باخموت صامدة وسط معركة يسودها الضباب والوحل

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
ملصق دعائي قرب لافتة تدعو للافراج عن أسرى آزوفستال في كييف

باخموت صامدة وسط معركة يسودها الضباب والوحل

كييف – تغمر الأشجار الجرداء والسماء الرمادية والتضاريس المغطاة بالوحل الأرض التي يدور القتال من أجلها في شرق أوكرانيا، ما يجعل الحركة فوقها أصعب و يضيف خطرا جديدا الى المعركة بالإضافة لخطورة الحشد العسكري الكبير الموجود هناك.

ومع بداية ذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة، باتت الطرقات التي كانت تُستخدم لإمداد مدينة باخموت الصغيرة التي لا تزال تحت سيطرة القوات الأوكرانية منذ الشهر الأول من مارس/آذار أصعب. إذ لم يتبق سوى ممر ضيق غربي وحيد تحت السيطرة الأوكرانية. وبإمكان القوات الروسية استهداف المركبات التي تمرّ عليه إلى داخل وخارج المدينة.

وعادة ما يجعل الضباب والأمطار الطريق أكثر صعوبة، ولهذا تواصل القوات الروسية تقدمها ببطء وتلقي بعدد كبير من الجنود في ساحة المعركة من دون أدنى اعتبار لنسبة الوفيات التي تكبدتها في هذه الحرب.

ويحذر الخبراء من أن القوات الروسية قد تقوم قريبا بمحاصرة المدينة الصغيرة أو احتلالها، وهي المدينة التي كان تعداد سكانها حوالي 70 ألفا قبل الحرب، مطوقة بذلك عدد من الجنود وبضعة آلاف من المدنيين الذي يعتقد أنهم لم يغادروا المدينة.

ويُنيخ خطر الحصار أو الاحتلال بثقله في أذهان أولئك الذين لا تزال ماثلةً في ذاكرتهم صورُ المقابر الجماعية التي خلفتها القوات الروسية في العديد من البلدات الأوكرانية الأخرى التي احتلتها حتى لفترات قصيرة، مثل بوتشا.

ففي ماريوبول، انتهى حصار المدينة الذي استمر لمدة ثلاثة أشهر في العام الماضي باحتلال روسيا للمدينة بأكملها في مايو/أيار 2022. وتقع مدينة ماريوبول، وهي أكبر بكثير من باخموت، إلى الجنوب من الإقليم الإداري ذاته، وكان عدد سكانها قبل الحرب في حدود 400 ألف نسمة. وما زالت صور الحصار الروسي لمصنع آزوفستال للحديد والصلب في ماريوبول حاضرة في الأذهان، حيث حوصر أكثر من 2000 جندي ومدني في ذلك المكان لعدة أسابيع.

وما تزال هناك لافتة معلقة في وسط كييف تنادي بتحرير المدافعين عن ماريوبول.

ويقلّل بعض المسؤولين من أخطار الحصار، ويذكّرون بأن أوكرانيا تملك ما يكفي من القوات لطرد روسيا من المدينة إذا لزم الأمر، ولكن القرارات المتخذة بشأن باخموت تعتمد على ما إذا كان الهدف الحقيقي هو إلحاق أكبر حجم من الخسائر المحتملة أم المحافظة على المدينة.

شيلي كيتلسون

أثبتت القوات الأوكرانية، طوال فترة الحرب، تفوقها المتكرر على التقييمات السابقة لقدراتها. وكان العديد من صانعي السياسة والمراقبين الغربيين قد توقّعوا نصرا روسيا سريعا في البداية، عندما بدأت موسكو بهجومها في 24 فبراير/شباط 2022 والذي كان تصعيدا هائلا للصراع الجاري منذ عام 2014.

عادة ما يجعل الضباب والأمطار الطريق أكثر صعوبة، ولهذا تواصل القوات الروسية تقدمها ببطء وتلقي بعدد كبير من الجنود في ساحة المعركة من دون أدنى اعتبار لنسبة الوفيات التي تكبدتها في هذه الحرب.

إلا أن القوات الروسية، والتي أجبرت على تجنيد عدد كبير من السجناء من خلال شركة مقاولات عسكرية غامضة، لا تزال، بعد عام من بداية الغزو، بعيدة مئات الكيلومترات عن العاصمة الأوكرانية.
ومع ذلك، يستمر الهجوم الروسي على العديد من المناطق في البلاد متضمنا إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ. حيث أطلقت روسيا حوالي 81 صاروخا على عدة مناطق في أوكرانيا خلال الليلة ما بين 8 و9 مارس/آذار، أسقط الدفاع الجوي الأوكراني أربعة وثلاثين منها وفقا للبيانات الرسمية. .

