الروائي بينيديكت ويلز: لا أحبّ الشهرة وتخيفني الجوائز

صاحب رواية "نهاية الوحدة"

الكاتب الألماني السويسري بينيدكت ويلز

الروائي بينيديكت ويلز: لا أحبّ الشهرة وتخيفني الجوائز

"أعرف الموت منذ فترة طويلة، لكنه الآن أصبح يعرفني أيضا"، بهذه العبارة يفتتح الكاتب الألماني السويسري بينيدكت ويلز روايته الأشهر "نهاية الوحدة" التي ترجمها إلى العربية أحمد صلاح وصدرت مطلع 2023.

يقول ويلز إنه ليس من النوع الذي يحب أضواء الشهرة، لذلك قرّر أخيرا نيل استراحة من الكتابة ليكمل دراسته الجامعية ويفكر في خطواته المقبلة. ولد في ميونيخ عام 1984 وصدرت روايته الأولى "صيف بيكس الأخير" عام 2008 التي تحولت إلى فيلم سينمائي. أما روايته الخامسة والأخيرة، "أرض صلبة"، فصدرت عام 2021. نالت أعمال ويلز العديد من الجوائز كما تُرجمت إلى لغات عدة.

تناقش رواية "نهاية الوحدة" ثيمة الفقد، واللافت أن جول، بطل الرواية، نشأ في مدرسة داخلية، مثل الكاتب تماما، ومثله أيضا يحب الكتابة، فهل يعتبر العمل شبه سيرة ذاتية له، أو مستوحى من حياته؟ ينفي ويلز ذلك، "فمع أن هناك أمورا متشابهة بيننا، لكننا في الواقع لسنا متشابهين تماما. فأنا لست يتيما مثله، كما أننا مختلفان في نواح كثيرة. وعلى الرغم من أنني، في نهاية المطاف، كتبت في هذه الرواية تجربتي الخاصة مع الخسارة والوحدة، لكنّ القصة لم تحدث لي. كانت بالأحرى طريقة لمشاركة مشاعري العميقة التي لم أستطع التعبير عنها في الحياة الواقعية".

لا أريد أن أكتب شخصيات مثالية، لأنّ البشر متناقضون ولديهم طبقات عدة وجوانب جيدة وعيوب أو أخطاء


لا للشخصيات المثالية

نشعر على امتداد الرواية بأن جول مسكون بالذنب تجاه والده، فهو يتذكر بأسف ما حدث بينهما قبل وفاته، لكنه في الوقت نفسه لا يشعر بأيّ ذنب تجاه ساشا، على الرغم من انه ساعده على الانتحار، ويعتبر ويلز أن هذه الخيارات المتعلقة بالشخصية وتناقضاتها، في هذه الرواية، كما في أيّ رواية أخرى، "تمضي في تطورها الطبيعي، وإن لم أكن بالضرورة معجبا بذلك. لا أريد أن أكتب شخصيات مثالية، لأنّ البشر متناقضون ولديهم طبقات عدة وجوانب جيدة وعيوب أو أخطاء. مع هذا الموقف، أي مساعدة ساشا على الانتحار، أصبح جول غريبا عني، لم أكن معجبا بسلوكه. لكنه في الوقت نفسه أصبح شخصا ثلاثي الأبعاد أكثر من ذي قبل. حين ساعد ساشا على الانتحار صارت لديه شخصيته الخاصة التي فرضها عليّ كمؤلف. أردت ألا تكون النهاية الكاملة لهذا الفصل بالأبيض والأسود مذ طلب ساشا هذه "المساعدة". أردت من القارئ أن يفكر في الأمر بدلا من إعطائه الأجوبة".

 

سبع سنوات

استغرقت كتابة "نهاية الوحدة" سبع سنوات، على الرغم من أن ويلز نشر قبلها ثلاث روايات. فما الذي يمنح هذه الرواية مكانتها الخاصة في مسيرته ككاتب؟ يقول ويلز: "أعتبر أن "نهاية الوحدة" روايتي الأهم. شعرت أن الروايات الثلاث الأولى مجرد تمارين، كنت بحاجة إليها لتعلم كيفية الكتابة. لكن عندما شرعت في كتابة "نهاية الوحدة" أدركت أن هذا لم يكن كافيا. كنت أفشل وأفشل مع كل مسوّدة، وشعرت أنني عاجز عن سرد هذه القصة. ربما كنت صغيرا جدا وغير ناضج بدرجة كافية ولا يزال يتعيّن عليّ تعلم الكثير عن الكتابة. لذلك كنت بحاجة أولا لأن أصبح مؤلفا، وربما حتى شخصا ناضجا يمكنه كتابة هذا الرواية. الروايات السابقة ساعدتني على النمو على مستويات عدة، لكن لم يكن من السهل أيضا التعامل مع مواضيع مثل الفقد والحزن والشعور بالوحدة، ليلة بعد ليلة، لمدة سبع سنوات. شعرت بارتياح شديد عندما نشرت الرواية، لكنني لم أتوقع نجاحها لأنها رواية محزنة إلى حد ما".

