رئيس هيئة الأفلام السعودية: السينما بوابتنا لنقل حكايتنا إلى العالم

Getty Images
Getty Images
رئيس هيئة الأفلام في السعودية المهندس عبد الله العياف خلال حضوره احتفال مهرجان البحر الأحمر السينمائي بدور المرأة في السينما خلال الدورة الـ 78 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي في 4 سبتمبر 2021، البندقية، إيطاليا.

رئيس هيئة الأفلام السعودية: السينما بوابتنا لنقل حكايتنا إلى العالم

لم تعد السينما مجرد حكايات مصوّرة للمتعة والترفيه وإشغال دور العرض بالإعلانات والأفكار، ولا مجرد تحويل روايات عالمية إلى قصص سينمائية مصورة. آمنت الدول بأهمية الصناعة السينمائية في الارتقاء بالإنسان، لذا استثمرت في هذا القطاع لنشر الأفكار والعمق الثقافي والفكري، حتى أصبحت السينما أهم أدوات القوة الناعمة، التي تعبر عن ثقافة البلدان وهوياتها، وتراثها، وحكاية إنسانيتها في نسيج يروي أفراحه وأحزانه وأحلامه وتطلعاته.

منذ أن انطلقت وزارة الثقافة السعودية، تسارعت الحركة لترجمة التطلعات، وخلق منظومة متكاملة للصناعة السينمائية، بتطوير البنية التحتية، ودعم التجارب الواعدة، وخلق الكوادر الموهوبة.

في هذا اللقاء يحدّثنا رئيس هيئة الأفلام في السعودية المهندس عبد الله العياف عن هذا الحراك، والدور الذي تؤديه الهيئة التابعة لوزارة الثقافة لتجسيد هذا الحراك، وجعله أداة مؤثرة في النسيج المجتمعي والثقافي، وذلك من خلال التركيز على حوافز "ضوء" لدعم إنتاج الأفلام، والتعاقد مع شركات الإنتاج العالمية، والتعاون مع الجامعات الدولية، ودور القطاع الخاص في المساهمة في نهضة القطاع الأهم في مسيرة الثقافة العالمية.

AFP
سعوديات يدخلن صالة سينما في إحدى دور السينما بالعاصمة السعودية الرياض، في 22 يونيو 2020

تعد السينما من الأدوات المؤثرة في استراتيجيات القوة الناعمة على المستوى الدولي. فما هي رؤيتكم لهذا الاتجاه والواقع؟ وكيف يمكن استثماره لتحقيق أهداف الهيئة؟

تستثمر الدول في بناء منصات إعلامية وقطاعات ثقافية تمكنها من سرد قصصها بدلا من ترك الآخرين ليحكوها. السينما من أكثر هذه القطاعات فاعلية وقدرة على تسويق الأفكار والهويات لما تقدمه من تجربة غنية للمتلقي.

وقد شهدت السينما السعودية تجارب واعدة لاقت استحسانا على المستويين الإقليمي والدولي. ونعمل على مواصلة هذه التجارب عبر تطوير مواهب وطنية قادرة على صناعة أفلام سعودية تنافسية ذات جودة عالية بكل مراحلها واختصاصاتها. فمن كتابة سيناريوهات جيدة إلى تخصصات التمثيل والإخراج والإنتاج، وصولا إلى قدرات عالية في العرض والتسويق والتوزيع، نرى فرصا واعدة عدة. ونحن على يقين أن تمكين العنصر البشري هو أهم ركيزة في القوة الناعمة للمملكة وأن المبدع والمبدعة السعوديين هما اللذان سيرسمان تلك الصورة العاكسة لما تمر به المملكة من نهضة ثقافية واجتماعية واقتصادية.

ما تصوراتكم لدعم إنتاج أفلام تعكس ثقافة المملكة ونشرها محليا ودوليا؟ وهل الإنتاج المحلي قادر على النهوض بهذا الدور؟

الإنتاج المحلي قادر على ذلك، ونؤمن بأن تمكين صنّاع الأفلام هو الخطوة الأهم لإنتاج أفلام محلية تمثل ثقافة المملكة وهويتها وإرثها. بدأ الإنتاج السينمائي المحلي منذ عقود بتجارب مهمة نعتز بها، ونسعى لتقديم كل أشكال الدعم لصناع الأفلام السعوديين لضمان استمرارهم في إنتاج أفلام محلية والمشاركة في مشاريع الإنتاج الدولي التي يستقطبها قطاع الأفلام لدينا.

انطلاقا من هذا التوجه، تقدم الهيئة أوجها عدة للدعم جنبا إلى جنب جهات وشركاء وطنيين آخرين مثل الصندوق الثقافي ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي والجمعيات غير الربحية ذات العلاقة بالقطاع وغيرها من الجهات.

