أدولف هتلر مستشارا لألمانيا بعد انتخابات حرة وديمقراطية

أندريه كوجوكارو
أندريه كوجوكارو

أدولف هتلر مستشارا لألمانيا بعد انتخابات حرة وديمقراطية

حين يُذكر أدولف هتلر، غالبا ما يتذكر الناس جرائمه. وسيظل ملعونا إلى أبد الآبدين في الكتاب الأسود للتاريخ، بسبب إرساله اليهود إلى غرف الغاز، وتدميره جزءا كبير من أوروبا وكامل ألمانيا. لا ترتبط الانتخابات عادة باسم هتلر – ولا سيما إن كانت انتخابات ديمقراطية –رغم أنه، ويا للمفارقة، وصل إلى السلطة من خلال عملية ديمقراطية في مثل هذا اليوم من التاريخ، قبل تسعين عاما بالضبط.

حدث ذلك سنة 1932، السنة التي كانت حاسمة بالنسبة إلى ألمانيا، حيث عُقدت ثلاث انتخابات في أقل من اثني عشر شهرا، واحدة للرئاسة في مارس/آذار، واثنتان للبرلمان في يوليو/تمّوز ونوفمبر/تشرين الثاني. قام حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني الذي ينتمي إليه هتلر (والمعروف أيضا باسم الحزب النازي) بحملة للانتخابات المزمع عقدها في الصيف تحت شعار مناهضة الشيوعية، وفاز بنسبة 35 بالمئة من المقاعد في الرايخستاغ (البرلمان الألماني).

كان انتصاره ساحقا، بلا شك، ولكنه لم يكن كافيا ربما لكي يتفرّد بالحكم. تم حلّ البرلمان وأجريت انتخابات جديدة في نوفمبر/تشرين الثاني، حصل النازيون فيها على 32 بالمئة فقط من المقاعد، بينما حصلت الأحزاب الأخرى مجتمعة على 36.8 بالمئة من المقاعد. ومن جديد، مع عدم وجود أغلبية واضحة، كان على جميع الأطراف التوجه نحو تشكيل حكومة ائتلافية. ولكن بالنظر إلى نسبتهم في البرلمان، وحقيقة أن هتلر قد حشد رجال الأعمال والصناعيين والمصرفيين والنبلاء السابقين والضباط من حوله، لم يكن أمام الرئيس المسنّ باول فون هيندنبورغ خيار سوى دعوته ليصبح مستشارا، وهو المنصب الذي قبله بكل سرور وتم تنصيبه فيه في 30 يناير/كانون الثاني 1933.

وظيفة المستشار

سوى أن منصب المستشار لم يكن يعني الحكم المطلق. إنه بلا شك منصب عام سامً ، ولكن تصاحبه قيود وواجبات والتزامات محددة في دستور جمهورية فايمار. نظريا، لم يكن هتلر يختلف عن أي من المستشارين العشرة الذين تناوبوا على كرسي السلطة منذ إنشاء الجمهورية عام 1919، والذين تمكنّ ستة منهم فقط من البقاء في السلطة لأكثر من عام، حتى أنّ المستشار السابق له مباشرة، كورت فون شلايشر، لم يبقَ في منصبه أكثر من ستة وخمسين يوما فقط.

جاء الكساد الكبير ليسحق ما تبقى من عزيمة لدى الشعب الألماني، فتمّ تسريح العمّال على نطاق واسع وارتفعت معدلات البطالة والفقر والجريمة، ممّا دفع الشعب للالتفاف حول هتلر

