ثورة الغاز الصخري الأميركي

ثورة الغاز الصخري الأميركي

[caption id="attachment_55268136" align="aligncenter" width="956"]بورصة نيويورك حيث ينتظر المستثمرين تقارير بشأن الأرباح وأوضاع أسواق النفط (غيتي) بورصة نيويورك حيث ينتظر المستثمرين تقارير بشأن الأرباح وأوضاع أسواق النفط (غيتي)[/caption]

واشنطن: إيمان أمان




• ريك بيري: الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، رغم انسحاب ترمب من اتفاق المناخ.
• تعتبر صادرات الطاقة عنصرًا رئيسيًا على أجندة ترمب في «هيمنة الطاقة».
• الإدارة الأميركية تعارض مشروع خط أنابيب رئيسي جديد لتوصيل إمدادات الغاز الطبيعي الروسية إلى أوروبا عبر ألمانيا.





في تصريح لوزير الطاقة الأميركي ريك بيري، توقع أن تصبح الولايات المتحدة الأميركية مصدرا صافياً للطاقة خلال الأشهر الثمانية عشر القادمة، وذلك تزامنا مع زيادة الإنتاج الأميركي للغاز والنفط الصخري.
إنها فعلا ثورة! مثال على ذلك، فقط قبل بضع سنوات، كان منتجو الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأميركية ينفقون المليارات لبناء منشآت مخصصة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، واليوم يقومون بتصدير الغاز الطبيعي المسال! لقد أعطت ثورة الغاز والنفط الصخرية دفعة هائلة لكل من الاقتصاد المحلي وأمن الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية، وكل ذلك قد حدث خلال عقد من الزمن. وتظهر أحدث بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام والغاز الطبيعي ارتفع بنسبة 49 و80 في المائة على التوالي من عام 2005 حتى عام 2017.
في غضون ذلك، انخفض صافي الواردات من النفط الخام والمنتجات البترولية بنسبة 70 في المائة منذ عام 2005، في حين انخفض صافي واردات الغاز الطبيعي بنسبة 103 في المائة. كانت الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا سنويًا للغاز الطبيعي في العام الماضي لأول مرة منذ 60 عامًا، ويعتقد خبراء متعددون أن الولايات المتحدة سوف تصبح أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول أوائل عام 2020م.
ويرى الخبراء أن انتقال الولايات المتحدة إلى واحدة من أكبر مصدري الغاز في العالم له آثار اقتصادية وبيئية وجيوسياسية مهمة. ومن المتوقع أيضا أن تصبح الولايات المتحدة من المصدرين الكبار للنفط الخام في العالم إلى جانب المملكة العربية السعودية وروسيا.



إدمان أوروبي على الطاقة الروسية




يبدو أن روسيا الاتحادية في حكومة الرئيس فلاديمير بوتين تقف في طريق خطة الرئيس ترمب لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا. والجدير بالذكر أن الغاز الروسي يتدفق عبر شبكة من خطوط الأنابيب القديمة إلى أوروبا، وبالتالي فإنه تكلفته أقل بنسبة 30 في المائة تقريبًا من الغاز المستورد من الولايات المتحدة الأميركية (الذي يجب أن يتم تسييله وشحنه عبر المحيط الأطلسي قبل أن يتم توصيله بالأنابيب إلى وجهته النهائية في أوروبا. وتأمل إدارة ترمب في أن الأوروبيين سيكونون مستعدين لدفع هذه العلاوة بنسبة 30 في المائة من أجل كسر إدمانهم على الطاقة الروسية!! ولكن يبدو أن هذا حلم مستحيل! إن علاقة أوروبا بالغاز الروسي قديمة حتى إبان ذروة الحرب الباردة، وليس لدى الأوروبيين أي خطط للتوقف عن استيراد الغاز الروسي. في الواقع، فإن الانتهاء الوشيك لخط أنابيب «نورد ستريم 2» من روسيا إلى ألمانيا سيجعل أوروبا أكثر اعتمادًا على روسيا وأقل اعتمادًا على أميركا!

[caption id="attachment_55268139" align="alignleft" width="762"]وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري خلال مشاركته في البرنامج التلفزيوني «الرقص مع النجوم» (غيتي) وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري خلال مشاركته في البرنامج التلفزيوني «الرقص مع النجوم» (غيتي)[/caption]

والجدير بالذكر أنه من دون سوق أوروبية، يتعين على الولايات المتحدة الأميركية، كمصدّر للغاز الطبيعي، أن تفكر في التحول إلى أسواق آسيا. وحاليا، تقوم روسيا ببناء خط أنابيب للطاقة يخدم منطقة سيبيريا، إضافة إلى قدرة الخط في توصيل الغاز الطبيعي إلى الصين مباشرة. هذا وتشير الكثير من مصادر الصناعة إلى أن هذا الغاز قد يكون أغلى بنسبة 20 في المائة من الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، ويمكن أن تؤدي الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين إلى تغيير هذه الحقيقة، وذلك من خلال فرض رسوم جمركية على صادرات الغاز الأميركية، بمعنى أن تتسبب الصين في إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأميركي وتعوق الفرص الاقتصادية أمام صادرات الطاقة الأميركية.



