عودة عائلات «الدواعش» إلى أوروبا

حصري: «المجلة» تطّلع على ملف أرامل وأطفال مسلحي «داعش»... وتفاصيل تعامل أجهزة الاستخبارات الغربية معهم

عودة عائلات «الدواعش» إلى أوروبا

[caption id="attachment_55263402" align="aligncenter" width="1346"]الإرهابية البريطانية سالي جونز (48 عاما) المعروفة باسم «الأرملة البيضاء» من اكثر النساء وحشية. انضمت إلى داعش في عام 2012 بعد قصة حب على الانترنت مع الإرهابي جونيد حسين واعتبرت المخابرات الغربية ضبطها أولوية قصوى لدورها في تخطيط الهجمات وتجنيد الإرهابيين. الإرهابية البريطانية سالي جونز (48 عاما) المعروفة باسم «الأرملة البيضاء» من اكثر النساء وحشية. انضمت إلى داعش في عام 2012 بعد قصة حب على الانترنت مع الإرهابي جونيد حسين واعتبرت المخابرات الغربية ضبطها أولوية قصوى لدورها في تخطيط الهجمات وتجنيد الإرهابيين.[/caption]


بون: جاسم محمد




* المستشار الإعلامي لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي حصري لـ «المجلة»: أكملت التحقيقات مع أغلب زوجات الدواعش وتم إحالتهن إلى المحكمة وقبل أيام أصدرت المحكمة قرار عقوبة الإعدام بحق إحدى زوجات الدواعش تحمل الجنسية الألمانية
* ينقسم العائدون إلى بلدانهم الأصلية إلى مقاتلين قضوا فترة قصيرة ثم عادوا، ومقاتلين فارين من المعارك وقد يشكلون في بلدانهم خلايا إرهابية.
* وزير خارجية فرنسا: «لا نريد لمقاتلي داعش الحاملين للجنسية الفرنسية العودة من مناطق القتال، ولا أمانع أن يحاكموا في العراق أو سوريا بأحكام الإعدام أو السجن المؤبد.
* لم تخف بريطانيا مخاوفها من عودة المقاتلين ولا عن التحديات الفنية التي تواجهها في مراقبة العائدين، بسبب النقص في الموارد البشرية والمالية.
* شهادات مهربين على الحدود السورية التركية: تسعيرة تهريب عناصر تنظيم «داعش» إلى أوروبا تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات للشخص الواحد





يشكل عناصر تنظيم داعش العائدون من القتال من سوريا والعراق، إلى أوروبا، مصدر قلق لأجهزة الاستخبارات الأوروبية، بسبب ما حصلوا عليه من خبرات قتالية وتدريب منذ اندلاع «الثورة السورية» عام 2011.
الكثيرمن النساء اللاتي التحقن بتنظيم داعش تزوجن أعضاء بالتنظيم وأنجبن منهم أطفالا، وبعضهن ذهبن حوامل إلى العراق أو سوريا واصطحبن معهن أطفالهن. اعتبر «مركز صوفان» الاستشاري للشؤون الأمنية في تقرير له، أن عودة ما لا يقل عن 5600 عنصر من تنظيم داعش من العراق وسوريا، إلى دولهم سيشكل تحديا أمنيا لهذه الدول.

أرامل وأطفال «الدواعش»
السلطات العراقية أعلنت أنها نقلت مئات من أرامل وأطفال مسلحي «داعش» الأجانب من معتقل شمال العراق إلى العاصمة، نظرا لاعتبارات أمنية. ونقلت وسائل الإعلام عن مسؤولين ومصادر أمنية وإغاثية محلية في العراق، أن ما يزيد على 800 من النساء والأطفال، معظمهم من تركيا وأوروبا والجمهوريات السوفياتية السابقة، نقلوا إلى مركز احتجاز آمن في بغداد. ويعتقد الكثير من الخبراء والمراقبين للجماعات المتطرفة، بأن العائدين من القتال إلى أوطانهم، أي دول أوروبا، يشكلون خطرا قائما، مهما كانت دوافع وأسباب عودتهم.
ذكرت السلطات العراقية بأن نحو (300) امرأة وطفل من عائلات مقاتلين أجانب بتنظيم داعش ألقي القبض عليهم في الموصل شمالي العراق، تم نقلهم إلى العاصمة بغداد تمهيدا لترحيلهم إلى دولهم.
الاستخبارات العراقية، أعلنت عن وجود، آلاف النساء والأطفال، في المناطق، التي كانت سابقا تحت سيطرة التنظيم. وبحسب مصادر إعلامية، اعتقلت السلطات نحو 1600 امرأة وطفل لمقاتلين أجانب بعد استعادة الموصل من «داعش»، 800 منهم أتراك والباقون من جنسيات مختلفة بينها أوروبية.

