لبنان يستعد لوداع عهد ميشال عون

رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون

لبنان يستعد لوداع عهد ميشال عون

بيروت: يودع لبنان يوم الاثنين 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أحد أصعب العهود في تاريخه، ففي الساعة الثانية ليلاً سيخلي الرئيس ميشال عون قصر بعبدا ويتجه إلى منزله في الرابية، وليس كما حصل معه في 13 أكتوبر عام 1990 حين حلقت طائرة السوخوي السورية في سماء بعبدا، وحاولت وحدات من الجيشين اللبناني والسوري اقتحام القصرالجمهوري، ما دفع به إلى الفرار إلى مقر السفارة الفرنسية في اليرزة، حيث استقر فيها لمدة 11 شهراً ليغادرها بعد ذلك بعدما منحته الحكومة الفرنسية حق اللجوء السياسي إلى باريس، فأسّس خلال وجوده في منفاه حزبه السياسي.

 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريرى في 14 فبراير (شباط) 2005، واندلاع ثورة الأرز وانسحاب القوات السورية من لبنان نهائيًا فى 27 أبريل (نيسان) 2005. عاد عون فى 7 مايو (أيار) إلى لبنان، وعادت معه أحلام العودة إلى قصر بعبدا بعدما تخلى عن قوى 14 آذار، واتجه نحو قوى 8 آذار لتحقيق حلمه.

في ربيع العام 2006، وقّع ميشال عون مع أمين عام حزب الله حسن نصرالله في كنيسة مار مخائيل مذكرة تفاهم لينظما علاقتهما، وبعد هذا الاتفاق، أصبح عون والتيار الوطني الحر ضمن تحالف 8 آذار، ثم اتجهت أنظاره إلى خصمه اللدود سمير جعجع، وبدأت الاجتماعات تتوالى بين النائب إبراهيم كنعان والوزير ملحم الرياشي، إلى أن توصلت في النهاية إلى توقيع اتفاق معراب لينهي بذلك سنوات من العداء والحروب مع القوات اللبنانية، ثم اكتمل المثلث بعد إعلان رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري أن كتلته النيابية ستصوّت للعماد ميشال عون في انتخابات رئيس الجمهورية، لإنهاء حال الفراغ الرئاسي في البلد الذي فرضه حزب الله على البلد بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان يوم 24 مايو عام 2014.

 

 رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وصهره جبران باسيل

 

التسوية الرئاسية

فى 31 أكتوبر 2016، انتخب ميشال عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية، لينهى فراغًا رئاسيًا دام 29 شهرًا. بعد 45 محاولة فاشلة للوصول للنصاب القانوني بسبب مقاطعة نواب تحالف 8 آذار للجلسات لرفضهم المرشح الرئاسى الوحيد سمير جعجع ومن بعده سليمان فرنجية، فاجتمع الـ127 نائبًا برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ونال عون في الجلسة الأولى 83 صوتا، أي إنه لم يستطع نيل ثلثي الأصوات خلالها، بينما بلغ عدد الأوراق البيضاء 36 ورقة، مع ستة أوراق ملغاة.

وفي الدورة الانتخابية الثانية التي نص الدستور اللبناني على أن الفوز فيها يتطلب الأكثرية المطلقة، نال عون 83 صوتا فيما وجدت 36 ورقة بيضاء واعتبرت 7 أوراق ملغاة فيما وجدت ورقة باسم النائب جليبرت زوين.

ومنذ اليوم الأول من ولاية العهد العوني بدأت التناقضات والخلافات تظهر بين الأطراف المتحالفة على شكل الحكومة وكيفية توزيع الحقائب، وظهرت نوايا التيار الوطني الحر القائمة على مبدأ العهد لنا وكل شيء لنا وما لكم لنا ولكم، وقد بدأ الصدام الاول خلال تشكيل الحكومة ثم في التعيينات الإدارية والأمنية، وتراكمت هذه الخلافات إلى أن حصل الطلاق أولاً بين التيار والقوات، ثم حصل الطلاق الثاني في عام 2020 مع تيار المستقبل، لتبدأ رحلة الانهيار.

ما الأسباب الحقيقة التي أدّت إلى فرط التحالف بين الثلاثي؟

«المجلة» طرحت هذا السؤال على قياديين في القوات اللبنانية وتيار المستقبل ممن عاشوا تلك المرحلة وهذه هي روايتهما حول الموضوع.

