ماذا بعد حادثة الناقلة «إيفر غيفن» في قناة السويس؟

مخاوف من مشاريع ممرات مائية بديلة

ماذا بعد حادثة الناقلة «إيفر غيفن» في قناة السويس؟

اجتذب مأزق جنوح سفينة «إيفر غيفن» (Ever Given) في الجزء الجنوبي للممر الملاحي لقناة السويس أنظار وسائل الإعلام العالمية، كاشفا الأهمية الاستراتيجية للقناة في تسيير حركة التجارة العالمية، لا سيما وقوعها على طريق التجارة الدولية وكونها الطريق الأقصر لحركة التجارة الدولية بين الشرق والغرب وحلقة الوصل بين سلاسل الإمداد العالمية، حيث يمر بقناة السويس حوالي 12 في المائة من حجم التجارة العالمية و30 في المائة من حركة نقل الحاويات في العالم.

ورغم انتهاء الأزمة التي دامت ستة أيام، والتي علقت فيها سفينة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن» في قناة السويس، وأدت إلى تعطيل شريان الملاحة البحرية الأكثر أهمية دوليا، فإن تداعيات الحادث تفرض نفسها الآن، لإستيعاب الدروس التي أفرزتها الأزمة، سواء على الصعيد المصري الداخلي أو على الصعيد الدولي.

السفن العالقة عند طرف القناة بانتظار تحرّك الناقلة «إيفر غيفن» (متداول)

الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس

محليا، تمثل قناة السويس أهمية كبيرة للاقتصاد المصري، إذ تساهم بنحو 5-6 مليارات دولار أميركي في المتوسط من حصيلة موارد النقد الأجنبي، كما يعول عليها الاقتصاد المصري في أن تكون مركزا لجذب الصناعات وتنمية محور قناة السويس وخلق الكثير من فرص العمل والتطلع لزيادة إيرادات المرور من القناة لنحو 13 مليار دولار بحلول 2030.

وحققت قناة السويس عائدات قياسية بلغت نحو 5.8 مليار دولار في العام المالي 2019/ 2020، غير أن الظروف غير المواتية للاقتصاد العالمي بسبب جائحة فيروس كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، لا سيما تراجع حركة التجارة العالمية بنحو 10 في المائة، علاوة على انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 4.4 في المائة، تراجعت معها إيرادات قناة السويس لنحو 5.61 مليار دولار في عام 2020، ورغم ذلك فإنه يعد ثالث أعلى إيراد سنوي على مدى تاريخ القناة.

وبينما أثبتت الأزمة التي عطلت جزءا كبيرا من حركة التجارة العالمية على مدار أيام، مدى أهمية قناة السويس لنقل التجارة الدولية، التي تقدر بنحو 12 في المائة منها، فإنها فتحت الباب مجددا، لاحتمالات إقامة مشاريع منافسة وبديلة لقناة السويس، من قبل عدة أطراف إقليمية ودولية، كما أصبحت أيضا أمام مراجعات من قبل الإدارة المصرية في الداخل، حول ضرورة توفير تقنيات متقدمة، ومعدات أكثر تطورا في قطاعات القطر والشحن والتفريغ، هذا بجانب الدرس الأهم الذي تحدث عنه كثيرون، والمتعلق بضرورة التزام أسلوب إداري أكثر نجاعة وشفافية، في إدارة الأزمات.

 

على المستوى المحلي

وفي حديث للفريق مهاب مميش، الرئيس السابق لهيئة قناة السويس، عن الدروس المستفادة، من أزمة جنوح السفينة «إيفر غيفن» في المجرى الملاحي للقناة، قال مميش في تصريحات له أثناء تعطل قناة السويس، إن «الأزمة أوضحت أننا نحتاج إلى أوناش كبيرة وحديثة، تستطيع أن ترفع الحاويات الكبرى، على السفن الضخمة وهي أوناش لا تمتلكها هيئة قناة السويس حاليا».

