اكتشفت موهبة أنور السادات في الإخراج والتمثيل

اكتشفت موهبة أنور السادات في الإخراج والتمثيل

من الصدف العجيبة، أن الرئيس السادات كان الوحيد من القيادات الذي لم ألتقِ به في عصر عبد الناصر إلى أن جاءت صدفة نادرة في 1973 حينما ذهبت لزيارة بعض أقربائي في قرية السادات «ميت أبو الكوم» واقترح عليَّ بعضهم أن أبقى حتى صلاة الجمعة لأتمكن من لقاء الرئيس، وأجبت على سبيل الدعابة: هل من المعقول أن أنتقي من كل مساجد مصر المسجد الوحيد الذي سيصلي فيه الرئيس.. «لأقدِّم نفسي له؟».. وجدتها كما نقول باللغة المصرية الدارجة: «تمحيكة!».
وذهبت للصلاة في مسجد نصار بقرية قريبة جدًا من «ميت أبو الكوم»، وحينما وصل الرئيس وأدّى صلاة الجمعة قال لأحد أقربائي ومن المقربين له؛ المهندس فتحي: «المسجد كان مزدحمًا جدًا اليوم»، فردَّ عليه بسرد دُعابة عدم قبولي وتفضيلي مسجد الرئيس للصلاة.

حينما سمع الرئيس اسمي قال للحضور: «أريد أن ألتقي به سريعًا لأعرض عليه مشروعًا فرنسيًا». وتمكّن أقربائي من الاتصال بي في قرية نصار، وحضرت فورًا للقاء الرئيس السادات لأول مرة، وحكى لي مشروع الفيلم الفرنسي عن شخصيته، وكانت مصادفة نادرة أن مخرج الفيلم جان فرنسوا شوفيل كان صديقًا لي منذ سنوات، وكذلك زوجته جنفيف، وهي مصورة متميزة سجلت صورًا نادرة للرئيس، وعرض عليَّ الرئيس أن أكون بجانبه أثناء تنفيذ مشروع الفيلم في قريته «ميت أبو الكوم»، وأن يُستعان بكلام الرئيس كتعليق على الفيلم، وأحسست بأن السادات وكأنه «مخرج وممثل».
واقتربت من الرئيس السادات إلى أن عينني في أغسطس (آب) 1973 مستشارًا للإعلام الخارجي برئاسة الجمهورية. وفي 6 أكتوبر (تشرين الأول) صباحًا غادرت القاهرة لباريس لممارسة الإعلام الخارجي والرد على الدعاية الإسرائيلية. وفي هذه الأثناء قبلت مخاطرة قبول المشاركة في برنامج تلفزيوني مع كاتب إسرائيلي بعد أن بعثت إلى الرئيس السادات برقية شفرية تفيد بقبول هذه المخاطرة.

ومن بين ذكريات حرب أكتوبر حينما دخلت مصر في معركة الثغرة التي أعدها شارون واختلفت الآراء، وكنت وأنا في باريس في أمسّ الحاجة لرأي شخصية عسكرية عالية المستوى أستمع إلى رأيها، فاتصلت بالجنرال بوفر الذي كان رئيس أركان حرب الجيش الفرنسي، وكان يربطني به علاقة قوية منذ أن دعوته لمصر في عصر عبد الناصر، وقبل الرجل أن يأتي بنفسه يزورني في مكتبي بحي الأوبرا، وأعطاني رأيًا قاطعًا.. «إن ما يهم إسرائيل في موضوع الثغرة هو كسر معنويات الجيش المصري ورفع معنويات الجيش الإسرائيلي، ولكنهم لن يتجرأوا على اختراق الدلتا».
وأرسلت برقية عاجلة برأي الجنرال بوفر إلى الرئيس السادات فارتاح قلبه ودعاني بعدها معه للقاهرة وألقى محاضرة بكلية الأركان، والتقيت مع الرئيس السادات وهنّأني بعلاقاتي في الغرب وأوروبا.
هذه نبذة من تاريخ مصر مع عملاق تولّى مسؤولية حكمها.
font change