دبي بعد التعافي.. إمارة الاستقرار والأعمال

دبي بعد التعافي.. إمارة الاستقرار والأعمال

[caption id="attachment_55242454" align="aligncenter" width="620"]دبي.. مدينة عالمية للمال والأعمال دبي.. مدينة عالمية للمال والأعمال[/caption]

لا، مطلقاً. ما في دبي هذه الأيام لم يكن حشودا غفيرة مجتمعة لمعارضة حكومة ما، بل تكدّس الجماهير في أكبر مركز تسوّق في العالم.
أثناء عطلات الأعياد الأخيرة، اجتذب "دبي مول" جموعاً هائلة من الناس والسيارات إلى درجة اضطرت معها السلطات إلى إغلاق الطرق ومنع الدخول إلى المركز لأنه، برغم كونه أكبر مركز تجاري في العالم ما عاد يتسع لاستقبال المزيد من المتسوّقين.

سمعت هذه القصة مرات عديدة خلال زيارة أجريتها مؤخراً إلى دبي. وكان بين رواتها سائق سيارة أجرة (تاكسي) جاء إلى دبي من الهند، واستشاري أردني في مجال الإدارة ومدير خدمات مالية أميركي ورجل أعمال سعودي. غالبية الرواة ذكرت امامي أن أكبر عدد من زوار مراكز التسوّق – التي تفتح على مدار 24 ساعة أثناء العطلات - من السعوديين، ولذلك استحق المركز لقباً جديداً هو .. "الرياض مول".
كانت هناك فكرة واحدة كامنة خلف هذه القصة بحسب كل شخص رواها هي: "عودة دبي."

بالتأكيد يستطيع المرء أن بانتعاش دبي وتعافي اقتصادها بعد أزمة العقارات والأزمة المالية التي حلت عامي 2008-2009 وألحقت خسائر كبيرة بالإمارة. بإمكان أي كان أن يشعر بهذا الانتعاش في مراكز التسوّق والفنادق والمطارات وارتفاع أسعار العقارات، وبالطبع، على الطرق. فبالرغم من نظام "المترو" ذي الأداء الجيد، عاد الازدحام المروري إلى دبي من جديد أيضاً، ما يعني الانتظار لفترات طويلة في شارع الشيخ زايد إبان أوقات الذروة الصباحية أو المسائية.

أحياناً يعتبر السكان والمواطنون هذا الازدحام المروري مؤشراً على عودة المدينة إلى نشاطها السابق، إذ قال لي أحد سكان دبي مازحا: "نحن الوحيدون في العالم الذين نحتفي ازدحام المرور لأننا نراه مؤشراً على قوة التعافي."
وحقاً، وصلت نسبة الإشغال في الفنادق إلى معدلات قياسية. فخلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2012، وصلت نسبة الإشغال إلى 93 في المائة، وهي أعلى نسبة في العالم. ونسبت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الارتفاع إلى "اضطرابات الربيع العربي".

يمكن أن يفسّر هذا السبب إلى حد ما حدوث ارتفاع ضئيل، إلا أنه لا يعبر تماماً عن حقيقة الأمر. فواقعياً تتسع قاعدة دبي السياحية لتتجاوز العالم العربي، ومن بين أهم عشر دول توفد ثلاث دول عربية فقط السياح إلى دبي، وهي: المملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عُمان.
راهناً تحتل السعودية والهند والمملكة المتحدة (بريطانيا) وإيران والولايات المتحدة المراكز الخمس الأولى، ولا تتأخر عنها كثيراً ألمانيا وروسيا وباكستان والصين. ولقد أصبحت رحلات العطلات إلى دبي أمرا روتينيا بالنسبة للبريطانيين والروس من الطبقة الوسطى، كذلك باتت عدد الأستراليين والفرنسيين الذين يزورون دبي أكبر من عدد المصريين.

من ناحية أخرى، يمثل السياح الصينيون اليوم قطاعاً سريع النمو في دبي، وخلال عطلة السنة الصينية الجديدة، ارتاد الزوّار الصينيون فنادق دبي الكبرى بأعداد كبيرة، لدرجة أن نسبتهم بلغت 30 في المائة من نزلاء فندق "برج العرب" الفاخر ذي النجوم السبع. وأثناء فترة دخول السنة الصينية يرتفع هذا العدد كثيراً إلى حد دفع أحد العاملين في المجال الفندقي إلى القول أنه بات من الممكن أن نطلق على الفندق مسمى "البرج الصيني" في ذلك الوقت.