[caption id="attachment_55263404" align="aligncenter" width="3500"]الهاربة البريطانية سامانثا ليثويت أرملة جيرمين ليندساي منفذ هجمات (7/7) في لندن ويقال أنها مدبرة عدة هجمات في شرق أفريقيا حيث تعمل مع حركة الجهاد. وقد أعتبرت أجهزة الاستخبارات البريطانية ليثويت واحدة من أكبر التهديدات الأمنية للمملكة المتحدة. الهاربة البريطانية سامانثا ليثويت أرملة جيرمين ليندساي منفذ هجمات (7/7) في لندن ويقال أنها مدبرة عدة هجمات في شرق أفريقيا حيث تعمل مع حركة الجهاد. وقد أعتبرت أجهزة الاستخبارات البريطانية ليثويت واحدة من أكبر التهديدات الأمنية للمملكة المتحدة.[/caption]

وذكرت شهادات مهربين على الحدود السورية التركية إلى توافد مقاتلين من التنظيم عليهم ودفعوا مبالغ كبيرة لهم. وأوضحت الشهادات، أن تسعيرة تهريب مقاتلي «داعش» إلى أوروبا من داخل تركيا تكون للمدنيين، بقيمة لا تقل عن خمسة آلاف دولار للشخص الواحد، أما للقيادات من عناصر التنظيم فتصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات للشخص الواحد.
وسألت «المجلة» السيد عامر الموسوي صحافي وباحث استقصائي من برلين حول زوجات الدواعش في العراق، السيد عامر الموسوي أنهى توا زيارته إلى بغداد، زار خلالها سجينات من زوجات الدواعش من حملة الجنسية الألمانية، وأجاب قائلا: «تتعامل الحكومة العراقية مع زوجات الدواعش في العراق كما يلي: زوجات الدواعش من العراقيات، تحكم وفق الفقرة 1- 4 إرهاب ويمكن أن تصل عقوبتهن إلى حد عقوبة الإعدام. أما زوجات الدواعش من الأوروبيات: توجه لهن تهم تجاوز الحدود والتي تصل عقوبتها إلى 15 عاما».
ويصنف القضاء العراقي زوجات الدواعش: هناك من التحقت بزوجها الأجنبي برغبتها، أو كانت مجبرة تحت التهديد. ويتم الأخذ بنظر الاعتبار ما نوع الدعم الذي قدمته الزوجة وإن كانت شاركت بالقتال من عدمه، إلى جانب تهمة «جهاد النكاح» والحصول على كفالة من تنظيم داعش.
ويقول الموسوي، إن محكمة الرصافة ـ بغداد، حكمت بالمؤبد قبل أيام على المدعوة (لمياء.ك) إحدى زوجات الدواعش، تحمل الجنسية الألمانية من أصل مغربي، وردت المدعوة (لمياء) على قرار الحكم بالابتسامة أمام قاضي المحكمة، لتبرهن أنها ما زالت تؤمن بفكر تنظيم داعش. الزميل الموسوي أكد أيضا لقاءه ثلاث زوجات أجنبيات من زوجات الدواعش خلال زيارته إلى بغداد.
وفي هذا السياق، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نهاية عام 2017. أنها تمكنت من الوصول إلى أكثر من (1300) زوجة أجنبية وطفل لمن يشتبه في أنهم مقاتلون في تنظيم «داعش»، وتحتجز القوات العراقية هذه الأسر بالقرب من الموصل.
وقال باتريك هاميلتون نائب مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2017، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إفادة صحافية في جنيف: «بوسعنا أن نؤكد أننا تمكنا من الوصول إلى هؤلاء الأفراد وعددهم (1300) ونزورهم».