كانت الروايات الثلاث الأولى مجرد تمارين، كنت بحاجة إليها لتعلم كيفية الكتابة، لكن عندما شرعت في كتابة "نهاية الوحدة" أدركت أن هذا لم يكن كافيا


مصائر وتحولات

في "نهاية الوحدة" شخصيات أخرى نشهد أزماتها ومصائرها وتحولاتها، من بينها مارتي الذي يكتشف الهدف من حياته وينجح في الوصول إليه، على عكس ليز التي تضلّ طريقها لأكثر من ثلاثين عاما، وهذا ما يحيلنا بصورة مباشرة على الطفولة والدور الذي تؤديه الأحداث والصدمات التي تشهدها في رسم ملامح الشخصية. يقول ويلز إن هذه المصائر والتحولات تشغله وتتجسد في كتاباته حيث "ثمة دوما أسئلة من نوع من الذي تغير وبأي طريقة؟ وما هي الأشياء التي لا تتغير على الإطلاق فينا، والتي تظل كما هي مهما حدث لنا في الحياة. هل لدينا هذا الجوهر غير القابل للتغيير؟ وهل يمكننا استعادة شيء ما على مدى العقود التي فقدناها بسبب صدمة مبكرة عانينا منها؟".

في العودة إلى بطل روايته جول، هودائما ينظر إلى ماضيه بل يعيش في الماضي. نسأل ويلز: هل فكرتك الأساسية في هذه الرواية أن النظر إلى الماضي لن يساعد المرء في الوصول إلى المستقبل بل قد يقتله؟

"في الواقع لا"، يجيب: "لم أرغب في إبداء وجهة نظر نهائية في هذه الرواية. يختلف الأشقاء الثلاثة اختلافا كبيرا في طريقة تعاملهم مع ماضيهم. وقد أردت أن أقدم نماذج عديدة، لكنني لم أقدّم إجابات واضحة".

رعب الجوائز

لفت ويلز الأنظار إليه على المستوى الأوروبي، بعد حصوله على جائزة الآدابالألمانية للشباب وجائزة الاتحاد الأوروبي للآداب وغيرها من الجوائز. وفي حين يعترف الكاتب بأن شعورا رائعا ينتابه لدى تلقيه خبر الفوز بأيّ جائزة، "ولكن في الوقت نفسه الأمر مخيف بالنسبة إليّ. كنت أتمنى أن أكون ممن يستطيعون الاحتفال بهذه اللحظات، لكن في الحقيقة لا أستوعب الأمر بسرعة وأحتاج إلى وقت طويل لفهم ما حدث. لطالما شعرت بأنني خارج المشهد، وبطريقة ما لا أزال عاجزا عن فهم النجاح الكبير الذي حققته "نهاية الوحدة"، حتى إنني لا أصدق أنني أجيب عن أسئلة لحوار صحافي مع مطبوعة عربية. هذا دائما ما يكون سورياليا بعض الشيء، وفي الوقت نفسه لا أنكر أنه رائع".

لطالما شعرت أنني خارج المشهد، وبطريقة ما لا أزال عاجزا عن فهم النجاح الكبير الذي حققته "نهاية الوحدة"


هدم الجدران

إذا كان ويلز يبدي خجلا من الجوائز ويتعامل بخفر مع الشهرة، فإنه يؤمن بأهمية الترجمة ولا ينزعج من أن روايته "نهاية الوحدة" ترجمت في فترة قياسية إلى عدد كبير من اللغات، "ما أحبه حقا في الأدب هو قدرته على هدم الجدران وعبور الحدود. أثناء القراءة، نفهم أننا مختلفون بعضنا عن بعض لكننا متشابهون في الوقت نفسه. نضع أنفسنا مكان الآخرين، نقترب بعضنا من بعض. لذا من المحزن أن يظل الأدب حبيسا خلف جدران لغته الأصلية. نحن بحاجة إلى الترجمة لتحريره. وأنا ممتن للغاية لأن "نهاية الوحدة" حصلت على العديد من الترجمات وآمل أن تنال الرواية إعجاب القراء في العالم العربي".

 

المستقبل

ماذا عن المستقبل؟ وما الخطط التي وضعها ويلز لنفسه؟

يقول: "حاولت اتخاذ قرار حاسم بعد نشر روايتي الأخيرة "أرض صلبة"، ذلك أنني أكتب بصورة متواصلة منذ عشرين عاما. أدركت أيضا أنني لا أحب أن أكون شخصية عامة. لذلك توقفت عن إجراء المقابلات في ألمانيا وبدأت الدراسة الجامعية للمرة الأولى في حياتي. أستمتع حقا باستكشاف أشياء جديدة ولست متأكدا متى سأكتب الرواية التالية. أعتقد أنني سأعود إلى الكتابة الإبداعية يوما ما، لكن في هذه الأثناء أشير إلى اقتباس بقلم فيريس بيلر: "الحياة تمضي بسرعة هائلة. إذا لم تتوقف وتنظر حولك بين حين وآخر، فقد تفوتك".

font change

مقالات ذات صلة