
بداية -ودون دخول في التفاصيل- لا بد من الإشارة إلى أن معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية التي شهدت حراكًا سياسيًّا كان سالبًا في عام 2012، ويتوقع أن يستمر سالبًا هذا العام (2013) . كما أن هذه الدول شهدت انخفاضًا في الصادرات، ومن ثم تدهورًا في حساباتها الجارية، إضافة إلى الانخفاض في الاستثمارات الوطنية والأجنبية وارتفاع في الأسعار .
أما دول مجلس التعاون فقد استطاعت أن تتجنب الانعطافات الحادة في المطالب السياسية بسبب مرونة أنظمتها، ولمستها الناعمة، وانفتاحها على هذه المطالبات، بل واستباقها لها أحيانًا، والمحاولات الجادة لتلبية الاحتياجات المادية والخدمية للمواطنين. وقد ساهم توفر الموارد المالية في تمكين هذه الدول من تلبية تلك الاحتياجات، إضافة إلى عدم النجاح السريع للدول التي شهدت الحراك السياسي العنيف في تحقيق الأمن والمطالب الاقتصادية والمادية والوظيفية الملحة لمواطنيها. لذا نسمع في مجلس التعاون أقل الأصوات التي تتحدى شرعية أنظمتها السياسية (ما عدا حالات معزولة).
سأحاول في هذا البحث تسليط الضوء على أية تأثيرات لهذا الحراك السياسي في المنطقة على المؤشرات الاقتصادية، مع الإشارة إلى التأثيرات الاقتصادية والمالية المباشرة، والتطرق لواقع التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول الخليج، ودول الربيع العربي، ثم أختتم بعدد من الاستنتاجات والتوصيات.
المؤشرات الاقتصادية
1 – النمو الاقتصادي:
سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال 7 سنوات (2000-2006) نموًا كان متوسطه 5.7 في المائة واستمر بنفس المعدل تقريبًا خلال الفترة (2007-2010) ( فيما عدا 2009 التي سجلت نموًا سالبًا نسبته 0.2- في المائة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية). وتشير الأرقام إلى أن معدل النمو هذا شهد قفزة كبيرة في عام 2011 (وهي السنة الأولى للحراك السياسي)، ثم عاد إلى نفس المتوسط السابق في عام 2012. ويتوقع أن يكون أقل من ذلك في عام 2013 بفعل توقعات انخفاض الطلب على البترول، ومن ثم أسعاره. وهذا يقود إلى الاستنتاج أن السوق البترولية هي العامل الحاسم في التأثير على معدلات النمو الاقتصادي، وليس الحراك السياسي الذي شهدته وتشهده المنطقة (على الأقل في الأمدين القصير والمتوسط).
وهذا الاستنتاج ينطبق على جميع دول المجلس عدا البحرين الذي انخفض معدل النمو الاقتصادي فيها إلى النصف تقريبًا (خلال سنوات الحراك السياسي2011-2013).
2 – التضخم:
يقدر صندوق النقد الدولي متوسط ارتفاع أسعار المستهلك خلال الفترة (2000-2006) في حدود 1.6 في المائة، ثم قفز في السنتين التاليتين قفزات كبيرة بفعل ارتفاع أسعار المواد الأولية، بما في ذلك المحاصيل الزراعية. إلا أنه انخفض إلى معدلات مقبولة ليصل إلى متوسط 3.1 في المائة خلال السنتين التاليتين (2009-2010) ليستمر على نفس المعدل خلال الثلاث سنوات المصاحبة للحراك السياسي. ويتوقع الصندوق أن يستمر هذا المعدل المقبول لسنوات قادمة رغم زيادة الاحتياطيات النقدية لهذه الدول، وزيادة المصروفات الحكومية، والارتفاع في عرض النقود وفي القروض البنكية.
وعليه يمكن الاستنتاج أن تأثير الحراك السياسي على معدلات التضخم في دول مجلس التعاون كان محدودًا. وقد كانت مملكة البحرين رائدة بين دول المجلس في كبح جماح التضخم، خصوصًا في السنوات المصاحبة للحراك السياسي.