تقارير المفوضية الأوروبية وتقارير الإنتربول الأوروبي جاءت متقاربة حول أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش والتي تقترب من خمسة آلاف مقاتل، التحقيقات التي نشرتها أجهزة الاستخبارات الأوروبية وكذلك الصادرة من منسق مكافحة الإرهاب في المفوضية الأوروبية جيل دي كيرشوف أجمعت على عودة ما يقارب 1750 مقاتلا إلى أوروبا. مجلة «نيويوركر» الأميركية هي الأخرى، أشارت إلى انضمام 7400 شخص من الغرب للتنظيم المسلح بينهم 5000 من أوروبا، منهم 20 في المائة إلى 30 في المائة عادوا إلى بلدانهم.
السؤال الأهم هو: كم عدد العناصر التي قُتلت في سوريا والعراق؟ وكم منهم مستعد لمواصلة القتال؟ والتحق بمجموعات متطرفة أخرى؟
اعتبر الباحث بروس هوفمان المتخصص في الإرهاب في «جامعة جورجتاون» أنه «رغم مقتل عدد من أعضاء تنظيم داعش، فقد نجا الآلاف وتمكنوا من مغادرة سوريا. وأن عددا منهم أصبح في البلقان حيث يمكثون بعيدا عن الأضواء للعثور على فرصة للتسلل إلى أوروبا». وهذا ما يثير التساؤل حول أسباب اختيار البلقان، ولا ندري هل دول البلقان تمثل ملاذات آمنة للهاربين من سوريا والعراق، أم أنها مجرد مناطق عبور والتسلل إلى أوروبا؟
ويؤكد ذلك بوب واينرايت مدير الأوروبول: «إن الخطر لا يزال مرتفعا على الأمن الأوروبي الداخلي، ويبقى عدد العائدين من الأوروبيين الأصليين أو المتجنسين بالجنسية الأوروبية من الذين قاتلوا في السابق في صفوف تنظيم داعش غير معروف بشكل دقيق، كون بعضهم لا يمر عبر المسالك الطبيعية للعبور مما يجعل من الصعب تحديد هويته ومعرفة ما إذا كان قد دخل أحد البلدان الأوروبية أم لا».
وبالعودة إلى السيد عامر الموسوي، من برلين حول احتمال وجود مقاتلين أجانب من الأوروبيين في العراق، ذكر أنه احتمال وارد جدا ودليل على ذلك هو إعلان مقتل مغني الراب الألماني كوسرت منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2018، واستدرك قائلا إن هناك 10 في المائة على الأقل من المقاتلين الأجانب، من حملة الجنسية الأوروبية، خارج تغطية رادار أجهزة الاستخبارات الأوروبية والعراقية.