 

نعمل على مواصلة هذه التجارب عبر تطوير مواهب وطنية قادرة على صناعة أفلام سعودية تنافسية ذات جودة عالية بكل مراحلها واختصاصاتها

السينما صناعة متكاملة تتشكل ببنية احترافية، بما في ذلك الكوادر والفنيون وشركات الإنتاج والتسويق للعمل الفني. إلى أين وصلتم في تأسيس هذه الصناعة؟ 

حين تأسست هيئة الأفلام عام 2020، كانت أولى مبادراتها برامج التدريب وتأهيل القدرات المحلية العاملة في القطاع. ولا تزال برامج تنمية المواهب والعقول المبدعة والأيادي العاملة على رأس أولوياتنا.

صممت برامج التدريب لتغطي كل فنون ومهارات صناعة الأفلام، مثل الكتابة، وتطوير الشخصيات، والإنتاج، والإخراج، والتمثيل، والمونتاج، والموسيقى، والمؤثرات البصرية، وحتى عمليات التوزيع والعرض والترويج. قُدمت هذه المعارف بالتعاون مع جهات أكاديمية عالمية مرموقة مثل جامعة جنوب كاليفورنيا لعلوم السينما، ولافيميس وغوبلن الفرنسيين، والمؤسسة البريطانية للأفلام. واستضيف فيها أبرز صناع الأفلام في العالم العربي لنقل المعارف السينمائية إلينا. من مثل المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي رشح فيلمها لأوسكار أفضل فيلم دولي، والمخرج المصري المخضرم شريف عرفة وغيرهما الكثير من أصحاب التجارب المهمة، جنبا إلى جنب مع عدد من المدربين والمدربات السعوديين الذين نقلوا تجاربهم الغنية للجيل الشاب.   

أقيمت برامج التدريب حتى الآن في 7 مدن سعودية ونتوقع مستقبلا أن نتوسع إلى مدن أخرى، وقد أفاد من هذه البرامج خلال عام 2022 أكثر من 1300 متدرب ومتدربة في المهارات والمعارف السينمائية كافة.

وفي ما يخص شركات القطاع الخاص العاملة في صناعة الأفلام مثل الإنتاج والتوزيع والخدمات اللوجستية والبنية التحتية، شهدنا فيها أخيرا نموا كبيرا نظرا إلى زيادة عدد الإنتاجات السينمائية والدرامية التي نُفذت داخل المملكة. الدعم السخي والتمكين الكبير من قيادتنا الرشيدة للقطاع من الناحية المالية والتشريعية، كان لهما أثر كبير في كسب ثقة المستثمرين، مما ساهم في رفع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في صناعة الأفلام. 

AFP

تعد صناعة الأفلام من الصناعات الربحية، فكيف ستستثمرون في هذا الجانب؟ وهل لديكم خطط محددة في هذا الاتجاه؟ 

تمتلك بلادنا مقومات النجاح في قطاع صناعة الأفلام، فعلى سبيل المثل نما القطاع متسارعا منذ بدء دور عرض السينما بالعمل في المملكة عام 2018، ليصل الآن إلى 528 شاشة سينمائية في 20 مدينة سعودية مما جعل سوق شباك التذاكر السعودي الأسرع نموا في الشرق الأوسط.

واستطاعت المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة جذب إنتاجات دولية بموازنات ضخمة للتصوير بالكامل في مواقع تصوير لدينا، مثل فيلم "محارب الصحراء" الذي صُوّر كاملا في نيوم بشمال المملكة، وفيلم "قندهار" الذي صُوّر في مدينتي العلا وجدة.

كما أطلقت هيئة الأفلام في شهر مايو/أيار 2022 وخلال مهرجان كان السينمائي في فرنسا، برنامج الحوافز للاسترداد المالي بنسبة تصل إلى 40% لدعم الإنتاج المحلي والدولي، وهو البرنامج الذي سيساهم في جذب الإنتاج للمملكة ورفع عدد العاملين في قطاع الأفلام.

وكدعم لوجستي ونقدي غير مستردّ، موجه إلى شركات ومؤسسات الإنتاج السينمائي المحلية ذات الخبرة، وإلى صناع الأفلام الأفراد، انطلقت حوافز "ضوء" لدعم الأفلام على نسختين، حيث شارك في النسخة الأولى 260 من صنّاع الأفلام في مسارَي الأفلام الطويلة والأفلام القصيرة. منجزات وأرقام "ضوء" لدعم الأفلام الواعدة تبشر بالمزيد. فاز 24 سينمائيا في جميع المسارات بدعم وصل مجموعه إلى 40 مليون ريال، واستُغل 132 موقع تصوير في 7 مدن، وشُغل 12 فندقا وحُجزت 300 ليلة فندقية، وقُدمت 38 مشاركة محلية في الأفلام الطويلة والقصيرة، ووُقعت 5 عقود مع شركات عالمية وإقليمية مشاركة بالأفلام الطويلة والقصيرة.

واستمرارا لتلك النجاحات واستدامة لأثرها، انطلقت بالتزامن مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2022 النسخة المحدثة من "ضوء" لدعم الأفلام التي تستقبل المشاركات طوال العام. 

