رسالة السعودية بكل وضوح: الجزيرة العربية خط أحمر

رسالة السعودية بكل وضوح: الجزيرة العربية خط أحمر

[caption id="attachment_55253126" align="aligncenter" width="620"]الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يستمع لشرح أحد ضباط غرفة عمليات عاصفة الحزم الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي يستمع لشرح أحد ضباط غرفة عمليات عاصفة الحزم[/caption]

لم يتأخر الردّ السعودي بل جاء مفاجئا في توقيته الذي استشعر خطر امتداد «أنصار الله» الجماعة المصنفة جماعة إرهابية في السعودية إلى مناطق لا تشكل فيها أي حضور، وهو ما يعني انتقال جموح «الحوثي» وأنصاره من التموقع العسكري في صنعاء إلى طموح الانتشار وصولا إلى عدن وملاحقة ما تبقى من شرعية الرئيس هادي المطارد والمختبئ بسبب اختلاط الحالة الأمنية حتى مستوى تراتبية الجيش والألوية المفروزة في اليمن بشكل محاصصة حزبية، وذلك لا يمكن فهم اجتياح أنصار الله إلا بفهم تبدل مستوى العلاقة مع حزب النظام السابق وكل البنية التحتية الهائلة التي يملكها علي عبد الله صالح الرئيس المخلوع، المنتظر.

الرد السعودي جاء بعد استنفاد صبر المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وحتى محاولة تهدئة الأطراف السياسية اليمنية بل ومحاولة عدم انزلاق البلاد في أزمة عنف مدوية بسبب تردي الأوضاع، لكن تحركات الحوثيين استدعت الرد السعودي «عاصفة الحزم» لتصل الرسالة للجميع وبوضوح؛ فالجزيرة العربية آمنة ومستقرة ويجب أن تبقى كذلك، ذلك خط أحمر سعودي، يذكرنا بحالة مشابهة مع البحرين إلا أن وضعية اليمن تجد مساندة عربية أكبر وشبه إجماع دولي باستثناء أطراف متعاطفة مع مشروع إيران الإقليمي وبالطبع «طهران» التي تشجب على استحياء في مواجهة هذا الإجماع العربي الجديد الذي يشكل هذه المرة برافعة شعبية وتعبوية هائلة آخرها دعم مؤسسات ومنظمات دينية مثل رابطة علماء المسلمين في سابقة لم نشهدها إبان حرب الخليج أو تحرير البحرين من التجاذبات الطائفية ومطامع نظام الملالي في طهران.


185 طائرة مقاتلة




استهدفت العملية العسكرية معاقل جماعة الحوثي باليمن بمشاركة لدول الخليج -باستثناء عمان - كما شاركت دول أخرى ليصل مجموع الطائرات المقاتلة في أول يوم 185 طائرة مقاتلة، بينها مائة طائرة سعودية إضافة إلى ما يزيد على 200 ألف مقاتل والكثير من الوحدات البحرية على أهبة الاستعداد، وأسفرت الطلعات الجوية الأولى عن تدمير الدفاعات الجوية الحوثية بالكامل في صنعاء وقاعدة الديلمي وبطاريات صواريخ سام وأربع طائرات حربية بالعاصمة، دون أي خسائر في القوات الجوية السعودية.

لم تنفرد السعودية بقرارها بل حصلت على شبه إجماع دولي سواء بمباركة بعض الدول الغربية ومنها فرنسا التي رأت في تمدد الحوثيين استفزازا للمسار السياسي، وشاركت الإمارات بـ30 مقاتلة والكويت 15 والبحرين 12 وهكذا قطر والأردن والمغرب والسودان، بينما أكدت مصر وباكستان دعمهما الكامل وقدرتهما على المشاركة في أي خيار بري لحرب على الأرض، في حين تأخر رد فعل البيت الأبيض الذي أعلن بداية عن معرفته بالتحركات السعودية ليقول بعد أقل من 24 ساعة إن البيت الأبيض على أتم استعداد لتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحرك السعودي في اليمن.
بيان الخارجية المصرية نقل مسألة تمرد الحوثي إلى بعدها الإقليمي مع التأكيد على أهمية اليمن للسعودية والخليج، حيث ذكر البيان أن ما حدث هو ائتلاف عربي للدول الداعمة للحكومة الشرعية في اليمن واستجابة لطلبها، وتأتي مشاركة مصر كما يعبر البيان: «انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج العربي».