أضف إلى ذلك أنه أثناء "النوروز"، أي بداية السنة الإيرانية الجديدة، يتوافد الإيرانيون على دبي بأعداد كبيرة حتى تغص بهم الفنادق. كذلك يسافر المطربون الإيرانيون المقيمون في لوس آنجليس إلى دبي لإقامة الحفلات الغنائية، وفي هذا السياق قال لي أحد الزوّار الإيرانيين مازحاً "دبي أفضل مدينة في إيران". وعلى هذا الكلام أطلقت ضحكة بسيطة لأنني سمعت ما يشبه ذلك من قبل من زائر إيراني كان يحضر العرض الأول لأحد أفلام "بوليوود" – اي صناعة السينما الهندية - عندما قال "دبي أفضل مدينة في الهند."
ولكن جدير بالاهتمام، حقاً، ارتفاع معدلات السياحة الصينية.

حالياً يقيم في الإمارات 300,000 مواطن صيني، وفيها ستة إصدارات باللغة الصينية و"دراغون مارت"، وهو أكبر منفذ للسلع الصينية خارج الصين، ويمكن أن يستمر هذا القطاع من السياح في تغذية صناعة السياحة في دبي لمدة عقود.
ثم أن قاعدة السياحة المتنوعة في دبي تسمح بأن تكون المدينة من بين أعلى عشر مدن تعد وجهات سفر تستقبل الزوار في العالم، ووفقا لمؤشر "ماستركارد" للوجهات العالمية تحتل دبي المركز الثامن عالمياً في ما يتعلق بالزوّار العالميين.

وإذا وضعنا هذا في إطاره، فهو يعني أن دبي تجتذب زواراُ عالميين يفوق عددهم الزوار الذين يقصدون نيويورك أو روما أو شنغهاي أو فرانكفورت أو ميلانو أو برشلونة أو أمستردام أو بكين أو فيينا. وهذا مع الإشارة إلى انه لا توجد مدينة عربية أخرى تحتل مركزاً بين العشرين الأوائل.
لعل هذا ما يفسر - إلى حد ما - احتلال مطار دبي الدولي المركز الثالث بين أكثر مطارات العالم ازدحاماً بالمسافرين الدوليين. ذلك انه تفوق على مطار هونغ كونغ في العام الحالي، ويبدو أنه في طريقه لأن يصبح أكثر المطارات ازدحاماً بحلول عام 2020، متفوقاً على مطار هيثرو في لندن.
إنه لمن المذهل فعلاً السير في مطار دبي إذ يبدو أن العالم بأسره يمر عبر هذه المدينة.




حلم الشيخ راشد




يمكن القول إن صعود دبي الحديث بدأ بحلم ومن ثم بعمل يتعلق بالبنية التحتية. لقد كان حاكم دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يحلم باليوم الذي يعرف فيه العالم بأسره عن دبي وأن يتحدث عن إمارته الحبيبة. كان غالباً ما يعرب عن أمنيته في مجالسه المعتادة في الخمسينيات والستينيات، عندما كانت تجمع شخصيات بارزة من التجار والمسؤولين والخبراء الأجانب المقيمين.
غير أن الشيخ راشد لم يكن حالماً كسولاً، بل رجل قول وفعل. وفي عام 1958 أقدم على خطوة جريئة، عندما قرّر الحصول على قروض هائلة لحفر خور دبي من أجل فتح المجال أمام رسو السفن الأكبر حجما.

كان هناك معارضون ومشككون يقولون إن السفن لن تأتي، وإن القرض ضخم للغاية، وإنه كان لا بد على دبي أن تتحرّك ببطء. دائماً ما كان - ولا يزال – هناك معارضون في دبي، لكن الشيخ راشد أثبت أنه على صواب. وجاءت السفن.
في مشروع حفر الخور، كان الشيخ راشد يضع رهاناً كبيراً على البنية التحتية وعلى التجارة. كان يؤمن بأن دبي، كما كان يحب أن يقول "يجب أن تقود لا أن تقاد".
لم يكن المشروع سهلاً، لكن نجاحه كان هائلاً، كما يقول عبد الله صالح، المصرفي الذي كان معاصرا للشيخ راشد، "كان مشروع الخور عبئاً كبيراً على كل المعنيين. ولكن لدى إتمام العمل، بدا أن دبي حققت قفزة كبيرة متقدّمة على منافسيها بالمعنى التجاري. وكان معدل النمو غير معقول."

