شح المياه وتلوث مصادرها.. الملف الأكثر سخونة بين وزراء دول المنطقة

شح المياه وتلوث مصادرها.. الملف الأكثر سخونة بين وزراء دول المنطقة

[caption id="attachment_55252480" align="aligncenter" width="620"]محطة تحلية المياه في منطقة الجبيل محطة تحلية المياه في منطقة الجبيل[/caption]


تعتبر الأجيال القادمة في دول الخليج أمام خطر حقيقي يتمثل في شح المياه بحسب تصريحات بعض وزراء دول المنطقة خلال الفترة الراهنة، مما يتطلب تدشين حملات ضخمة لإيقاف هدر المياه من جهة، والبحث عن مصادر جديدة للمياه المحلاة من جهة أخرى.
ووفقا لهذه التطورات، فإن دول الخليج اقتربت من حسم ملف مواجهة خطر شح مصادر المياه، وتزايد حجم الملوثات في مياه الخليج العربي، من خلال استراتيجية شاملة، تم الإعلان عنها مؤخرا، إلا أن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى خطوات متقدمة لتفعيلها، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يتفق عليه قادة دول المنطقة خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور غانم السليم الخبير الاقتصادي في حديثة لـ«المجلة»، أن الأمن المائي الخليجي يتعرض لخطر شديد خلال الفترة الراهنة. وقال: «تحتاج دول الخليج إلى تفعيل الاستراتيجية اللازمة للحد من خطر شح المياه وتلوث مصادرها، خصوصا وأن معدلات التلوث تزداد بشكل يومي، بحسب تصريحات مسؤولين خليجيين مؤخرا».
ولفت السليم إلى أن وزراء مالية دول الخليج عليهم خلال الفترة الراهنة دور كبير جدا في وضع الاستراتيجية اللازمة لمواجهة خطر شح المياه. وقال: «إذا استمر معدل الهدر على مستوياته الحالية، مقابل تلوث بعض مصادر المياه، فإن دول الخليج قد تواجه في عام 2050 خطرا حقيقيا يتلخص في شح المياه».
وأكد السليم خلال حديثة لـ«المجلة»، أن أمام دول الخليج نحو 3 أعوام كحد أقصى – حتى عام 2018 – للبدء في تفعيل خطتها اللازمة للبحث عن مصادر جديدة للمياه، والتقليل من معدلات الهدر، وإيقاف ملوثات المياه عن التمدد والازدياد، مشيرا إلى أن الثروة المالية التي تمتلكها دول المنطقة تجعل تجاوز شبح شح المياه وتزايد مستويات تلوث مصادرها أمرا ممكنا خلال 3 أعوام كحد أقصى.



مصادر المياه




وتأتي هذه المستجدات، في الوقت الذي كشف فيه عبد الله بن جمعة الشبلي الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بالأمانة العامة بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنه تم إنجاز 50 في المائة من مشروع إعداد الاستراتيجية الشاملة بعيدة المدى بدول المجلس، موضحا أن الاستشاري المعد للمشروع يقوم حاليا بعقد ورش عمل وطنية في دول المجلس لتقييم وتحليل الوضع الراهن لكل دولة من الدول الأعضاء.
وقال الشبلي في تصريح له الشهر المنصرم: «دول مجلس التعاون تواجه تحديا كبيرا في مجال المياه أهمها شح مصادر المياه والملوثات التي تزداد يوما بعد يوم، وتبنت دول المجلس عددا من السياسات والبرامج المائية، وسعت بشكل متواصل لتعزيز الوسائل والسبل والخطوات الكفيلة بتحقيق الأمن المائي الذي يشكل الركيزة الأساسية في إطار الإنجازات التنموية الشاملة لدول المجلس».

وتابع الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في أمانة دول الخليج حديثه قائلا: «دول المجلس لا زالت تفتقر إلى استراتيجية خليجية شاملة بعيدة المدى بشأن المياه تضمن تحقيق الأمن المائي الذي طالما تطلعنا إليه»، معربا عن ثقته في الوقت ذاته بالقدرة على مواجهة هذه التحديات.
وأشار الشبلي، إلى أن إعلان أبوظبي في ديسمبر (كانون الأول) 2011، تضمن مجموعة من التوصيات من أهمها: ضرورة اتخاذ خطوات جادة نحو استراتيجية خليجية شاملة بعيدة المدى بشأن المياه، يتم اعتمادها من قبل المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كتوصيات ذات أولوية قصوى، ترفع للجان المختصة ليتم استصدار تعليمات بتنفيذها، وتأخذ في اعتبارها كافة القضايا ذات العلاقة.

كما تضمنت التوصيات بحسب الشبلي، التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على قطاع الموارد المائية والتكيف معها، وترشيد الاستهلاك في مختلف القطاعات التنموية، والتأثيرات المتبادلة بين قطاع الزراعة وقطاع المياه، إضافة إلى التأثيرات المحتملة لعمليات وأنشطة التحلية على نوعية مياه البحر وثرواتها الحية، وعلى تغير المناخ، والتخزين الاستراتيجي للمياه.