3 – المالية العامة:
بلغ متوسط الفائض في الميزانية من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة (2000-2006) ما نسبته 7.4 في المائة ثم قفز إلى ضعف هذه النسبة تقريبًا في السنتين التاليتين (2007-2008). إلا أنه أصبح سالبًا في السنة الثالثة (2009) بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية وانعكاساتها على السوق البترولية. كما انخفض هذا الفائض في السنة الرابعة (2010) إلى ما نسبته (2.5 في المائة) إلا أنه قفز إلى قرابة 6 في المائة في سنوات الحراك السياسي (2011-2013) رغم المصروفات الكبيرة التي التزمت بها دول المجلس تجاه شعوبها، وتجاه الدول الشقيقة، مما يدل على أن الحراك السياسي في المنطقة لم يكن له تأثير سلبي يذكر على المالية العامة فيما عدا مملكة البحرين التي عانت من عجز في الميزانية خلال الخمس سنوات الأخيرة وصلت النسبة العليا إلى (7- في المائة) (2010)، والدنيا (2.4- في المائة) (2011).
ومرة أخرى كان البترول هو العامل الحاسم في التأثير على المالية العامة، وليس الحراك السياسي في المنطقة. وذلك دون أن ننسى أن المصاريف الأخيرة التي التزمت بها دول المجلس خلال السنتين الأخيرتين لن يظهر تأثيرها الكامل إلا في سنوات لاحقة.
4 – رصيد الحساب الجاري:
بلغ متوسط رصيد الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول المجلس خلال الفترة (2000-2006) 5.4 في المائة. ثم قفز قفزات كبيره خلال السنتين التاليتين (2007-2008). إلا أنه انخفض انخفاضًا حادًّا في عام 2009 بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية وتأثيرها السلبي على السوق البترولية. ثم استأنف الصعود الصحي خلال الأربع سنوات التالية (2010-2013) بفعل التحسن الذي طرأ على السوق البترولية، مما يعني أن الحراك السياسي في المنطقة لم يكن له تأثير يذكر على ميزان المدفوعات لجميع دول المجلس دون استثناء.
مما ذكر أعلاه يمكن الاستنتاج أن الحراك السياسي في المنطقة لم يكن له تأثير سلبي يذكر على اقتصاديات دول المجلس، وأن العامل الأكثر تأثيرًا هو التغيرات في السوق البترولية. وهذا يدل على ضعف الارتباط بين اقتصادات دول المجلس، والدول العربية التي شهدت حراكًا سياسيًّا. إلا أن ذلك لا ينطبق على العلاقات الاقتصادية لهذه الدول بدول المجلس. فقد أظهرت أرقام صندوق النقد الدولي أن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس بنسبة 1 في المائة سيؤدي إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول العربية المجاورة بنسبة 0.55 في المائة، ولبقية الدول العربية بنسبة 0.2 في المائة. ويتم ذلك عن طريق التجارة، والتحويلات والاستثمارات، والتأثيرات السعرية.
وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية لبقية الدول العربية تتأثر إلى حد كبير بأية تطورات اقتصادية بدول المجلس وليس العكس. وإذا أردنا توسيع دائرة التحليل فإن هذا الاستنتاج يدل على أن أمام التعاون الاقتصادي العربي -الذي بدأ قبل أكثر من ستين عامًا- طريقًا طويلاً للوصول إلى التكامل والاعتماد المتبادل.

التأثيرات المباشرة على دول الخليج
يمكن النظر إلى التأثيرات المباشرة من ثلاث زوايا :
1- المصروفات المباشرة التي أملت على دول المجلس الالتزام بها كنتيجة للحراك السياسي في المنطقة، ولتقليل احتمال انتقاله إلى دول المجلس، ومثال ذلك زيادة مرتبات الموظفين، وتقديم امتيازات أخرى للمواطنين كتعويضات بدل بطالة، وتوفير المزيد من المساكن والفصول الدراسية والجامعات والمستشفيات...إلخ. يضاف إلى ذلك المبالغ التي التزمت بها دول المجلس لبعض أعضائه، ولعدد من الدول العربية الشقيقة، إما مباشرة أو تلبية لجهود دولية.
