التجارة الإلكترونية وشركات الإنترنت في السعودية

التجارة الإلكترونية وشركات الإنترنت في السعودية

[caption id="attachment_55251923" align="aligncenter" width="620"]مواطنة سعودية  تتحدث على هاتفها في مركز تجاري في العاصمة السعودية الرياض (غيتي) مواطنة سعودية تتحدث على هاتفها في مركز تجاري في العاصمة السعودية الرياض (غيتي)[/caption]

تشهد التجارة الإلكترونية نموا لافتا؛ حول العام؛ خاصة في قطاع التجزئة؛ حيث تنتشر المتاجر المتخصصة في توفير أنواع المنتجات للمستهلكين حول العالم؛ مستفيدة من شبكات الاتصالات الحديثة؛ والتطور الكبير في وسائل الدفع.
التسوق الإلكتروني في حاجة دائمة إلى وسائل دفع إلكترونية سريعة؛ وآمنة؛ وعلى الرغم من اعتماد نسبة كبيرة من المستهلكين على بطاقات الائتمان؛ ووسائل الدفع التقليدية؛ فإن البنوك الإلكترونية باتت توفر وسائل دفع آمنة وسريعة ومقبولة من شريحة واسعة من المتاجر الإلكترونية؛ وهو ما ساعد على انتشارها حول العالم مستفيدة من الشبكة العنكبوتية التي حولت العالم إلى قرية متناهية الصغر.

وفرت تقنيات الإنترنت الأدوات المناسبة للتجارة الإلكترونية فنقلتها من الأسواق التجارية التقليدية إلى المتاجر الافتراضية؛ الأكثر سهولة؛ وتنوعا. لم تقتصر التجارة الإلكترونية على حركات بيع وشراء السلع؛ بل تجاوزتها إلى الخدمات والمعلومات، ودعم المنتجات من خلال حملات تسويقية إلكترونية محترفة تعزز الطلب على السلع والخدمات والمعلومات.

هناك من يشكك في قدرة التجارة الإلكترونية في السيطرة على عمليات التبادل التجاري بأنواعها؛ فإحداث التغيير المفاجئ لما اعتاد عليه الناس؛ لا يمكن استيعابه بسهولة؛ وهو ما يحد من استشراف البعض للمستقبل المنظور؛ ويدفعهم لعدم التصديق؛ والمقاومة؛ وبالتالي إعطاء رؤية مستقبلية مناقضة للواقع.
التطور الكبير في تقنيات الإنترنت؛ وشبكات التواصل؛ وما تقدمه من خدمات مهولة للمستخدمين بكافة تخصصاتهم؛ أرغم العالم على الانغماس في شبكاته الافتراضية؛ والاعتماد عليه في غالبية شؤونهم الحياتية؛ ومنها التجارة الإلكترونية والمصرفية الافتراضية.


التواصل عبر الإنترنت




التواصل عبر الإنترنت هو أصل التجارة الإلكترونية؛ حيث يتواصل فيه البائعون؛ الموردون؛ الشركات؛ والوسطاء؛ ويقومون بالتداول والدفع عن طريق الشبكات؛ ومن ثم التوصيل المباشر للمبيعات؛ لذا لا يمكن الحديث عن التجارة الإلكترونية بمعزل عن شركات الإنترنت التي أصبحت تنافس الشركات الصناعية الكبرى في الأرباح والأصول. الابتكار والتقنية سمحا للمبدعين بتحقيق ثروات طائلة؛ من خلال المواقع والبرامج المتخصصة. نجح مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك في تحقيق ثروة مالية فاقت 18 مليار دولار؛ وهو لم يتجاوز الثلاثين عاما. مواقع وشركات الإنترنت باتت تتحكم في التجارة العالمية؛ وتدعم اقتصاديات الدول؛ التي آمنت بقيمة الاقتصاد المعرفي؛ فاستثمرت في التعليم التقني؛ والابتكارات الحديثة؛ وأسهمت في توفير بيئة محفزة لإبداعات الشباب. تغلغلت شركات الإنترنت الضخمة في أسواق العالم وفضائه الرحب؛ وباتت تقدم خدمات متنوعة؛ وتسيطر على الحركة الإلكترونية العالمية. وبعد التجارة الإلكترونية؛ والبنوك الافتراضية؛ ظهر ما يسمى «بالسيطرة المعلوماتية» التي استغلتها وكالات الاستخبارات العالمية؛ ووزارات الدفاع باحترافية متناهية للحصول على المعلومات المطلوبة؛ وأحسب أن بعض الأجهزة الذكية؛ البرامج؛ ومواقع الإنترنت المشهورة صممت لأغراض تجسسية صرفة.