وأضاف مميش في حديثه: «نحتاج أيضا لقاطرات أقوى من التي نمتلكها حاليا، لأن أحجام السفن أصبحت عملاقة، وهناك تحديث دائم في بناء السفن؛ يجب أن تقوم الهيئة بتحديث أسطول الإنقاذ لديها».

ورغم الحديث عن أن الإجراءات التي اتبعتها إدارة القناة، في عملية تعويم السفينة الجانحة، كان صحيحا، إلا أنه كان من الواضح، عدم توافر قاطرات ذات قدرات عالية في القطر لدى القناة، وهو ما انعكست نتيجته في عدم التمكن من تحريك السفينة، الأمر الذي نجحت فيه شركة «سميت سالفدج» الهولندية للإنقاذ البحري.

 حققت قناة السويس عائدات قياسية بلغت نحو 5.8 مليار دولار في العام المالي 2019/ 2020

وبعيدا عن الحاجة إلى وسائل ومعدات أكثر تطورا، كدرس من دروس الأزمة، فإن الحديث دار عن درس آخر، يتعلق بأساليب الإدارة، وقد أخذ بعض المنتقدين على إدارة القناة، تأخرها في الإعلان عن تطورات ما يحدث، داعين إلى ضرورة أن تتعامل الإدارة في مصر مع قناة السويس، كممر وشريان ملاحي وتجاري عالمي وبأسلوب إداري يختلف عن أسلوب تعاملها مع القضايا الداخلية.

ويعتبر المنتنقدون لأسلوب إدارة هيئة قناة السويس للأزمة الأخيرة، أنه من غير المعقول أن يعقد رئيس هيئة القناة، أول مؤتمر صحافي له عن الأزمة، بعد خمسة أيام من جنوح السفينة، في وقت كانت فيه وسائل الإعلام العالمية، مليئة بالأخبار والتحليلات، عن انسداد القناة بفعل جنوح السفينة، وتأثير ذلك على حركة التجارة البحرية العالمية.

وقد نال الإعلام المصري أيضا، جانبا كبيرا من الانتقادات المتعلقة بالشفافية، إذ رأى كثيرون أنه سعى للتعتيم على الحادث، ولم يورد معلومات دقيقة عما يجري.

أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، في مؤتمر صحافي (غيتي)

على المستوى الدولي

وفي تأكيد على ما يجمع عليه خبراء دوليون، من أن الأزمة الأخيرة لانسداد قناة السويس، أظهرت أن القناة أكدت أنها الأهم في النقل البحري، وأنها لا تزال الأرخص في نقل السلع والبضائع، وفي مقدمتها الطاقة من نفط وغاز ووقود، إلا أن تداعيات الأزمة، ربما تمتد على المديين القصير والطويل، بالنسبة لشركات النقل البحري العالمي، التي يقول خبراء، إنها قد تشرع في إقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم، للمطالبة بتعويضات، قد تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، لتغطية الخسائر التي تكبدها أصحاب البضائع وسفن الشحن، التي تعطلت رحلاتها بسبب الأزمة الأخيرة.

وبعيدا عن تداعيات الأزمة على المدى القصير، فإن الأزمة أثارت مجددا محاولات، لدول إقليمية ودولية، كان قد جرى الحديث عنها منذ وقت طويل، بشأن شق قنوات بديلة لقناة السويس، ورغم إجماع العديد من الخبراء، على عدم قدرة أي قناة بديلة، على منافسة قناة السويس، إلا أن أصحاب تلك المشاريع البديلة يعتقدون أن عليهم المضي قدما بمشاريعهم كبدائل لقناة السويس.

رئيس هيئة القناة عقد أول مؤتمر صحافي له عن الأزمة بعد خمسة أيام من جنوح السفينة

ومن المشروعات البديلة التي يجري الحديث عنها، «قناة بن غوريون» الإسرائيلية، التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط ، والتي تنظر لها، على أنها تمثل البديل لقناة السويس، إذ يقولون إن المسافة بين إيلات والبحر المتوسط ليست بعيدة، وتساوي تماما، المسافة التي تقطعها السفن في قناة السويس بين البحرين، وتستهدف خطة المشروع الإسرائيلي القديم، بجانب إيجاد ممر بديل عن قناة السويس، إنشاء مدن وفنادق ومطاعم ونواد ليلية حول الممر، وكذلك خط الشمال الروسي.