وكما جاء في كتاب المؤرخ غرايم ويلسون "تركة راشد"، صرح إدوارد هيث، الذي كان عضواً في البرلمان البريطاني في ذلك الحين وأصبح لاحقاً رئيسا للوزراء، "مرات عدة أثناء هذه الفترة (الخمسينيات)، من جهات متنوعة، مررت بإشارات عابرة إلى دبي وأحياناً أيضاً بهذا الرجل الاستثنائي ذي الرؤية الاستثنائية الذي خاض تحدي إخراج هذه القرية من العصور المظلمة.. وتكوّن لديّ انطباع بأنه يحظى بالاحترام لأسلوب تفكيره وجهوده، ولكن بين المسؤولين البريطانيين كان بعضهم يتصوّر أنه قد يفشل في النهاية، ذلك إنه لن يستطيع تحقيق شيء من دون النفط". ولقد ثبت خطأ هؤلاء المسؤولين البريطانيين. وفي وقت لاحق، أدرك هيث عندما فكّر في مدى خطأ هؤلاء المسؤولين أنهم لم يستوعبوا "قدر الرجل الاستثنائي الذي تعاملنا معه."

بحلول عام 1961، بدأت وسائل الإعلام العالمية تتنبّه إلى الشيخ راشد وإلى دبي. ووصفت الـ"نيويورك تايمز"، في عددها يوم 23 فبراير (شباط) عام 1961 دبي كمكان "ينجح فيه حاكم ذكي بفضل الميناء البحري الأسرع نمواً في الخليج". وبعد ذلك في مايو (أيار) 1961، كتب مراسل صحيفة "لوموند" الفرنسية "في دبي لا يوجد نفط، ولكن يوجد حاكم هو الشيخ راشد آل مكتوم، الرجل الذكي البارع الذي خطّط للتغلب على نقص الموارد الطبيعية وبناء مدينة مزدهرة تطل على الميناء."

ايضاً أعرب الوكيل السياسي البريطاني في عام 1962 عن إعجاب مشابه بحاكم دبي، إذ كتب في تقريره السنوي: "لا يخمد التقدم الملحوظ الذي تحرزه دبي. في دبي التي أصبحت مركزا يتخذ منه آخرون أنماطهم، تخفف تقدّمية الحاكم بفاعلية من أي شكاوى.. لذا يزداد عدد الشركات الأوروبية والعربية التي تفتح ويبدو المستقبل مشرقاً."
اهتمّ الشيخ راشد بأمر مهمّ وكان ملحوظاً حينها، إذ في اعتباره الفكرة الأساسية، وشرع في إطلاق سلسلة من مشاريع البنى التحتية الكبرى، انطلاقاً بناء منصة اتصالات لدبي، ومن الموانئ إلى الأحواض الجافة إلى أول أبنية ضخمة.



لم يكلّ أبداً في سعيه إلى التنمية. وبعد مرور سنة تقريباً على افتتاح ميناء كبير في عام 1971، يُعرف اليوم باسم "ميناء راشد"، أعلن عن أحد أكثر مشاريع البنية التحتية طموحا في العالم ...ألا وهو إنشاء أكبر ميناء بين روتردام وسنغافورة، هو الذي يُعرف اليوم باسم جبل علي.
يومذاك خرج المعارضون مجدداً ليقولوا إنه مشروع لا يمكن تنفيذه، كما إنه يشكل إهداراً للمال، متسائلين ... لماذا يُقدم الشيخ راشد على رهان ضخم كهذا؟ فالسفن لن تأتي.
في عام 1983، جرى تدشين جبل علي وفتح الميناء للعمل التجاري ... وجاءت السفن. واليوم، أصبح الميناء من أكثر مرافئ الحاويات ازدحاماً في العالم.

ماذا كنا سنرى لو زرنا دبي في الخمسينيات، عندما كان الشيخ راشد يخطّط من أجل تنفيذ رؤيته؟ كنا سنرى ميناءً تجارياً إقليمياً متواضعاً، يفضله التجار الهنود والإيرانيون وتجار شرق أفريقيا، يعاني من ضعف البنية التحتية، ويقتات على فواكه البحر.
في تلك الفترة المبكرة، كانت احتياجات دبي أساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق والموانئ والتعليم والرعاية الصحية. ولكن رؤية الشيخ راشد كانت إستراتيجية.

