قطار سويسرا - إيطاليا يأخذك لعوالم مختلفة

تجربة تشبه الحلم عبر المناظر الطبيعية المذهلة

قطار سويسرا - إيطاليا يأخذك لعوالم مختلفة



بقلم: ليزا ويستوش

* تتعايش العادات والأماكن القديمة والجديدة مثل الكثير من المدن الأوروبية. وتعود المباني المحيطة بالمربع إلى القرن السابع عشر.
* تم بناء كنيسة سان ماري آنجيل الكاثوليكية عام 1499 ورسم على جدرانها الداخلية بيرناردينو لويني وليوناردو دافينشي.



يستغرق الأمر 27 دقيقة لاجتياز نفق قاعدة غوتارد. وهي تجربة تشبه الحلم: أنت على متن القطار الذي يمر عبر المناظر الطبيعية السويسرية المذهلة؛ أكوام القش والمزارع والقرى الصغيرة ذات الأبراج الشاهقة والجبال البعيدة المتوجة بالضباب والمناظر الطبيعية الأخرى التي لم تشاهد مثلها من قبل. وفجأة، يحل الظلام ولكنك تبقى تتحرك بسرعة 150 ميلاً تقريبًا في الساعة، ولكن لا يمكنك رؤية المكان الذي تتجه إليه.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016. انكشف النقاب عن هذا الظلام الذي يبلغ طوله 35 ميلاً عبر جبل من الغرانيت. ويعد النفق المكتمل جزءًا من السرد الملحمي. فقد استبدل نفق قاعدة غوتارد نفقًا استغرق بناؤه 10 أعوام خلال العصر الفيكتوري. وفي ذلك الوقت، كانت التجارة الأوروبية تنمو بسرعة بفضل أسلوب النقل الجديد: السكك الحديدية. وكانت تستغرق رحلة السفر عن طريق عربات النقل من مدينة بازل التي تعود إلى القرون الوسطى وتقع في شمال غربي سويسرا بالقرب من الحدود الفرنسية والألمانية إلى ميلانو، المركز التجاري، 50 ساعة عبر جبال الألب. ولذلك في 1872. بدأ بناء النفق الذي كان سيؤمن وظائف لما يصل إلى 2.500 عامل منجم وأودى بحياة 100 شخص تقريبًا، وخاصة عندما انتقلوا من استخدام البارود إلى الديناميت الذي تم اختراعه حديثًا وقتها لاختراق الأرض الصلبة.



وكان النفق الجديد - الذي تم تثمينه بـ12 مليون دولار واستغرق بناؤه 17 عامًا - أطول نفق للقطارات في العالم. وأنا لم أذكر كل الذي سبق لأشوش على الموضوع ولكن لأن هذه هي الأمور التي ستفكر بها أثناء خروج القطار إلى بوديو، وهي بلدة صغيرة في منطقة تيسينو في سويسرا. وهو مكان يشعرك بأنك بعيد جدًا عن الجانب الآخر من الجبل. وستلاحظ مدى سرعة تحول المشهد من مساحات جبال الألب الجبليّة إلى المناظر الطبيعية المتوسطية المليئة بأشجار النخيل. حتى درجة الحرارة الخارجية أدفًا ببضع درجات بالمقارنة مع حرارة الطقس عند بداية النفق.

ستفكر في هذه الأمور حتى يقاطع أحلامك المرشد ذو التعابير الغريبة ويرتدي قبعة قديمة. وسيرن جرس ليعلن وصوله. وسيجر عربة كان يبيع منها الكابوتشينا الذي يحضره عبر آلة مخصصة لصنعها وشوكولاته سويسرية وكرواسون، بالإضافة إلى هدايا تذكارية مثل سكاكين الجيش السويسري وسيارات قطار تفصيلية. وستلتقط صورة لتنشرها على إنستغرام تحت هاشتاغ #railroadgoals أو شيء من هذا القبيل.
النفق الجديد هو جزء من غوتارد بانوراما اكسبرس الذي استقللته باستخدام جواز مرور القطارات. ونظام جواز المرور شبكة توسعية مدهشة تتألف من أكثر من 35 خط سكك حديدية؛ خطوط دولية عالية السرعة وأخرى إقليمية. وتغطي أكثر من 155 ألف ميل عبر 28 دولة. وكان دائمًا يدهشني السفر عن طريق وسائل النقل الجماعي. وأنا لا أمتلك رخصة قيادة ولذلك فأنا أعتمد على وسائل النقل هذه في حياتي اليومية في مدينة نيويورك. ونظام مترو الأنفاق الخاص بنا وهو جزء بسيط من نطاق جواز مرور القطارات ولكنه محبط بسبب تعطله وتأخيراته الدائمة، ولكن بصراحة، أعتقد أنه من الجدير بالذكر كم مرة في اليوم – أو بالأحرى في الساعة - تسير الأمور دون وقوع حوادث. وأستمتع برحلتي عبر شركة ركاب السكك الحديدية الوطنية تحت الاسم التجاري أمتراك والتي أستطيع من خلالها السفر 226 ميلاً من مانهاتن إلى واشنطن في أقل من 3 ساعات إذ يسافر القطار 150 ميلاً في الساعة. وذلك عندما يعمل. وتتصدر كوارث انحرافات القطار عن السكة الأخبار في بعض الأحيان، وتتكرر حالات التأخير. ولكن من منظوري الرومانسي لأوروبا، فأنا أتصور أن نظام القطار لا مشاكل فيه وجميل مثل المساهمات الأوروبية الأخرى في العالم: أوبرا موزارت ولوحة بائعة الحليب ليوهانس فيرمير وفستان كوكو شانيل الأسود وخبز الباغيت. لذلك لم أتردد لحظة عندما اقترح علي صديقٌ الذهاب في رحلة خلال فصل الربيع لنجوب البلاد عبر السكك الحديدية.