 

قيومجيان: عندما انتخبنا عون كانت الظروف مختلفة

الوزير السابق وعضو المجلس السياسي لحزب القوات اللبنانية الدكتور ريشار قيومجيان، شرح لـ«المجلة» الظروف التي أملت على القوات اللبنانية دعم ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية، فقال: «أولاّ علينا النظر إلى الأحداث والتطورات التي حصلت انطلاقا من ظروفها القائمة آنذاك، إذ لا يمكننا مقارنة الوضع القائم في السبع سنوات الماضية».

وتابع قائلاً: «ميشال عون كان يتمتع بتمثيل مسيحي كبير وغالبية مسيحيّة نيابية، وكان يشكّل الزعامة الأولى عند المسيحيين سواء أحببنا ذلك أم لا،  وبالتالي يجب الأخذ بالاعتبار الصفة التمثيلية  بعد عودته من المنفى عام 2005 والدعم المسيحي له، وحتى البطريرك صفير المعروف بمواقفه المتناقضة مع ميشال عون توقع أن يكون لدى المسيحيين زعيم بعد عام 2005، وبغض النظر كيف انتخب الناس وكيف قرروا أن يكون ميشال عون زعيمهم، هذه ظاهرة نعاني منها منذ 1988، أي هذه الشعبوية القاتلة التي أدت إلى حروب أطاحت بالمنطقة الحرة وأدت إلى هجرة الكثير من المسيحيين».

وأكمل: «ثانياً كان هناك سعي جدي باتجاه المصالحة المسيحية- المسيحية التي كنا نراها مقدمة فعلية للمصالحة المسيحية- الإسلامية، فنحن مؤمنون منذ التزامنا بالطائف بقيام الدولة الجامعة للبنانيين مسلمين ومسيحيين، ونحن نتكلم عن تجربة، علمتنا أن لبنان لا يمكن أن يقوم إلا بدولة قادرة على احتواء الجميع. لذا قناعتنا هي المصالحة لختم الجرح المسيحي ومقدمة إلى المزيد من التلاقي بين اللبنانيين، خاصة بعد خروج الجيش السوري وما قام به حزب الله في 7 مايو، وكل هذا المسار، أيا كانت الظروف مواتية لمصالحة مسيحية- مسيحية نريدها لختم الجرح المسيحي، وثانياً والأهم التفكير بعودة الفريق المسيحي المنكفئ عن الدولة اللبنانية ليس بإرادته بل نتيجة النفي والسجن وحل حزب القوات ونتيجة استفراد الفرقاء الآخرين المقربين من سوريا والحلفاء لها، الذين استفردوا واستباحوا المواقع المسيحية سواء الوزيرية أو النيابية أو حتى الإدارية في الدولة، إذ كانت غالبية النواب المسيحيين موجودة في كنف الزعامات الإسلامية وغالبية الوزراء كانوا تابعين للزعامات الإسلامية السنية والشيعية، وصولاً إلى الدرزية وبالتالي كنا نرى بهذه المصالحة مقدمة لتفاهم سياسي يؤدي إلى عودة المسيحيين القوية والفاعلة والممثلة للمسيحيين في الدولة. لذا المصالحة كانت ضرورية لعودتهم القوية إلى الدولة التي لم تكن لتتم بشكل فاعل إذا لم يتفاهم ويتوحد الفريقان المسيحيان».

وتابع: «ما كنا نأمله أنه برغم اتفاق مار ميخايل على الأقل أن يأتي ميشال عون إلى نصف الطريق على المستوى السيادي لبناء الدولة. كنا ننظر إلى خطاب ميشال عون السياسي الداعي إلى السيادة والإصلاح والتغييرباعتزاز. لكن الصدمة الكبيرة كانت أنه ذهب بالكامل باتجاه خيارات حزب الله الاستراتيجية مع أن المصالحة معه كانت قائمة على بنود مكتوبة قبل الكلام عن اتفاق معراب، ونظرته إلى مواقع السلطة في الدولة. هناك اتفاق من عشر بنود سيادية لبناء الدولة أي كان هناك اتفاق مكتوب ولو طبق نصف الاتفاق لكان البلد بألف خير».

ويضيف قيومجيان: «طبعاً هناك اتفاق آخر سرّب بأنه اتفاق محاصصة ولكن هذا الكلام غير صحيح. هناك مواقع أساسية في الدولة كوننا فريق ساهم بوصوله إلى السلطة، أقله مواقع الفئة الأولى من طراز قائد الجيش، حاكم مصرف لبنان، وغيرها فبأي دولة مثلا أميركا هناك فرقاء في السلطة وهناك تعيينات سياسية تحصل لإدارة الدولة ولإدارة فترة الحكم والعهد، وهذا طبيعي وكنا دعاة للتفاهم مع الحلفاء بحيث كنا نمثّل آنذاك فريق 14 آذار هذا الجو القائم».