المقاتلون الأجانب من أوروبا




ذكرت الاستخبارات الألمانية أن أكثر من 950 إسلامويًا سافر خلال الأعوام الماضية من ألمانيا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش. وتقدر السلطات نسبة النساء بين هؤلاء بنحو 20 في المائة، وبحسب البيانات قُتل (150) مقاتلاً في مناطق النزاع، وعاد نحو ثلثهم ما يقارب (320) مقاتلاً إلى ألمانيا. والمتبقون إما معتقلون لدى السلطات العراقية وإما هاربون، ومن بين المعتقلين، نساء مع أطفالهن. الحكومة الألمانية تتوقع عودة أكثر من (100) طفل ورضيع ولدوا لمقاتلين ألمان ينتمون لـ«داعش» في العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية.
ذكرت الاستخبارات البلجيكية، أن 614 شخصا، من بينهم 104 سيدات، غادروا بلجيكا للقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة. تتراوح أعمارهم بين 15 و70 عاما. وتشير المعلومات إلى أن 266 شخصا من القائمة يوجدون حاليا في الأراضي السورية والعراقية، بينما عاد 114 متطرفا إلى بلجيكا. وتقدرالحكومة البلجيكية عدد الأطفال البلجيكيين، الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، ويقيمون حاليًّا في سوريا بـ(100) طفلٍ على الأقل، سواء وُلدوا هناك أم رحلوا من بلجيكا في السنوات الأخيرة مع أحد البالغين، وأنَّ (14) طفلاً قد عادوا ومن بينهم (11) طفلا دون سنّ 6 سنوات.
ذكر رئيس البعثة العراقية لدى الاتحاد الأوروبي خلال شهر مارس (آذار) 2017 أن هناك تنسيقا أمنيا واستخباريا عالي المستوى بين العراق وبلجيكا في ملف مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية. وردا على سؤال مجلة «المجلة» في وقت سابق إلى الدكتور هشام عوكل من بروكسل، مدير شبكة المدار الأوروبية فيما إن كانت هناك خدمات قنصلية تقدم لهم في العراق أو سوريا، أجاب الدكتور عوكل: بأنه يعتقد بأنه لم تقدم الخدمات القنصلية لهم في العراق، بسبب عدم وجود سفارة بلجيكا، واستدرك الدكتور عوكل بالقول: «رغم ذلك فهناك تعاون أمني واستخباراتي بين الحكومة البلجيكية والحكومة العراقية».
تقرير الخبير ريتشارد باريت، المدير السابق لمكافحة الإرهاب العالمي في جهاز المخابرات البريطانية MI6 والذي نشرته وسائل إعلام بريطانية وأميركية، يوم 24 أكتوبر 2017، يقول إن نحو 850 بريطانيًا سافروا إلى الشرق الأوسط للمشاركة في الحرب مع «داعش» ويعتقد أن نحو نصفهم عادوا إلى بريطانيا، أي أن أكثر من 400 شخص ما زالوا طلقاء.
وتقدر الاستخبارات الفرنسية أن هناك اليوم 690 إرهابيًا فرنسيًا في العراق وسوريا. وإجمالي القصر يقدر بـ400 شخص. الحكومة الفرنسية أعلنت سفر 1700 فرنسي إلى سوريا والعراق، بينهم 295 امرأة و28 قاصرا، وقتل منهم ما يقارب 450 شخصا وعاد نحو 250 شخصا إلى فرنسا. وأن نحو 500 منهم ما زالوا في العراق وسوريا، بعضهم تلقى التدريب على التعامل مع الأسلحة والمتفجرات في الطبيعة.



كيفية التعامل




أعلنت الحكومة العراقية على لسان مسؤولين كبار، أن عناصر «داعش» وعائلاتهم من الأوروبيين والأجانب من النساء، يخضعون إلى المحاكمة ويمكن أن تصل عقوبتهم إلى حكم الإعدام، وهذا ينطبق أيضا على النساء المقاتلات أمثال الألمانية، ليندا باعتبارها كانت قناصة داخل تنظيم داعش.
وينقسم العائدون إلى بلدانهم الأصلية إلى قسمين: الأول المقاتلون الذين قضوا فترة قصيرة ثم عادوا، وغالبًا يكون سبب عودتهم هو خيبة الأمل وسوء الأوضاع في مراكز وجود التنظيم، والقسم الثاني وهو الذي يشكل الخطورة الأكبر وهم المقاتلون الفارون من المعارك بعد تراجع سيطرة التنظيم بشكل كبير وقد يشكلون في بلدانهم خلايا إرهابية للانتقام.
وفي حديث حصري لمجلة «المجلة»، مع المستشار الإعلامي لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، السيد صباح نوري النعمان حول كيفية تعامل الحكومة العراقية مع زوجات الدواعش؟ أجاب قائلا: «العراق يعتبرهن مشاركات بالعمل الإرهابي ضد العراق ويخضعهن إلى قانون العقوبات رقم 13 لعام 2005. باعتبارهن جزءا من تنظيم أو منظمة إرهابية، ومن الصعب الفصل بين من مارسن العمل العسكري أو من قدمن الدعم لأزواجهن». وأضاف: «لقد أكملت التحقيقات مع أغلب زوجات الدواعش وتم إحالتهن إلى المحكمة، وقبل أيام أصدرت المحكمة، قرار عقوبة الإعدام بحق إحدى زوجات الدواعش، تحمل الجنسية الألمانية من أصول مغاربية».
وردا على سؤال مجلة «المجلة»، حول الخدمات القنصلية التي تقدم إلى المعتقلات من الجنسية الأوروبية، أجاب الأستاذ صباح النعمان، المستشار الإعلامي لجهاز مكافحة الإرهاب قائلا: «كانت هناك خدمات قنصلية من قبل الحكومة الألمانية تحديدا». وفيما يتعلق بمصير المقاتلين الأجانب في العراق، أجاب الأستاذ النعمان، بأنه من خلال العمليات العسكرية الميدانية، على الأرجح لا يوجد مقاتلون أجانب، من الجنسية الأوروبية في العراق، أغلبهم غادر الحدود العراقية.