يحمل ابن الشيخ راشد والحاكم الحالي لدبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، روحاً مشابهة من لروح أبيه من حيث الطموح والقيادة. ومن ثم لا بد من إرجاع نجاح دبي إلى ثلاثة عوامل رئيسة: قيادة آل مكتوم، ومجموعة التجار الإماراتيين البارعين، وجماعات المتخصّصين والعمال المغتربين الذين ساعدوا على تنفيذ الحلم.
لقد أصبح حلم الشيخ راشد حقيقة بالتأكيد: والآن العالم بأسره يعرف دبي.



جغرافية دبي الإستراتيجية




اليوم تعتبر دبي من أكثر المناطق اتصالاً وتواصلاً على وجه الأرض. إنها مدينة عالمية من القرن الواحد والعشرين. في كل 90 ثانية تقلع أو تهبط طائرة في دبي، وفي كل دقيقة تصل 100 حاوية في موانئ دبي.
بطريقة ما تقف دبي في قلب العالم. إنها تبتعد عن ربع سكان العالم بمسافة تستغرقها رحلة الطيران في غضون أربع ساعات وعن ثلث البشرية بمسافة ثمانية ساعات بالطائرة. ويجد المسافرون في الرحلات الجوية لمسافات طويلة من أميركا الشمالية إلى آسيا ومن أستراليا إلى أميركا الشمالية مركزاً مريحاً في منتصف الطريق: إنها دبي.

أكثر من هذا، غدا المسافرون من الهند معتادين تماماً على المرور بدبي إلى درجة أنها صاروا يسمونها روتينياً "المطار الوطني للهند". كما يشعر مسؤولو شركة الطيران الهندي الذي تهبط طائراتها المدنية في دبي بشيء من الإحراج عندما يُطلق على شلاكة طيران الإمارات "الطيران الوطني للهند."
في الوقت الراهن تخدم شركة طيران الإمارات أكثر من 215 وجهة سفرها من مقرها الرئيس في دبي. وهي شركة الطيران الوحيدة التي تصل كل مدينة كبرى بمحطة توقف واحدة هي دبي. ولقد خدمت شركة طيران الإمارات أكثر من 3 ملايين مسافر عام 2012، ومن المتوقع أن تخدم أكثر من 56 مليون مسافر بحلول عام 2020، ما يجعلها أكبر شركة طيران مدنية ذات رحلات منتظمة في العالم.

الجدير بالذكر أن طيران الإمارات ما زالت صغيرة نسبياً وفق معايير شركات الطيران العالمية، إذ أسست الشركة عام 1985 مستخدمة طائرتين مستأجرتين من الخطوط الجوية الدولية الباكستانية، لكنها اليوم تمثل رمزاً عالمياً وتعد واحدة من أهم ثلاث شركات للملاحة الجوية في العالم.
وبمعزل عن طيران الإمارات، تشكّل صناعة الملاحة الجوية أهمية كبيرة للاقتصاد الإماراتي، ممثلة 28 في المائة من إجمال الناتج المحلي، وتدعم 250,000 فرصة عمل. وفي ظل الاستثمارات القائمة وارتفاع الطلب، من المقدر أنه بحلول عام 2020، سيساهم مطار دبي الدولي بمبلغ 45.5 مليار دولار في النشاط الاقتصادي، أو 32 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمدينة. ولهذا السبب يطلق على دبي أحياناً لقب "مدينة المطار".

خطة مطار دبي الإستراتيجية تهدف إلى استقبال 90 مليون مسافر بحلول عام 2018 من خلال برنامج استثمارات قيمته 7.8 مليار دولار. ومع تحقيق هذا الهدف، سيصبح مطار دبي الدولي أكبر مطار في العالم في ما يتعلّق بحجم المسافرين الدوليين. ولكن بالرغم من النمو السريع والمذهل الذي حققه مطار دبي الدولي فإن ضغط الطلب ما زال كبيراً لدرجة تستدعي بناء مطار جديد هو "مطار آل مكتوم". هذا المطار الجديد، الذي ستبلغ تكلفته 34 مليار دولار والذي يخطّط له أن يتّسع بعد إنجازه خدمة 165 مليون مسافر، سيحل محل مطار دبي الدولي كمركز ملاحي رئيس.

