام العراق بعد صدام على أسس طائفية.

في إيجاز، على مدار الأعوام العشرة الأخيرة، كانت طهران تمثل جزءا كبيرا من المشكلة في العراق. لذلك من الصعب التصديق بأنه من الممكن أن تصبح إيران جزءا من الحل في الوقت الحالي.



طهران تتحمل مسؤولية النمو السريع لـ«داعش»




من المؤكد أن إيران ليست قوة تدعو إلى الاستقرار الإقليمي. بل تتحمل مسؤولية كبيرة في النمو السريع لـ«داعش». تسبب نشر طهران لقوات من الحرس الثوري و«حزب الله» اللبناني ودعمها لنظام بشار الأسد الذي يمثل أقلية شيعية ويرتكب الفظائع في إثارة الجماعات المتطرفة السنية في سوريا. في الوقت ذاته في العراق، تبنت حكومة نوري المالكي التي تحظى بتأييد من إيران أجندة شيعية طائفية شرسة، مما أثار استياء واسعا بين المجتمع السني.

في الفترة الأخيرة، أصبح من الواضح للغاية أن إدارة أوباما ترى في المسلحين الإسلاميين السنة تهديدا أكبر من الشيعة. نتيجة لذلك، لم تعارض الإدارة علانية مطلقا التعاون بين القوات المسلحة اللبنانية التي تحصل على تمويل من الولايات المتحدة و«حزب الله» ضد المسلحين السنة. والأسوأ من ذلك ما يحدث في سوريا، حيث أبدت واشنطن موقفا مرتبكا تجاه الثوار السنة، وظهر أنها تفضل نظام الأسد الشيعي/ العلوي «الذي تعرفه» على البديل الإسلامي السني غير المقبول في دمشق.
وبالنظر إلى ميل الإدارة الظاهري إلى الشيعة وتجنبها للتدخل العسكري المباشر في المنطقة، ليس من المفاجئ أن تظهر دعوة التعاون مع إيران ضد «داعش». بيد أنه توجد مخاطر كبيرة في إقامة واشنطن شراكة مع إيران ضد «داعش».

على الأقل، سوف يؤكد التعاون مع إيران في العراق لكل من السنة والشيعة أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أحد الطرفين في الصراع الطائفي الإقليمي. ولن يتوقف هذا عن إثارة غضب السنة السوريين والعراقيين وإضعاف معنوياتهم، بل سيبعد أيضا حلفاء واشنطن السنة التقليديين في الخليج، وأبرزهم السعودية.


[inset_right]نشر القوات الإيرانية إلى جانب الجيش العراقي، يدفع بالسنة إلى أحضان «داعش»[/inset_right]


من المؤكد أن «داعش» لا يحظى بتأييد شعبي خاص بين السنة العراقيين. بعد مرور نحو سبعة أعوام من السياسات الطائفية الشيعية التي انتهجتها حكومة المالكي، يبدو أن هناك مخزونا من التأييد أو على الأقل التسامح مع التنظيم بين البعثيين السنة والمشاركين في حركات الصحوة سابقا. وإذا جرى نشر القوات الإيرانية إلى جانب الجيش العراقي، الذي يشير إليه «داعش» بالفعل بـ«الصفوي» – فسوف تدفع بالسنة ذوي جميع القناعات الفكرية إلى أحضان «داعش»، مما يضاعف من الاستقطاب ويزيد احتمالات إراقة مزيد من الدماء.

كما من المرجح أن يحول التغاضي عن التدخل الإيراني في العراق دون رحيل المالكي، مما يعزز بالضرورة الصراع بين السنة والشيعة في العراق.
وفي إشكالية مماثلة، سوف يقوض التعاون الأميركي الإيراني في العراق الفرص الضئيلة للغاية التي تسمح بالوصول إلى اتفاق ينهي برنامج السلاح النووي الإيراني. وعلى الرغم مما يبدو من مفارقة، فإن إشراك إيران في سياسة أميركية بشأن العراق سوف يجعل واشنطن مدينة بالفضل لطهران، مما يقلل من نفوذ الولايات المتحدة في المفاوضات. وفي الوقت ذاته، سوف يضفي التعاون العسكري بشأن العراق سمة «التطبيع» بين العلاقات الأميركية الإيرانية، وهي خطوة كبيرة في سبيل تحقيق إحدى أولويات إيران بتقليص و/ إنهاء نظام العقوبات الدولية المفروضة على الدولة المارقة.