[caption id="attachment_55263405" align="alignright" width="300"]ليندا وينسل الفتاة الألمانية التي وجدت تحت أنقاض أحد المنازل في الموصل، والتي لم تكن تتخطى الـ 16 من عمرها يوم انضمت إلى داعش. ليندا وينسل الفتاة الألمانية التي وجدت تحت أنقاض أحد المنازل في الموصل، والتي لم تكن تتخطى الـ 16 من عمرها يوم انضمت إلى داعش.[/caption]

وفي هذا الإطار، أبدت ألمانيا تخوفها من عودة المقاتلين الأجانب وربما لخص ذلك حديث وزير داخلية ولاية برلين الألمانية، أندرياس غايزل بقوله: «إن خبر هزيمة التنظيم في سوريا والعراق جيد للسياسة الدولية، لكن بالنسبة لنا يترتب عليه الكثير من المخاطر، خاصة ما يتعلق بعودة المقاتلين إلى ألمانيا».
أجهزة الأمن الألمانية صنفت عشرات النساء والمراهقين يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) 2017 ضمن قوائم العناصر الخطرة التي يمكن أن تقوم بعمليات إرهابية محتملة، وبررت ذلك بالقول إن النساء والمراهقين، يشكلون نسبة ضئيلة دون عشرة في المائة بين نحو 720 إسلامويًا مصنفين على أنهم خطيرين أمنيًا. وقدرت وزارة الداخلية الألمانية عودة نحو 200 داعشي ألماني من مناطق القتال في سوريا والعراق من بين ما يقارب 960 شخصا التحقوا بالقتال في سوريا والعراق وأن العشرات من العائدين طلقاء بسبب عدم كفاية الأدلة ضدهم.
أما وزير خارجية فرنسا لودريان، فقد ذهب أبعد من ذلك بكثير: بقوله: «لا نريد لمقاتلي داعش الحاملين للجنسية الفرنسية العودة من مناطق القتال في سوريا والعراق، ولا أمانع أن يحاكموا في العراق أو سوريا بأحكام الإعدام أو السجن المؤبد، فهذا الأمر يزيح الثفل عن كاهل صاحب القرار الفرنسي الذي يتوجس من عودة شباب يحمل فكرًا متطرفا». تصريح وزير الخارجية الفرنسي يعكس حجم المخاوف والقلق لدى الحكومة الفرنسية، وكأن فرنسا ما زالت تشعر بالألم من أحداث نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 الإرهابية.
واستدرك الوزير الفرنسي بالقول إن جميع العائدين سيعرضون على القضاء ويتم النظر في قضاياهم كل حالة على حدة وسيتم رعاية الأطفال وإعادة تأهليهم ضمن برنامج تعليمي، أي تقديم الرعاية الاجتماعية والدعم النفسي لهم.
وفي هذا الإطار، تقول المستشارة في قضايا الوقاية من التطرف لمجموعة العمل «الأطفال وحماية الشباب» لولاية شمال الراين ـ وستفاليا الألمانية: «إن العقبات في وجه أخذ الأطفال من العائلات تبقى عالية، كما يجب أن يكون هناك خطر ملموس محدق بالطفل»، فلا يكفي أن ينتمي الآباء لتيار إسلاموي. ولا يمكن تقييم وضع الطفل من خلال ما يفكر فيه الآباء.
ويتفق الخبراء المعنيون في معالجات التطرف، أن الأطفال الذين عادوا في سن مبكرة إلى ألمانيا سوف يكبرون في محيط سليم، لكنهم يدركون على أبعد تقدير في سن الشباب أو الكبر أن والدهم كان مقاتلا في صفوف «داعش» إن ذلك سيكون بمثابة تحدٍ بالنسبة إلى الطفل الذي يلاحظ أن له تاريخا آخر مخالفا للآخرين.
وفي باب معالجات العائدين من القتال إلى أوطانهم في أوروبا، طالب الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان الفرنسية في بيان صدر يوم 8 يناير 2018، بأن يخضع الفرنسيون من عناصر تنظيم داعش الموقوفين في سوريا والعراق إلى محاكمة عادلة في فرنسا. وانتقد الاتحاد الدولي في بيان موقع مع الرابطة الفرنسية، موقف الحكومة الفرنسية التي «أعلنت للتو أن الأشخاص الذين أوقفتهم القوات الكردية في سوريا سيحاكمون هناك إذا كانت المؤسسات القضائية قادرة على تأمين محاكمة عادلة».