هناك تحول واضح من الاتصالات التقليدية؛ إلى فضاء الإنترنت الذي أصبح الخيار الأمثل؛ والأكفاء والأقل تكلفة للمستخدمين. لم تعد سوق الاتصالات كما كانت عليه من قبل. دخول ثورة الأجهزة الذكية أكسبت شركات النت العالمية قدرات هائلة للسيطرة على أسواق الاتصالات حول العالم؛ دون الدخول الرسمي فيها، من خلال التطبيقات الموفرة لخدمات الاتصال النصي، والمسموع، والمرئي، وهي الخدمات الرئيسة المدرة لأرباح شركات الاتصالات التقليدية حاليا. أعتقد أن عدم تطوير شركات الاتصالات التقليدية خدماتها؛ لتتوافق مع احتياجات المستهلكين العصرية، سيؤدي إلى تقلص أنشطتها وأرباحها مستقبلا. الأمر يبدو مختلفا في شركات الإنترنت؛ التي لا تسمح لنفسها بالاستكانة، وإن سيطرت على حصتها السوقية المستهدفة. فالتغير السريع في عالم النت قد يتسبب في إخراجها؛ بسهولة من السوق؛ لأسباب مرتبطة بقصور التطوير والابتكار؛ لذا تشتعل المنافسة بين شركات الإنترنت العالمية على التطوير والابتكار؛ والسيطرة على الشركات النوعية؛ والمواقع المهمة؛ والبرامج الحديثة؛ من أجل المحافظة على استمرارية النمو لضمان البقاء.

بدأت التجارة الإلكترونية في السعودية على استحياء لأسباب مرتبطة بضعف القوانين والتشريعات؛ وثقافة التسوق الإلكتروني؛ والخدمات المساندة وفي مقدمها آلية الدفع وشبكات توصيل المنتجات. ثم انطلقت بشكل سريع محققة نموا سنويا يفوق 100 في المائة؛ مستفيدة من ارتفاع معدلات ثقافة التسوق الإلكتروني؛ وتوفر البنى التحتية الإلكترونية؛ سيطرة شريحة الشباب من الجنسين على مجمل السكان محليا؛ إضافة إلى مساحة الحرية المتاحة في استخدام التقنيات الحديثة بعيدا عن القيود والمعوقات التنظيمية؛ إضافة إلى استثمارات الشباب في مواقع التسوق المحلية أسهمت في رفع ثقافة المستهلكين. التوافق التقني أحد أهم محفزات نمو الخدمات الإلكترونية؛ وفي مقدمتها خدمات التجارة الإلكترونية؛ وأحسب أن أحد أهم مزايا السوق السعودية توافقها التقني مع الأسواق العالمية؛ ما يسهل عمليات التكامل بينها.

وعلى الرغم من نمو التجارة الإلكترونية السريع محليا؛ فإن حجمها المحدود لم يؤهلها للحصول على مراكز متقدمة في تصنيفات التجارة الإلكترونية العالمية؛ بل إنها جاءت متأخرة عن بعض دول الخليج التي تقل عنها في عدد السكان؛ وحجم الاقتصاد الكلي. الأمر نفسه ينطبق على قائمة شركات الإنترنت العالمية التي خلت تماما من الشركات السعودية.

تشير بعض الدراسات المعلنة؛ إلى أن السعودية ربما قادت الشرق الأوسط في شبكة الجيل الرابع بحلول عام 2016؛ وأن مبيعات الأجهزة الذكية ستحقق نموا بمعدل 48.6 في المائة ؛ وهي نسبة نمو مرتفعة ستجعل المستهلكين أكثر التصاقا بالشبكات؛ والمتاجر الإلكترونية. وعلى الجانب الآخر؛ نجد أن البنوك الافتراضية ستبدأ بالدخول التدريجي إلى السوق السعودية؛ مستفيدة من الخدمات الإلكترونية التي تمثل القاعدة الرئيسة لتقديم الخدمات المتنوعة.
ومن حيث حجم المشتريات الإلكترونية؛ تشير بعض الإحصائيات؛ إلى أن ما نسبته 32 في المائة في المائة من مستخدمي الإنترنت في السعودية سبق لهم شراء منتجات عبر الوسائل الإلكترونية، ويشكلون 3.7 مليون نسمة من مجمل السكان؛ وبلغت قيمة مشترياتهم 16 مليار ريال خلال العام الماضي.


