مشاكل المرأة على الشاشة

من «نزوح» لسؤدد كعدان

مشاكل المرأة على الشاشة

لندن: في حين واصلت السينما العربية تخبّطها حيال أفلام المرأة وشخصياتها ومشاكلها الاجتماعية أو العاطفية على الشاشة لاحظنا شيوع تلك التي تعرض أحوالاً وقضايا ومشاكل نسائية متعددة في السينما الغربية.
ما يبدو تقصيراً عربياً شاملاً في هذا الاتجاه لا يخلو من استثناءات: «الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان ونّوري «نزوح» لسؤدد كنعان و«السبّاحتان» لسالي الحسيني و«حمام ساخن» لمنال خالد يتقدّمن حفنة محدودة من الأعمال أغلبها تسجيلي مثل الفيلمين المغربيين «لعزيب» لجواد بابيلي و«فاطمة السلطانة التي لا تُنسى» لعبد الرحمن تازي. ومثلهما فيلمان تونسيان تسجيليان هما «لمسة» لمعز كمّون و«عقرب مجنونة» لأكرم منصر.

عديلة بن ديمراد في «الأخيرة»

صور عديدة
اختيار النوع التسجيلي أو الوثائقي للبوح عن مشاكل المرأة المُعاشة أو لتقديم موضوع كامل عن حياتها وعملها ينزلق، في كثير من الأحوال، إلى سهولة الاختيار. هنا هذا المخرج الذي يريد طرح موضوعه عن ثلاث شقيقات يرعين الماشية، وذاك الذي يريد الحديث عن حياة عالمة اجتماعية والحال واحد رغم اختلاف أسلوب المخرج الذاتي: كاميرا تلاحق حيناً وتنصبّ على المرأة حيناً آخر. تتكلم. تنظر بعيداً. تكشف أوجاعاً. يتكلّم آخرون عنها ويودع المخرج موضوعه بعد ذلك في علبة سيلفّها الغبار بعد حين وجيز من عرضه الأول.
روائياً، ومن دون تحيّز، المعالجة أصعب وتتطلب جهداً مضاعفاً يشمل البحث والكتابة، كما حال الفيلم التسجيلي، لكنه يتناول العناصر الإنتاجية والفنية أمام الكاميرا وخلفها. يختار الممثلات اللواتي سيؤدين شخصيات الفيلم ويمنحهن البطولة.
على أن النتائج في كلا النوعين تتوقف في نهاية الأمر على مسعى المخرج وموهبته وما شاهدناه يؤكد تفاوت الأعمال على نحو واضح. هذا إلى جانب أن الفيلم العربي حين التطرّق إلى موضوع نسائي كثيراً ما يتحاشى الخروج عن الممنوعات الرقابية. إذا لم يفعل لن يعرض في بلاده وربما ليس في بلاد سواها.
السينما الأجنبية متحررة أكثر رغم وجود رقابة ما في كل دول العالم (تجارية أو سياسية لا فرق).
هذا العام شاهدنا المرأة تكشف أسرار الفضائح الجنسية لبعض أكثر الرجال شهرة في «هي قالت» وشاهدناها تحارب في سبيل الحفاظ على هوية وطنها في «ذ وومن كينغ» وهي في «مفترس» تفاوم الوحش دفاعاً عن قبيلتها وهي الرافضة للزواج غصباً في «الأميرة» والتي تبحث عن السعادة في باريس أو تعاني من الحرب الضارية في أوكرانيا.
هي في أفلام درامية وأفلام سير ذاتية وفي أفلام رعب وأفلام خيال علمية وأفلام أكشن وأفلام التشويق.
وهي وراء الكاميرا في هذا العام كمخرجة 52 مرّة. بعض تلك الأفلام عُرضت في المهرجانات ولم تشهد عروضاً مماثلة في الأسواق، لكن بعضها الآخر اخترق الحاجز وتمتع بعروضه التجارية مثل «تنين والدي» لنورا تومي و«جليد نبتون» لأنيسا أوزيمان وزوجها شول وليامز  و«العندليب» لميلاني لورنت وسالي بولي في «نساء تتحدث»، و«لا تقلق حبيبي»، و«الابنة الخالدة» لجوانا هوغ كما «هي قالت» لماريا شرادر.
بطبيعة الحال، ليست كل هذه الأفلام متساوية في قيمتها الفنية أو الدرامية لكنها جميعاً تطرح مواضيع تتناول المرأة في أكثر من جانب ووضع وإزاء مشاكل وقضايا مختلفة.