الصادرات النفطية قوة اقتصادية




تعتبر سنة 1973م (حظر تصدير النفط العربي)، بداية تغير مسار سياسات الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية، من حيث اعتمادها على الواردات المباشرة من النفط والغاز. ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن ومع كل الإدارات التي تعاقبت في الرئاسة الأميركية، ظل الشغل الشاغل هو كل ما يتعلق بسياسات أمن الطاقة الأميركية، والاستقرار العالمي لأسعار النفط العالمية واستمرار تدفق إمدادات النفط.
منذ تولي حكومة الرئيس ترمب الرئاسة، تبذل حكومته ما في وسعها للتشجيع على التنقيب عن الوقود الأحفوري في الأراضي الفيدرالية والحفر في أعماق البحار. وفي الحقيقة فإن سياسة «استقلال» أو «هيمنة» الطاقة لا تختلف كثيرا، في الوقت الذي سعت فيه إدارة الرئيس ترمب إلى تمييز نفسها عن إدارة الرئيس السابق أوباما وبعث رسائل مختلفة للتأكيد على أهمية ثورة الغاز والنفط الصخري.
وبالنسبة للرئيس ترمب، فإنه يؤمن بأن التصدير وخصوصا للموارد الهيدروكربونية سيجلب فوائد اقتصادية كبيرة لبلاده. ولذلك فإن سياسة الطاقة الأميركية خصوصا فيما يتعلق بشؤون الطاقة، تعتمد على زيادة الصادرات الأميركية وتصحيح سياسات التجارة خصوصا مع الصين. لطالما استخدم ترمب مصطلح «الهيمنة» لوصف منهج حكومته فيما يتعلق بسياسات الطاقة. هذا ويشير السيد «ريك بيري» وزير الطاقة الأميركي، إلى أن تمهيد الطريق نحو هيمنة الطاقة الأميركية، بدأ من خلال تصدير النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. ولذلك فقد وقع الرئيس ترمب أمرا تنفيذيا يقضي بتوسيع عمليات التنقيب عن النفط في المحيط المتجمد الشمالي والأطلنطي، وهذا بالضبط عكس القيود التي فرضت إبان حقبة الرئيس أوباما. هذا ويسعى ترمب لإحياء إنتاج الفحم الحجري بعد سنوات طويلة من القيود التنظيمية. وفعليا بدأت الولايات المتحدة تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الهند والصين والبرازيل وبلدان أخرى في فبراير (شباط) 2016. وقد أرسلت ناقلة أميركية الغاز الطبيعي المسال، أو الغاز الطبيعي المسال، إلى بولندا، أو إيصال الغاز الأميركي إلى شرق أوروبا أو شمالها. إن صادرات النفط والغاز في الولايات المتحدة في ازدياد، وهذا جيد للحالة الجيوسياسية الأميركية، وتساعد صادرات الطاقة الأميركية في تعزيز النفوذ الأميركي وفي نفس الوقت تقليل العجز التجاري الأميركي. وحتى الآن من هذا العام، تجاوزت صادرات الطاقة الأميركية التوقعات، مما يمهد الطريق للتوقع بمستقبل ممتاز للصادرات الأميركية، هذا إلى جانب تحقيق هدف أمن الطاقة تحسبا لأي اضطراب من إمدادات الشرق الأوسط النفطية.



الحروب التجارية ومستقبل سياسة هيمنة الطاقة الأميركية




تشير معظم التغطية الإعلامية لصناعة الطاقة الأميركية إلى أن أميركا أصبحت مصدرًا كبيرًا ومتناميًا للطاقة لبقية العالم، وأن هذا قد خلق نوعًا من «هيمنة الطاقة» الأميركية في مسرح الطاقة العالمي. ومن جهة أخرى، تتأرجح حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، من فرض تعريفات «انتقامية» تضر بالسياسات التجارية بين البلدين؛ فقد فرضت أميركا تعريفة بنسبة 25 في المائة على 34 مليار دولار من البضائع الصينية، وردا على ذلك، رفعت الصين التعريفات الجمركية على المنتجات الأميركية. وقد تعهد المسؤولون الصينيون، الذين كانوا قد اقترحوا في السابق زيادة مشتريات الغاز الطبيعي في محاولة لخفض العجز التجاري الأميركي، بالانتقام من التعريفة المماثلة على صادرات الولايات المتحدة، بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي. ثم صعد الرئيس ترمب الأمور عن طريق اقتراح فرض 500 مليار دولار أخرى على الرسوم الجمركية على السلع الصينية؛ فقد هددت الصين بتعريفة جمركية مقدارها 25 دولارًا على منتجات النفط الخام الأميركية إذا ما نجح ترمب في التهديد بفرض رسوم إضافية على السلع الصينية في سبتمبر (أيلول) القادم. كما تتسبب هذه التوترات التجارية بالتأثير سلبا على الاستثمار وتدفق رأس المال الأجنبي. والجدير بالذكر أنه إذا لم ينجح الطرفان في نزع فتيل هذا النزاع، فقد تؤدي التعريفات الانتقامية في الصين إلى ضرب صناعة الطاقة المزدهرة في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى القضاء على آلاف الوظائف الحالية والمستقبلية في مجال النفط والغاز. ويفتح استهداف الصين للغاز الطبيعي المسال وصادرات النفط الخام في الولايات المتحدة جبهة جديدة في الحرب التجارية بين البلدين، في الوقت الذي يعرب فيه البيت الأبيض عن تفوقه في تنامي قدرة الولايات المتحدة في تصدير الطاقة.
وكانت الصين قد شملت الغاز الطبيعي المسال للمرة الأولى في قائمتها الخاصة بالتعريفات الانتقامية على سلع أميركية بقيمة 60 مليار دولار، وقد يلقي ذلك بظلاله على طموحات الرئيس دونالد ترمب في سياسته المتعلقة بالهيمنة على الطاقة. كما أنه من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2019م.
وفي عام 2017م، بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية 3.3 مليار دولار.
font change