«التوكتوك» وسيلة انتقال سببت صداعاً في الشارع المصري

أداة لكسب الرزق في ظل البطالة ارتبطت بظواهر اجتماعية وعشوائية وجرائم

وضعت الحكومة سيناريوهات للتعامل مع هذه الظاهرة وطرحت مبادرات للاستغناء عن التوكتوك مقابل توفير سيارات ميني فان كبديل مع تيسيرات بنكية

«التوكتوك» وسيلة انتقال سببت صداعاً في الشارع المصري

226.7ألف توكتوك مرخص في مصر فقط بين ما يزيد على 3 ملايين مركبة
*التوكتوك ارتبط بعمالة الأطفال والتسرب من التعليم والجرائم والعشوائية
*حجم التجاوزات من قائدي التوكتوك لا يذكر، مقارنة بأعداده التي تقدر بالملايين
*الحكومة المصرية تعمل على احتواء هذه الظاهرة من خلال سيارات الميني فان ووضع قواعد للسير
*التوكتوك يستهلك أكثر من نصف المواد البترولية المدعمة رغم عدم خضوعه للضرائب والرسوم الحكومية
*عضو مجلس نواب: وسيلة إعاشة لعدد كبير من الأسر... والدولة حريصة على تقنين وضعه
*قانون المرور الموحد سيضع حداً لكل التجاوزات المرورية من المركبات

القاهرة: اقترن التوكتوك في مصر بالفوضى والعشوائية نظرا لعدم التزام قائدي هذه المركبة الخفيفة التي تسير على ثلاث عجلات بأي قواعد للمرور، حيث غالبا ما تسير عكس الاتجاه، وتزاحم السيارات في الطريق، هذا بالإضافة لارتباطها بالعديد من الجرائم التي شهدها المجتمع المصري مؤخرا من خطف وسرقة واغتصاب بل وقتل أحيانا، وارتبطت كذلك بالعديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة في المجتمع ومن بينها عمالة الأطفال الذين يشاهدون وهم ينطلقون بالتوكتوك يمينا ويسارا بأقصى سرعة مما يعرضهم والركاب معهم للخطر والحوادث المتكررة التي باتت تؤرق المجتمع المصري، وارتبط كذلك بظاهرة تسرب الأطفال من التعليم واستغلالهم من قبل الأهل أو آخرين للعمل عليه بما يعرضهم للخطر، وكذلك صعوبة ملاحقة قائديه نظرا لعدم وجود بيانات خاصة به في وحدات المرور، وأيضا إهداره حصيلة ضريبية كبيرة على الدولة بسبب عدم ترخيصه رغم أنه يستهلك مواد بترولية مدعمة قدرتها شعبة المواد البترولية في اتحاد الغرف التجارية بما يزيد على 55 في المائة من بنزين 80 المدعم.
التوكتوك الذي يؤرخ البعض ظهوره داخل المجتمع المصري منذ عام 2005 قادما من الهند وبعض دول شرق آسيا كان مسؤولا أيضا عن ظاهرة تسرب العمالة من المهن الحرة وذلك بسبب مردوده المادي السهل والسريع حيث بات وسيلة للمواصلات لا غنى عنها خاصة في القرى بالأرياف، وامتد تأثيره ليشمل الأحياء والمناطق الشعبية والمجتمعات العمرانية في المدن الجديدة، وأصبح ليس فقط وسيلة لتنقل الأفراد ولكن أيضا لنقل البضائع الخفيفة من مكان لآخر.
 
ظاهرة اجتماعية
«المجلة» حرصت على إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة في مصر التي ترتبط بجوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضا نظرا لتوحش هذه الظاهرة في المجتمع المصري حيث قدرت بعض الإحصاءات الرسمية تجاوز أعداد التوكتوك في مصر لما يزيد على ثلاثة ملايين مركبة من بينها بحسب إحصائية رسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عام 2019 عدد 226.7 ألف توكتوك مرخص في الهيئة العامة للمرور فقط وهو ما يعد نسبة صغيرة جدا إذا تمت مقارنته بالأعداد الهائلة التي تقدر بالملايين والتي تسير في شوارع مصر.
 
