أول حوار تلفزيوني.. مصري – إسرائيلي

أول حوار تلفزيوني.. مصري – إسرائيلي

لن أنسى من ذكريات «حرب أكتوبر»، أول حوار تلفزيوني في «استوديو واحد» لبرنامج فرنسي شهير وقتها اسمه « من ملفات الشاشة «وكان معي أستاذ جامعي إسرائيلي ومؤرخ معروف هو شاؤول فريدلاندر، وحدد له الثامنة مساء يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وكان وقتها محرمًا علينا جميعًا أن نحاور أي شخصية إسرائيلية وجهًا لوجه.
وفى تقدير لي في اليوم السابق للموقف.. هل أقبل هذه المخاطرة؟ وماذا سيكون رد فعل الرأي العام العربي والقيادة السياسية في بلدي مصر؟
وبعثت ببرقية شفرية للرئيس السادات قبل ساعة من إذاعة البرنامج أفيده بقراري ومسؤوليتي عن المشاركة مع إسرائيلي في برنامج تلفزيوني فرنسي.

ومنذ أيام قليلة كنت أتصفح أوراقًا من الذكريات عن «حرب أكتوبر 73»، واكتشفت أن هذا الحديث أثار وقتها اعتراضات كثيرة، وتحديدًا من العرب في فرنسا.. كيف أقبل مشاركة إسرائيلي في حوار تلفزيوني؟
وكانت وجهة نظري أنه جاء الوقت لنقبل المواجهة مع الطرف الإسرائيلي، لا سيما أن الرأي العام الغربي كان دائمًا رافضًا لمقاطعتنا للحوار مع الإسرائيليين، وكان رهانًا مني أن أفضّل أن أكسب الرأي العام الغربي الذي لم نكسبه يومًا بسبب سياسة المقاطعة المستمرة، فضلا عن ثقتي في قوة الدفاع عن قضية حق من يريد أن يطالب بتحرير أرضه المحتلة، وأن موقفي معنويًا سيذكّر الفرنسيين بعصر «المقاومة» أثناء الحرب العالمية الثانية.
وكان من حسن حظي أن أدار اللقاء التلفزيوني صديق إعلامي فرنسي معروف بموضوعيته هو جان فرانسوا شوفيل، وللعلم فإن الرئيس السادات لم يرد على برقيتي بقبول أو رفض اللقاء التلفزيوني مع الإسرائيلي. وأعترف هنا بأن اختياري أن أبعث إلى الرئيس ببرقيتي المشفرة قبل ساعة فقط من بداية البرنامج التلفزيوني؛ إذ لم يكن هناك وقت، كان نوعًا من الخبث!
وعلق الرئيس السادات على موقفي عندما التقيت به بعد شهور: «أما وقد صرحت بقبولك تحمل المسؤولية، فقد حسمت الموضوع بأنه إذا خسرت الرهان مع الإسرائيلي في حوار (تلفزيون باريس)، فستدفع الثمن، وأنا أفضل من يقبلون مقدمًا تحمل المسؤولية».
والآن أنتقل إلى مضمون الحوار التلفزيوني بيني وبين الكاتب الإسرائيلي. في بداية الحوار صارحت جمهور المستمعين من فرنسا وبعض الدول الأوروبية بقولي: من حقكم أن تعرفوا لماذا قبلت الحوار مع الإسرائيلي لأول مرة. هذه الأسباب أولها رغبة كثير من الأصدقاء الذين قضوا وقتًا طويلاً من عمرهم يناضلون لعودة السلام إلى هذه المنطقة.

وأردت أيضًا أن أستجيب إلى رغبة الكاتب الفرنسي الشهير جان دانيال ، الذي تضامن طوال عمره مع استقلال شعوب هذه المنطقة وحصولها على تحرير أراضيها المحتلة، والذي أعلن في تصريح أخير له: «أود أن أرى أصدقائي العرب يوحدون لغتهم، وأن يطالبوا في الوقت نفسه بتحرير أراضيهم، وأن يذهبوا إلى طريق السلام».
وأضيف أيضًا أنني قبلت الحوار لأنني أردت أن أستجيب لبعض شباب المثقفين الإسرائيليين الذين لم يتوقفوا منذ عامين عن أن يبعثوا إليّ برسائل، مطالبين بالتعاون بيننا، في الوقت نفسه الذي أدانوا فيه احتلال الأراضي العربية، وكان جزء مهم منهم ينتمون إلى مجموعة «السلام الآن». وكان يجب عليّ أن أستجيب إلى رغبتهم في التعاون والتواصل..
قاطعني فريد لاندر، بقوله: «أنت مشهور بأنك تحتكر وقت الشاشة، فأرجوا أن تترك لي وقتًا..».

وقال المحاور الإسرائيلي: «يهمني أن أوضح أن المشكلة الحقيقية ليست أن إسرائيل مجتمع يستعد دائمًا للحرب، ولكنها مضطرة للدفاع عن نفسها ما دام جيرانها العرب لا يعترفون بها. إنها مأساة لنا ولكم».
وأضاف المحاور الإسرائيلي: «حقيقي أن الرئيس المصري أعلن أمام البرلمان المصري أن (الهدف من الحرب هو تحرير الأراضي المحتلة).. ولكنه لم يكتف بذلك، لأنه أضاف أنه (يجب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني)، وهذا يعني بالنسبة لنا أن (السادات يريد هدم دولة إسرائيل)».
ورددت على، فريد لاندر قائلاً: «حينما يتكلم السادات عن السلام، فإن كل رجل حر في العالم سيأخذ بجدية كل كلمة يقولها، لا سيما أن كلمة (السلام) بالنسبة له تعني إعادة بناء وتنمية الكيان المصري. ولكني أتحفظ على ما تصفونه بكلمة (الأمن الإسرائيلي وحدوده)».
وعلق لاندرعلى كلمتي بقول: «يا دكتور السمان؛ أنا أعرفك منذ سنوات، وسبق أن تناقشنا معًا، وبالتالي، فأنا لا أشك في حسن نية كلماتك وأفكارك..! ولكن تفسير الكلمات شيء، والأفكار شيء آخر!».
وفوجئت بـ فريد لاندر يقول: «إنني سعيد بكلماتكم التي أسمعها الليلة».حينما ننظر إلى كلمات وأفكار الحوار المتبادل بيني وبين المفكر الإسرائيلي، وما حققه من نتائج إيجابية بالنسبة لنا، فمن حقنا جميعًا حينئذ أن نعترف بأن الحوار، والحوار الأمين، هو وحده السبيل والضمان لكسب أي معركة فكرية مع الخصم.
font change