[caption id="attachment_55263406" align="alignleft" width="220"]كولسوما بيجوم (22 عاما) كانت "طالبة " قبل أن تقرر مغادرة بريطانيا وتنضم لتنظيم داعش في سوريا كولسوما بيجوم (22 عاما) كانت "طالبة " قبل أن تقرر مغادرة بريطانيا وتنضم لتنظيم داعش في سوريا[/caption]

الحكومة الفرنسية من جانبها أنشأت مركز إعادة دمج في كل منطقة لمن اعتنقوا الفكر المتطرف، أو المعرضين للالتحاق بالمتطرفين وخصصت ميزانية تقدر بـ(أربعين مليون يورو) إضافية لها حتى نهاية 2018 وعلى مدى عامين، لمضاعفة قدرات متابعة الشباب الناشطين في شبكات «الجهاديين»، أو المعرضين للالتحاق بصفوفهم. وشددت جيسيكا سورس، مسؤولة سياسة مكافحة التطرف، مدينة فيلفورد على ضرورة الحاجة إلى رغبة سياسية لمنع التطرف بمختلف أشكاله وعلى الأدوار التي تطلع بها المؤسسات جميعها، غير أنها ترى أن الوقت حان لتنسيق المؤسسات الأوروبية جهودها وتعالج قضايا الاندماج.
وفيما يتعلق بزوجات الدواعش من حملة الجنسية الفرنسية، حصلت مجلة «المجلة» حصريا على تعليق للإعلامي والمحلل السياسي، مصطفى طوسه، من باريس يقول فيه: «ما زال الجدل قائما في الداخل الفرنسي حول المقاتلين العائدين وزوجات الدواعش، ليصل إلى أعضاء البرلمان ومسؤولين في الحكومة والأحزاب الفرنسية ووسائل الإعلام الفرنسية، ليكون ظاهرة (زوجات الدواعش) من حملة الجنسية الفرنسية». وأضاف السيد طوسه أن هناك أصواتا تطالب بتشديد الأحكام القضائية ضد العائدين من الرجال وكذلك زوجات الدواعش لتصل إلى ما يقارب 20 سنة. وأوضح السيد طوسه، أن التفكير العام داخل فرنسا يتجه إلى ضرورة عدم ترك العائدين حتى بعد انتهاء الأحكام القضائية، كونهم يعتبرون تهديدا قائم على أمن فرنسا من وجهة نظر فرنسية.
وفيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب من حملة الجنسية البريطانية، فالحكومة تنظر إلى المقاتلين العائدين إلى بريطانيا بأنهم يمثلون خطرا على الأمن القومي، ولم تخف بريطانيا مخاوفها من عودة المقاتلين ولا عن التحديات الفنية التي تواجهها في مراقبة العائدين، بسبب النقص في الموارد البشرية والمالية. ويشير باتريك كوكبيرن في كتابه «عودة الجهاد» إلى ميول ورغبات المقاتلين الأجانب الذين دخلوا منطقة الشرق الأوسط بالعودة لارتكاب أعمال إرهابية في الدول الغربية وبخاصة الأوروبية منها. ردود الأفعال هذه عند المتطرفين ربما تختلط بدوافع الثأر لتجارب شخصية في حياتهم داخل أوروبا، أكثر مما تكون نتيجة إيمانهم بالآيديولوجيا المتطرفة.
وفيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب وزوجاتهم من حملة الجنسية البريطانية، تحدثت مجلة «المجلة» مع السيد مجاهد الصميدعي، باحث دكتوراه في الاستخبارات والعلوم الأمنية في إحدى الجامعات البريطانية، وسألته حول الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة البريطانية ضد المقاتلين الأجانب من حملة الجنسية البريطانية، وأجاب: «إن الأحكام التي تتخذها الحكومة البريطانية ضد العائدين من مقاتلي داعش من النساء والرجال، تعتمد على درجة مشاركته في القتال أو تورطه بتنفيذ عمليات قتل. ويبلغ معدل العقوبة للعائدين أربع سنوات. أما الزوجة المرافقة لزوجها ولم تشترك بالقتال، فيتم التحقيق معها ويخلى سبيلها، لكن تبقى تحمل سوارا إلكترونيا لمدة لا تقل عن سنتين وتحضر أسبوعيا إلى مركز الشرطة في المنطقة للتوقيع».