تبدو هذه الأرقام أقرب إلى الخيال، ويمكن أن تحبس الأنفاس وتثير التساؤلات. لماذا التفكير ببناء مطار جديد تماماً في حين يوجد بالفعل واحد من أكثر المطارات ازدحاماً في العالم؟
من أجل الإجابة على هذا السؤال يجب استيعاب التوزيع السكاني الحالي.



طريق الحرير الجديد




تقف دبي على ملتقى طرق أهم اتجاه جغرافي اقتصادي في العالم: صعود الأسواق الناشئة والدول النامية والتجارة الجنوبية-الجنوبية حول العالم. وفي حين يتساوى هنا ثقل إجمالي الناتج المحلي العالمي بين الغرب والشرق والشمال والجنوب، بدأت ممرات تجارية جديدة ووجهات استثمار جديدة في الظهور. وفي الوقت ذاته، بدأت مصطلحات مثل "الجنوب" و"الشمال" تفقد معناها التقليدي وسط اقتصاد عالمي بالفعل.



ولكن تجدر الإشارة إلى أن بعض المناطق تنمو بوتيرة أسرع من غيرها، وتظهر أفريقيا وآسيا والأميركتان بصفتها المحرّكات المقبلة للنمو في العالم. وفي الوقت ذاته، يمثل "طريق الحرير" الجديد – العلاقات التجارية والدبلوماسية والاقتصادية المتنامية بين الشرق الأوسط وآسيا – محفزاً مرجّحاً للنمو المستدام في آسيا ومشجّعاً للدول الأكثر تعداداً والمستوردة للنفط في العالم العربي. وللعلم، على مدار العقد الماضي، تضاعف حجن التجارة بين الشرق الأوسط وآسيا بنسبة أربعة أضعاف، والمرجح أنها ستستمر في النمو.
هذه التطورات الجغرافية الاقتصادية تشكّل اليوم عالمنا، وتقف دبي في مركزها أو عقدة مواصلاتها، من القاهرة إلى كراتشي، ومن جاكرتا إلى جدة، ومن ريو دي جانيرو إلى الرياض، تلعب دبي دوراً رابطاً رئيساً عبر بناء شبكات تجارية جديدة وربط الشعوب في جميع دول العالم الناشئة والنامية.

ثم أن الهند توشك أن تصبح أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، والمعروف أن هذا النمو يترافق مع نجاح مسيرة تنميتها على مدار العقود الثلاثة الماضية، برغمأنه ما زال أمامها طريق طويل. ومن هنا تعتبر دبي من عدة أوجه جزءاً من قصة تنمية الهند، ذلك انها واحدة من أهم شرايين الهند التجارية إلى العالم. حتى إن عدد رحلات الطيران من الهند إلى دبي يفوق عدد رحلات الطيران من الهند إلى جميع دول العالم مجتمعة، واليوم تصل أكثر من 450 رحلة جوية أسبوعية – 65 رحلة يومياً - بين البلدين. أضف إلى ما تقدّم أن دبي تدعم وتحفز التجارة الهندية، وأن الهند هي أكبر شريك تجاري منفرد لدبي.

ومن جانب إضافي، في أغلب الأحيان يدشّن الفنانون الهنود المعاصرون أحدث معارضهم في دبي حيث حطمت مزادات الأعمال الفنية الهندية جميع الأرقام القياسية. وحتى "بوليوود" صارت تقيم حفل توزيع جوائزها السنوي في دبي، وتختار بانتظام دبي وأبوظبي لإقامة العرض الأول العالمي لأفلامها. وهكذا أصبحت أكبر دولتين من حيث تعداد السكان في العالم شريكتين نشطتين مع دبي في مجالات التجارة والسياحة والاستثمار والفنون.

تتسع "منطقة دبي"، إذاً، لتشمل شبه القارة الهندية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا ودول الكومنولث والشرق الأوسط، وفي الجوار توجد دول مجلس التعاون الخليجي – وجميعها على مسافة قريبة يمكن قطعها بالسيارة أو القطار أو رحلة جوية قصيرة. لذلك من أجل استيعاب نموذج دبي في التجارة والسياحة والخدمات، لا بد من فهم "منطقة دبي". العالم العربي جزء من هذه المنطقة، جزء فقط.