سيطرة النساء




ومن المتوقع أن يصل حجم المعاملات الإلكترونية ذات العلاقة بالتجارة الإلكترونية إلى ما يقارب 50 مليار ريال بحلول عام 2016 خاصة مع تحول الكثير من المنتجات والخدمات إلى الفضاء الإلكتروني؛ بالإضافة إلى المنافذ التقليدية. التحول الحكومي نحو الخدمات الإلكترونية سيعزز من وضع التجارة الإلكترونية في السعودية؛ فآلية الحصول على الخدمات ومن ثم السداد إلكترونيا؛ يعزز من ثقافة المستخدمين؛ والمستهلكين بشكل عام. من المُلاحظ سيطرة النساء على الشراء الإلكتروني في السوق السعودية؛ وتحولهن إلى مختصات في المتاجر الإلكترونية التي تنوعت بين الملابس بأنواعها؛ والإكسسوارات؛ والحلي؛ والأدوات المنزلية والأطعمة أيضا؛ وهي ثقافة باتت تنتشر بشكل لافت؛ بين الأسر المنتجة التي طورت خدماتها التقليدية؛ وتحولت إلى الخدمات الإلكترونية.

وبالعودة إلى شركات الإنترنت الأضخم؛ نجد أن الشركات السعودية أصبحت خارج تصنيفاتها العالمية؛ وهو ما يرفع أكثر من علامة استفهام لتأخرها عن الركب؛ مع وجود مقومات السوق؛ والوفرة المالية؛ التي يمكن أن تصنع المعجزات. ووفق إحصائية قائمة أعلى 10 مواقع وخدمات زيارة في السعودية؛ تَصَدَّر موقع google القائمة؛ التي خلت من المواقع السعودية. ما يعني سيطرة الشركات العالمية على فضاء النت المحلي.
هناك حلقة مفقودة في سوق الإنترنت وتجارته المزدهرة محليا. فتصنيف المملكة العالمي لا يتوافق البتة؛ مع حجمها الاقتصادي؛ وملاءتها المالية؛ وموقعها ضمن دول «مجموعة العشرين». أعتقد أن تأخرها الاستثماري والتقني؛ على علاقة مباشرة بقصور الابتكار والإبداع؛ والاستثمار في التقنيات الحديثة؛ وثقافة التسوق الإلكتروني؛ وأخيرا الخدمات المساندة.


صناعة الإنترنت




تعتمد صناعة الإنترنت وبرمجياتها على المعرفة؛ وهي مخزون تراكمي لا يمكن اكتسابه إلا من خلال منظومة التعليم؛ التي تسهم في شحذ العقول؛ وتحفيزها على الإبداع والابتكار؛ وهو ما لم يتوفر لغالبية الملتحقين بالتعليم الحكومي. أعتقد أن غالبية السعوديين هم من مستخدمي التقنية لا صانعيها؛ وهو ما يرفع حجم الاستهلاك؛ في مقابل تدني حجم المشاركة في إنتاجها. انتشار ثقافة استخدام التقنية دون التفكير في إنتاجها محليا أدى إلى ضعف الابتكارات التقنية؛ أو ربما انعدامها بالكلية. للتعليم أهمية قصوى في بناء ثقافة معرفية متقدمة قادرة على الإبداع والابتكار؛ ومحققة لأهداف الاقتصاد المعرفي المحرك لاقتصاديات الدول المتقدمة.

الاستثمار في التقنيات الحديثة لم يصل بعد حد الكفاءة؛ ولعله يكون مرتبطا بالقاعدة المعرفية التي حجبت رجال المال عن الاستثمار في قطاع الإنترنت؛ خشية المخاطر غير المتوقعة؛ التي ترتبط بالجهالة. هناك بعض الاستثمارات السعودية المتميزة إلا أنها ما زالت محدودة ومحصورة في محيطها الجغرافي. ربما يكون لبعض شركات الاتصالات المحلية القدرة على تطوير نفسها من الداخل؛ والتوسع في قطاع الإنترنت؛ ومواقعها العالمية؛ وبرامجها المتخصصة؛ وهو ما يستدعي وضع استراتيجيات تطويرية شاملة لتحقيق هدف التوسع واقتطاع حصة من سوق الإنترنت العالمية.
شركات الاتصالات السعودية في حاجة ماسة لتطوير منتجاتها وخدماتها كي تتواكب مع احتياجات العصر. المنافسة الخارجية باتت أقرب لها من المنافسة الداخلية لأسباب مرتبطة بعولمة الإنترنت؛ وسيطرت البرامج المبتكرة على أدوات الاتصال الحديثة.

لم تعد سوق الاتصالات كما كانت عليه من قبل. دخول ثورة الأجهزة الذكية؛ وبرامج الإنترنت المتنوعة أكسبت الشركات العالمية قدرات هائلة للسيطرة على أسواق العالم؛ عن بُعد، من خلال التطبيقات المجانية الموفرة لخدمات الاتصال النصي، والمسموع، والمرئي، وهي الخدمات الرئيسة المدرة لأرباح شركات الاتصالات التقليدية حاليا.
أعتقد أن عصر شركات الاتصالات الذهبي أوشك على الانتهاء، فالمنافسة القوية من الشركات التقنية العالمية، التي لا تعترف بالحدود، ولا تهتم كثيرا بأنظمة الحماية السيادية، والمنع، ستزلزل الأرض من تحت أقدامها، وستكبدها خسائر مؤلمة.