وبدأت رحلتنا في لوسرن، وهي مدينة من العصور الوسطى حيث اللغة الألمانية هي اللغة الأساسية، وتقدم المطاعم الريفية كل ما تتوقعه، وتفهم لماذا لقبت بمدينة الأضواء عندما تقف على أحد الجسور التاريخية المغطاة وتشاهد انعكاس النور قبالة نهر رويس. (وفي حال ارتبكت من التسمية لاحظ الفرق، فباريس هي مدينة النور). ورغم الحفاظ على تفاصيل المدينة القديمة فإنه يمكنك سماع صيحات أوروبا الحديثة. وقد اهتديت إلى كارل كورنر، الذي ينافس وبجدارة أي مزيج كوكتيل في لندن أو سان فرنسيسكو؛ إذ تقدم هذه الحانة مزيجاً من خمر الجين مع بعض المشمش المزين بإكليل الجبل.
وفي اليوم التالي، ذهبت مع صديقي إلى متحف النقل السويسري قبل أن نركب على متن القارب البخاري الذي كان سيأخذنا في رحلة تستغرق ما يقرب من ثلاث ساعات عبر بحيرة لوسيرن وصولاً إلى قطار بانوراما. ومن المعروف أن السويسريين هم حاملو المعايير لمراقبة الوقت، لكن المتحف يلمّح إلى أنهم قدموا أيضًا تطورات غير مسبوقة في كيفية الوصول عبر البر عن طريق المساحة التي نشغلها. وقد تم على سبيل المثال بناء أول قطار عتاد جبلي في أوروبا في جبل ريغي عام 1871.



وانتهت الرحلة في نهاية المطاف في لوغانو، وهي بلدة صغيرة تقع في خليج على بحيرة لوغانو، وتحيط بها الجبال الملحمية سان سالفاتوري وبري. ويتكلم الجميع الإيطالية، وهو أمر منطقي عندما تعرف أنه ظل جزءًا من إيطاليا حتى عام 1803. وأمضيت فترة بعد الظهر أتجول في الشوارع الضيقة المرصوفة بالحصى التي تحاوط ساحة ديلو ريفورما، وهي الساحة الرئيسية في وسط المدينة المخصصة للمشاة فقط.
وتعتبر لوغانو مركزًا ماليًا، لذا توجد جميع المتاجر الفاخرة المألوفة، ولكن هناك الكثير من المحال الأخرى والمخابز الموجودة لتحافظ على سويسرا القديمة. وفي فندق غاباني سالوماريا، تعلّق السلامي الضخمة في المداخل المقوسة بالإضافة إلى اللحوم الأخرى المعلقة من السقف في الداخل. من السهل تصور كيف أن المطعم لم يتغير منذ تأسيسه في 1937. وفي الجوار، تجد شباك الصيادين مغطّاة بمحاذاة خطافات حديدية ضخمة خارج مطعم بيرناسوني غاسترونوميا. وفي الداخل، يعرض المطعم مجموعة مصطادة من السمك المدخن والكافيار. توقفت في مقهى «غراند كافيه» الفخم في بورتو لتناول الكابوتشينو كما يفعل السكان المحليون والسياح، بما في ذلك كلارك غابل، منذ عام 1803. وتتعايش العادات والأماكن القديمة والجديدة مثل الكثير من المدن الأوروبية. وتعود المباني المحيطة بالمربع إلى القرن السابع عشر. وتم بناء كنيسة سان ماري آنجيل الكاثوليكية عام 1499 ورسم على جدرانها الداخلية بيرناردينو لويني وليوناردو دافينشي. وتم افتتاح قاعة حفلات أنيقة على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام عام 2015.



