دوني بوشار خبير العلاقات الدولية الفرنسي لـ«المجلة»:

دوني بوشار خبير العلاقات الدولية الفرنسي لـ«المجلة»:

[caption id="attachment_55252775" align="aligncenter" width="620"]الرئيس الفرنسي اولاند يعانق وزير الخارجية الامريكي كيري وفي الاطار  دوني بوشار خبير العلاقات الدولية الفرنسي الرئيس الفرنسي اولاند يعانق وزير الخارجية الامريكي كيري وفي الاطار دوني بوشار خبير العلاقات الدولية الفرنسي [/caption]

في إجاباته عن الأسئلة التي طرحت عليه، يؤكد بوشار أن المشاغل الأمنية ستكون على رأس أولويات سياسة فرنسا ودبلوماسيتها وأنها ستدفعها لمزيد من التنسيق مع بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية مع التركيز بشكل خاص على الاستقرار في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط». كذلك يرى الباحث أن الأعمال الإرهابية ستدفع باتجاه التعاون مع روسيا التي تعاني بدورها من الإرهاب القادم من الشرق الأوسط أو منطقة القوقاز. وفي ما يلي نص الحديث:

• كثيرة التساؤلات حول مستقبل السياسة الخارجية الفرنسية في أفريقيا والشرق الأوسط ومدى تأثير الأعمال الإرهابية على توجهاتها المستقبلية.. هل من الممكن أن ترسم لنا صورة عن التحولات الممكنة وعن التوجهات «الجديدة» لباريس؟

- إن العمليات الإرهابية التي حصلت في فرنسا مؤخرا تخلق واقعا جديدا وهي في الوقت عينه تبين اتساع مدى التهديد الإرهابي من جهة وقوة التضامن الدولي الذي حظيت به بلادنا حتى من قبل بعض الدول التي نقيم معها علاقات تتميز غالبا بالصعوبة. لكن على الجانب المقابل، أظهرت ردود الأفعال الدولية أن العالم كله لا يتبنى شعار «أنا شارلي». هذه هي حال غالبية الدول الإسلامية. وما زاد الأمور صعوبة أن معاودة صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة نشر رسوم كاريكاتيرية، للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أثارت مظاهرات بالغة العنف وردود فعل عكست غضب الشارع والرأي العام وكذلك الصحافة المحلية. وتراكم الاستياء المتأتي عن رسوم اعتبرت في الغالب مسيئة للإسلام مع الانتقادات الحادة التي توجه عادة لسياسة فرنسا الخارجية ولكن أيضا ضد البلدان الغربية.

• هل هذا المعطى الجديد سيدفع بالسياسة الخارجية الفرنسية في اتجاهات جديدة.. ما هي طبيعتها وضمن أي أهداف يمكن أن تدرج داخلها؟

- من الواضح أن الاهتمامات الأمنية ستهيمن أكثر فأكثر على أولويات السياسة الخارجية الفرنسية رغم أنها كانت موجودة (حتى الآن) في عملنا الخارجي.

أعتقد أن سياسة فرنسا الخارجية ستتميز بالاستمرارية لجهة إعطاء الدور الأول والمركزي للاتحاد الأوروبي مع التشديد على إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية بحيث يكون الهدف إعادة الاستقرار إلى منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط.

بيد أن طابع الاستمرارية لن يحول دون حدوث بعض التحولات التي أرى أن أول مظاهرها السعي نحو سياسة أوروبية موحدة ولكن من دون التخلي عن العلاقات الثنائية التي تقيمها بلدان الاتحاد الأوروبي في مواضيع الهجرة والأمن أو التعاون القضائي مع أطراف من خارج الاتحاد. وأعتقد أن تعزيز دور جيل دو كيرشوف، المنسق الأوروبي لمسائل الإرهاب، يندرج في إطار المنطق الجديد. فضلا عن ذلك، ستكون إعادة تنشيط العلاقات مع عدد من الدول التي يربطنا بها تعاون في مجال الأمن إحدى معالم المرحلة الجديدة. هذه هي حال روسيا التي تواجه من جانبها أعمالا إرهابية ذات منطلقات شرق أوسطية أو من بلاد القوقاز. لذا، ليس من المستبعد أن تدفع الأعمال الإرهابية الأخيرة نحو إيجاد حل للأزمة الأوكرانية ما سيسهل تطبيع العلاقات مع موسكو.