ما زالت ثقافة التسوق الإلكتروني تحد من انتشار التسوق الإلكتروني محليا. ارتفاع نسبة النمو في التجارة الإلكترونية قد لا يعكس الحجم الحقيق لها؛ وإن كنت أعتقد أن الممارسة المستمرة للتسوق الإلكتروني؛ مع توفر البنى التحتية والأجهزة الذكية؛ وتعلق الشباب من الجنسين فيها؛ سيساعد كثيرا في ارتفاع حجمها بشكل كبير بحلول عام 2016. ويبقى المعوق الأهم وهو الخدمات المساندة للتجارة الإلكترونية ومنها دفع القيمة؛ وتوصيل المشتريات؛ والتشريعات القانونية. ففي الأول تمكن نظام «سداد» من معالجة مشكلة الدفع؛ ووفر آلية آمنة للدفع الإلكتروني من خلال المصارف؛ أو أجهزة الصرف الآلي؛ أو الهواتف الذكية؛ كما أتاحت بطاقات الائتمان وسيلة أخرى للدفع؛ وإن كانت لا تخلو من المخاطر.
أما المعوق الثاني؛ المرتبط بإيصال المنتجات إلى مشتريها؛ فيُعتقد أنه ما زال قائما حتى الآن على الرغم من التحسن الذي طرأ عليه مؤخرا. ومن المستغرب أن تكون شبكة التوصيل العالمية أكثر كفاءة من الشبكة المحلية؛ على الرغم من أن المشتريات الخارجية تمر من خلال شركات التوصيل العالمية أولا؛ ثم فروعها الداخلية. تطوير خدمات البريد قد يسهم في تنشيط حركة التجارة الإلكترونية مستقبلا.

ويبقى المعوق الرابع من الخدمات المساندة؛ المرتبط بالتشريعات والأنظمة التي تؤطر عمل التجارة الإلكترونية؛ وتحمي في الوقت نفسه؛ أطراف العلاقة التجارية. فعلى الرغم من الازدهار الكبير للتجارة الإلكترونية فإن تشريعاتها لم تكتمل بعد. بل إن غالبية المنخرطين فيها يجهلون مرجعية «التجارة الإلكترونية» في السعودية. هناك بعض التشريعات المتناثرة؛ ومنها تشريعات خاصة بوزارة التجارة؛ إلا أنها تبقى ضمن الأطر العامة التي لا يمكن الاعتماد عليها كتشريعات قانونية واضحة ومنظمة للسوق. قد يكون هناك مشروع متكامل للتجارة الإلكترونية إلا أنه لم ير النور بعد؛ ما قد يتسبب في إبطاء نمو النشاط الداخلي؛ ويفتح الباب على مصراعيه لسيطرة الشركات العالمية على السوق السعودية.
لا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بتأخر المملكة في قطاعي الإنترنت والتجارة الإلكترونية؛ فمن وجهة نظر خاصة أعتقد أن الاستثمار في قطاع الإنترنت على وجه الخصوص ربما كان قرارا استراتيجيا؛ ذا أبعاد أمنية؛ خدمية؛ وربحية. فالإنترنت هو شريان التحكم العالمي؛ ولا يمكن لأي دولة العمل خارج منظومته التقنية؛ بل إن أنظمة الدفاع والتوجيه والأمن تعتمد بشكل كبير على أدواته المتاحة. وإذا ما أضفنا قائمة البيانات الوطنية؛ وشبكات المصارف؛ الداخلية والخارجية يصبح الأمر أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية. الاستثمار التوسعي في قطاع الإنترنت يوفر دعما قويا للمنظومة الأمنية الشاملة؛ بخلاف ما يحققه من أرباح ضخمة؛ وخدمات جليلة للمواطنين.
أما التجارة الإلكترونية فهي مستقبل التبادلات التجارية؛ ولا يمكن لدولة بحجم السعودية أن تتأخر عن ركبها؛ ومن المفترض أن تهتم الحكومة باستكمال تشريعاتها وتوفير البنى التحتية اللازمة لنجاحها؛ وإنشاء جهة مختصة؛ ومستقلة تعنى بشؤونها؛ وتهتم بتطبيق أنظمتها؛ والفصل في منازعاتها؛ وتسهم في دعمها لتكون جزءا رئيسا من مكونات الاقتصاد الوطني.

font change