نشاط اقتصادي
وينظر العديد من الخبراء الاقتصاديين للتوكتوك كأحد الأنشطة الاقتصادية في ظل وصول حالات معدل البطالة السنوي إلى حوالي 7.9 في المائة بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن العام الماضي، وهو الأمر الذي ارتفعت وتيرته بشدة عقب جائحة كورونا (كوفيد 19 المستجد) والتي دفعت مئات الملايين إلى حالات البطالة في العالم كله وليس في مصر فقط، ويعرف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر حالات البطالة للأفراد من (15- 64 سنة) الذين يقدرون على العمل ويرغبون فيه ويبحثون عنه ولكنهم لا يجدونه منسوبا إلى قوة العمل في نفس الفئة العمرية.
وتدرك الحكومة المصرية الحالية وضع التوكتوك جيدا ووضعت سيناريوهات للتعامل مع هذه الظاهرة التي تنامت بشكل مقلق حيث طرحت مبادرات للاستغناء عن التوكتوك في مقابل توفير سيارات الميني فان كبديل مع تيسيرات بنكية للراغبين في هذا الأمر، وتم طرح مشروع سيارة الميني فان التي تتسع لعدد 7 ركاب والتي تعد من وسائل النقل التي تسير بالغاز والموفرة للطاقة، وتعد أكثر أمانا وتحضرا من التوكتوك بالإضافة إلى سهولة إخضاعها لقوانين المرور والسير في الشوارع، كذلك قامت وزارة التنمية المحلية بحظر سير التوكتوك في الشوارع الرئيسية بالعاصمة والمدن وقصر تشغيله على المناطق غير المخططة وكذلك السير في إجراءات ترخيصه وأن لا تتم مصادرته، وبدأت الإجراءات الحكومية مع التوكتوك بعد تنامي مشاكله في الشارع منذ عام 2008 عندما أصدرت قرارا بترخيصه بالمادة 7 من قانون المرور بعد تعريف المركبة وتحديد أماكن سيرها ومخالفة سيرها بالطرق السريعة وخارج المحافظات، ومصادرة التوكتوك في حالة سيره دون لوحات معدنية، وهو ما لم يتم التجاوب معه إلا من خلال شريحة قليلة جدا من مستخدمي المركبة مما ظهر أثره على حالة العشوائية والفوضى التي سببها في العديد من المدن.

 

رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي
 


 
خطة حكومية
وطمأن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي أصحاب التوكتوك بتفعيل إجراءات تقنين مركبات خفيفة (ميني فان) بديلا للتوكتوك فيما سيتم تعيين قيمة محددة للتوكتوك يتم خصمها من سعر الميني فان لمن يرغب في استبدال مركبته حرصا على توفير فرص عمل للشباب وسلامة المواطنين في نفس الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتوفير برنامج تمويل للميني فان بأقساط وفائدة ميسرة وذلك بالتعاون مع البنك المركزي المصري، وكان ذلك قبل أكثر من عام في نية ربما لوضع خطة للاستغناء عن التوكتوك خلال ثلاث سنوات واستبداله مثلما تم مع التاكسي القديم الذي حل محله التاكسي الأبيض بإجراءات وتسهيلات بنكية.
الخطة الحكومية بالاستغناء عن التوكتوك يبدو أنها ستجد صعوبة في التنفيذ نظرا لزيادة إعداده بشكل كبير جدا مما سيجعل من موضوع الميني فان حلا مساعدا يقلل من أعداد التوكتوك وفي نفس الوقت يعيد الوجه الحضاري للعاصمة والمدن التي تستخدم هذه المركبة، وأن التوكتوك سيستمر مع وجود الميني فان بمن يرغب في التغيير، وكذلك سيتم وضع آليات في قانون المرور الموحد الخاص بالقواعد المنظمة لسير وتشغيل التوكتوك وترخيصه بما يسمح بالسيطرة على الفوضى التي يسببها في المجتمع خاصة بعد تفاقم تجاوزاته، وذلك حيث أشار بعض المسؤولين في تصريحاتهم إلى الإبقاء على التوكتوك في أماكن معينة نظرا لأنه يعد وسيلة إعاشة بالنسبة للكثير من الأسر والأفراد بعد زيادة معدلات البطالة بعد أزمة كورونا.
انتشار سيارات الميني فان في المدن والقرى خلال الفترة الأخيرة وبصرف النظر عن عملية استخدامها بديلا من قبل ملاك التوكتوك أكد على التوجه إلى استخدام هذه السيارات الصغيرة التي تقع تحت مظلة القانون حيث لا يمكن سيرها دون لوحات معدنية، وكذلك رخص تشغيل، ويؤشر أيضا إلى اتجاه بعض ملاك التوكتوك إلى هذه الوسيلة في العمل وذلك لدرء الأخطار الناجمة عن مصادرة التوكتوك، والعمل وفق مظلة رسمية، خاصة بعد إعطاء الصلاحية لرؤساء الأحياء والمدن لمصادرة التوكتوك في حال خروجه للشوارع الرئيسية، ورغم ذلك شهدت الميني فان انتقادا من البعض خاصة كبار السن وأصحاب الأوزان الكبيرة بسبب صغر حجمها الواضح مقارنة بعدد ركابها البالغ 7 أفراد بالإضافة للسائق مما يجعلهم «محشورين» داخلها مما يسبب لهم إزعاجا شديدا، ورغم ذلك فإن أجرتها المنخفضة تجعل منها وسيلة رخيصة للجميع.
 