هتلر يترشح للرئاسة

ثم جاء الكساد الكبير ليسحق ما تبقى من عزيمة لدى الشعب الألماني، فتمّ  تسريح العمّال على نطاق واسع وارتفعت معدلات البطالة والفقر والجريمة، ممّا دفع الشعب للالتفاف حول هتلر والنازيين الذين كانوا يعدون بتصحيح كل الأخطاء التي ارتُكبت في حق الشعب الألماني. في مارس/آذار 1932، قبل الانتخابات البرلمانية التي أوصلت النازيين إلى السلطة، كان هتلر قد رشّح نفسه للرئاسة، ضد الرئيس باول فون هيندنبورغ والزعيم الشيوعي إرنست ثالمان. كان هيندنبورغ يشغل منصب الرئيس منذ عام 1925، وفاز بفترة ولاية أخرى مدتها سبع سنوات بنسبة 53.05 بالمئة من الأصوات، بينما جاء هتلر في المرتبة الثانية بنسبة 36.77 بالمئة، وحلّ ثالمان ثالثًا بنسبة 10.16 بالمئة. لكن بعد بضعة أشهر، وبمجرد أن ثبّت أقدامه في السلطة، أمر الشرطة السرية الألمانية (الجستابو) باعتقال ثالمان، ليقضي أحد عشر عامًا في الحبس الانفرادي، تمّ بعدها إعدامه رميًا بالرصاص بأمر من هتلر عام 1944.

التطور الثاني الذي لعب دورا في تكوين شخصية هتلر الذي عرفناه كان إحراق الرايخستاغ في 27 فبراير/شباط 1933، استغلّ هتلر الحدث للنيل من قائمته الطويلة من الأعداء

"الفيوهرر"

في غضون عام من تعيين هتلر كمستشار، حدث تطوران صبّا في مصلحته وحولاه إلى الدكتاتور الذي عرفه العالم خلال الحرب العالمية الثانية، أولهما وفاة الرئيس هيندنبورغ في 2 أغسطس/آب 1934 عن ستة وثمانين عاما بعد صراع مع سرطان الرئة.

كان هتلر يعلم أن أيام هيندنبورغ معدودة، وقبل ساعات من إعلان وفاته كان قد دفع من أجل اعتماد قانون لدمج الرئاسة مع المستشارية، في منصب يُعطى لقب الفيوهرر (الزعيم). لم يكن بحاجة إلى انتخابات للقيام بذلك، فكلّ ما تطلبه الأمر هو استفتاء وطني نظّمه النازيون في 19 أغسطس/آب من ذلك العام، ليتمّ تمرير مرسوم هتلر بنسبة موافقة بلغت 90 بالمئة في صناديق الاقتراع.

 

حريق الرايخستاغ عام 1933

التطور الثاني الذي لعب دورا في تكوين شخصية هتلر الذي عرفناه كان إحراق الرايخستاغ في 27 فبراير/شباط 1933، والذي حدث بعد أقل من شهر من توليه منصب المستشار، ليكون نعمة في ثوب نقمة، إذ شكّل نقطة تحول في مسيرته المهنية وتاريخ البلاد. تمّ اتّهام شيوعي هولندي بتنفيذ الاعتداء، وألقي القبض عليه وتمت محاكمته محاكمة صورية ليُعدم في عام 1934.

استغلّ هتلر الحدث للنيل من قائمته الطويلة من الأعداء، بدءًا بالشيوعيين واليهود. لا يزال الكثيرون يعتقدون أن حريق الرايخستاغ تمّ على يد النازيين أنفسهم، بأوامر من هتلر، ولكن ذلك لم يثبت بشكل قاطع أبدا.

تمّ حظر الحزب الشيوعي على إثر ذلك، وبحلول منتصف مارس 1933، كان هناك عشرة آلاف شيوعي وراء القضبان، ممّا دفع هتلر إلى إنشاء أول معسكر اعتقال له.


وفي 23 مارس/آذار، جعل هتلر البرلمان يمرّر قانون التمكين، والذي منحه صلاحيات واسعة للإقرار قوانين جديدة بلا تدخل من البرمان، ولا حتى رئيسه. كانت تلك تدابير استثنائية ضربت أسس الحقوق المدنية الفردية، في حين حظرت الحياة السياسية والأحزاب، وكلّ ذلك من أجل غرض محدد هو استئصال الشيوعية من المجتمع الألماني. صوّت 444 نائبًا لصالح قانون التمكين، فيما صوّت أربعة وتسعون نائباً فقط ضده.

وكان من المُفترض أن يُوقف العمل بهذا القانون عام 1938، إلا أنّه ظلّ ساريًا حتى سقوط برلين – وأدولف هتلر – في عام 1945، والذي كان نهاية ألمانيا كما عرفها الجميع.

font change