 

أهون الشرّين

وبالعودة إلى سرد الوقائع القديمة قال قيومجيان: «كان مرشّح 14 آذار للرئاسة هو الدكتور جعجع وطبعا نزل تيار المستقبل والاشتراكي لانتخابه، إلا أن النصاب لم يكتمل لانتخابه كرئيس جمهورية. لا ألوم أحدا مع احترامنا لكل الفرقاء ولكن حصل هناك نوع من التفاهمات واجتماعات باريس شاهدة على ذلك، حصل هناك تفاهمات على سليمان فرنجية وبالتالي ذهب الحريري إلى خيار فرنجية وهذا حقه لكنه لا يمثل طروحاتنا السيادية والسياسية، وفرنجية يقول إنه حليف سوريا وهو مع محور الممانعة. وبالتالي وضعنا أمام أهون الشرّين وهو ميشال عون، نظراً لتاريخه منذ أن كان قائداً للجيش ولعلّ وعسى يأتي إلى منتصف الطريق وهناك أيضا عامل نفسي أنه بعدما حقق حلمه بالرئاسة ربما يخفف الاتجاه شرقا. لقد انتقدنا البعض وقال ألا تعرفون أن هذا الإنسان ليس طبيعياً؟ كيف تمشون وراء من خاض ضدكم حرب التحرير وعارض الطائف؟ وكان جوابنا أن ميشال عون هو أمر واقع عند المسيحيين والجميع أيدوه وطالبوا بالمصالحة وتوحيد الصفوف والتفاهم السياسي بين القوات وميشال عون، لذلك تمت المصالحة الضرورية التي نؤمن بها، ناهيك عن أن البلد كان يعيش في الفراغ، ووصل الجميع إلى حائط مسدود كل هذه العوامل هي التي دفعت القوات إلى تأييد ميشال عون».

 

فشل الاتفاق

وعن أسباب فشل الاتفاق قال: «سأعطي مثلاً حين يتزوج رجل وامرأة لا يمكن لأحد أن يعرف كيف سيكون سلوكهما بعد الزواج، وهذا الذي حصل معنا بخصوص الرئيس عون والتيار الوطني الحر في إدارة الحكم والحوكمة في إدارة مؤسسات الدولة كان الأمر غير منطقي».

وعن اتفاق معراب، قال: «هو مكتوب وبنوده واضحة وينص على أن يكون التمثيل المسيحي مناصفة بين القوات والتيار الوطني الحر، وإذا بنا نختلف في أول الطريق، إذ تنكّر التيار لكل بنود اتفاق معراب حيث تجمد تشكيل الحكومة بسبب الخلاف على عدد الوزراء وبسسب الخلاف على منصب نائب رئيس الحكومة هل يكون قواتيا أم عونيا. لم نختلف على الوزارات الأساسية وارتضينا بالوزارات التي عرضت علينا لأننا على قناعة بأن كل الوزارات سيادية ومهمة ومع ذلك ظهر الخلاف بعدها على كيفية إدارة الحكم وطريقة التعاطي مع كافة الأطراف السياسية للبلد. لقد اختلف التيار مع الطائفة السنية ومع نصف الطائفة الشيعية التي يمثلها الرئيس نبيه بري ومع الطائفة الدرزية، ولم يترك جبران باسيل أحداً إلا واصطدم معه، وكان أينما يتوجه يثير المشاكل في الجبل وبيروت والشمال، لم يختلف من حزب الله لأن أحدهما بحاجة إلى الآخر».

وعن خلافاتهم مع تيار عون قال: «اختلفنا معهم حول ملف الطاقة، وقلنا لهم إن هناك مديرية المناقصات ويجب أن تمر عبرها جميع المشاريع، والقانون يلحظ تشكيل هيئة ناظمة في وزارة الطاقة، كان ردهم: لماذا تعارضون مشاريع وزارة الطاقة ولا تعارضون ما يجري في مجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار؟ مع أننا كنا نعارض أي مشروع أو مناقصة لا تجري ضمن الأصول القانونية. ملف الطاقة كلف البلد 40 مليار دولار بسبب العناد والمكابرة. وحين عرض صندوق التنمية الكويتي تمويل إنشاء مصنعين للكهرباء، رفض جبران باسيل لأن الصندوق اشترط أن يشرف هو على التنفيذ، لأن جبران يريد من الصندوق دفع المال ولا علاقة له بالتنفيذ وهو سيقوم بالتلزيم والإنجاز، مع أن الصندوق لم يعارض أن تكون الشركات المنفذة لبنانية».

