عام على الحرب... أوكرانيا تركز على الجنوب

"المجلة" ترصد شارع كييف في الذكرى السنوية الاولى

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
دبابة محترقة بين بوتشا والعاصمة كييف

عام على الحرب... أوكرانيا تركز على الجنوب

كييف – عندما أرسلت روسيا عددا كبيرا من القوات إلى أوكرانيا العام الماضي، في الاجتياح الكاسح الذي وقع في 24 فبراير/شباط، أصيب السكان المحليون بالصدمة وظنوا في البداية أن ما يحدث "غير حقيقي"، بحسب مقابلات أجرتها "المجلة" في العاصمة الأوكرانية وما حولها أواخر فبراير/شباط.

بعد عام واحد، طُرد الروس من مساحات شاسعة من الأراضي واختفوا من محيط العاصمة، بالرغم من أن صفّارات الإنذار أُطلِقت مرتين، وأعطيت تعليمات "بالاحتماء فورا" إلى أولئك الموجودين في كييف صباح 23 فبراير/شباط، تلتها أوامر بالتوجه إلى أقرب ملجأ على الفور.

سوى أن هذه التحذيرات باتت جزءا طبيعيا من الحياة اليومية للكثيرين هنا، وقليل من الناس يولونها كبير اهتمام.

في الوقت نفسه، ما زالت المعارك مندلعة في الجزء الشرقي من أوكرانيا. ويرى عدد من المراقبين أن القوات الأوكرانية قد تستعيد خلال الأشهر المقبلة حتى الأراضي التي خسرتها لصالح روسيا في السنوات السابقة، مثل شبه جزيرة القرم الواقعة على الساحل الشمالي للبحر الأسود، والتي تشكل مطلبا رئيسيا للجانبين.

وكانت روسيا سيطرت، في مطلع عام 2014 على شبه الجزيرة وضمتها إلى أراضيها.

تعليقا على الوضع الحالي – وبالإشارة إلى المكاسب التي تحققت في شهرَي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول في الجزء الشمالي من أوكرانيا بالقرب من الحدود بين روسيا البيضاء وروسيا – قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في وقت سابق من هذا الشهر: "أريد أن يمتلك شعبنا في الوقت الحالي القدرة على التنبؤ بالقادم"، لضمان بقاء الروح المعنوية عالية، حتى مع تقدم روسيا خلال الأيام الأخيرة في بعض المواقع في الجزء الشرقي من البلاد، وسط قتال عنيف وخسائر فادحة.

 

"روسيا تملك القدرة على زيادة وجودها في شرق وجنوب أوكرانيا، وتعبئة ونشر وحدات إضافية من القوات وروسيا ليست في عجلة من أمرها" و "قد شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين زيادة في الهجمات الصاروخية الروسية ضد البنية التحتية الأوكرانية"

الخبير العسكري الاوكراني سيرهي هرابسكي

سيرهي هرابسكي، الخبير العسكري الأوكراني والعقيد السابق المعروف في أوكرانيا بتقييماته المستندة على التحليل، قال لـ"المجلة"، خلال مقابلة مستفيضة أجرِيت في 21 فبراير/شباط في أوكرانيا، إن روسيا تستخدم تكتيكا "نطلق عليه اسم آلاف الجراح". وتابع  العقيد الذي يملك خبرة في مناطق صراع أخرى، بما فيها العراق، "إنهم يحاولون استنزاف القوات الأوكرانية." 

وحذر من أن "روسيا تملك القدرة على زيادة وجودها في شرق وجنوب أوكرانيا، وتعبئة ونشر وحدات إضافية من القوات" مشيرا إلى أن "روسيا ليست في عجلة من أمرها" و "قد شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين زيادة في الهجمات الصاروخية الروسية ضد البنية التحتية الأوكرانية"، وكذلك ضد الأهداف المدنية. 


وشدّد على أن هذه الهجمات التي تستهدف البنية التحتية المدنية ليست أهدافًا عسكرية، بل ينبغي اعتبارها "هجمات إرهابية". وفي ما يتعلق بالتكتيكات الأخرى التي تستخدمها القوات الروسية، أشار هرابسكي إلى أن القوات الروسية، قبل أسبوع من المقابلة معه، حاولت شن هجوم "لتركيز كمية كبيرة من المعدات المدرعة –وأعني هنا الدبابات ومركبات نقل المعدات والمركبات المدرعة وما إلى ذلك.  لقد شنوا الهجوم باستخدام عدد محدود من الطرق". 

