ذكريات ومواجهات ساخنة بين السادات وبيجين

ذكريات ومواجهات ساخنة بين السادات وبيجين

سيتوقف التاريخ طويلا أمام 5 سبتمبر (أيلول) 1978، هذا اليوم الذي أعد له الرئيس الأميركي جيمي كارتر، ليستقبل فيه الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجين في كامب ديفيد، لبدء المفاوضات المصرية الإسرائيلية.
وفوجئ الرئيس كارتر بتغيب حرم الرئيس المصري جيهان السادات، لأنه كان يعتمد على زوجته وزوجة السادات لبناء جسور اجتماعية بين الرؤساء وأكثر مرونة في المفاوضات.
ومنذ اليوم الأول وضع السيد الرئيس المصري قواعد اللعبة وشروطه أمام الرئيس الأميركي، أن ما يهم الشعب المصري أن تنسحب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة، وأن تسترد مصر كل شبر منها، أما ما بعد ذلك فقد عبر عنه السادات لكارتر قائلا: «بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، بعد ذلك يا صديقي افعل ما شئت وسأوافق عليه»، وكان هذا يعني أن الرئيس السادات بعد استرداد الأراضي المحتلة سيعطي الرئيس كارتر تفويضا كاملا بالتفاوض باسمه.
ووضح الرئيس المصري موقفه قائلا: إن المصريين قادرون على قبول أي شيء ما داموا سيستعيدون أرضهم.

وأذكر هنا بأن الرئيس كارتر أعجب بشخص السادات حينما زاره المرة الأولى في البيت الأبيض، واكتشف أنه بمقارنته بأي زعيم عربي فيجد أن السادات بمثابة ضوء براق يندفع نحو القرارات الجريئة، وهو ما جعله يعتقد بأنه عثر أخيرا على شريكه في عملية السلام، وأنه أقرب أصدقائه. فى حين حينما التقى كارتر مع بيجين اكتشف أنه متشائم ولا يرى احتمالات السلام.
كل ذلك كان موثقا في كتاب للكاتب الكبير لورانس رايت في كتاب بعنوان «3 أيام في سبتمبر، كارتر وبيجين والسادات في كامب ديفيد». وأشار رايت في كتابه إلى تحليل جهاز المخابرات الأميركية C.I.A لشخصية الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد كان الرئيس السادات في رأيهم صاحب رؤية وجريئا ومغامرا وعلى استعداد للمرونة ما دام سيحصل في النهاية على هدفه الرئيسي، وأنه كان ينظر إلى نفسه كمفكر استراتيجي متوهج بأفكاره كالنجم في السماء، أما بيجين فكان في تحليلات جهاز المخابرات الأميركية أنه يقدم على أنه ينتهج آيديولوجية تؤيد الاحتلال وتسعى للتوسع وزيادة مساحة إسرائيل، وأنه يعتبر في نظر الإسرائيليين على أنه فاش ومهووس، وبالتالي لم يكن على كارتر أن يتوقع من بيجين أي تحرك حقيقي، كما أنه اكتشف فيه العجرفة منذ لقائه الأول معه في البيت الأبيض في خريف 1997م.

وكان بيجين في اللقاءات الأولى يعتقد أن موقفه أكثر قوة بحكم العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لكنه اكتشف بعد ذلك العلاقات القوية والجيدة التي تربط الرئيس السادات بالرئيس كارتر، وهو يعني تغيير الحليف الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من إسرائيل لتتجه إلى مصر.
وذلك أيضا نتيجة العلاقات المتوترة بين كارتر وبيجين، كل ذلك دفع الأخير إلى الاعتقاد بأن كارتر والسادات يتآمران عليه، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار القدرات المسرحية الهائلة التي يتمتع بها الرئيس السادات في أدائه للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأثناء لقاء القادة الثلاثة فاجأ بيجين كارتر بقوله «إن المستوطنات الإسرائيلية ستظل كما هي»، ورد عليه كارتر قائلا: «لن يوافق الرئيس السادات على هذا الأمر».
وأشعل ذلك اشتباكا لفظيا بين كارتر وبيجين، واتهم الرئيس الأميركي إسرائيل «بالرغبة في التمسك باحتلال الضفة الغربية».
والسادات من ناحيته أعد مذكرة طالب فيها بالانسحاب الكامل من سيناء، ودفع تعويضات مقابل البترول، ووضع جدول زمني لإعلان دولة فلسطين خلال 5 سنوات، ووصف الكاتب الأميركي بذلك السادات بأنها كانت خيالية ولم يكن بها أي سند يمكن لإسرائيل أن توافق عليه.

