مع وجود عون.. دلالات على استحواذ «حزب الله» على السلطة في لبنان

مع وجود عون.. دلالات على استحواذ «حزب الله» على السلطة في لبنان

في خطوة مفاجئة في الشهر الماضي، أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري دعمه لانتخاب ميشال عون، حليف «حزب الله» وكيل إيران، لمنصب الرئاسة الذي فاز به أخيرا بعد أن كان شاغرًا مدة عامين.
أبرزت معظم التحليلات الفورية التي تلت إعلان الحريري عن دعمه رئاسة عون دلالته على استحواذ «حزب الله» أخيرًا على السلطة في لبنان. وهذا صحيح بطريقة ما. وبعد ما أصبح عون رئيسًا للدولة، وبقي نبيه بري رئيسًا للبرلمان، سيكون لدى «حزب الله» حليفان في أهم ثلاثة مناصب في البلاد. وسيحكم قبضته أيضًا على مجلس الوزراء عن طريق سيطرته على الوزارات المهمة، بالإضافة إلى امتلاكه حق الفيتو. بل ولن ير أي مجلس للوزراء النور إلا إذا وقع على بيان سياسات يمليه عليه «حزب الله». إضافة إلى ذلك، سيتمكن من تعيين اختياراته وأصدقائه في المواقع الأمنية والإدارية المهمة، ليعزز هيمنته على مؤسسات الدولة.
ولكن في الحقيقة مع وجود عون أو من دونه، يسيطر «حزب الله» بالفعل على الدولة اللبنانية وقد فعل ذلك طوال أغلب العقد الماضي. يضع الحزب فعليًا رجاله وحلفائه في مناصب مهمة في أجهزة الدولة الأمنية والإدارية. ويسيطر أيضا على منافذ الدخول ليسمح بدخول وخروج ما يرغب فيه. كما نشر مخالبه في الاقتصاد على نحو أوسع. ويملي الحزب السياسة الخارجية للبلاد أو يُقحمها ببساطة عن طريق تنفيذ سياسته الخاصة المتماشية مع تعليمات إيران وأوامرها الاستراتيجية. تتعاون قوات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية مع «حزب الله» وتحمي جناحه. في الجهة المقابلة، يعلم جميع خصومه في الداخل أنهم إذا تخطوا التنظيم، فقد يتعرضون للقتل.

كان ذلك الواقع الذي أدى في النهاية إلى استنتاج السعودية أن استثماراتها في لبنان ومنها دعمها للجيش اللبناني كانت إضاعة للوقت والمال. عندما أدركت الرياض أخيرًا أن القوى السياسية التي تدعمها ليست قادرة حتى على إظهار معارضة سياسية فعالة ضد «حزب الله»، وأن الحكومة اللبنانية تقف ضد السعودية في المنتديات العربية والدولية، قررت رفع الدعم. فلبنان يقف ثابتا تماما في معسكر إيران.

وبالتالي تجب قراءة اختيار الحريري بدعم عون في هذا الإطار. إنه ليس قرارًا تدعمه السعودية. بل يعكس القرار الذي اتخذته السعودية بالتحرر من الالتزام، تاركة الحريري ليتخذ قراراته الخاصة ويتحمل مسؤوليتها.
ولكن إذا كان ذلك هو الوضع، فما الذي يدل عليه إعلان الحريري عن دعمه لعون، إن كانت هناك أية دلالة؟ في حين توشك فترة أوباما الرئاسية على الانتهاء، يأتي هذا التطور في لبنان إلى حد كبير نتيجة ثانوية للإرث الذي سعى الرئيس الأميركي لتركه بعزم مُرَّكَز في المنطقة.
استندت سياسة أوباما بالتقارب مع إيران على تمكين طهران ومنحها ما يطلق عليه «أسهم» إقليمية، وإضفاء شرعية على وجودها كطرف معني لا يمكن الاستغناء عنه. وبالتالي، نصح أوباما خصوم إيران في المنطقة وضغط عليهم - وهم حلفاء أميركا التقليديون – حتى لا يحاربوا انتهاكات إيران في الدول العربية من الخليج إلى الشام. وبدلا من ذلك كان عليهم الجلوس إلى الطاولة مع إيران والوصول إلى ما يطلق عليه اتفاقيات «المشاركة في السلطة» معها.

ولكن كما ثَبُت في سوريا والعراق، كانت تلك الاتفاقيات التي يروج لها أوباما في الواقع تنازلات فعلية. ما تطلعوا إلى فعله كان ضم السنة للمشاركة في كيان يسيطر عليه الإيرانيون ويطلقون عليه «حكومة وحدة وطنية». كانت سياسة واشنطن في لبنان هي مساعدة القوات المسلحة اللبنانية على محاربة التنظيمات الإرهابية، بيد أنها تحولت إلى غطاء لسياسة شاملة موالية لإيران. وتحت غطاء من الدعم المقدم إلى الجيش اللبناني لمحاربة الجماعات الإرهابية السنية، استطاع البيت الأبيض أن يغض الطرف بينما يعمل الجيش اللبناني عن قرب مع «حزب الله»، في حين يستكمل الأخير حربه في سوريا. أصبح التداخل بين الجيش اللبناني و«حزب الله» العمود الفقري للنظام في لبنان – وهو نظام تؤمنه قوة إيرانية. سوف يستمر ذلك الآن، وبعد جلوس عون، مرشح «حزب الله»، على مقعد الرئاسة. انضم الحريري ببساطة إلى هذا الكيان.

فلن يتم تغيير ميزان القوة الذي يميل تجاه إيران في لبنان قبل أن يتغير في سوريا. سوريا هي ميدان المعركة الأساسي. سننتظر لنرى هل سيدرك خليفة أوباما تلك الحقيقة الأساسية ويقود حملة لدحر إيران في سوريا وغيرها من المناطق. وحتى يتضح ذلك، لن تجد السعودية خيارًا سوى الاستمرار في جهدها الإقليمي لصد التوسع الإيراني. سوف يستمر ذلك الجهد في التركيز على سوريا واليمن، حيث تقع أكبر المخاطر، وحيث تملك الرياض أصولاً حقيقية قادرة. في حين أن الوضع ليس كذلك في لبنان.
font change