 

محاولات تقدم روسية

لكن القوات الأوكرانية، كما صرّح لـ"لمجلة"، "اكتشفت المحاولة ودمرت قوافل المدرعات الروسية التي تتقدم الى المواقع الأوكرانية في فوهليدار"، مضيفا أن "القوات الروسية اضطرت إلى تغيير تكتيكاتها، مستخدمة كميات هائلة من المشاة".


وأضاف العقيد السابق "لقد حاولوا الاقتراب قدر الإمكان ثم شن هجمات مفاجئة ضد قوات الدفاع، في محاولة لتحقيق انتشار أكبر لقواتهم – بواقع عشرة إلى واحد، أو شيء من هذا القبيل. لم يحسبوا ولا يحسبون –حتى الآن– خسائرهم (التي تكبدوها حين) دفعوا قوات الدفاع الأوكرانية للتراجع." 

وأكّد الخبير العسكري أن هذا التكتيك "موضع شك" من حيث فعاليته على المدى الطويل.
"نعم، القوات الروسية قادرة على طرد المدافعين الأوكرانيين من المواقع، لكن كلفة هذا الهجوم ستكون مرتفعة للغاية، فروسيا تخسر كل يوم ما يعادل كتيبة واحدة – وأحيانا ربما كتيبتين."

وقدّر هرابسكي الخسائر الروسية، قائلًا: "إننا نتحدث في المجمل عن حوالي 600 إلى 800 شخص يوميا، وفقًا لمصادر أوكرانية رسمية،" منوها إلى أنه ربما ينبغي النظر إلى هذه الأرقام على أنها "لا تشمل فقط القتلى في المعارك، وإنما أيضا الجرحى وأسرى الحرب"، أو أولئك الذين تم إخراجهم فعليا من ساحة المعركة بطريقة أو بأخرى.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن رئيس مديرية الاستخبارات الرئيسية في وزارة الدفاع الأوكرانية، كريلو بودانوف، قد قال في 22 فبراير/شباط إن القوات الروسية تركز على المشاة في باخموت في إقليم دونيتسك، شرق أوكرانيا، بعد قرار تغيير التكتيكات التي كانت تستخدمها في منطقة مجاورة.

وفي تصريح لمحطة "إيه بي سي نيوز" الأميركية، قال جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية يقاتل مع الفيلق الدولي الأوكراني في 20 فبراير/شباط، إن الوضع في باخموت كان "فوضويا" وإنه كان يشهد "الكثير من الضحايا، فمتوسط العمر المتوقع على خط المواجهة حوالي أربع ساعات".

كما نُقل عن رئيس الاستخبارات الأوكرانية، بودانوف، قوله إن القوات الروسية تهاجم الآن باستخدام "موجة تلو الأخرى" من الرجال وعدد قليل من المركبات المدرعة، بعد تدمير مركباتهم "في غضون ساعات قليلة" من شن الهجوم في فوهليدار. وأشار هرابسكي في المقابلة مع "المجلة" إلى أن القوات الروسية، "لسوء حظ الروس"، غير قادرة على "تغيير هذا التكتيك". 


وقال "إنهم يحاولون استخدام الطريقة السوفياتية القديمة في العمليات، وقادتهم وتكوين قواتهم وأنظمة إمداداتهم ليست جاهزة لتغيير هذه الطريقة التشغيلية في شن الحرب".


ورأى، في هذا السياق، إن "القوات الأوكرانية في وضع أفضل"، رغم أنها هي أيضا "تحت ضغط دائم من روسيا"، مضيفا أن "أجهزة الاستخبارات الأوكرانية والمواقع الأوكرانية وزيادة استخدام أنظمة إطلاق القذائف المتعددة – باستخدام قذائف الهاون والمدفعية والدبابات وغيرها من المعدات – أكثر فعالية من قدرة روسيا على صدّها".


"الآن، تحاول القوات الأوكرانية التأثير على تشكيلات المعارك الروسية في كافة المواقع"، بدءا من "مواقعها في الخطوط الأمامية إلى مسافة 80 كيلومترا".  

 

غياب الطيران 


وقال: "نحن على علم بمواقع القوات [الروسية] في المستودعات والمنشآت اللوجستية الأخرى،" و"هذا يعني أن الروس سيواصلون استخدام تكتيك محاولة دفع الأوكرانيين من مواقعهم باستخدام كمية هائلة من المشاة ومشاركة أقل للعربات المدرعة والطيران".

شيلي كيتلسون
مبان متضررة في وسط كييف 


أمّا في ما يتعلق بموضوع الطيران، فقال: "تلقينا معلومات من مصادر مختلفة تفيد بأن الروس ركزوا كمية كبيرة من القوات الجوية في المطارات القريبة من الخطوط الأمامية الأوكرانية، [ما يعني] أن الروس سيكونون قادرين على شن هجمات جوية ضخمة ضد القوات الأوكرانية".