روح الاقتصاد.. التجارة البحرية




من أجل مزيد من الاستيعاب لصعود دبي، يجب أن يزور المرء ميناء جبل علي، أحد أكثر الموانئ البحرية حركة في العالم واحد أهم ما في تركة الشيخ راشد من منجزات. إنه ليس مزاراً للسياح أو المسافرين من رجال الأعمال، بل هو جزء حيوي من قصة دبي.
هذا الجزء قد يكوت الأقل سحراً في قصة دبي، إذ من الصعب مشاهدته ولكن يمكن قياس أثره بالتأكيد. وبما أن أكثر من 90 في المائة من السلع المتداولة في العالم تنقل عبر البحر، تعد الموانئ شرايين التجارة العالمية.




اليوم يحتل ميناء جبل علي في دبي المركز الثامن على قائمة موانئ الحاويات الأكثر ازدحاماً في العالم. وهذا يعني أن ميناء دبي أكثر ازدحاماً من ميناء روتردام، وهو الأكثر ازدحاماً في أوروبا. وهو يعني أيضا أن ميناء دبي يتعامل مع حوالي ضعفي سفن الحاويات التي يتعامل معها أكبر ميناءين في الولايات المتحدة مجتمعين – لوس آنجليس ولونغ بيتش. كما يتعامل ميناء دبي مع سفن حاويات تفوق تلك التي تتعامل معها روسيا وتركيا مجتمعتين.

كنتيجة لموانئ دبي البحرية وبفضل صادرات النفط من أبوظبي، بات لدولة الإمارات أثر تجاري عالمي كبير، أكبر في الواقع مما قد ينمّ عنه حجمها. فلقد كان لدى الإمارات نسبة 1.27 في المائة من إجمالي التجارة العالمية في عام 2011، وفقاً لمصرف (إتش إس بي سي)، وهو رقم يفوق ما تحققه البرازيل أو تركيا أو تايلاند، وهي دول ذات تعداد سكاني أكبر من تعدادها بكثير. ,يرجع أثر الإمارات التجاري الذي يفوق حجمها إلى عقود من بناء البنية التحتية التي تسمح بالتبادل التجاري – بداية من حفر خور دبي إلى إنشاء ميناء جبل علي إلى المطارات الحديثة والخدمات اللوجستية ذات الطراز العالمي.

من الموانئ إلى المطارات، إلى بيئة تنظيمية تسمح بالتبادل التجاري صنفها المنتدى الاقتصادي العالمي في المركز الأول في العالم العربي والمركز 23 على مستوى العالم، قبل الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، أصبحت الإمارات مجهزة للتجارة.
جبل علي، كما سبقت الإشارة، هو اليوم أكبر مرفأ حاويات بين روتردام وسنغافورة. وعندما أنجز العمل فيه 1979، كان جبل علي إلى جانب سور الصين العظيم وسد هوفر الإنجازات الثلاثة الوحيدة التي صنعها الإنسان ويمكن رؤيتها من الفضاء. ولقد سمح موقع الميناء الجغرافي الإستراتيجي، على مسافة 35 كيلومتراً جنوب غربي مدينة دبي، على مقربة من حركة التجارة بين الشرق والغرب، بأن يكون رابطاً بحرياً بين الشرق الأقصى ونصف الكرة الغربي، ويقدم بوابة دخول إلى سوق عالمية يقطنها مليارا نسمة.
كذلك تعمل في جبل علي أكثر من 170 شركة شحن تقدم ما يزيد على 100 خدمة أسبوعياً أمام ما يزيد على 155 طلب دخول الميناء. ويدخل ما يقرب من 12,000 سفينة سنويا إلى الميناء.



دبي.. مدينة مركزية




في كل دقيقة كل يوم يخرج 150 مولوداً إلى الحياة، ما يعني ولادة ما يصل إلى 9,000 إنسان جديد على وجه الأرض كل ساعة، أي 220,000 على مدار اليوم، و80 مليون نسمة سنوياً. في الواقع، في الوقت الذي تستغرقه قراءة هذه الجملة ولد 15 طفلاً جديداً.
يساوي عالم يدخله 80 مليون نسمة سنوياً عالماً نضيف إليه دولة مثل ألمانيا جديدة أو مصر جديدة كل سنة. واليوم يعيش 75 في المائة من سكان العالم في آسيا أو أفريقيا، وستتركّز الغالبية العظمى من هؤلاء المواليد الجدد – 80 مليوناً – الذي يدخلون إلى عالمنا كل سنة من آسيا أو أفريقيا، وهم غالباً من المناطق الفقيرة أو النامية في آسيا وأفريقيا.