التوزيع الديموغرافي في العراق




ولعل الخطر الأكبر الذي يحيط بتعاون واشنطن مع طهران ضد «داعش»، هو المخاطرة بالجمع بين الحربين العراقية والسورية. وفي حين يوجد «داعش» في كلتا الدولتين ويتخذ خطوات لإزالة الحدود بينهما - إذ يزيل الحدود الترابية بالجرافات على سبيل المثال - فإن سوريا والعراق لا يمثلان نزاعا واحدا.
إن نظام الأسد في دمشق ديكتاتوري يتسم بالذكاء، يستخدم أسلحة الدمار الشامل وينفذ سياسة التجويع ضد السكان السنة الذين يشكلون الأغلبية، سعيا منه للاحتفاظ بالسلطة في سوريا. أما بالنسبة لحكومة المالكي، فعلى الرغم من عدم مثاليتها، فإنها حكومة جاءت عبر انتخابات ديمقراطية. يجب أن يرحل المالكي، فهو لن يجري إصلاحات. ولكن في ظل التوزيع الديموغرافي في العراق، من الواقعي أن يكون رئيس الوزراء شيعيا وإن كان غير مناسب.


[inset_left]كان تدخل الحكم الديني الشيعي في الشؤون السياسية العراقية ضارا، مما أدى إلى تزايد انقسام العراق على أسس طائفية[/inset_left]


من جانب آخر، يرى «داعش» أن العراق وسوريا يمثلان مسرحا واحدا للعمليات. ولكن الحل المنشود للأزمتين في كل من سوريا والعراق لن يكون بانتهاج استراتيجية شيعية. في الحقيقة لا يجب أن يكون التركيز على احتواء ودحر «داعش»، بل يجب أن يمنع الشيعة وتحديدا القوات الإيرانية من العمل والتحرك بحرية بين البلدين. وكما يفعل «داعش»، يمثل الإرهابيون الشيعة في سوريا قوة مزعزعة للاستقرار تعمل على إطالة أمد الحرب. لذلك يجب أن تكون هناك استراتيجيات مختلفة في سوريا والعراق. في سوريا، يجب أن تساعد واشنطن السنة المعتدلين على السيطرة: وفي العراق، يجب أن يكون الهدف هو فصل المجتمع السني وعزل «داعش» ومحاربته، والتشجيع على وجود حكومة عراقية أكثر شمولا يقودها الشيعة في بغداد.

في كلتا الحالتين، لم ولن تلعب إيران دورا إيجابيا يهدف إلى تعزيز الاستقرار.
وهكذا يجب ألا يكون الهدف الرئيس لواشنطن وحلفائها الإقليميين البحث عن طريق شيعي، بل وضع استراتيجية سنية. وبدلا من التطلع إلى إيران، يجب أن تعمل الولايات المتحدة على إشراك الدول العربية السنية في الحل.

ربما تهدأ القوى الطائفية والعرقية التي تخرج عن المركزية إذا انتهى وجود دولة موحدة في العراق. وبغض النظر عما سيحدث، سوف يعيش الشعب الذي كان يسكن ما عرف باسم العراق، متقاربا لفترة ما مقبلة. وسوف يؤكد تدخل إيران المستمر على أن العنف سيستمر في بلاد الرافدين بغض النظر عما سيؤول إليه حال العراق، إذ تكمن إيران في صميم المشكلة. وأيا كان الحل، فلا بد أن يتضمن تدخلا إيرانيا أقل وليس أكبر.


font change