وبالتالي أعد السادات مذكرة أخرى سرية جدا ومكتوبة بخط اليد، وتتضمن بنودا يمكن لسهولتها واعتدالها أن تساعد كارتر في مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي، وتضمنت هذه المذكرة موافقة الرئيس المصري على علاقات دبلوماسية كاملة بين مصر وإسرائيل وحرية الحركة عبر الحدود وخدمات البريد والتجارة الحرة وعلاقات ودية، وهذا ما كان السادات يتخيله كنظرة كارتر إلى عملية السلام.
وبالنسبة للمذكرة الأولى غير السرية كان لبيجين رد فعل عنيف رافض لفكرة دفع التعويضات مقابل البترول، معتبرا إياها بأنها وقاحة تخطت حدود الدبلوماسية.
وحينما خرج الرئيس كارتر وبيجين إلى حديقة كامب ديفيد يتنزهان، وطلب الرئيس الأميركي من بيجين أن يقدم بعض التنازلات للجانب المصري كاستجابة لزيارة الرئيس المصري إلى إسرائيل، كان رد رئيس وزراء إسرائيل غريبا جدا حينما قال: «لقد كافأ الشعب في إسرائيل الرئيس السادات بأن قدم له استقبالا دافئا، وأنه لا يجب أن ينسى أحد هذا الاستقبال».

وكان رد بيجين على اقتراح السادات بإنشاء دولة فلسطينية عنيفا بقوله: «لن نسمح بإنشاء قاعدة لقتلة ياسر عرفات»، ووجه الرئيس السادات كلماته قائلا: «أنت تتعامل معنا كأننا الأمة المهزومة».
وسجل مؤلف الكتاب «عن 3 أيام في سبتمبر، كارتر وبيجين والسادات في كامب ديفيد» قوله مسميا بيجين الوزير الأول بدلا من رئيس الوزراء!
وبعد أن كان الرئيس السادات قد وافق على إنشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين، قرر سحب هذا العرض بسبب السلوك السيئ لبيجين في الجلسة الصباحية لليوم الثالث.
وأضاف السادات موجها كلامه إلى بيجين: «إذا كنت لا توافق على إجلاء المستوطنين، فإنه لن يكون هناك سلام بيننا»، فرد بيجين عليه: «ونحن من ناحيتنا لن نوافق على تفكيك المستوطنات».
وحاول الرئيس كارتر وزوجته روزالين كسر الجليد بين الجانبين المصري والإسرائيلي، وأعدا حفلا كبيرا مساء اليوم الثالث، واقتربت روزالين من الرئيس السادات وذكرته: «بأن العالم أجمع أعجب بشجاعته، ويأمل أن تحقق كامب ديفيد التقدم نحو السلام».

إذن كما رأينا كانت هناك مواجهات ساخنة بين الرئيس السادات في الدفاع عن حق بلاده في استرداد كل شبر من الأرض المحتلة وبين بيجين الذي أعطى للاحتلال أولوية على هدف السلام.
وذلك بجانب سيدة فاضلة روزالين كارتر تدافع عن عودة الهدوء إلى المواجهات الساخنة، إنقاذا لمستقبل مفاوضات كامب ديفيد ومستقبل زوجها السياسي.
font change