[caption id="attachment_55263407" align="aligncenter" width="1257"]امرأة عراقية نازحة من ضواحي معاقل تنظيم داعش بالحويجة (65 كيلومترا غرب مدينة كركوك الشمالية) ترفع العلم الأبيض أثناء سفرها مع أفراد من العائلة وحمارها على الطريق خارج البلدة في 3 أكتوبر 2017 (غيتي) امرأة عراقية نازحة من ضواحي معاقل تنظيم داعش بالحويجة (65 كيلومترا غرب مدينة كركوك الشمالية) ترفع العلم الأبيض أثناء سفرها مع أفراد من العائلة وحمارها على الطريق خارج البلدة في 3 أكتوبر 2017 (غيتي)[/caption]


أبرز الإجراءات التي تتبعها الدول الأوروبية لرصد ومتابعة المقاتلين الأجانب هي:
ـ تعزيز التعاون الاستخباري وتقاسم المعلومات.
ـ تسريع تبادل المعلومات حول المطلوبين وحركتهم.
ـ مراقبة الحدود الخارجية والداخلية.
ـ اتباع آلية من أجل ربط السجل الجنائي بسجل الإرهاب، ويمكن للدول الأعضاء الدخول له من خلال منصات إلكترونية مغلقة.
ـ اعتماد نظام إنذار معلوماتي إلى أصحاب السجل الجنائي والإرهاب.
ـ تعزيز ولاية وكالة الاتحاد الأوروبي «يوليزا» للإدارة التشغيلية لنظم تكنولوجيا المعلومات على نطاق واسع، وتمكينها من تطوير وتنفيذ الحلول التقنية لجعل أنظمة المعلومات في الاتحاد قابلة للتشغيل المتبادل.
ـ التعاون الاستخباراتي مع بعض دول المنطقة منها الحكومة العراقية لتقاسم المعلومات حول المقاتلين الأجانب ورصد اتصالات ما تبقى منهم في العراق وسوريا.
ـ إخضاع العناصر الخطرة للرقابة الشديدة.
يشهد ملف زوجات الدواعش داخل أوروبا تصاعدا، ويمكن أن يتصاعد أكثر مستقبلا، ومن المحتمل، أن يثير الكثير من الخلافات على مستوى أحزاب وأعضاء في الحكومات. الخلافات تكمن في كيفية النظر إلى عائلات مقاتلي «داعش» خاصة من الأطفال والقاصرين والزوجات. ملف المقاتلين الأجانب وزوجاتهم، من المحتمل أن يثير الكثير من الخلافات بين الأحزاب السياسية وأعضاء في الحكومات والبرلمانات الأوروبية. لكن مهما كانت الخلافات، فسيكون هناك إجماع على ضرورة تقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية إلى العائدين خاصة زوجات الدواعش والأطفال واعتماد مراكز تعنى بالوقاية من التطرف والإرهاب.
font change