وبعد ظهر اليوم التالي عدنا إلى القطار متوجهين إلى مدينة جنوة الإيطالية. ومع ذلك، كان عبور الحدود إلى إيطاليا أقل دراماتيكية بكثير من السفر عبر جبل. ومررنا بمدن صغيرة تابعة لمدن أكبر. وفي «باليرنا»، جنوب سويسرا، رأيت مجموعة من المباني ذات مصاريع أنيقة ومروج مشذبة وكنائس ذات قبة صغيرة والكثير من مواقف السيارات ومجموعة صاخبة من الأولاد المراهقين ينطلقون لإضافة الحياة للمنظر من نافذة القطار. وتجد في محطة كياسو مباني بلون الباستيل يتوسطها محب للجاز يرتدي قبعة. وعندما أكملنا إلى كومو، جلست بجانبي سيدة أعمال تحمل حقيبة غوتشي وهاتفها الآيفون. وأكمل القطار طريقه على طول الريف حيث رأيت مناظر للأبراج الكهربائية والمداخن الموازية لأبراج الكنائس. كما أظهرت المناظر الأخرى حيث يبدو أن الصناعة تهدد الطبيعة. وفي ميلانو، قمنا بتبديل القطارات لنذهب في رحلة مدتها ساعة و45 دقيقة إلى جنوة، وهي واحدة من أكثر الوجهات إغفالاً في إيطاليا. مع أجواء متروبوليتانية ولكن تحمل الكثير من العصور القديمة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى كاتدرائية سان لورينزو الضخمة منذ القرن الحادي عشر المبنية في وسط المدينة. وهي مدينة ذات تاريخ بحري غني وشوارع ضيقة من العصور الوسطى، وقصر مزخرف يعود إلى القرن السابع عشر ومطاعم ممتازة.
بالإضافة إلى أنها قاعدة منزلية رائعة إذا كنت تستكشف ساحل ليغوريا. وقررنا الذهاب في رحلة إلى سينك تير، وهي مجموعة من خمس مدن جبلية يعيش فيها 4 آلاف شخص وفيها كروم العنب المتراصة وعجائب معمارية بنيت في سفوح التلال الساحلية.



وتحدث مالك تيرا دي بارغون روبرت بونفيليو، الذي يصنع نبيذ سياكيترا - وهو نبيذ العسل الحلو في المنطقة - عن طريقة القدماء في حصاد العنب من الأراضي المتدرجة. وقال: «يتطلب الصعود والنزول معرفة فنية محددة، ولكل عامل وظيفته الخاصة». وبمعنى آخر، لا يمكن التعلم بسهولة. وقال لي: «في السنوات القليلة القادمة، علينا أن نقرر على اقتصادات الحفاظ على التقاليد». وكان يشير جزئيًا إلى عملية التجفيف المكثفة من ناحية الوقت على شبكات ذات الإطار الخشبي المستقر لمدة 30 إلى 40 يومًا، وأشار أيضًا إلى عملية الحصاد الجريئة.

وفي طريق عودتي إلى ميلانو للرجوع إلى بيتي في اليوم التالي، جلست إلى جانب امرأة كبيرة في السن تدعى إيدا وتلبس بدلة صوف بني وربطة عنق حمراء زاهية. وكانت ترتدي خواتم عملاقة. وكانت نتاج عصر كان الناس فيه يرتدون ملابسهم استعدادًا للسفر. ولم تجد إيدا التحدث باللغة الإنجليزية، ولكن قامت امرأة جالسة في المقعد الآخر بترجمة ما كان يقال. وعلمت أن زوج إيدا البالغ من العمر 54 عامًا قد توفي مؤخرًا وأنها ذاهبة لتزور شقيقته في ميلانو. وأرتني صورة جواز سفره وعيناها ممتلئتان بالدموع.
أخرجت إيدا قطعة من الخبز وقدمت لي بعضًا منها. وكان ذلك رائعًا لأنها صنعتها بنفسها وسرعان ما أخذت دفتر ملاحظاتي وكتبت عليه المكونات وطريقة تحضيره بينما كنت أشاهد الريف عن كثب. ثم اقترب رجل يرتدي قبعة مرشد القطار وهو يرن الجرس.
هذه هي البشرية. وهذه هي إيطاليا. وهذا هو القطار.

* ليزا ويستوش: المحررة الأقدم في «بدجت ترافل». تابعوها على «إنستغرام» و«تويتر»
@livingtheproof


font change