عزز الدعم المبذول فرص صنّاع الأفلام السعوديين لإنتاج أفلام طويلة وقصيرة محلية تواكب المستوى العالمي، كما جذبت هذه الإنجازات التي حققتها المملكة خلال فترة قصيرة في القطاع اهتمامات المستثمرين للاستثمار المحلي والدولي.

برز في الآونة الأخيرة الكثير من الشبان والشابات الموهوبين في صناعة الأفلام وخاصة القصيرة. كيف تنظرون إلى هذه التجارب؟ وإلى أي مدى يمكن دفعها إلى آفاق احترافية أرحب؟ 

تسارعت وتيرة تجارب صنّاع الأفلام السعوديين بشكل يواكب النمو المتسارع لصناعة الأفلام في المملكة، حيث نرى نموا في عدد إنتاجات الأفلام المحلية أخيرا، بعضها أُنتج بالتعاون مع ستوديوهات ومنصات وشركات دولية وإقليمية مثل نتفليكس وشاهد. وشهدت الدورة الأخيرة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي عرض 4 أفلام سعودية طويلة كعرض أول دولي كان أحدها فيلم الحفل الختامي للمهرجان. بينما شاركت أخيرا 5 أفلام قصيرة و4 أفلام طويلة في مهرجانات محلية وعالمية. 

هذه التجارب المتسارعة تشكل حراكا سينمائيا رائعا، ويساهم الدعم النقدي والمعرفي واللوجستي المقدم من هيئة الأفلام لصناع الأفلام المحليين في رفع جودة الإنتاج ووضع الفيلم السعودي على الخريطة الدولية. الفرص كبيرة وواعدة أمامنا ولا حدود للطموح. 

كما أن هيئة الأفلام تدعم مهرجان أفلام السعودية الذي يعتبر من أهم المحطات لاكتشاف المواهب والحاضنة الأهم للأفلام القصيرة والتجارب الطلابية في المملكة. دعم المهرجان خلال السنوات الكثير من صنّاع الأفلام المبتدئين من خلال برامج تدريب وتوفير مساحة للعرض وتعزيز العلاقات المحلية والدولية في مجال السينما. 

شارك في النسخة الأولى من "ضوء" 260 من صنّاع الأفلام في مسارَي الأفلام الطويلة والأفلام القصيرة

أطلقت نيوم أخيرا قرية إعلامية تقدم خدمات انتاجية متكاملة ذات مستوى عالمي وبدأت بدعم أفلام محلية وعالمية. كيف يمكن ربط تلك التجربة مع استراتيجية الهيئة في صناعة الأفلام؟ 

ما يحدث من تطور متسارع في نيوم، ومثله في العلا وعدد من المدن من تأسيس استوديوهات إنتاج، يتماشى مع استراتيجيتنا في الهيئة التي تهدف لتأسيس بنية تحتية لقطاع الأفلام في أنحاء المملكة. متفائلون بالحراك السينمائي المميز في العلا ونيوم، ونتطلع لإنتاجات ذات تنافسية عالية من صناع الأفلام في هاتين المنطقتين لما تمتازان به من مواقع جغرافية وسياحية آسرة وممكنات استراتيجية ولوجستية تنافسية على مستوى دولي.

 

هناك توجه لدعم الفنون وادراجها ضمن مناهج التعليم العام في السعودية. فهل يشمل ذلك صناعة الأفلام والانتاج السينمائي؟ 

نعمل مع شركائنا في وزارة الثقافة على إدراج صناعة الأفلام في التعليم كما أعلن أخيرا ضمن استراتيجية تنمية القدرات الثقافية. فالسينما من أهم وسائل التواصل بين الثقافات في العالم، وصنّاع أفلام المستقبل هم بين طلاب المدارس اليوم، لذلك فإن تمكينهم وإلهامهم بالمعرفة والأدوات سيمكنهم من صناعة ما يخاطبون به الجمهور السعودي والعربي والعالمي بقصص مميزة ذات هوية وثقافة أصيلة. 

بدأت بعض الجامعات السعودية بالتفاعل مع المناخ الثقافي الجديد عبر افتتاح كليات للفنون والسينما والمسرح كما في جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة عفت، فما مدى التنسيق بينكم في هذا الخصوص لمعرفة احتياجات السوق وتصميم البرامج الدراسية والمناهج والمسارات الاكاديمية؟ وما الدور الذي يمكن أن تقدمه تلك التجارب لدعم صناعة السينما المحلية وتشكيل مسارات ثقافية جديدة؟ 

نحن على تواصل مستمر مع الجهات الأكاديمية المختصة لتقديم الخدمات الاستشارية والتنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص في مجال صناعة الأفلام، بهدف تمكين الجامعات عبر الخبرات اللازمة لبناء برامج تعليمية تخدم الأهداف الأكاديمية للجامعات، ولمد سوق العمل بالكفاءات والمهارات التي يحتاجها القطاع في المملكة. 

 نؤمن بأن دور الجامعات استراتيجي وذو أهمية بالغة، وذلك لا يقتصر على رفع عدد العقول والأيدي الماهرة في القطاع فحسب، بل يمتد لإثراء الجهود البحثية والأكاديمية في مجال السينما.

font change