وتدخل روسيا أيضا على خط القنوات البديلة لقناة السويس، عبر دعوتها لمشروع الممر البحري الشمالي، الذي تحدث الرئيس الروسي بنفسه عنه منذ مدة، كطريق ملاحي على طول الساحل القطبي الروسي، مع توفير الضمانات الكافية، للأمان وانخفاض التكلفة، وقد عادت موسكو الخميس 25 مارس (آذار) لطرح الممر البحري الشمالي «بديلا» عن قناة السويس. مستغلة الازدحام في القناة لإحياء مشروعها.

ونظرا لأهمية قناة السويس على الصعيدين المحلي والعالمي، فإن توقف الملاحة بها بسبب جنوح سفينة «إيفر غيفن» (Ever Given) يعني انتظار الشركة المالكة مطالبات بتعويضات ضخمة.

 

خسائر الاقتصاد المصري والعالمي

من المحتمل أن تواجه شركة «شوي كيسن» اليابانية التي تملك السفينة «إيفر غيفن» علاوة على شركات التأمين مطالبات بتعويضات كبيرة من قبل الشركات المالكة للسفن المنتظرة لعبور الممر الملاحي لقناة السويس، والتي يحمل بعضها سلعا قابلة للتلف مما يزيد الخسائر المحتملة.

إن توقف حركة الملاحة كبد قناة السويس خسائر يومية، إذ تدر القناة نحو 15 مليون دولار يومياً في المتوسط كرسوم على حركة البضائع المارة بالقناة، ووفقا لرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع كانت تصطف نحو 321 سفينة عالقة تنتظر العبور، وتم تقديم جميع الخدمات اللوجستية لها. 

وتقدر بعض الدراسات زيادة تكاليف الشحن عن كل يوم تأخير في البحر بنحو 0.6 في المائة إلى 2.3 في المائة من قيمة البضائع على متن السفينة، ووفقا لغرفة الشحن الدولية فإن نحو 3 مليارات دولار من البضائع تمر من القناة يوميا، وتشير بعض التقديرات إلى ارتفاع سعر شحن الحاوية الواحدة من الصين إلى أوروبا نحو 8 آلاف دولار  مع تعطل الملاحة، وهو ما يساوي 4 أضعاف السعر في عام 2020.

ووفقاً لوكالة «بلومبرغ»، فقد أظهرت تقديرات بأن توقف الملاحة كبد الاقتصاد العالمي نحو 400 مليون دولار في الساعة، وفقا لحسابات «لويدز ليست».

 من المشروعات البديلة «قناة بن غوريون» الإسرائيلية التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط

وشهدت أسواق النفط اضطرابا نتيجة توقف حركة الملاحة في قناة السويس وقفزت الأسعار بنحو 6 في المائة، مما تسبب في ارتباك في أسواق النفط عالمياً، إذ يمر نحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً عبر قناة السويس، وهناك حوالي 27 سفينة كانت في قائمة الانتظار تنقل نحو 1.9 مليون طن من النفط الخام في انتظار المرور عبر القناة. جدير بالذكر عودة أسعار النفط لمستوياتها قبل أزمة توقف حركة الملاحة.

وأخيرا، فقد أظهرت هذه الأزمة الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لقناة السويس والتي لا شك تدحض فكرة تراجع أهميتها في مقابل الطرق الأخرى للتجارة العالمية، ولكن يضع عليها ضغوطا من أجل زيادة تنافسيتها والعمل من أجل تلافي مثل هذه الحوادث مستقبلا.

وهناك مناسبة مهمة يجب استغلالها فى تذكير العالم بقناة السويس ودورها فى تنمية الاقتصاد العالمى، ألا وهى مناسبة مرور 152 سنة على افتتاح القناة فى 1869، وتتزامن هذه المناسبة مع مرور 65 عاما على تأميم القناة فى 26 يوليو (تموز) 1956.

 

 

font change