نحن نرى أن هذه المنطلقات يمكن أن تكون نفسها التي ستدفع بقوة أكبر نحو البحث عن حل للخلاف مع إيران بشأن ملفها النووي، ومن أجل فتح الباب أمام التعاون الأمني معها باعتبار أن باريس وطهران لهما الرغبة نفسها في محاربة الإرهاب.
يتساءل البعض ومنهم مسؤولون سابقون في وزارة الخارجية عما إذا كان من المفيد والملائم اليوم النظر في ضرورة معاودة التعاون الأمني مع النظام السوري في ميدان الاستعلامات كما كان الوضع في السابق. كذلك، نعتبر أن التعاون في كل الميادين مع مصر، بعد مرحلة حكم الرئيس الأسبق مرسي، سيعود إلى الواجهة عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا. أخيرا، يمكن اعتبار أن التعاون «الأمني» مع تركيا يذهب في الاتجاه نفسه.

• مسرح العمليات العسكرية الفرنسية منتشر في أفريقيا والشرق الأوسط.. هل من توقعات بتعديلات معينة بشأن التزامات فرنسا العسكرية على ضوء (أو بسبب) التطورات الأمنية والإرهابية الأخيرة؟

- إن مسرح العمليات العسكرية هو نفسه: ففي منطقة بلدان الساحل، أعتقد أن العملية المسماة «بركان» ستتواصل لا بل ستقوى لجهة الوسائل.. الآن، لدينا قوات معسكرة في قاعدة مداما (شمال النيجر)، على بعد 100 كم من الحدود مع ليبيا (أي في النقطة التي تحولت إلى قاعدة لكل أنواع التهريب من السلاح والمخدرات فضلا عن تنقل المتطرفين). وفي السياق عينه، سيتعزز التعاون «الأمني» مع الجزائر ومع مصر «القلقة من الفوضى القائمة على حدودها الغربية».

أعتقد أن الفوضى التي يتسم بها الوضع في ليبيا والقلق الذي تثيره سيدفعان إلى دعم كل المبادرات (الدبلوماسية) خصوصا تلك التي يقوم بها المبعوث الدولي الخاص برناردينو ليون، التي تهدف إلى المساهمة في إيجاد بعض المخارج لهذه الدولة التي يمكن وصفها بـ«الفاشلة». أما بخصوص التدخل العسكري الفرنسي «في ليبيا» فيبقى ضعيف الحصول وهو بأي حال غير ملائم.

إذا كانت بلدان الساحل ستبقى الميدان الذي يحظى بأولوية العمل العسكري الفرنسي، فإن انخراط فرنسا إلى جانب دول التحالف التي تحارب «داعش» سيبقى تاما، ومساهماتها في الضربات «الجوية» ستكون جدية. لكن الحل «في العراق» لا يمكن أن يتحقق من غير أن تقوم حكومة مركزية عراقية تضم حقيقة كل المكونات العراقية وتحديدا الأقلية السنية. كما أن الحل المطلوب يفترض التزاما من غير مواربة من الدول الخليجية والعربية التي عليها أن تسهم في تجفيف منابع «داعش» المالية وتحفيز القبائل السنية على الابتعاد عنه.

بيد أن مشكلة «داعش» لن تصفى ما لم تقم مقاربة شاملة للتعاطي معها. ولذا، ثمة حاجة لأن تشمل هذه المقاربة السعي لحلول سياسية في سوريا نفسها، فضلا عن ضرورة استهداف مواقع «داعش» في القسم السوري من وادي الفرات. ولا يمكن أن نتناسى دور تركيا التي يتعين ممارسة ضغوط عليها من أجل حملها على المشاركة بشكل فعال في مواجهة «داعش»، خصوصا عن طريق فتح قاعدة أنجيرليك الجوية بوجه طائرات التحالف، وإقفال الحدود بوجه المتشددين الراغبين في الالتحاق بـ«داعش». أخير، المطلوب أن تشارك مصر بشكل أكثر فعالية في محاربة هذه الحركة التي تهدد أمن كل بلدان الشرق الأوسط.
font change