انطباعات سيئة
ورغم ارتباط التوكتوك بالعديد من الانطباعات السيئة نظرا لكونه المتهم دائما في حوادث الخطف والاغتصاب والسرقة في العديد من الأماكن النائية أو حتى المكتظة بالسكان، وأيضا بقيام سائقيه بتناول المخدرات والتحرش، والعديد من السلوكيات المشينة داخل المجتمع إلا أن هذه الحالات هي- وبحسب نماذج من قائدي التوكتوك- مجرد سلوكيات فردية يقوم بها أفراد سواء كانوا قائدين للتوكتوك أم لغيره، حيث إن الغالبية العظمي لسائقيه يقومون بإعالة أسرهم والسعي على رزقهم في ظل حالات البطالة الكبيرة في المجتمع، وكذلك اتجاه الكثير من أصحاب الأعمال ممن توقفت مصالحهم للتوكتوك كوسيلة لكسب العيش، حيث يعمل على التوكتوك مختلف الفئات العمرية، ومنهم من يحاولون تحسين مستوى دخولهم، ومن بينهم موظفون في الدولة ومتقاعدون وطلاب، بل وأصحاب شهادات عليا نظرا لما يدره من مكسب يساعد في تحسين مستوى معيشتهم في ظل التضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات، ولكن في الوقت نفسه يؤخذ عليه المبالغة في أجرة الركوب، مقارنة بوسائل النقل الجماعي الأخرى حيث يضطر الكثيرون خاصة ممن يسكنون في أماكن داخلية بعيدة إلى حد ما عن وسائل المواصلات العامة (الأتوبيس والميكروباص والمترو) إلى استخدامه، مما يسبب إرهاقا لميزانية الأسرة المصرية.
واستنكر الكثيرون ممن تم الحديث معهم من سائقي التوكتوك ما يتم تداوله عن تعميم التجاوزات التي تحدث على كل قائدي التوكتوك، حيث إن التجاوزات تحدث من فئة قليلة جدا لا تقارن بحجم العاملين في هذا المجال والذي يقدر بالملايين في كل أنحاء وربوع مصر.
وينتشر التوكتوك في دول متعددة بالمنطقة العربية ومن بينها مصر والعراق والسودان، وينتشر بكثافة في الدول الآسيوية ومن بينها الهند والصين وإندونيسيا، وبنغلاديش وتايلاند وغيرها، وهو نموذج لما يسمى «الركشة» الهندية وهو عبارة عن مركبة لها ثلاث عجلات ومفتوحة تستخدم لنقل الأفراد ويجلس السائق في المقدمة ممسكا بالمقود الذي يشبه مقود الدراجة، ويرى البعض أن التوكتوك هو تطور للمركبة اليابانية التاريخية التي تسمى «ريكاشة» التي كانت تتكون من عجلتين وتجر بواسطة سائق، وتم تطويرها لتصبح التوكتوك الميكانيكي الحالي من قبل شركة هندية في ثمانينات القرن الماضي وانتقلت إلى الدول العربية لاحقا.
ويعتبر التوكتوك من وسائل النقل غير الآمنة بسبب صعوبة اتزانه وعدم تحصينه لمن يركبه في حال اصطدمت به مركبة أخرى على الطريق مما يعرض حياة ركابه للخطر، ورغم ذلك استجاب دول كثيرة للأمر الواقع بعد انتشاره فيها بشكل كبير حيث قدرت أعداده بالملايين، وقاموا بوضع أطر قانونية لتسييره وترخيصه لينضم للمركبات الأخرى، ورغم ذلك يؤخذ عليه الكثير من الملاحظات والسلبيات.

 

التوكتوك في مصر أداة لكسب الرزق لفئات كثيرة في المجتمع بينهم متقاعدون وموظفون وطلاب وأصحاب أعمال وحرفيون
 


 
إجراءات تقنين
عضو مجلس النواب في مصر اللواء أحمد حسين الخشب، قال لـ«المجلة»: الدولة المصرية حريصة على تقنين وضع مركبة التوكتوك في أقرب وقت ممكن، حيث تدرك الدولة أن هناك كثيرين يستفيدون من العمل من خلال التوكتوك كوسيلة لإعاشة عدد كبير جدا من الأسر، ولذلك تحرص الدولة على وضع الجانب الاجتماعي في الاعتبار لملايين المواطنين مما تدره عليهم في كسب رزقهم، وما يمثل لهم ذلك من وسيلة للإعاشة.
وتابع الخشب: «الدولة حريصة على وضع الصبغة القانونية على جميع وسائل النقل الخفيف المستحدثة في المجتمع، ومن بينها التوكتوك الذي أصبح وسيلة مواصلات وتنقل لا غنى عنها في العديد من الأماكن وبخاصة القرى والأماكن الشعبية وغيرها.
وعن اتخاذ إجراءات لذلك التقنين، قال اللواء أحمد حسين الخشب: هناك إجراءات جارية بالفعل في ذلك الإطار، وسيتم الإعلان عنها بعد الانتهاء من وضع الإطار القانوني لها حيث تحرص الحكومة على الصالح العام فيما يخص المواطنين، ووضع الأمور في نصابها فيما يتعلق بوسائل النقل الخفيف ومن بينها التوكتوك، وكذلك فإن الظروف مهيأة لترتيب الأوضاع فيما يتعلق بهذه الأمور.
وحول مقترح استبدال التوكتوك بسيارات الميني فان الذي أثير مؤخراً، أضاف: «السيارات الميني فان موجودة، ومن الممكن أن يتم ذلك في بعض المناطق على أن يستمر التوكتوك أيضا في مناطق معينة من خلال عملية التقنين التي ستقوم بها الدولة بما يتماشى مع تحقيق الصالح العام للجميع».

font change