AFP
مربض مدفعية اوكراني يقصف مواقع روسية قرب باخموت في 11 مارس


دراسة القرارات التكتيكية وتعزيز الخطوط الدفاعية

وقال سيرهي هرابسكي، الخبير العسكري الأوكراني والعقيد المتقاعد المعروف في أوكرانيا بتحليلاته العسكرية، في مقابلة أجراها مع المجلة في أواخر فبراير/شباط في أوكرانيا إن روسيا تستخدم تقنية تسمى "آلاف الجروح الصغيرة"، وقد أدت إلى إنهاك القوات الأوكرانية.
وأشار إلى فعالية هذه التقنية قد تستمرّ على المدى القصير، ولكنها لا يمكن أن تستمر إلى فترة طويلة من الوقت.
وأضاف قائلا إن القوات الأوكرانية قد تنسحب من باخموت قريبا، وذلك بسبب التقديرات بأن المدينة المتضررة بشدة لا تستحق الخسائر التي تكبدتها، و/أو لأنه من الأفضل أن تُنقل القوات المتمركزة على هذا الجزء من خط الجبهة إلى الجنوب، حيث يتوقع أن يتركز الهجوم الربيعي من قبل القوات الأوكرانية.

ومنذ ذلك الوقت بدأ آخرون بترديد هذه التوقعات، فقال الأمين العام لحلف "الناتو"، ينس ستولتنبرغ في 8 مارس/آذار في استوكهولم إنهم يرون أن روسيا ترسل المزيد من القوات والجنود، وأنها تحاول أن تعوض الجودة بالكم.

وأضاف قائلا، إن الروس قد تكبدوا خسائر كبيرة، ولكن لا يمكن استبعاد سقوط باخموت في نهاية المطاف، مشيرا إلى أنه من المهم أيضا التأكيد أن هذا لا يعكس بالضرورة نقطة تحول في هذه الحرب.

وكان قام الجيش الأوكراني في الأسابيع الأخيرة بتعزيز خطوطه الدفاعية غرب المدينة لتكون بمثابة حاجز وقائي. وقد يتم اختيار بلدة تشاسيف يار القريبة الواقعة في أعلى التلة كموقع لمنع التقدم الروسي في حالة سقوط مدينة باخموت.

وواصلت الحكومة الأوكرانية إرسال تعزيزات إلى المدينة الصغيرة المحاصرة منذ بداية مارس/آذار.

مجندو السجون والتصوير بالقرب من الدبابات

بدأت المعركة على باخموت بهذه الصورة أو تلك منذ الصيف الماضي، إلا أن الاقتتال من أجلها لم يحتدم فعليا إلا في الأسابيع الأخيرة فقط. 

وهناك اعتقاد سائد أن القوات الأوكرانية تقاتل بشكل أساسي السجناء الروس الذي أفرجت عنهم الحكومة الروسية شريطة تجنيدهم في الحرب، وهم معروفون بوحشيتهم، وهم يدركون جيدا أنهم مجموعة من العناصر التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة.

ويتقاضى السجناء أجورا أفضل من الجنود الروس، إلا معظمهم لم يتلق تدريبات كافية، وقال البعض ممن أُسِروا من قبل الجنود الأوكرانيين بأنهم خضعوا لأسبوعين فقط من التدريبات الأساسية على كيفية التقدم والزحف وأمور أخرى من هذا القبيل.

وهؤلاء المجندون هم جزء من قوات فاغنر الروسية، وهي مجموعة غامضة من المرتزقة المرتبطة بوضوح بالحكومة الروسية، رغم نفيها المتكرر، والتي عملت لسنوات عديدة في عدة بلدان من ضمنها سوريا ومالي.

كما ذكرت وزارة الدفاع البريطانية عبر توتير في 27 يناير/كانون الثاني 2022، فقد أظهر سجل الدولة الروسية الموحد أن وكالة فاغنر شبه العسكرية قد سجلت رسميا ككيان قانوني، وأعلنت المجموعة بأن نشاطها الأساسي هو تقديم الاستشارات الإدارية بدون أي ذكر للخدمات القتالية.