قد يزداد عدد سكان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى الضعفين أو ثلاثة أضعاف في غضون السنوات الأربعين المقبلة. وبحلول عام 2030، يتوقع وصول تعداد سكان أفريقيا تقريباً إلى ما يساوي مجموع عدد سكان أميركا الشمالية وأوروبا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، اجتاز العالم تعداد 7 مليارات نسمة. وبحلول عام 2030، سوف نجتاز حاجز 8 مليارات نسمة. وبالتالي، يحتاج العالم إلى "مدن مركزية" وبوابات – تكون مركزا للأشخاص والسلع والخدمات والأفكار. لذا تظهر دبي كـ"مدينة مركزية" عالمية ضرورية غير قابلة للجدل، لا سيما بالنسبة لآسيا وأفريقيا.

هذه "المدن المركزية" مصدر حيوية لمستقبل الاقتصاد العالمي، لأنها تؤدي ما يشبه دور الشريان الذي يحمل الدم من وإلى القلب النابض للتنمية المستدامة. وفي هذا الصدد، تلعب المدن المحورية الحالية – دبي وسنغافورة وهونغ كونغ ولندن ونيويورك – أدواراً كبرى من أجل مستقبلنا جميعاً.
إن العالم بحاجة إلى مراكز وروابط وبوابات ووصلات. من البندقية في القرن التاسع عشر إلى أمستردام في القرن السابع عشر إلى لندن في القرن الثامن عشر وباريس ونيويورك في القرنين التاسع عشر والعشرين، من قوافل "طريق الحرير" إلى روما القديمة، لعبت "المدن المركزية" دوراً حيوياً في التجارة والتنمية والاختلاط الثقافي ونقل الأفكار – في مستقبل البشرية.


[blockquote]


معرض إكسبو الدولي




في عام 2021، ستحتفل دولة الإمارات المتحدة بالذكرى الخمسين لتأسيس الدولة. وفي جزء من الاحتفالات، تقدّمت دبي بعرض من أجل استضافة معرض إكسبو الدولي، الذي واحد من أكثر الأحداث الاستثنائية العالمية.

معارض إكسبو تمثّل أفضل ما في البشرية، وهي تحتفي بالابتكارات والتقدم والتنمية جنباً إلى جنب مع اعتزازها بالثقافة والتراث. وهي تُنظَّم كتجمعات عالمية في إحدى المدن كل خمس سنوات. ولقد أنتج أنتج معرض باريس إكسبو عام 1889 تحفة "برج إيفل"، وقدم شيكاغو إكسبو 1993 إلى العالم جيلا جديدا من الإنجازات العلمية. وأكّد معرض شنغهاي إكسبو في عام 2010 حقيقة صعود الصين.



ولهذا تتنافس الدول على شرف استضافة معارض إكسبو الدولية بالطريقة ذاتها التي تتنافس بها على تنظيم الأولمبياد أو بطولة كأس العالم. غير أن الاختلاف الرئيس يكمن في أن على المدن المتنافشسة إبراز كيف تعتزم أن تقدم ما هو جيد إلى العالم أثناء استضافتها المعرض. ثم أن عملية العروض والترشيحات ورسو الاختيارات على احدها عملية طويلة ومرهقة. أما فكرة دبي الرئيسة – القائمة على تواصل العقول وصنع المستقبل – فتشدّد على قدرة المدينة غير العادية على التواصل العالمي.

لم يُنظَّم أي معرض إكسبو دولي في العالم العربي من قبل. ولذلك يمثل الأمر في حد ذاته إنجازاً للمنطقة. بل أظهر استطلاع رأي للشباب العربي في عام 2012، أجرته "أصداء بيرسون مارستيلر - Asda'a Burson Marsteller، أن الشباب العربي يأملون في تأمين الوظيفة والكرامة الاقتصادية. وأشار الاستطلاع أيضاً إلى أن واحداً من كل ثلاثة شباب عربي اختاروا الإمارات لتكون المكان المثالي للإقامة بها.

إذا فازت دبي بحق استضافة معرض اكسبو الدولي، ستبدأ مراسم الافتتاح في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020. وبالمناسبة في الشهر ذاته قبل 30 سنة، توفي "رجل استثنائي" يتمتع بـ"عقلية استثنائية" اسمه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. لم يكن الشيخ راشد يتخيل إلى أي مدى ستصل إمارته الصغيرة.
[/blockquote]

font change