ومع ذلك، فإن هذا ليس "صحيحا"، لأن الروس لم يستخدموا "الطيران بشكل كبير من قبل، وليس لديهم بروتوكول أو تقليد للقيام بذلك" يمكن أن يتضمن تكتيكا كهذا. 

وقدّر أن ثمانين بالمئة من "الآثار" التي أحدثتها القوات الروسية ضد الأراضي الأوكرانية كانت بسبب "المدفعية وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة وقذائف الهاون وربما الدبابات" وأن "خمسة بالمئة فقط تأتي من نيران الأسلحة الصغيرة، في حين أن ما يصل إلى عشرة بالمئة تأتي جزئيًا من الضربات الجوية". 


وبالتالي، قال إن "تأثير الطيران في هذه المعارك محدود، نظرًا إلى زيادة الدفاعات الأوكرانية المضادة للطائرات."


هذا ونقل موقع "كييف اندبندنت" المحلي عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية قولها: "نفّذت القوات الروسية 22 ضربة جوية وثلاث هجمات صاروخية على أوكرانيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.  كما أفادت التقارير أن روسيا شنت أكثر من ثلاثين هجومًا باستخدام أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة،" والتي "استهدفت عدّة مستوطنات في مقاطعات تشيرنيهيف وسومي وخاركيف ولوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا".


أمّا بالنسبة للمستقبل، قال هرابسكي لـ"المجلة": "يعتمد الأمر على أشياء كثيرة. لكن بناء على المعلومات التي لدينا الآن، قد تستمر المعارك في الجزء الشرقي من خط المواجهة، حيث سيواصل الروس محاولة التقدم." 


وأضاف "سيحاولون باستماتة الاستيلاء على باخموت، ومن يدري، ربما تنسحب القوات الأوكرانية من باخموت قريبا. سنرى". في إشارة على ما يبدو إلى أن المنطقة ليست أولوية للقوات الأوكرانية بأي حال، كبعض المناطق أخرى، أو أنها لا تستحق الخسائر المحتملة التي قد تتكبدها أوكرانيا. 

التوقعات حاليًا هي أن تبدأ المعارك الرئيسية في الجنوب -أعني جبهة زابوريجيا، حيث يكون للقوات الأوكرانية هدف واضح للهجوم العسكري. هذا الهدف له اسم: ميليتوبول"


وتابع قائلًا: "بشكل عام، يبدو الوضع على خط المواجهة مستقرًا تمامًا، على الرغم من الاشتباكات المستميتة في الشرق، والتوقعات حاليًا هي أن تبدأ المعارك الرئيسية في الجنوب -أعني جبهة زابوريجيا، حيث يكون للقوات الأوكرانية هدف واضح للهجوم العسكري. هذا الهدف له اسم: ميليتوبول"، وأضاف أن "ميليتوبول تقاطع نقل مهم للغاية"، مشيرًا إلى أن جميع خطوط الإمداد من وإلى شبه جزيرة القرم "تمر عبر ميليتوبول".

وقال هرابسكي، الذي ذكر أنه قضى "جزءا كبيرا" من حياته في القرم، إنه "إذا تمكنت القوات الأوكرانية من تحرير ميليتوبول والتقدم إلى ساحل بحر آزوف، فإن ذلك سيعني أن شبه جزيرة القرم ستتحول إلى "جزيرة" القرم، حيث سيتم فصلها عن البر الرئيسي لروسيا الاتحادية".

 

القرم قد تقرر مصير بوتين


هذا يعني أن " تحرير شبه جزيرة القرم سيكون مسألة وقت فقط، أعني هنا ثلاثة أو أربعة أشهر، فتكوين القوات [الروسية] لا يكفي لصدّ الهجوم الأوكراني بشكل فعّال". كما قال إن "الأمر لا يتعلق فقط بتحرير الأراضي الأوكرانية، فخسارة القرم سيكون لها "أثر سياسي كبير على سمعة الرئيس الروسي [فلاديمير بوتين] ونظامه السياسي". 


وأضاف: "تخيلوا كيف يمكن أن يتغير الوضع في روسيا إذا دخلت القوات الأوكرانية شبه جزيرة القرم،" مؤكّدًا أن "خطوط الاتصال في الجنوب"، بين البر الرئيسي لروسيا وشبه جزيرة القرم، "تقع ضمن خطوط إطلاق النار للقوات الأوكرانية" في جميع الأوقات.

إذا استولت أوكرانيا على شبه جزيرة القرم، فقد تتبعها مناطق أخرى تخضع حاليا للسيطرة الروسية في الجزء الشرقي من البلاد، ولكن قد يتبع ذلك التوسع شمالا.

font change

مقالات ذات صلة