إضافة إلى هذه الالتزامات المالية سواء كانت ضمن الميزانية أو خارجها فإن هناك تبعات اقتصادية سلبية أخرى مباشرة على دول المجلس نتيجة لهذا الحراك السياسي منها:
أ- ستؤجل الحكومات إعادة النظر في الأسعار المحلية للطاقة من بترول وغاز وكهرباء، وأسعار الخدمات الأخرى المعانة مثل المياه، وأسعار تذاكر السفر مما سيزيد معدلات استهلاكها واستمرار التشوهات السعرية الحالية.
ب - تأجيل أي توجه نحو التخصيص مما سيؤخر أي جهود لتحسين الإدارة وكفاءة الأداء لبعض الخدمات والمرافق الاقتصادية، ويحرم خزينة الدولة من أية مداخيل إضافية نتيجة التخصص. هذا في الوقت الذي تحتاج الدول إلى مزيد من الاستثمار بما في ذلك الاستثمار الموجه لزيادة الطاقة الإنتاجية من البترول والغاز وتطوير وصيانة الحقول المنتجة.
2- الخسائر التي تتكبدها الاستثمارات الخليجية العامة والخاصة داخل الدول التي شهدت حراكًا سياسيًّا إضافة إلى ما طال الأسواق المالية بدول المجلس والاستثمارات العربية البينية من اهتزازات أقله في الأمد القصير. في نفس الوقت يتوقع أن يتجه بعض المستثمرين من دول الحراك السياسي وغيرهم من الدول الأخرى إلى الاستثمار بدول مجلس التعاون عوضًا عن وجهاتها الأصلية.
3 - لا شك أن هذا الحراك السياسي وما خلقه من عدم استقرار في المنطقة أدى إلى ارتفاع الأسعار البترولية، وزاد بالتالي المداخيل النقدية لدول المجلس. إلا أن ذلك حدث في وقت يشهد فيه العالم انحسارًا اقتصاديًّا بفعل أزمة الديون السيادية، واهتزاز النظام البنكي مما فاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. من جهة أخرى فإن المصاريف الإضافية التي التزمت بها دول المجلس داخليًّا وخارجيًّا نتيجة لهذا الحراك ستجعلها أقل مرونة في التعامل مع الأسعار المستهدفة للبترول بسبب هذه الأزمات مما سيؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي العالمي، ومن ثم على الطلب المستقبلي للبترول، ويقلل بالتالي المداخيل المستقبلية لدول الخليج. كما أن ذلك سيجعل في نفس الوقت الوقود الصخري أكثر جاذبية وقدرة على المنافسة كما نشاهد هذه الأيام خصوصًا في مجال الغاز.
التعاون الاقتصادي بين دول الخليج ودول الربيع العربي
أولاً دعونا نستعرض بالأرقام الواقع الاقتصادي لدول الربيع العربي قبل وبعد أحداث الاحتجاجات والانتفاضات، فقد انخفض معدل النمو الاقتصادي من 4.2 في المائة في عام 2010 إلى 2.2 في المائة في عام 2011 بفعل الحراك السياسي، وعلى مستوى الدول التي شهدت ثورات واضطرابات كان معدل الانخفاض في عام 2011 من متوسط العشر سنوات ( 2000- 2010) في مصر -3.1 في المائة وفي تونس -4 في المائة وفي اليمن 10.7- في المائة على سبيل المثال . كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2011 بنسبة 100 في المائة في مصر، 24 في المائة في تونس، 43 في المائة في سوريا . وانخفضت السياحة في نفس العام بنسبة 33 في المائة في مصر، 31 في المائة في تونس، 28 في المائة في اليمن . كما انخفض سعر صرف عملات الدول التي شهدت حراكًا سياسيًّا نشطًا بنسب عالية. في ظل تلك الانخفاضات لا شك أن العائد على الاستثمارات عمومًا بما فيها الاستثمارات الأجنبية في هذه الدول قد تعرضت هي الأخرى للانخفاض، وبالتالي فإن المتوقع أن قيمة هذه الاستثمارات الخليجية قد انخفضت. كما تعرضت بعض الاستثمارات الخليجية في هذه الدول لملاحقات قضائية، إلا أن الحكومات الجديدة تداركت الموضوع بمحاولات جادة لاحتواء الضرر.