ويضيف قائلاً: «هذه بعض ملفات الخلاف وهناك ملف آخر وهو ملف التعيينات في إدارات الدولة، كان التيار يرفض أي شخص نقترحه، مثل الوزير ملحم الرياشي وهو من عرابي اتفاق معراب لم يستطع خلال وجوده في وزارة الإعلام، أن يعيّن رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان، مع أن الرياشي وضع آلية لعملية التعيين وتقتضي اختيار ثلاثة أشخاص يختار من بينهم الأفضل، الرئيس عون رفض وأصر على أن يكون الشخص المطلوب من التيار الوطني الحر. لقد حاربوا جميع الموظفين حتى غير الحزبيين لأنّ فلسفتهم هي أن يكون من أزلام ومحاسيب التيار، لقد اختلفنا معهم بكل شيء لأنّ المشكلة الأساسية عند الرئيس عون، هي أنه مصرّ على توريث صهره في الحكم، قد يكون من حقه أن يسعى لكن الطريقة التي اتبعت أحدثت مشاكل مع كل الأطراف وحتى داخل عائلته وبين بناته وأصهاره».

مشكلة الرئيس عون أنه لم يستطع أن يتفاهم مع أحد منذ السنة الأولى لولايته لأن همه الأول والأخير توريث جبران باسيل، لكن جميع التصرفات كانت مغلوطة، كان يهمه أن يحتكر كل المناصب في الدولة لتياره من أجل الوصول إلى سدة الرئاسة إلا أن تصرفاته لم تثمر، ففشل العهد في إدارة البلد إلى أن وصل إلى مرحلة الانهيار.  

 

سليمان فرنجية

 

التنافر بين الحريري وباسيل

قيادي سابق في تيار المستقبل طلب عدم ذكر اسمه التزاماً بقرار رئيس التيار تجميد العمل السياسي، قال لـ«المجلة» إن عامل التنافر بين الرئيس سعد الحريري وجبران باسيل بدأ مبكراً، حين كان باسيل يعارض إعطاء أي فريق مسيحي دوراً وزارياً أو منصباً إدارياً، وقد كان همه الأول والأخير استفزاز القوات اللبنانية، إن على صعيد التمثيل الحكومي أو المطالبة  بحصة في التعيينات الإدارية حسب الاتفاق المعقود بينهما حين وقع اتفاق معراب، وهذا ما انعكس سلباً على العمل الحكومي، واستمرت المناكفات بينهما  ليتفجرالوضع بعد ثورة تشرين عام 2019.

وأضاف المصدر أن «فشل التسوية الرئاسية في تحقيق أي تحسن في الأوضاع يعود بشكل أساسي إلى طبع جبران باسيل في مقاربة الأمور بشكل متحذلق في معظم الأحوال، لكي يضمن السيطرة الكاملة على مجريات الأمور، وهذا بالطبع بتطابق كامل مع رئيس الجمهورية الذي أصبح ظل باسيل في كل الأمور».

ورأى المصدر أن هذا الأمر أفسد المضي في مشروع «سيدر»، كما أفسد إمكانية الحفاظ على الاستقرار السياسي، كما أن المواقف السياسية في وزارة الخارجية التي تولاها باسيل زادت في التباعد مع الدول العربية، وجعلت من هذا الموقع موضع سخرية من قبل الصحافة العالمية.

وأضاف المصدر قائلاً إن «باسيل منع إمكانية أي تقارب شعبي سياسي مع تيار المستقبل، لتنمره المستمر، ولمواقفه ذات الطابع الطائفي التي كان يتخذها، وهذا ما تسبب في نفور الأكثرية الساحقة من مناصري تيار المستقبل. لكن عامل الثقة انقطع منذ 2018 بين الحريري وباسيل، وكان كلام الحريري في الأروقة الداخلية يفضح ضيقه من باسيل، فجاءت الثورة كخشبة خلاص للحريري ليتخلص من باسيل في الحكومة، ففضّل الأخير تدمير البلد بأكمله على الخروج من السيطرة على السلطة.

وختم المصدر بقوله: «قد يكون الثنائي عون- باسيل أسوأ ما حدث في تاريخ لبنان».

======================

الصور

-------

  1. رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون
  2.  رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وصهره جبران باسيل
  3. ..
  4. ..
  5. سليمان فرنجية
  6. اتفاق معراب
  7. اتفاق مار ميخايل
  8. ريشار قيومجيان

 

 

 

font change


مقالات ذات صلة