وأكد الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بالأمانة العامة بمجلس التعاون لدول الخليج، أنه بناء على ذلك تم البدء بإعداد مشروع الاستراتيجية الشاملة للمياه لدول المجلس، موضحا أن من أبرز أهداف هذه الاستراتيجية: إيجاد استراتيجية متكاملة لجميع دول المجلس، وضمان توافر كميات كافية من المياه حسب حاجة المجتمع الخليجي لأجيال متعددة قادمة، وتوفير الدعم والإرشاد لدول المجلس في تطوير وتنفيذ الخطط الوطنية لكل دولة، ودعم مجالات التعاون بين الدول الأعضاء وإيجاد إطار عمل تنسيقي لضمان الاستدامة في القطاع المائي.

وأضاف الشبلي: «يتلخص عمل الاستشاري في المحاور الستة المتفق عليها في تقييم الوضع الحالي للمياه وتقييم الاستراتيجيات الحالية لكل دولة من دول مجلس التعاون والقيام بتحديثها ووضع مؤشرات الأداء المناسبة بغرض صياغة استراتيجية عامة ومتكاملة للمياه في دول المجلس، والتوفيق بين الاستراتيجيات الوطنية لكل دولة من الدول الأعضاء في مجلس التعاون وبين الاستراتيجية الخليجية الشاملة، وإنشاء مكتب خاص (OSM) لتنظيم عملية إدارة التخطيط الاستراتيجي عن طريق تفعيل مؤشرات الأداء (KPI) بهدف تطوير مستمر للاستراتيجية، إضافة إلى المساهمة في تطوير القدرات والكفاءات الوطنية في مجال الإدارة المتكاملة للمياه».



الماء لا يقل أهمية عن البترول




ونبه الشبلي في الوقت ذاته، إلى أنه لاستكمال المحور الثاني المتعلق بتحليل استراتيجيات المياه في دول مجلس التعاون فقد عمم الاستشاري مسودة استبانة لتقييم الوضع الراهن والخطط المستقبلية لكل دولة على قطاعات المياه ومناقشتها خلال ورش العمل الوطنية في شهر سبتمبر (أيلول) الحالي. وقال: «ستساهم مخرجات هذه الورش في إعداد الصياغة العامة للاستراتيجية، فيما سيتم خلال الربع الأول من العام المقبل عقد ورش عمل وطنية، وذلك بعد إعداد صيغة للاستراتيجية الشاملة بعيدة المدى للمياه على المستوى الوطني في كل دولة، تدعى لها الجهات ذات العلاقة وأصحاب المصالح ومتخذو القرارات بهدف الحصول على المعلومات من المشاركين لتقييمها استنادا إلى تقرير تقييم الوضع الراهن».
وتعليقا على تصريحات الشبلي، أكد فهد المشاري الخبير الاقتصادي لـ«المجلة»، أن الاستراتيجية الشاملة التي تم إنجاز 50 في المائة منها، يجب أن تضع في أولوياتها شبح شح المياه وتلوث مصادرها في دول المنطقة. وقال: «من وجهة نظري أن الماء لا يقل أهمية عن البترول، لذلك على دول المنطقة أن تكون لديها تحركات جدية لمواجهة خطر شح المياه وتأمينها للأجيال القادمة».

وانتقد المشاري خلال حديثة، ارتفاع معدلات استهلاك المياه في دول المنطقة. وقال: «أظهرت دراسات اقتصادية حديثة، أن هناك احتمالا بأن تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 100 مليار دولار في قطاعات المياه فيها بين عامي 2011 و2016، وسيخصص جزء من هذه الاستثمارات لتحسين تقنيات تحلية المياه المالحة مما قد يتطلب اللجوء إلى الطاقة الشمسية أو إلى طرق جديدة لتصفية الملح أو جعله يتبخر».
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي، تتجه فيه دول الخليج إلى تحقيق مشروع «الربط المائي» خلال الفترة المقبلة، يأتي ذلك عقب نجاح ملموس حققته في مشروع «الربط الكهربائي» حتى الآن، ومن أهم ملامح مشروع الربط المائي الخليجي أن يكون مصدر المياه عن طريق بحر العرب، أو بحر عمان، عوضا عن بحر الخليج العربي، عند حدوث أي طارئ أو شح في حجم المياه المتدفقة من الخليج العربي.
وفي هذا السياق، قال المهندس عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء السعودي في وقت سابق: «الربط الكهربائي الخليجي يسير بشكل حسن في سنته الثالثة، إذ أثبت جدواه اقتصاديا وتقنيا من خلال ما تم في عام 2011، حيث كان هناك أكثر من 600 عملية تبادل للطاقة بين دول الخليج في حالات الطوارئ، وهو ما يؤكد أهمية الربط الكهربائي».

وأوضح المهندس الحصين أن نجاح عملية الربط الكهربائي بين دول المجلس، قاد إلى اقتراح آخر ينص على إقرار مشروع الربط المائي بين دول المجلس، مؤكدا أن مشروع «الربط المائي» يعالج أزمات شح المياه. وقال: «يستهدف المشروع أيضا تحسين وضع الصناعة المائية في دول الخليج، من خلال توحيد المواصفات لمحطات التحلية وخطوط النقل وغيرها، بهدف توفير المياه».

font change