لكن في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة فورة الحراك السياسي يمر العالم خصوصًا أوروبا والولايات المتحدة بأزمة مالية أدت إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة نسب البطالة في تلك الدول مما أثر سلبًا على أوضاع بنوكها، وعلى ربحية المشاريع الاستثمارية فيها. في هذه الأجواء اعتقد عدد من المستثمرين الخليجيين أن الحراك السياسي في هذه الدول يمكن أن يشكِّل فرصة استثمارية يجب استغلالها، إلا أن استمرار تردي الأوضاع السياسية والأمنية خيَّب أمل هؤلاء المستثمرين. من جهة ثالثة، لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي في أوروبا عمدت الدول الأوروبية إلى مصادرة بعض ودائع البنوك في قبرص، وفرض ضرائب جديدة في الدول الأوروبية التي لجأت إلى برنامج الدعم الأوروبي، مما قلل جاذبية السوق الأوروبية أمام الاستثمارات الأجنبية، ومنها الخليجية.
إن ذلك يشكل فرصة مناسبة لدول الحراك السياسي العربية لجذب الاستثمارات من دول الخليج، وذلك عن طريق ضبط الوضع الأمني، وسن القوانين، وإنشاء المؤسسات التي تشجع وتحمي هذه الاستثمارات. فأوضاع السيولة في دول مجلس التعاون والتعقيدات الجديدة أمام الاستثمارات الأجنبية في دول الاستثمار التقليدية، خصوصًا في أوروبا، تشكل فرصة سانحة أمام دول الحراك السياسي العربية ينبغي استغلالها.
عمليًّا دول مجلس التعاون هي التي تقود العمل الاقتصادي العربي منذ الحرب العراقية الإيرانية. وقد تعزز هذا الدور بعد الحراك السياسي الأخير؛ نظرًا لما تواجهه دول الحراك السياسي من تحديات اقتصادية وحاجتها إلى الدعم المادي من مختلف المصادر بما في ذلك دول المجلس. يكفي أن نستعرض قرارات القمة الاقتصادية العربية الأخيرة في الرياض، لندرك ما أقصد. لكن القيادة مسؤولية أكثر من شيء آخر، وأعتقد أن دول المجلس تدرك ذلك. فهي التي مولت واحتضنت وشجعت مؤسسات العمل الاقتصادي العربي من شركات وصناديق ومؤسسات تمويل واستثمار، ثم تسنمت قياداتها. وهي التي بادرت بمراجعة الاتفاقيات الاقتصادية، واقتراح اتفاقيات جديدة في مجالات تشجيع وحماية الاستثمار ومنطقة التجارة الحرة... الخ. كما أنشأت صناديق وطنية لتمويل مشاريع وبرامج التنمية في بقية الدول العربية.
لكن في الوقت الذي تساهم دول المجلس في المساعدة على مواجهة التحديات الاقتصادية في الدول التي واجهت حراكًا سياسيًّا نشطًا، لا أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك ترتيبات خاصة مشتركة تقتصر على هذه الدول ودول المجلس؛ لأن ذلك سيؤثر سلبًا على مجمل مسيرة التعاون الاقتصادي العربي. الطريق الأسلم -في رأيي- هو الاستفادة من الزخم السياسي الذي تمر به المنطقة لدفع العمل الاقتصادي العربي قدمًا عن طريق تطوير المؤسسات التي ستزداد رؤوس أموالها وفقًا لقرارات قمة الرياض وتجديد قياداتها، وتسريع الوصول إلى منطقة التجارة الحرة العربية التي تأخرت كثيرًا، والانتقال تدريجيًّا إلى الاتحاد الجمركي، واستكمال ربط الطرق وخطوط القطارات، والخطوط البحرية، والشبكات الكهربائية، والاتصالات، وخطوط نقل الوقود.