الهروب الكبير
عربياً: نقل «نزوح» لسؤدد كعدان و«السبّاحتان» لسالي الحسيني مشكلة واحدة هي الهجرة السورية.. في الفيلم الأول هي هجرة داخل البلاد وفي الثاني الهجرة لسواها.
يتناول «نزوح» قصّة عائلة من ثلاثة أفراد: أب (إبراهيم بوصالح)، وأم (دارينا الجندي)، وابنتهما غير البالغة بعد زينة (هالا زين). تعيش العائلة في ضاحية من المدينة نزح معظم من فيها. (لا اسم للضاحية ولا اسم للمدينة، ولو أن اسم دمشق يرد ذكره مرّة لكن الدمار لم يصب، في الواقع العاصمة السورية على هذا النحو).
النزوح هو مطلب الزوجة لكن الزوج (إبراهيم بوصالح) يرفض أن يتحوّل إلى نازح ويلتصق بمنزله مهما كانت الظروف. حتى من بعد أن تعرض المنزل للقصف وأحدث فجوة في سقف غرفة النوم تنفذ منها الفتاة إلى السطح لتلتقي بصبي في مثل عمرها اسمه عامر (نزار علاني) ولتحلم بسماء من النجوم وبعالم لا حرب فيه.
ما هو مفاجئ، وعلى نحو إيجابي، هو أن الموضوع جيد والفكرة التي يقوم عليها كذلك كونهما يبتعدان عن التأطير والتنطير السياسيين وينتهج عرض واقع كل يوم يخوض حروباً مع فرقاء عدّة. ليس هناك ذكر لقوّة مسلحة واحدة إلا عابراً (سيدخل الجيش بعد ساعات) ما يضع الفيلم في موقع محايد غالباً باستثناء أن قصف البيت غير المقصود تم بطائرة (نسمعها ولا نراها) قد تكون روسية أو سورية. عناية المخرجة هي في توفير وضع إنساني المنطلق والعرض وهي تنجح في ذلك.
ما لا تنجح فيه هو التركيبة السردية التي اختارتها. فالفيلم ينقسم إلى قسمين واحد داخل جدران البيت ويحتوي على تبادل المواقف بين الزوجين. هو المتعنّت وهي التي تحاول إقناعه، وعلى الصداقة التي تجمع بين زينة وعامر الذي نزح أهله لكنه قرر أن يبقى لأجلها. القسم الآخر يلي ما سبق عندما تقرر الزوجة أنها لن تبقى في البيت بعد الآن وتأخذ ابنتها وتنطلق في دروب البلدة المهدّمة. لكن البلدة تغيرت تحت الهدم ما يعرضهما للتوهان قبل أن تلتقيا بعامر من جديد الذي يسهّل لهما الهروب إلى الجانب الآخر من خلال نفق لم تهدمه الغارات.
«نزوح» جيّد وصادق والمرأة فيه (الابنة وأمها) أكثر منطقية وواقعية من الرجل وأكثر جرأة وإقداماً.

«السبّاحتان» إخراج سالي الحسيني

أما فيلم سالي الحسيني «السبّاحتان»، فهو استغلال لفتاتين (من الواقع) قررتا الهرب من سوريا والهجرة غير الشرعية للغرب. مستوحى من حكاية واقعية لشقيقتين تركا سوريا إلى تركيا ومن هناك ركبتا، مع ابن عمّهما، قارباً مع عدد كبير من الراغبين في المخاطرة بحياتهم لقاء الهجرة إلى الغرب.
غاية الفتاتين الوصول إلى ألمانيا والفيلم ينقل هذه الغاية بلا التباس لكنه يتعامل بقدر ملحوظ من التسطيح للأزمة النفسية والعاطفية ملامساً التعبير السريع والسهل لها. كل ما يعكسه الفيلم بلاستيكي متوهج يعبّر عن الرغبة في استخدام الفيلم كمطية للوصول إلى عروض غربية (والفيلم بريطاني التمويل أساساً) من دون تعميق القضية التي يتناولها.
فيلم عديلة بن ديمراد وزوجها داميان ونّوري «الأخيرة» (شوهد في مهرجان البحر الأحمر) هو أفضل ما تم إنتاجه عن المرأة العربية في السنوات الأخيرة. هذا على الرغم من أن القصّة التي يتناولها الفيلم ليست عصرية على الإطلاق كون الأحداث تقع في القرن السادس عشر. لكنه، مثل  الفيلم الأميركي «المرأة الملكة» لجينا برينس بايثوود (من إنتاج هذه السنة أيضاً).
يبدأ الفيلم (الذي هو إنتاج جزائري مع دعم مالي من مهرجان البحر الأحمر السعودي) بهدير المعارك وينتهي بأروج يحمل زفيرة التي انتحرت بعدما فشلت في قتله. بين المشهدين دراما أخّاذة في التفاصيل الثرية وفي تمثيل رائع من عديلة بن ديمراد وتصاميم ملابس وأدوات تاريخية وديكورات (رغم وضوح ضيق بعض أماكن التصوير الداخلية). «الأخيرة» (أو «الملكة الأخيرة» كما عنوانه الأجنبي) فيلم ملحمي الإنتاج والحكاية مقسّم لفصول كان يمكن التغاضي عن عناوينها. جيد في مضمونه كذلك، لكن الحكاية تمر في بعض فصولها في رحاب ما يعرف بـ«السوب أوبرا» شأنها في ذلك شأن أعمال أخرى من بينها فيلم شيخار كابور «Elizabeth: The Golden Age»
الفيلم كذلك فريد من نوعه بين الإنتاجات العربية التي لم تشهد أعمالاً من هذا النوع منذ أيام «القادسية» و«المصير» [صلاح أبوسيف، 1981] و«المصير» [يوسف شاهين، 1997]، مع إدارة عامّة أغلى مستوى في التنفيذ.