"لم يتضح بعد إلى أي مدى سيتم استخدام مركز شركة فاغنر العسكرية الخاصة لإدارة نشاطات فاغنر شبه العسكرية، إذ ما تزال الشركات العسكرية الخاصة غير قانونية في روسيا، على الرغم من المناقشات المطولة حول تعديل القوانين. ويستمر السجل في توضيح التطور السريع الملحوظ للملف الشخصي لهذا المجموعة الغامضة. إذ لم يعترف بريغوجين بتأسيس شركة فاغنر حتى سبتمبر/أيلول 2022، وفي أوكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته افتتِح مقر للمجموعة في سان بطرسبرغ."

وشددت الوزارة على أنه "يكاد يكون من المؤكد أن فاغنر تقود الآن ما يصل إلى 50,000 مقاتل في أوكرانيا وأنها غدت عنصرا رئيسيا في حملة أوكرانيا".

بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط من العام الماضي ووسط الخسائر الكبيرة التي تكبدتها روسيا في الأشهر اللاحقة، بدأت مجموعة فاغنر حملة تجنيد ضخمة في السجون الروسية.

قدر مجلس الأمن القومي الأميركي أن حوالي 80٪ من قوات فاغنر تم تجنيدها من هذه السجون، بينما 
العديد من الجنود الآخرين هم جنود محترفون يُعتقد في معظمهم أنهم من قدامى المحاربين في قوات الأمن الروسية.

شيلي كيتلسون

في الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار، تداول الأوكرانيون صور ومقاطع فيديو على الإنترنت تظهر مقاتلي فاغنر وهم يستبدلون العلم الأوكراني بلافتة شركتهم على نصب دبابة T-34 يقع في الجزء الشرقي من باخموت، بدل العلم الوطني لروسيا. ويحيي النصب التذكاري ذكرى تحرير المدينة خلال الحرب العالمية الثانية من القوات النازية.

وقال بريغوجين على وسائل التواصل الاجتماعي إن قواته "استولت على الجزء الشرقي من باخموت".
ويتفق المحللون الغربيون على أن المرجح أن يكون هذا البيان دقيقا، حيث يقع مركز المدينة على الضفة الغربية للنهر الذي يقطع باخموت والذي لا يزال في أيدي الأوكرانيين حتى مطلع مارس/آذار.

خلو المنطقة الصناعية من أكثر سكانها

تقع باخموت في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، وهي معروفة بكونها حوض الفحم الذي اشتق منه اسمه في الأصل. وهي تتألف من منطقتي لوهانسك ودونيتسك، وكلاهما كان جزئيا تحت السيطرة الروسية منذ عام 2014.

بالمقارنة مع عدد السكان المقدر قبل الحرب بحوالي 70.000 شخص، يُعتقد أن بضعة آلاف فقط من الناس بقوا وهم يعانون من الحرمان والمخاطر المستمرة في باخموت.

تقع المدينة في منطقة دونيتسك أوبلاست [المنطقة الإدارية]، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أوكرانيا منذ فترة طويلة على الرغم من فرار العديد منها الآن.

صعوبة الإفراج عن التفاصيل

أرسلت أوكرانيا الآلاف من المقاتلين لمنع – أو على الأقل تأخير – سقوط مدينة باخموت الصناعية الصغيرة ، لكن المسؤولين حريصون على عدم كشف حتى عن التقديرات التقريبية لأعداد القوات والضحايا. وقال أحد هؤلاء المسؤولين لـ "المجلة": "لا يمكننا إعطاء أرقام ولا يمكننا تحديد من هو وأين." كما رفض العديد من المقاتلين الذين عادوا مؤخرا من الجبهة في إجازة قصيرة إلى كييف التعليق على القتال هناك.

ولكن عددا من المنافذ الإعلامية مُنحت إمكانية الذهاب في أوائل مارس /آذار إلى مناطق بالقرب من باخموت مثل تشاسيف يار، في محاولة للاستفادة من وجود مراسليسن دوليين في أقرب مكان ممكن من الخطوط الأمامية، في مواجهة الدعاية الروسية حول استعادة المدينة بأكملها، لرفع الروح المعنوية في جميع أنحاء البلاد وبين المقاتلين.

وفي خطابه الليلي المصور قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 6 مارس/آذار إن مستشاريه وافقوا على المضي قدما وإرسال المزيد من التعزيزات إلى باخموت.

font change