[caption id="attachment_55245340" align="alignleft" width="300"]

الاستنتاجات والتوصيات
1 – يجب أن يشجع الحراك السياسي الحالي في المنطقة دول المجلس على الاستمرار في برامجها للإصلاح السياسي. فقد استطاعت سلطنة عمان -على سبيل المثال- أن تثبيت عدم حتمية مقولة "صمويل هننجستون" الذي أسماها "معضلة الملك"، والمتمثلة في أن أي إصلاح سيمهد الطريق للمطالبة بمزيد من التغيير مما سيؤدي في النهاية إلى مصير مجهول للملك المصلح، فقد ساد الاستقرار والوئام عندما نفذت السلطنة إصلاحات سياسية حقيقية. كما يجب أن لا يثني هذا الحراك دول المجلس عن المراجعة المستمرة لسياساتها الاقتصادية بهدف تحسينها وجعلها أكثر ملاءمة للمواطنين، مع تحقيق أفضل الأداء. فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من يستفيد من الأسعار المشوهة الحالية للطاقة والخدمات الأخرى المعانة هم ذوو الدخول العالية. لذا ينبغي مراجعة سياسات الدعم الحالية بما في ذلك أسعار المحروقات والكهرباء والخدمات المدعومة الأخرى، مع توجيه أي فائض ينتج عن هذه المراجعة إلى الفئات المحتاجة من المواطنين مباشرة. كما ينبغي أن لا يثني هذا الحراك دول المجلس عن المضي قدمًا في عمليات التخصيص المخطط لها.
2 – رغم الاحتياجات الآنية الملحة في دول الحراك السياسي فإن القطاع الخاص المحلي والدولي يبدو أنه غير مستعد للدخول في استثمارات جديدة في هذه الدول حتى ينجلي الموقف وتحدد الأولويات بإجماع القوى السياسية، وتتضح السياسات التي تضعها حكومات منتخبة.
لذا فإن قيادة الاقتصاد في هذه الدول ستعتمد على حكوماتها الانتقالية الحالية. وهذه الحكومات ستحتاج بدورها إلى مصادر تمويل إقليمية ودولية تقدر ما بين 50 إلى 100 بليون دولار سنويًا.
لذلك فإن دول المجلس سوف تتعرض لضغوط كبيرة ومن مختلف الجهات لتغطية جزء من هذه الاحتياجات دون وضوح في الرؤية حول مدى قدرة اقتصادات هذه الدول على التحسن، ومن ثم عدم تحديد فتره زمنية لاستمرار هذه الالتزامات.
لذا أقترح أن يتم صرف غالبية المساعدات التي ستلتزم بها دول المجلس تجاه الدول العربية عن طريق مؤسسات التمويل العربية والدولية، بما في ذلك أية محاولات لتحريك القطاع الخاص بمساعدة الشركات العربية المشتركة، بعد أن أقرَّت القمة الاقتصادية العربية الثالثة في الرياض زيادة رؤوس أموال هذه المؤسسات بنسبة 50 في المائة . ولا بد أن يسبق ذلك إعادة النظر في طرق إدارة مؤسسات التمويل، وكذلك الشركات المشتركة ووضع خطط عملية لانطلاقها من جديد.
3 – أثبتت التجارب السابقة أن الدول المنتجة للطاقة التي شهدت اضطرابات أمنية وسياسية قد أخذت وقتًا طويلاً للوصول إلى مستويات من الإنتاج تقارب المستويات التي سبقت تلك الاضطرابات كما في حالتي إيران والعراق. لذا فإن التزام دول المجلس تجاه الاقتصاد العالمي يقتضي توفير ما تحتاجه السوق من البترول والغاز. وهذا يتطلب الاستمرار بالاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة في كل الأحوال مما يشكل أعباء مالية جديدة على دول المجلس للاستمرار بزيادة طاقاتها الإنتاجية، وزيادة تكاليف صيانة الحقول ومنشآت النقل وخطوط الإنتاج والتخزين والمنصات والمواني ومعامل التكرير. هذا في الوقت الذي لا توجد أية جهة تضمن وصول مستويات الطلب على البترول والغاز إلى حدود تمكن الدول المنتجة من استرداد استثماراتها في هذه التجهيزات، نظرًا للنمو المتوقع لإنتاج البترول والغاز من مصادر جديدة.
لذا فإن دول المجلس مدعوة لأخذ ذلك بعين الاعتبار عند تقدير احتياجاتها من السيولة في كل الحالات، بما في ذلك السنوات التي قد تتعرض فيها السوق البترولية لتباطؤ في الطلب، ومن ثم انخفاض الأسعار .