من «حمّام ساخن» لمنال خالد

حمّام النساء
بدوره، يتطرق «حمّام ساخن» إلى موضوع المرأة إنما ضمن حكايات منفصلة تلتقي عند شخصياتها المختلفة تعالجها المخرجة المصرية  منال خالد جيداً معظم الوقت.
فيلم منال خالد الأول، بعد عدة سنوات من العمل كمساعد مخرج، يُدين بجودته إلى رهافة المخرجة الجديدة في التقاط اللحظات الإنسانية وإلى تصوير جيد من طارق حفني ومحمود لطفي وكمال سمير. وهو مؤلف من ثلاث حكايات بسيطة الأفكار والتأسيس. الحكايات لا عناوين منفصلة لها وهو أمر جيد كونها جميعاً تقع في أيام قليلة خلال ثورة يناير (كانون الثاني) سنة 2011.
في مطلع الفيلم نشاهد امرأة من المتظاهرات (ريم حجاب) وهي تدخل محل بيع هواتف صغير لتحتمي من الأمن الذي كان يعتقل المتظاهرين. يدرك صاحب المحل حاجتها للاحتماء ولا يشي بوجودها لدى الضابط الذي يدخل عليه باحثاً عنها ثم طالباً بعض الخدمات الخاصّة. الحكاية هنا هي كيف قضت المرأة الليل وهي جالسة على أرض الغرفة بينما التزم صاحب المحل (أسامة أبو العطا) بمكانه. عند الصباح ومع بداية حركة الشارع تشكر المرأة ذلك الرجل على ما فعل وتترك المكان.
في الحكاية الثانية، امرأة أخرى هاربة تدخل عمارة سكنية ثم تفاجأ بأن رجال الأمن وضعوا قفلاً على الباب بحيث لم تعد تستطيع الخروج. تصعد الطوابق طارقة أبوابها فلعل أحدهم يساعدها في الخروج من المكان. لسبب ما لا يبدو أن هناك أحدا في هذه العمارة السكنية إلا منزل كانت الأم تركت ابنتها الصغيرة فيه ولم تعد. تتبادل المرأة والطفلة الكلام من خلال نافذة الباب (كون الأم أقفلته قبل خروجها) ما يجعل كلا منهما حبيس مكانه. حين تتصل المرأة بأم الفتاة الصغيرة المفترض أنها تعمل ممرضة في أحد المستشفيات يأتيها الجواب بأنها لم تأتِ للعمل.
الحكاية الثالثة هي دخول امرأتين هاربتان من الوضع ذاته حمّاماَ شعبياً تديره امرأة لا تتوقف عن النقد والشكوى. الوقت يمر في تبيان ملامح كل امرأة (خمسة في المجموع) وحاجتها المختلفة (العودة للعمل، أو البيت أو الرغبة في البقاء) في تلك الليلة. إحدى النساء امرأة محجبة والأخريات يساعدنها على أخذ حمّام.
هناك ألفة وقضية أنثوية في هذه الحكاية التي هي أقل الحكايات أهمية أو إثارة لأي شعور يتجاوز المعروض مباشرة. لم أكترث كثيراً لما يحدث (ولا شيء مهم يحدث فعلاً) في هذه الحكاية الثالثة على عكس الحكايتين السابقتين اللتين تدمجان الوضع الخاص بخلفية الوضع العام من خلال مواقف أفضل كتابة وإخراجاً.



 

font change