[inset_left]سلوك أنصار الله جماعة الحوثي في اليمن السياسي هو سبب الأزمة، حيث تم الانتقال من مربع المشاركة في السلطة إلى الاستيلاء عليها بقوة السلاح[/inset_left]


والسؤال: ما الهدف من العملية إذا ما تجاوزنا مسألة تلبية طلب الرئيس اليمني وحماية اليمن من عدوان جماعة أنصار الله الإرهابية؟
يمكن القول إن سلوك أنصار الله جماعة الحوثي في اليمن السياسي هو سبب الأزمة، حيث تم الانتقال من مربع المشاركة في السلطة إلى الاستيلاء عليها بقوة السلاح، والتحالف مع النظام السابق برئاسة علي عبد الله صالح رغم أن حركة الحوثي كانت من ألد أعدائه بسبب مواقفها أيام الربيع العربي وتحالفها مع حزب الإصلاح جناح «الإخوان» في اليمن الذين كانوا حلفاء جماعة الحوثي في تلك الأيام التي اقترب فيها الإسلام السياسي من قطف ثمار ثورته الخاصة.
عودا إلى العملية فواضح من سياق الأهداف التي تم ضربها هو محاولة الإجهاز على البنية التحتية للحوثيين وتحالف النظام القديم معهم، فتم استهداف قاعدة الديلمي والشرطة العسكرية والقصر الرئاسي والفرقة المدرعة الأولى والقوات الخاصة وقيادة قوات الاحتياط في صنعاء، وقاعدة العند الجوية في لحج جنوبي اليمن، ومواقع عسكرية في صعدة (المعقل الأساسي لأنصار الله).

والخبراء بجغرافية الحالة اليمنية يدركون أن ضرب هذه المواقع يخرج الحرب من سمت الحرب التدميرية التقويضية للنظام السياسي إلى ما يشبه عملية الاستئصال لورم التعدي على مؤسسات الدولة واستهدافها بقوة السلاح، بمعنى آخر أي تشكيل مسلح قوي يمتلك مخازن لأسلحة ثقيلة ومعدات طائرات يمكن أن يشكل تهديدا للنظام السياسي أو أي نتائج يتم التوصل إليها لاحقا في حال الخروج بصيغة توافقية تضم كل الأطراف.


ما قبل عاصفة الحزم




على الأرض وما قبل «عاصفة الحزم» فإن كل مناطق اليمن لا تنتمي إلى سلطة الدولة، وإنما إلى سلطات أخرى أكبر لكنها لا تظهر في المشهد إلا عبر واجهة أو محاولة القيام بعمليات تخريبية تبدأ بالاغتيال ولا تنتهي بتأليب جماعات مسلحة لإنهاك النظام، وهنا يمكن أن نفهم لماذا اليمن يشكل حالة خاصة جدا على المستوى السياسي حيث منذ الربيع العربي تم انتقال للسلطة ثلاث مرات آخرها دون مواجهات دامية أو ضحايا بأعداد كبيرة، وهو ما يعيد الاعتبار إلى دور صالح في استخدام الحوثيين الذين بدوا أداة طيّعة لنظامه صالح كما كان «حزب الإصلاح»، وكما هي حال أقطاب حكومة ما بعد الثورة، وحتى محاولات تشجيع الاستقلال الذاتي للجنوب، وفي مناطق الحوثيين، تعني تفتيت ما تبقى من رمزية الوحدة اليمنية وهو ما ترفضه السعودية التي تدافع عن يمن موحد لكل اليمنيين ودون استئثار أي طرف للسلطة عبر السلاح أو تسليمه لتحالفات إقليمية طائفية كما فعل الحوثيون.

الضربات ستؤتى أكلها كما هو متوقع في مدة وجيزة خاصة أن اليمن يعيش حالة إنهاك منذ حروبه الأولى في الثمانينات وبنية الجيش والقوى العسكرية منقسمة ومتهشمة ولا تنتمي لمشروع دولة، بل تحولت إلى ميليشيات بيد شخصيات عسكرية تاريخية خرجت من المشهد السياسي وما زالت مسيطرة على الحالة الأمنية، وكذلك فإن أحد أهم أهداف عاصفة الحزم هو إعادة ترتيب البيت اليمني بتجاوز العلاقات المنظمة للسلطات فيها بين صالح وحزبه المكون الأقوى، وبين القبائل والحكومة المركزية الضعيفة، حيث بقاء هذا النوع من العلاقات هو بسبب قوة السلطة والحماية التي يتم توفيرها من قبل الخارجين على السلطة المركزية كالحوثيين ودفع المجتمع الذي يعيش حياة خانقة إلى القبول بالأمر الواقع وهو ما يفسر عدم وجود رضّات وردود أفعال شعبية باستثناء بعض المظاهرات في مناطق كتعز.
لقد كان صالح رجل التفاصيل الصغيرة في الداخل، حيث أطلق رجال عائلته والمقربين منه لإحكام القبضة الأمنية والاقتصادية وحتى العلاقات بين الفرقاء، كما كان رجل الشعارات الكبيرة في الخارج، حيث التلويح والضغط بكارت «القاعدة» للغرب والدول المجاورة، وبث القلق حول انفجار الأوضاع بسبب ما آلت إليه الحالة اليمنية اقتصاديا، حيث استطاع أن يتنصل من مسؤولية الدولة ليجعل المجتمع الدولي يشعر بتأنيب الضمير السياسي تجاه تقصيره في اليمن، الذي بات أكثر خطرا وتهديدا مع هجرة «القاعدة» إليه، وأكثر استقطابا للتحالفات السياسية بعد دخول المحور الإيراني له عبر بوابة الحوثيين العريضة والغامضة.
وهناك أحاديث سياسية ستكشف دقتها الأيام القادمة أن توقيت عاصفة الحزم كان مهما للغاية حيث تم إفشال مخطط إيراني.
font change