تدابير سعودية سريعة لتعويض تراجع أسعار النفط

تدابير سعودية سريعة لتعويض تراجع أسعار النفط

Muslim pilgrims in al-Madinah al-Munawwarah
الرياض: معتصم الفلو



[blockquote]يبدو أن مسألة انخفاض النفط باتت الهاجس الأول بالمسؤولين في السعودية، الذين يدركون جيدًا أن عودة أسواق النفط إلى التعافي ستستغرق وقتًا، طال أم قصر. كما أن الحديث عن «التحول الوطني»، وهو خطة طموحة ترمي إلى تقليص الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، لا يزال في بداياته ولم تكتمل ملامحه بعد.[/blockquote]



عندما أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه الشهير إلى مجلة «ذا إيكونوميست» في يناير (كانون الثاني) الماضي عن توجه لإدراج جزء من أسهم شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو السعودية أو الشركات التابعة لها مثل البتروكيماويات، وتحويلها إلى شركة مساهمة، ظهرت التوضيحات من جانب الشركة بأنه المسألة لا تزال قيد الدرس، ولم ترفع التوصيات بعد، مع عدم تحديد سقف زمني للأمر، مما يعني أن الفكرة تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تتبلور بشكل واضح، وتبدأ خطوات تنفيذها. كما أن تنفيذ ضريبة القيمة المضافة أو الضرائب الأخرى على الدخل تحتاج مزيدًا من الوقت والدراسة وتهيئة البنى التحتية لتنفيذها.

ورغم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية في ميزانية 2016، التي تضمنت تقليص الدعم عن بعض الخدمات والسلع الأساسية كالوقود والكهرباء والمياه، وهي إجراءات سريعة المفعول وتظهر أرقامها الإيجابية فور تطبيقها، إلا أن هناك بعض البدائل السريعة التي يمكن أن تكون أيضًا ذات المفعول الإيجابي والتي تساهم في ضخ كثير من الأموال في شرايين الاقتصاد وتحسين الموارد، منها ما قد اتخذ فعلاً ومنها ما يمكن اتخاذه. فما هي؟

تختلف السعودية عما سواها من بلدان العالم بأنها ليست مقصدًا للسياحة بمعناها التقليدي، الذي يتضمن الترفيه والتسوق والمهرجانات وحياة الليل، ولكنها مقصد رئيسي للسياحة الدينية، حيث تحتضن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة والمنورة، وتتمتع ببنية تحتية متفوقة لهذا النوع من السياحة من حيث توفر الوحدات السكنية الفندقية وغيرها، وكذلك تنوع الأسواق وتعددها. ولا يدور الحديث هنا عن موسم الحج، الذي يحدث في وقت محدد من كل عام، وإنما توسيع إصدار تأشيرات العمرة على مدار العام.
فقد استقبلت السعودية العام الماضي نحو 5.4 - 5.5 مليون معتمر من مختلف أنحاء العالم بحسب وزارة الحج السعودية، أي بمعدل 450 ألف معتمر شهريًا، فيما بلغ حجم الإنفاق الكلي نحو 21 مليار ريال (5.6 مليار دولار) أي بمعدل وسطي ألف دولار للمعتمر الواحد.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال وزير الحج الدكتور بندر حجار إن السعودية تنوي مضاعفة تأشيرات العمرة لتبلغ 1.25 مليون معتمر شهريًا، أي 15 مليون معتمر على مدار العام، ابتداءً من 2016، مما يعني مضاعفة العدد الحالي بنحو 3 أمثاله، وهو ما يعني بالضرورة وصول الإنفاق الكلي التقريبي للمعتمرين إلى 50 مليار ريال (16 مليار دولار)، الأمر الذي سينعكس إيجابا على قطاع الإسكان والإعاشة، إلى جانب تنشيط حركة التسوق وخطوط الطيران.



رسوم تحويلات المقيمين




بلغت تحويلات المقيمين في السعودية إلى الخارج 153 مليار ريال (40.8 مليار دولار) عام 2014 لوحده بحسب إحصائيات مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، وحققت رقمًا قريبًا منه عام 2015، بين 155 - 160 مليار ريال (41.3 - 42.7 مليار دولار). ولا يبدو أن حجم التحويلات في طريقه إلى الانحسار في ظل تزايد أعداد المقيمين بسبب الطلب الكثيف على العمالة وتضخم الجاليات الأجنبية إلى أكثر بقليل من 10 ملايين نسمة بحسب أرقام مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لعام 2014، وهو رقم مرشح للنمو على أساس يومي.
ولا تفرض الحكومة السعودية أي رسوم أو قيود على التحويلات حاليًا رغم ضخامتها واستنزافها للموارد المحلية. وفي حال جرى فرض رسوم على تلك التحويلات، ويمكن لفرض تلك الرسوم أن يدر على الخزينة السعودية نحو 8 - 10 مليارات ريال (2.13 - 2.7 مليارات دولار) بشكل فوري، وبخاصة أن الغالبية العظمى من تلك التحويلات تمر عبر القنوات الرسمية للمصارف وشركات تحويل الأموال ومكاتب الصرافة.

تحظى العمالة المنزلية في السعودية من عاملات منزليات وسائقين وغير ذلك من المهن المرتبطة بخدمة المنازل بإعفاءات كبيرة، مقارنة بالمشتغلين في القطاع الخاص من حيث رسوم تجديد رخص العمل، فيما يبلغ العدد الإجمالي لهذا النوع من العمالة بنحو 3 ملايين شخص، يعملون لدى العائلات السعودية وعائلات المقيمين في البلاد. وتزيد تكاليف تجديد رخصة المشتغل لدى القطاع الخاص بنحو 5 أضعاف عن العاملين المنزليين. ويمكن لمراجعة الإعفاءات أن توفر دخلاً مباشرًا بنحو ملياري دولار بحسب تقديرات تقريبية.
وتعد العمالة المنزلية أحد أشكال الرفاهية التي تنعم بها المجتمعات الخليجية، ومنها السعودية، ولذا يمكن النظر في الإعفاءات المقدمة.



آثار إيجابية




لا تحمل تلك البدائل السريعة بمجملها تأثيرات سلبية على المواطنين، بل إنها تستهدف في معظمها زيادة الفائدة للمواطنين. فخيار زيادة تأشيرات العمرة يزيد من نمو الوحدات السكنية في الأماكن المقدسة والمشروعات التجارية المملوكة للمواطنين. كما أن تنشيط حركة النقل والاستهلاك والتسوق، يحمل آفاقًا كبيرة للقطاع الخاص، ويخلق فرص عمل أكبر للمواطنين، وهو من أولويات الحكومة السعودية. وبالنسبة لقطاع الطيران، ستحظى الخطوط السعودية المملوكة للدولة بنصيب أكبر من نقل المعتمرين، وهو ما سينعكس إيجابا على ربحيتها.

وفي ظل عدم وجود خيارات استثمارية مقنعة للمقيمين، سيستمر نمو التحويلات إلى الخارج بمعدلاتها العالية، ولذا، يبدو خيار فرض رسوم مقنعًا طالما أن بقاء الأموال لأغراض استثمارية غير متاح بالشكل المطلوب. فرغم السماح للأجانب بتداول الأسهم أو الاستثمار في الصناديق الاستثمارية، وهي تقريبًا النشاطات الوحيدة التي يمكن أن يستثمروا فيها أموالهم، لا يبدو الخيار جذابًا في الفترة الحالية، في ظل الهبوطات المتتالية لسوق الأسهم.
أما بالنسبة لمراجعة الرسوم الحكومية على العمالة المنزلية، فقد يتكبد المواطن مصاريف أعلى على العاملات المنزليات والسائقين الخاصين بالمنازل، إلا أن وجود عاملة منزلية لدى الأسرة يفترض وجود قدرة على تحمل مصاريف إضافية. كما أن العمالة المنزلية ليست حكرًا على السعوديين، فهناك مئات آلاف الأسر غير السعودية التي تستفيد من العمالة المنزلية.


font change